الأمة الإسلامية ليست مجموعة من الدول، تربطها علاقات سياسية واقتصادية وثقافية وطيبة. لا، الأمة الإسلامية شيء آخر، الأمة الإسلامية كيان واحد وجسد واحد وروح واحدة. روى البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى".
تدبَّر قوله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم"، قال: المؤمنين ولم يقل: المصريين، ولا السوريين، ولا الباكستانيين أبدًا، الرابطة التي تجمعنا جميعًا هي رابطة الإسلام والإيمان، وليس محل الميلاد.
فالمرء يختار عقيدته ودينه، ولكنه لا يختار محل ميلاده، فالأفغاني المسلم المستقيم على دينه وقواعد الإسلام، والذي يعيش على بعد آلاف الأميال مني أقرب إلي من الجار في نفس المنزل إذا كان على غير المنهج الصحيح.
أترانا لو ربطنا علاقتنا على كوننا فقط وُلدْنا على أرض واحدة، أيكون هذا رباطًا صحيحًا؟ ألمجرد أنه ولد على أرض مجاورة أصبح أخًا لي تقيًّا كان أو عربيدًا، مؤمنًا كان أو فاسقًا، مسلمًا كان أو غير مسلم؟
المسلمون جسد واحد، جسد يده في السودان ومصر والجزائر والمغرب، ورجله في سوريا ونيجيريا وباكستان والعراق، كبده في السنغال ومالي واليمن وقطر، عينه في الشيشان وكشمير والأردن وإندونيسيا، أذنه في البوسنة وتركيا والكويت والنيجر، قلبه في مكة والمدينة والقدس، جسد واحد "إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
ليس معقولاً أن يكون القلب مريضًا، وتكون العينان مشغولتين برؤية الأفلام والمسلسلات والمسرحيات، وفي لهو كامل عن القلب.
ليس معقولاً أن يكون الكبد متهالكًا، وتكون الأذن مشغولة بسماع النكات والألحان والمباريات والمشاكل التافهة.
ليس معقولاً أن تكون الرِّجْل مقطوعة، وتكون اليدان مشغولتين بعَدِّ الأموال وكنز الذهب والفضة، روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا وشبَّك بين أصابعه".
أعداء الإسلام والمسلمين يريدون أن يرسخوا في أذهاننا حدودًا ليست بين الأراضي فقط، ولكن بين القلوب والعقول أيضًا، سياسة استعمارية مشهورة جدًّا، فرِّق تسُدْ، ولذا فقد أدخلوا في روع المسلمين أن يعتز كل بلد بقوميته، حتى يعتز الجزائري بنفسه، ويعتبر نفسه غريبًا عن المصري، ويعتز الأردني بنفسه ويعتبر نفسه غريبًا عن التركي، وهكذا.
أدخلوا الفرقة في قلوب المسلمين حتى أصبح المسلم في بلد ما إذا ما ساعد مسلمًا في بلد آخر يعتبر ذلك تفضلاً منه ومنةً على الآخرين، وهذا عين الخطأ؛ لأنها والله حقوق وليست أفضالا، كالذي يدفع زكاته للفقير، ثم يمنُّ عليه، فالزكاة حق مكتسب وشرعي للفقير، والله قسم الأرزاق، فجعل الناس بين غني يعطي وفقير يأخذ، كذلك قسم الله الابتلاءات على بلاد المسلمين، هذا بلد ابتُلي باليهودي فعليه أن يقاوم، وهذا بلد ابتُلي بنعمة الأمن والمال والرخاء فعليه أن يساعد لا تفضلاً منه بل واجبًا عليه وامتحانًا له.
وبهذا المفهوم، مفهوم الجسد الواحد، تستطيع أن تفهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الطبراني، "لا يقفن أحد منكم موقفًا يُضرَب فيه رجلٌ ظلمًا، فإنَّ اللعنة تنزل على من حضره، حين لم يدفعوا عنه".
ولذا أقول: نحن في هذا الوقت لا توجد عندنا حجة، نرى ضرب المسلمين في أماكن وبلاد شتى بالرصاص والصواريخ والقنابل على شاشات التلفاز والإنترنت والصحف، نراه حال وقوعه فلا عذر لنا عند الله، والموت يأتي بغتة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونََ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون:9-11].
واعلم أنك لا تنصر إخوانك المستضعفين بدافع المسئولية فقط، إنه والله لأجر عظيم وثوابٌ جزيل، ولا أقول: جنة بل جنان؛ وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة".
د. راغب السرجاني