كان الجنيد البغدادي يُعد من أشهر عرفاء بغداد وكان معروفاً بالعلم والفضل فسمع ذات يوم حديثاً عن بهلول وأفعاله الغريبة على لسان تلامذته.
فسألهم الجنيد وقال: من بهلول هذا؟ فقال التلاميذ: رجل مجنون، ليس له مكان معروف.
فطلب الجنيد رؤية بهلول، فذهب التلاميذ للبحث عن بهلول فوجدوه وقالوا له: إن شيخنا يطلبك.
فقال البهلول: إن كان لشيخكم معي حاجة فليأتِ هو إليّ.
فلما سمع الجنيد من تلامذته قول بهلول، قال: إن الحق معه
ثم ذهب الجنيد بنفسه مع تلامذته إلى البهلول وبعد السلام والجلوس والمقدمات.
قال البهلول: من أنت؟ فقال الجنيد: أنا جنيد البغدادي وعملي تربية وهداية البشر.
فتبسم البهلول قائلاً: إن كنت كذلك فهل تعرف آداب أكل الطعام فقال الجنيد بكل ثقة: نعم ، وقال: أبدأ بذكر الله، آكل من أمامي، التقم الطعام قليلاً قليلاً، وإلخ...
نهض البهلول من الأرض وقال: كيف تهدي الناس يا شيخ وأنت لا تعرف حتى آداب طعامك بعد؟
فقال التلاميذ: يا شيخ هذا مجنون، لكن الجنيد لا يعتقد بأن البهلول مجنون فأصبح الجنيد ينادي البهلول قائلاً إن لي معك حاجة.
فقال بهلول: إن كنت لا تعلم آداب الطعام فهل تعرف آداب الكلام، قال الجنيد: نعم، وهو أن لا أتكلم إلا بمقدار، ولا أقول قولاً شططا ووو إلخ...
ذهب بهلول واستمر في طريقه، فناداه الجنيد مرة أخرى، فقال البهلول: ظهر لي أنك لا تعلم آداب الطعام ولا آداب الكلام فما تريد مني؟
فقال التلاميذ لأستاذهم الجنيد، يا شيخ هذا الرجل مجنون، فما تنتظر من مجنون أكثر من ذلك؟
انتهرهم الجنيد وقال: إن كان مجنوناً فعلينا أن نستمع لما يقول.
تبع الجنيد البهلول، لكن البهلول حاول الإبتعاد عنه كثيراً فناداه الجنيد: إن لي معك حاجة. فقال البهلول: ما حاجة من لا يعرف آداب طعامه ولا آداب كلامه معي؟
فقال الجنيد: أعلم شيئاً كثيراً. فقال البهلول: أخبرني هل تعرف آداب النوم؟ قال الجنيد: نعم، إن أتممت صلاتي المغرب والعشاء ومن ثم الدعاء، لبست ثوب النوم وووو إلخ.
فقال البهلول: إذاً حتى آداب النوم لا تعرف. فقال الجنيد:
أنا الجنيد البغدادي علّمني ما تعلم لما فيه رضا الله سبحانه وتعالى.
فقال البهلول: أما ما ذكرت من آداب الطعام فكله فرع، وأما الأصل في ذلك: فأن يكون طعامك من حلال، فإن لقمة الحرام لا ينفع معها مئات ما ذكرت من الآداب، وهي التي تسوّد القلب.
وأما آداب الكلام: فإنه لا بد من طهارة قلبك وصفاء نيتك وأن يكون كلامك طلب رضا الله لا من سواه، وأن تجتنب لغو الحديث فإنه يجرّ إليك يوم القيامة الويلات والثبور ولا ينفع معه شيء مما ذكرت من الآداب.
وأما آداب النوم: ما ذكرته فهذا فرع، وأما الأصل فيه فهو أن تفرّغ قلبك من حب الدنيا والحسد والبغض والعداء للمسلمين وأن تلهج بذكر الله تعالى حتى تنام عيناك.
وكان الجنيد العارف العالم جالساً أمام البهلول وكأنه تلميذ، فانحنى الجنيد على يدي البهلول وقبلهما وقال: علّمتني الحق، أرجو أن يجزيك الله عني خيراً يوم الجزاء.
إشراقة
فلنحذر من أن نكون مثل الجنيد ، فنهتم بالفروع و لا نهتم بالأصول.
ملاحظة: يُعدّ بهلول من الموالين المخلصين للإمامين الصادق والكاظم (عليهم السلام)، وقد تظاهر بالجنون خوفا على نفسه ودينه من الظالمين.
المصدر: أسفارٌ في أسرار الوجود، قصص بهلول.