العمارة الإسلامية ، روعة تجسدها المساجد التركية
لاشك ان المتأمل في فن العمارة التركي من خلال المساجد والكنائس والأبنية يلاحظ بوضوح المؤثرات الشرقية فيها والتي تعود الى آلاف السنين, ولا نبالغ القول ان الفن المعماري التركي تغلب عليه السمة الدينية. ولعل التراكيب المعمارية الموجودة في مناطق فان ـ أهلات ـ، إيليشكرت تعرض بوضوح مختلف الأنماط المعمارية التركية عبر عصورها جميعاً, ويمكن اعتبارها كتابا مفتوحاً يحكي تاريخ هذا الفن العريق والذي يشكل معلماً رئيسياً من معالم الحضارة. وقرر للعمارة ان تتضافر فيها عناصر عديدة تعود الى حضارات متنوعة وشعوب مختلفة ممن قطنت الاراضي التركية عبر عصور التاريخ, أو كان لها تفاعل مع الشعب التركي ومن الروائع المعمارية التركية مسجد ملفاتا في كوين ومسجد هاشي بكتاشي الذي يحتوي على أساليب عديدة وأنماط بنائية تشكل جزءاً من الهوية الهندسية التركية, وهناك ايضا مسجد أمير مانوشهر الذي أعيد تشييد منارته بعد عام 1125 كما وتعكس الكنائس الأنماط البيزنطية ويبدو ذلك جليا في كنيسة اكدامار. ولا تخلو المنشآت المعمارية التركية التي تعتمد على الأساليب الاجنبية من الجهود الذاتية التركية حيث كان الاتراك يشيدون الابنية ذات الاسلوب الاجنبي مع اضافات عليها لكي تناسب انماط تفكيرهم وعاداتهم ورغباتهم. ويشكل المعمار التركي بحق احد أصدق النماذج التي تعبر عن الفن المعماري الاسلامي وتعكس بوضوح المدى الذي وصلت اليه العمارة الاسلامية كفن ذات طابع خاص يعتمد على قاعدة رئيسية معنية ولا مانع من ان يبني عليها او يضيف اليها أساليب أخرى يقتبسها من الفنون المعمارية العالمية وتبدو في شكل اضافات أو أشكال معينة أو عناصر تزيينية تشكل تنويعات على البنية الاساسية. ويرى بعض الخبراء ان المعمار الاسلامي والمعمار التركي ما هما الا رديفان حيث تتجلى روعة العمارة الاسلامية في العمارة التركية على أيدي المهندسين الاتراك, وتروي مساجد وقصور تركيا قصصا من تاريخ الدولة العثمانية التي بدأت امارة ثم صارت امبراطورية مع السلطان محمد الفاتح الذي وضع قدما في آسيا وقدما في اوروبا, ويحكي كل حجر في هذه الصروح المعمارية الضخمة قصصا عديدة عن السلاطين العظام التي قطنوها وما كان يجري خلف جدران قصورهم وما كان يدور من احداث في اجنحة الحريم وفي اجنحة القصر الاخرى بين رجالات الدولة أو الامبراطورية التي خضعت لسلطانها العديد من الاقطار وامتد نفوذها ليشمل بلدانا عديدة مترامية الاطراف لترث بذلك الخلافة الاسلامية العربية وتستقدم من كل قطر بسطت سلطانها عليه الحرفيين والمهنيين والعمال المهرة من كل مهنة الى عاصمة الامبراطورية كما انعكست خبرات هؤلاء على مختلف نواحي الحضارة التركية ومن ضمنها فن العمارة الاسلامية. ومن اعلام العمارة الاسلامية التركية المعماري ينجيس بايلان الذي قدم ابداعات عديدة منها مسجد اوتاكوري الذي استغرق تشييده عامين متواليين من عام 1853 حتى العام ,1855 والمتأمل هذا المسجد من مختلف جوانبه ومدخله الرئيسي بالعين الفاحصة وبالحس النقدي الموضوعي يدرك الى اي مدى وصل فن العمارة الاسلامية وكيف شكل معلما حضاريا كبيرا في تركيا والى أى مدى وصلت فيه مهارة التصميم والرؤية المعمارية واللمسات الفنية في المآذن والجدران والتنويعات البارعة على شكل القنطرة وكأننا أمام سيمفونية رائعة يعزفها الحجر الذي يحتضن روح التصميم وتتردد اصداء السمفونية في جنبات المسجد لتعزف ألحاناً عديدة تعتمد على لحن أساسي تنطلق منه وتعود اليه وتبقى مرتبطة به وهو لحن الابداع المعماري الاسلامي الذي تجلى في أروع صوره فيما صممه وشيده المهندسون المعماريون الاتراك. ومن يتجول في مختلف أرجاء المدن التركية ويرى الابنية التي يعود تاريخها الى أزمان سحيقة والى شعوب قطنت تركيا قبل الاسلام يدرك بوضوح كيف استفاد المعمار الاسلامي من الانماط البنائية والاساليب التي اتبعها المصممون الاقدمون وكيف انعكس ذلك على المعمار الاسلامي من دون تقليد أو اقتباس مباشر وانما أخذ أفكاراً