لقد انحدر الغزل الاموي من الغزل الجاهلي، والفارق هو أن الغزل في القصيدة الجاهلية كان غرضًا من أغراض القصيدة ياتي في ابيات، ثم ينتقل إلى غرض آخر في نفس القصيدة. أما في العصر الأموي فقد اصبح الغزل يختص في قصيدة كاملة، فلا يذكر الشاعر في قصيدته غير الغزل. ويمكن تقسيم الغزل الى نوعين:
· الغزل الماجن (الغزل الحضري)
فهو غزل أباحي. وكثر مثل هذا الغزل في الحضر حيث المدينة والحضارة والثروة. حين اجتمع الناس مع وفرة الثروة فأنتجا اللهو والإسراف. وساعد على ذلك كثرة الرقيق وانتشار ضروب الملاهي والغناء والموسيقى.
ومن أشهر شعراء الغزل الماجن، عمر بن ابي ربيعة والأحوص والوليد بن يزيد. إن عمر بن ابي ربيعة كان يعشق هند (هند غير هند ام معاوية) حيث قال:
كلما قلت متى ميعادنا ضحكت هند وقالت بعد غد
سمات الغزل الحضري
· تعدد الحبيبات: هند، فاطمة، زينب..
· كثرة المغامرات العاطفية.
· المرأة عاشقة راغبة لا معشوقة مستجيبة.
· غلبة الشكل القصصي في القصيدة.
· تصوير مفاتنها دون خجل أو حياء.
· الوصف الحسي للمرأة و لأجواء اللقاء معها.
يقول عمر في واحدة من قصائده:
حينما أبصرنني ينعتنني نحو ذاك المجد يعدو بي الأغر
قالت الكبري: أتعرفن الفتى قالت الوسطى: نعم هذا عمر
قال الصغرى وقد تيمتها قد عرفناه وهل يخفى القمر
ويقول في قصيدة أخرى
خبروها بأني قد تزوجت فظلت تكاتم الغيظ سرا
ثم قالت لأختها ولأخرى جزعًا ليته تزوج عشرا
وأشارت إلى نساء لديها لا ترى دونهن للسر سترا
ما لقلبي كأنه ليس مني وعظامي أخال فيهن فترا
من حديث نمى إلي فظيع خلت في القلب من تلظيه جمرا
· الغزل العفيف (العذري):
كثر مثل هذا الشعر في البدو حيث الخيمة والفقر، فقد اجتمع الفقر والحرمان، وعفت النفس واللسان. ويلقبون شعراء هذا النوع من الغزل بشعراء العشاق حيث كانوا يعيشون في نجد مجاور الحجاز، لذا سميت نجد بارض العشاق، ويمتاز شعرهم بالعفة والعذوبة، وأنه سهل محبب إلى النفس الانسانية.
أشهر شعراء العشاق:
· قيس بن الملوح، يذكر اسمه مع بنت عمه ليلى العامرية، واشتهر بمجنون ليلى.
· جميل، وله شعر في بثينة، ولاجل ذلك سمي ب (جميل بثينة).
· كثير، كان يحب ويعشق عزة، لذلك سمي (كثير عزة).
· عروة في عفراء، له شعر فيها.
· توبة له شعر في ليلى الاخيلية، وهما شاعران.
وهناك شعراء كثيرون في هذا المجال، نكتفي بالكلام عن ثلاثة منهم:
كثير عزة
اسمه كثير بفتح الكاف وكسر الثاء ولفرط قصره سمي بكثير. ولد في عام 23هـ بالحجاز، وكان يرعى الأغنام، ويروى أنه اعتنق مذهب الكيسانية، وقد اختلف في تاريخ وفاته، والأرجح انه توفي سنة 105 هـ
إن المتتبع لاسلوب والفاظ كثير يجدها تتباين بين الوضوح والغرابة والسهولة والتعقيد. يحتوي ديوانه على أكثر الأغراض الشعرية ولكن أبرزها شعره الغزلي العذري والذي ينبع من الطبيعة البدوية الصافية وبعدها عن ترف المدن.
