جلست خلف ستار الذكريات اقلب صفحات الماضي فلم أجد شيء أتذكره يحلو لي حتى في طفولتي ، لم أتذكر طعم حلاوتها بسبب الحرمان الذي نعيشه نتيجة فقر الحال لإبائنا وأهلنا من قبل .
كنت أتمنى أن المستقبل يتغير وتذوب هموم الذكريات القديمة المؤلمة . التي أتذكرها بين الحين والآخر . ولن أنسى الآلام التي يعانيها والدي من مرض السرطان ولا قدرة لي أن أشتري دواء لتخفيف أو تسكين آلامه. والأكثر ألم إنه تجد أبوك يتألم وأنت عاجز عن القيام بأي شيء تريحه . حتى عجز الصبر من صبري . وأدبرت الأيام والسنين . ودموعي لم تجف حتى أصبح اليوم نفس الحال لا بل أمر من ذلك . لكن بطريقة لم أحسب حساباتها . بعد ان أعددت نفسي لتحمل المسؤولية كأب في كل الظروف رغم المعاناة لأجعل أبنائي بمستوى الطموح وأعدادهم لخدمة المجتمع والبلد من الجانب العلمي والثقافي والأخلاقي والتربوي والاجتماعي والتمعن في أمور دينهم .
إلا أن الحال تغير بعكس الشيء وأمرَ من ذلك ليكن نصيبي مرة أخرى أحمل أوزار الألم وأوزار معاناة الأولاد بسبب البطالة رغم طرق كل الأبواب لمعظم المسؤولين والدوائر الحكومية لعدم وجود تعيينات . إلا للمقربين وبطرق سرية . ونسمع أحياناً هنا وهناك تعيين في تلك الدائرة أو في ذلك المكان وسرعان ما ينتهي الإعلان . والمقربون فقط شملهم التعيين ، وملاحظة تعيين البعض بكتب وزارية من بغداد كيف !. أو بعقود وعند المراجعة لم نسمع من المسؤول سوى الوعود الواهية .
حتى وصل الحال أحد أبنائي تجاوز 32 عام من عمره وهو يحمل شهادة الدبلوم والآخر 30 عام في جامعة البصرة أول كلية الإدارة قسم اقتصاد وترك الكلية بسبب الوضع المادي والثالث ترك الرابع عام وهو يقول لا أريد الشهادة ماذا جنت الشهادة الدراسية لإخوتي . متى يحصلوا على عمل ، ومتى يكونوا اسرة صالحة بعد الزواج . نقول للعالم والعراقيون ألم تكن هذه انتهاكات لحقوق الإنسان وتصدع المجتمع وتقهرهم .ان أبشع أنواع البطالة وأكثرها حدة في الدولة المتخلفة ، وتعرف بأنها مقدار قوة العمل التي لا تعمل بشكل فعلي في النشاط المنتج ، والذين فرضوا على الدوائر عن طريق الوساطة والمحسوبية والرشوة ، ويمكن أن نرى ضمن إطار البطالة المقنعة ثلاث نماذج مختلفة وهي :
شباب دخلوا مجالات عملهم غير راغبين بها ، بل مجبرين وذلك بسبب ضيق مساحة الاختيار أمامهم ، خصوصاً في ظل سياسة معدلات القبول الجامعي من جهة ، والنظرة الاجتماعية المغالطة لبعض الاختصاصات من جهة ثانية ، ومثال على ذلك المعلمون .
و شباب أجبروا على القيام بأعمال ليست من اختصاصهم لعدم وجود حاجة لاختصاصاتهم ، مثل خريجي التربية وهم يمارسون أعمال مالية أو حسابية .
و شباب دخلوا ميدان أعمال تتوافق مع اختصاصاتهم ، لكنهم لا يقومون بأعمالهم على أكمل وجه والسبب هو الفراغ التربوي الذي يعيش في ظله الشباب ، وهو أخطر الأنواع وأكثرها انتشاراً في القطاعات الإنتاجية العامة في العالم العربي .
فإذا كانت البطالة المقنعة هي السبب الرئيسي في تدني الإنتاجية ، فهي أيضاً تستنزف قسماً كبيراً من الموارد المالية دون أن تنتج حيث تحول العمل ليس كمقابل للأجر المقبوض لكنها وسيلة سهلة له ، مما يساعد بشكل خطير على تراكم الموظفين العاملين والمقنعين لدى الدوائر العامة والحكومية . وتشير الدراسات أن هناك علاقة بين البطالة والجريمة ، فكلما زادت نسبة البطالة ارتفعت نسبة الجريمة ، ومن أهم ما ورد في تلك الدراسات : كل جرائم القتل والاغتصاب والسرقة والسطو سببها البطالة . ومن الجانب الاقتصادي . أي تقدم اقتصادي يعتمد أو ما يعتمد على الإنسان بإعداده علمياً حتى يتحقق دوره في الإسهام في نهضة المجتمع ، وتضعف البطالة من قيمة الفرد كمورد اقتصادي وتعمل على إهداء الطاقات البشرية ومن الجانب النفسي تؤدي حالة البطالة عند الشباب إلى التعرض لكثير من مظاهر عدم التوافق النفسي والاجتماعي ، إضافة إلى أن كثيراً من العاطلين عن العمل يتصفون بحالات من الاضطرابات النفسية والشخصية ، فمثلاً يتسم كثير من العاطلين بعدم السعادة وعدم الرضا والشعور بالعجز وعدم الكفاءة ، مما يؤدي إلى اعتلال في الصحة النفسية لديهم ، كما أنهم يتعرضون للضغوط النفسية أكثر من غيرهم بسبب معاناتهم من الضائقة المالية التي تنتج عن البطالة . وأخيراً أقول البطالة هي أيضا سبب أسباب تأخر الزواج :
قد يحدث تأخر الزواج بالنسبة للإناث وتأخره بالنسبة للذكور ، فالنسبة للإناث يكون خارج عن يد الفتاة التي قد يطول انتظارها لمن يتقدم لخطبتها ، وقد يفوتها قطار الزواج ، وتظل تعاني من خلق وخوف البوار وعدم الاستقرار في المستقبل .
أما بالنسبة للذكور فتكون الأسباب مختلفة ، مثل وجود بعض الظروف الأسرية أو الاقتصادية وقد تسبب مشكلة العنوسة مشكلات فرعية ، مثل: الغيرة وفقدان الثقة في النفس نتيجة زواج الأخت الصغرى قبل الكبرى . والكثير من المعاناة سببها البطالة تساهم في تصدع وتدمير المجتمع وليس الادعاء المساهمة ببناء المجتمع كما يصرح المسؤول .. ! لا يمكن بناء أي مجتمع ما زال هناك الملايين من العاطلين ...... مـــــن المســــــؤول وعلــــى ذمــــة مـــــن ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
منقول