معمارية وصهرها في اتون الابداع الاسلامي كي يخرج من جراء ذلك عمل جديد ابتكاري ذو هوية مختلفة عن الاعمال التي استعار منها بعض العناصر تماماً كالعملية الكيميائية التي تتفاعل فيها عناصر عديدة لتكون النتيجة النهائية عناصر أو مواد جديدة مختلفة عن المواد أو العناصر الاولى مع انها انطلقت منها ولكنه سر التركيب وكيمياء الابداع الذي يمزج ويوجد ويبتكر. كما يلاحظ متأل القطع الابداعية في المعمار الاسلامي براعة المصممين والمنفذين ايضا في الأخذ بالاعتبار بالعوامل المناخية والمؤثرات البيئية على القصور والمساجد ومختلف الابنية الاسلامية, وللأسواق ايضا سحرها الخاص فبناؤها ايضا يعكس دقة المعماري وبراعته ومراعاته للأهداف التي سيستعمل البناء من أجلها وما يترتب على ذلك من اضافات أو تعديلات أو تحسينات أو اعتماد عناصر معينة أو طريقة تصميم ذات خصوصية معينة. كما لا ينسى السائح الناقد الذي يتجول في مناطق تركيا ومنها ان يتأمل الكنائس التي حولت الى مساجد وما احتوته من اساليب قد تبدو شديدة التباين للوهلة الأولى, ومن أبرز هذه النماذج كنيسة أيا صوفيا التي حولت الى مسجد بعد ان استقر الامر لبني عثمان وبعد ان حكموا تركيا واسسوا الامبراطورية العثمانية حيث يختصر هذا الصرح المعماري العظيم احقابا تاريخية عديدة وحاسمة من أيام الامبراطورية الرومانية ومن ثم انقسامها الى امبراطوريتين واحدة شرقية والثانية غربية واتخاذ الامبراطورية البيزنطية لاسطنبول عاصمة لتطلق عليها اسم بيزنطة وبعد ذلك قدوم العثمانيين الذين قوضوا اركان البيزنطيين وتحويلهم هذه الكنيسة الى مسجد ونشرهم الاسلام في المناطق التي احتلوها في أوروبا. اضافة الى ما تقدم تعكس العمارة الاسلامية قيما انسانية عديدة تبدو واضحة للعيان من خلال النماذج التي قدمتها حيث تبدو فيها قيم الانسجام والسمو واستخدام المواد بلا مقدار, كما يبدو في الباحات والأروقة الانسياب الملفت في التصميم وعلاقات الاجزاء بالكليات والتناظر بين الاشكال الهندسية المختلفة ويكمل الصورة جمالياً الساحات الخضراء التي تحيط بالابنية والتوسعات التي جرت عليها مع مرور الايام لتلبي الضرورات المستجدة وكذلك الترميم الذي أجري عليها وروعي فيه عدم المساس بالروحية الأصلية للمعمار. وعلى أساس ان المعمار التركي هو معمار ديني بالدرجة الأولى فلا عجب ان تكون أبرز النماذج التي تجسده هي المساجد التي تنتشر في كل أنحاء تركيا ففي ارزمير نجد مسجد هيزار ذات الزخرفة الجميلة ومسجد ساليبكيوجلو ذات الجمالية الخاصة ايضا, اما انقرة عاصمة تركيا فتضم ايضا عددا من المساجد الملفتة للنظر منها مسجد مالتين ذو التصميم الرشيق الذي تزيده جمالا المساحات الخضراء التي تحيط به ومسجد كوكاتيب الذي تنير اضواؤه الزرقاء ليل المدينة, وفي دفريجي هناك مسجد يسمى بنفس اسم المدينة ذات التصميم الغربي والمدخل الذي هو عبارة عن قنطرة كبيرة. أما منطقة نجري فتجد فيها مسجد علاء الدين الانيق الذي بناه الساجقة ويتميز ايضا مسجد مليفانا الذي يبرز فيه اللون الاخضر مما يضفي عليه رونقا آخاذا يجري حوارا مشوقاً مع احجاره الصفراء وقبابه الجميلة. ومن المساجد الشهيرة ايضا هناك مسجد هاسي بايرام في منطقة إيليوس بالقرب من معبد اغسطس, والذي بنى في القرن الخامس عشر, وهناك كذلك مسجد اسلانهان بالقرب من القلعة وبني في القرن الثالث عشر بفن معماري متميز ما زال يروي قصة المعمار التركي على الطبيعة, وايضا مسجد هي إيلفان وبني في القرن الرابع عشر, ومسجد ييني وهو أكبر المساجد العثمانية في انقرة وقام بتصميمه اشهر المصممين ومنهم مينان في القرن السادس عشر, واستخدمت في تشييده الحجارة الرخامية النادرة, وأخيراً هناك مسجد كوكاتيب الذي استغرق تشييده ما بين عام 1967 ـ 1987 بتصميمات عثمانية قديمة مستوحاة من الحياة التركية القديمة, ولكل مسجد تصميمه الخاص الذي يعود من ناحيته الى المدينة التي بني فيها وما مر فيها من احداث وما سكنها من شعوب طبعت المنطقة بطابعها ومضت لتترك بعض البصمات التي تدل عليها.