كُنت ولا أزال أرى العقل المرن, الذي يتقبل كل الأفكار دون عصبية, أرقى العقول وأرجحها.
العقل الذي لايضع لأفكاره خطوط حمراء, ممكن أن تؤثر سلباً في قراره.
وأنا على يقين بوجود ناس يحملون عقول مرنة, أنما للأسف لم أحظى بفرصة لقاء أحدهم, وسبب ذلك قطعاً هو النطاق الضيق الذي اعيش فيه, فالناس لاتُختصر ببعض أقاربي وأصدقائي في العمل.
حتى أصبحت كل النقاشات تنتهي بطريق مسدود, إن كان النقاش ديني أو علمي أو سياسي أو أجتماعي, على حدٍ سواء.
فيكون المُحاور متعصب لفكرته, ويدافع عنها بحجج واهية ومصاديق ضعيفة, دفاع المستميت, تاركاً نفسه في بحر الجهل, غارقاً في وهم مايعتقد, لايستطيع التميز بين مايحب ويهوى, وبين الحقيقة المجردة.
لذا أصبح تجريد النفس من المشاعر والميول, والأستعداد لتقبل أي فكرة تطابق العقل, هو طريق الباحث عن الحقيقة.
سنين طويلة وأنا أنظر للزمن بأستغراب وذهول, وطبيعة عملي كمهندس, تجعلني في تماس دائم مع الحسابات الزمنية, وفي كل معادلة يكون الزمن طرف فيها, يشرد ذهني وأنا أتأمل هذه القيمة.
سائلاً نفسي بأستمرار, هل للزمن قيمة حقيقة؟ أم هي مجرد أحساس وشعور؟.
مثلها مثل الكره والحب والفرح والحزن, وهل من الممكن أن يكون الزمن الذي تستغرقه, للوصول من نقطة لأخرى, دقيقة بالنسبة لك, بينما هو ساعة بالنسبة لشخص أخر في مكان مختلف, وقد يكون لاشيء بالنسبة لي.
علمياً ألبرت أنشتاين بنظريته النسبية الخاصة, أعطى الزمن بعد رابع, وأدخله في جميع حساباته, وأطلق مصطلح الزمكان, أي أن الزمان والمكان مرتبطان لاينفصلان, بحيث يمكن لرائد فضاء ان يذهب برحلة, ويترك أخيه الأصغر على الأرض, ثم يعود من رحلته وهو بعمر الثلاثين, ليجد أخيه الأصغر بعمر الأربعين أو الخمسين.
ومن الطريف إن هذه النظرية, التي لم يُلم بجميع مفاصلها, صفوة علماء العالم, أصبحت مصدر ألهام لمعظم مؤسسات الأنتاج السينمائي, في أنتاج أفلام تتحدث عن الألات الزمنية, والسفر عبر الأزمان.
وفي كل مناسبة أستخرج فيها قيمة زمنية ما, أُطيل النظر على القيمة المستخرجة, ولسان حالي يقول, القيمة كاذبة لاوجود لها, والزمن مجرد شعور وهمي, خالي من أي قيمة حقيقية.
ترسخت في عقلي هذه القناعة, بمرور السنين وأنا أبحث عن تفسير منطقي, يقبله عقلي ويؤمن به.
ويحدث ان أستلقي وقت الظهيرة, وأدخل في رؤيا طويلة, قد أحتاج لسرد تفاصيلها أيام, لأتفاجئ أني لم أغفو سوى نصف ساعة! كما ويحدث أن يسرد لك مُسن قصة حياته بتفاصيلها, وقد بلغ من العمر ثمانين عاماً, في ساعتين فقط!
ومابين فلسفة الأحلام, والواقع الزمني وحسابات الأيام, لاتفسير ولامنطق ولاكلام.
حتى مرت على مسامعي هذه الأية الكريمة ( بسم الله الرحمن الرحيم: وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ : صدق الله العظيم ).
بيان صريح للخالق, يُبين فيه إن الزمن مجرد شعور, وماأعظم هذا الكتاب, وماأعظم الخالق, الذي لم يترك شاردة او ورادة إلا بينها.
وبعملية حسابية بسيطة, تجد أن الأنسان الذي بلغ من العمر سبعين عاماً, هو في الحقيقة لم يعيش إلا ساعة ونصف تقريباً.
لأن الزمن الصادق, هو الذي وصفه الخالق, ومالدينا هو مجرد شعور, ممزوج بالسراب والوهم, أصطلحنا على تسميته الزمن.
تلك هي الحقيقة التي أستغرقها, المُسن الثمانيني في سرد قصته بتفاصيلها, لأن العقل حقيقة والزمن وهم, كما وهي الرؤيا الطويلة, التي نحتاج لسرد تفاصيلها أيام, لأن العمل حقيقة والزمن وهم.