يُعد الاختلاف والخلاف بين البشر ظاهرة طبيعية وفطرية ، اقتضتها حكمة الخالق عز وجل ، وهذا ما يسمى بالاختلاف المحمود ، لكن هذا الاختلاف يمكن ان يخرج عن مساره في بعض الاحيان ويتحول الى خلاف وشقاق وفرقة ، وقد يتطور ليصل الامر في بعض الاحيان الى الصدام والاقتتال ، وهذا ما لم يكن محموداً.
وحتى لا تصل الخلافات الى التنافر والعداوة ، قدم علماء الاجتماع مبادئ وأسُس ، يمكن ان تشكل في مجموعها اسلوباً راقياً لإدارة الخلافات عن طريق الحوار ، وفي الوقت نفسه تشكل هذه المبادئ والأسُس مقومات اساسية ينبغي ان يقوم عليها الحوار الناجح والمثمر ، ولا سيما الحوار السياسي ، باعتباره وسيلة سلمية ومؤثرة ، يمكن ان تضيق رقعة الخلافات وسدها ، ومن بين هذه المبادئ المهمة للحوار السليم :
١- أن على المتحاورين عدم دخول الحوار بمسلمات مُسبقة معادية او مناقضة لمعتقدات الاخرين ، لان متى ما بدأ الحوار بمسلمات مُسبقة ويقينية سيفشل الحوار لا محالة.
٢- أن لا نتعصب لأهدافنا بل ان نسمح لأنفسنا بأن نتنازل عن بعض اهدافنا ، حتى يمكن ان نصل الى تسوية ، كخطوة أولية يمكن في المستقبل ان تحقق اهدافا اكبر واكثر ، وان الهدف الأسمى والأكبر هو الوصول الى اتفاق بين المتحاورين.
حاولت ان اركز على هذين المبدأين لتأثيرهما المباشر على حلحلة الخلافات الداخلية والاقليمية ايضاً.
وهناك شواهد كثيرة عن الحوار الناجح والمثمر ، مثل الحوار الذي دار بين اليمن الشمالية واليمن الجنوبية ونتج عنه توحيد جمهورية اليمن الشعبية في عام ١٩٩٠ ، وكذلك توحيد ألمانيا الشرقية مع ألمانيا الغربية من خلال الحوار الناجح ، وأن كان توحيدهما ناتج عن آثار اقتصادية ،الا ان كلمة الفصل كانت للحوار الذي نتج عنه توقيع معاهدة، سميت بمعاهدة (الأثنين والأربع) في ١٢ سبتمبر من عام ١٩٩٠ في موسكو ، منحت من خلالها الدولة الجديدة استقلالها التام ، والتي تعرف اليوم بجمهورية ألمانيا الاتحادية.
ان الحوار السياسي هو الوسيلة المهمة أن لم تكن الوحيدة ، التي يمكن من خلالها ان نحصل على نظام سياسي مستقر ، تحفظ فيه الحقوق وتصان فيه الحريات.
ويُعد الاعلام دعامة من دعائم انجاح مبادرات الحوار ، باعتباره السلطة الرابعة ،لما تمتلك هذه السلطة من ادوات التأثير على الرأي العام وتعبئته بالمعلومات والافكار التي يمكن ان تساهم في انجاح مثل هكذا مبادرات للحوار الوطني الشامل لحلحلة المشكلات المتراكمة.
منقول