الثواب والعقاب في تربية الابناء
إن التربية بمفهومها البسيط هي إعداد جيل ناشئ إعدادًا يؤهله لحياة يكون فيها متكاملًا من النواحي الجسمية والعقلية والانفعالية والخلقية والحركية، وبناء شخصيته بناءًا صحيًا سليمًا، حيث تعمل التربية على تكوين السلوك وتوجيهه لبناء الفرد في جميع النواحي ...
ولعل لهذه التربية وسائل مختلفة يستعملها المربون والمؤسسات بهدف إنشاء جيل واع ومؤهل، وفي ظل تعدد هذه الأساليب والطرق فإن أسلوب الثواب والعقاب يعتبر أبرز أشكال التربية، وأفضل نظم توجيه السلوك وأكثرها شيوعًا.
لكن علينا دائمًا أن نعي أن هدف استخدام الثواب والعقاب ما هو إلا لتنمية شخصية الطفل وانسانيته، مما يفرض علينا أن نحاول اكتشاف أقرب الطرق للوصول إلى عقله. فالثواب والعقاب أقرب ما يكون لاستعمال الدواء، فهي تحتاج الى التدقيق في كمية الجرعة التي نمنحها للطفل في هذا المجال أو ذاك.
وتؤكد أغلب النظريات والأبحاث النفسية أهمية الثواب وأفضليته على العقاب، حيث أن الإثابة تعزز وتزيد الرغبة في ممارسة السلوك، وتحفز الطفل على القيام بأعمال مرغوب بها، وتشجع سلوكه الايجابي داخل الأسرة والمجتمع. ويعد الثواب أجدى نفعًا من العقاب في العملية التربوية ذلك ان المدح أقوى اثرًا في النفس من الذم بشكل عام.
والثواب هو المكافأة الاجتماعية للطفل، ومن أشكالها : القبلة، الابتسامة، المعانقة، المديح والاهتمام، وإيماءات الوجه المعبرة عن الرضا والاستحسان، وكلها تعبيرات عاطفية سهلة التنفيذ، والنفس البشرية بطبيعتها تميل إلى هذا النوع من الإثابة، ولكن قد نجد بعض الاباء يبخل على أبناءهم بها لاعتقادهم بوجوب إظهار الطفل للسلوك السليم دون انتظار الإثابة، متناسين أن المكافأة قد تساهم في استمرارية السلوك وتذويته.
وشكل اخر من أشكال الثواب هو المكافأة المادية، سواء كانت بمبلغ من المال أو لعبة أو القيام بأي نشاط اخر، وهنا يجب ان لا نتأخر عن تنفيذ المكافأة تنفيذًا عاجلًا دون تردد أو تأجيل، مع الانتباه والحذر من نقع في مطب اشتراط الطفل للمكافأة كشرط للقيام بسلوك معين، فالإثابة تكون بعد لا قبل العمل .
وننوه هنا أن أسلوب الثواب والعقاب يجب أن يتميز بالمرونة, فعلينا دائمًا أن نحدد الطريقة بناءًا على الغرض والهدف، فمثلًا إذا عودنا الطفل على الثواب مقابل إنهاء مهامه ووظائفه وحفظ دروسه، ربما نحن في ذلك نعوده على ألا يدرس إلا مقابل عوض ومكافأة، رغم أن الدراسة هي واجب يومي على الطفل أن يقوم به دون أن يؤجر عليه، فعلينا أن نتوخى الحذر في كيفية توظيف كل من الثواب والعقاب في تعاملنا مع أبنائنا .
كل ما ذكر عن الثواب لا ينفي دور العقاب في تربية الأبناء،ولكن ولنجاح العقاب وضمان استمرار أثره في نفس الطفل، وعدم انتهاء هذا الأثر بمجرد انتهاء الحالة الانفعالية التي تسبب بها العقاب، ذلك لأنه يعتمد أساسًا على دافع الخوف، فليكون العقاب فعالًا يجب فرض قوانين واضحة من قبل المربي مع توضيح ذلك للطفل، ومتى سيعاني منه وما هي حدوده،ويجب الابتعاد عن العقاب الانتقامي من الطفل لأنه لا يجدي نفعًا، فالعقاب الاصلاحي عقاب لا يجب أن يترك أثرًا في نفس الطفل، بل يجب أن يترك أثرًا في سلوك الطفل حيث يصححه ويقومه، وبمعنى اخر ان لا يكون العقاب للطفل إنما للسلوك الذي قام به.
وعلينا أن نتذكر دائمًا أن الضرب لا يعتبر وسيلة تربوية، فيجب أن يتلاءم العقاب مع سن الطفل، ويتفاوت بين خطأ واخر، وبهذا فعلينا ان نسيطر على أنفسنا وانفعالاتنا قبل اتخاذ أي اجراء ضد أطفالنا، فالعقاب تعددت أشكاله، ويمكن تطبيقه بطرق عديدة، منها الحرمان والعزل، وعقاب المشاعر، وذلك يكون بتعبيرات الوجه والخصام، وهذا أكثر ما يتأثر به الطفل .
ومن طرق تطبيق العقاب نذكر أيضًا اللوم والتوبيخ، والحرمان من التشجيع، وهنا ينبغي على المربي ألا يفرط في استخدام التوبيخ لما لهمن أثر سلبي، وأن يراعي حال الصغار في ذلك، فهم يختلفون من حيث الطباع والأخلاق، فمنهم من يشعر بالخطأ من نظرة قاسية، ومنهم من يرتجف لمجرد التلميح، ومنهم من لا يردعه إلا اللوم والتوبيخ، فعلى المربي أن يلائم الطريقة مع كل منهم . وفي حال اضطر المربي إلى استخدام العقاب البدني عليه الحذر من المبالغة فيه، فقد ارشدت السنة النبوية إلى أن الاكتفاء بإظهار أداة العقاب أحيانًا قد يؤدي الغرض، حيث روي عن ابن عباس رضي الله عنهما : "علقوا السوط حيث يراه أهل البيت، فإنه ادب لهم" .
وقد جاء أيضًا انه لا يجب ان تقل سن المضروب عن عشر سنين، فقد ورد عن نبي الهدى في أمر الصلاة : "واضربوهم عليها وهم أبناء عشر"، فإذا كانت الصلاة وهي عماد الدين لا يجوز الضرب عليها قبل سن العاشرة، فما عداها من الأمور أهون وأيسر، فلا يعاقب عليه الطفل بالضرب قبل العاشرة أيضًا.
وأخيرً ايتميز نجاح هذا الأسلوب في تميزه بالتكامل والوسطية وشمولية النظرة، فلا نطلق للمجتمع طفلًا مثاليًا لا يرى الحقائق ولا واقعيًا لا يبالي بالمشاعر، بل يراعي كونه روح وجسد، وهذا الاسلوب هو الذي وضعه ديننا الإسلامي الحنيف، حيث وضع أصولًا لتطبيق العقاب على الطفل كما حث على المثوبة والتحفيز، والرحمة والتسامح، وأمرنا بالتعليم والتفهيم للخطأ، وأمر بتعريف العقوبة مع الخطأ، ومن ثم اقناع الطفل بالعدول عن سلوكه الخاطئ، وهذه هي القواعد التي وضعها التربويون لاحقًا، وذالك انطلاقًا من كون التربية تقويمًا لأخلاق الفرد وعاداته.