ومن أشعار كثير:
خليلي هذا ربع عزة فاعقلا قلوصيكما ثم ابكيا حيثحلت
وما كنت أدري قبل عزة ما البكا ولا موجعات القلب حتى تولت
وكانت لقطع الحبل بيني وبينها كناذرة نذرا فاوفت وحلت
فقلت لها يا عز كل مصيبة إذا وطنت يومًا لها النفس ذلت
فلا يحسب الواشون أن صبابتي بعزة كانت غمرة فتجلت
فوالله ثم والله لا حل بعدها ولا قبلها من خلة حيثحلت
تمنيتها حتى إذا ما رأيتها رأيت المنايا شرعًا قد أظلت
قيس بن الملوح
قيس بن الملوح، أو قيس بن معاذ (مجنون ليلى)، ويقولون أنه كان مجنون بني عامر أو أنه مجنون بني جعدة.
شعر قيس:
دخل الادب الفارسي والهندي والأردو والآداب الأخرى، حيث ترجم الى لغات عديدة. ولذا حولوا مجنون ليلى الى أسطورة ورمز للحب العرفاني، بينما كان في الواقع حب بشري حقيقي. ومن أشهر من كتب وأبدع في قصة مجنون ليلى جامي ونظامي. وقد تركت قصة مجنون ليلى أثرًا عظيمًا في الأدبين الفارسي والتركي. روي أنه كان إذا اشتد شوقه إلى ليلى يمر على آثار المنازل التي كانت تسكنها فتارة يقبلها وتارة يبكي وينشد هذين البيتين:
أمر على الديار، ديار ليلى اقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا
ويروى أن والد قيس بعد أن قضى نسكه جمع أعمامه وأخواله فلاموه وقالوا: لا خير لك في ليلى ولا لها فيك، فأنشا يقول:
وقد لامني في حب ليلى اقارب أبي وابن عمي وابن خالي وخاليا
أرى أهل ليلى لا يريدون بيعها بشيء ولا أهلي يريدونها ليا
ألا يا حمامات العراق أعنني على شجني وابكين مثل بكائيا
يقولون ليلى بالعراق مريضة فيا ليتني كنت الطبيب المداويا فيا عجبا ممن يلوم على الهوى فتى دنفا أمسى من الصبر عاريا
فان تمنعوا ليلى وتحموا بلادها علي فلن تحموا على القوافيا
وقال ايضا:
ألا قاتل الله الهوى ما أشده وأسرعه للمرء وهو جليد
دعاني الهوى من نحوها فاجبته فأصبح بي يستن حيث يريد
توفي قيس سنة 68 هـ.
جميل بثينة
جميل بن عبد الله بن معمر العذري. ولد بالحجاز سنة 40 هـ (660 ميلادي)، كان يميل إلى حب ابنة عمه واسمها بثينة، لذا عرف بجميل بثينة، فقال فيها الشعر، حيث أن شعره فصيح ورقيق سهل التراكيب وواضح المعاني، ذكره حسان بن ثابت وقال: جميل أشعر أهل الجاهلية والإسلام، والله ما لاحد منهم مثل هجائه ونسيبه. وجميع شعره في الغزل ما عدا مقاطع شعرية قليلة قالها في هجاء زوج بثينة وقومها.
قال في بثينة:
فلو أرسلت يومًا بثينة تبتغي يميني وإن عزت علي يميني
لأعطيتها ما جاء يبغي رسولها وقلت لها بعد اليمين سليني
توفي جميل بثينة سنة 82 هـ.
وخلاصة القول: إن شعر الغزل كان على أوصاف جمة، فمنه الهجران والفراق وألم الرحيل والمشيب، فمن الغزل ما هو تقليدي بدوي يترسم به الاقدمون من وقوف على الأطلال وذكر أماكن البدو، ومنه الجديد المترف حيث تحس فيه عاطفية الشاعر المتوفرة، حيث يصف عواطف نفسه وأهواءها وشجونها، ويصف اللقاء والوداع، إضافة الى وصفه مجالس اللهو والانس والخمر والحبيب.