«فيلم هرقليز» يطرح شكلاً جديداً لأفلام الأساطير



يقدم فيلم هرقليز او هر كليز طرحا جديدا على مستوى الشكل والمضمون في التعاطي مع افلام الاساطير، في تجربة تؤسس لمرحلة جديدة من تاريخ هذه الاعمال والتي ظلت لعقود حبيسة ذات الشكل الفني. من هذا المنطلق والابهار بالجرافيك وتقنياته الجبارة واستخدام أسلوب ثري دي في المعارك أعاد الينا هرقليز بشكل مختلف بمغامرة مشوقة في أعماق التاريخ الأسطوري، حيث الوحوش الضخمة والشرسة لا مثيل لها وأسلحة قديمة وأحداث خرافية وقوى الهيئة وأشرار غير عاديين وقوى سحرية، ومن خلال سيناريو ريان كوندال وايفان سبيليوتوبولوس، اللذين مزجا الفتوحات العسكرية، والاضطرابات القبلية والطموحات الامبريالية، في عالم يحتاج الى القوى الأسطورية، ورغم ان هرقليز غير مقتنع تماماً أنه يملك هذه القوى ليظهرها، فهو رافض تماماً لأسطورته وشهرته، ويريد ان يتخلى عنها، فتكون فرصته الأخيرة ليتخلص من وسواسه ويصبح بطلاً مرة أخرى.
والفيلم مستوحى من الرواية المصورة حروب هرقليز، المغرقة في الواقعية ومنها جعل بريت هرقليز أفضل مما كان بقصة كاملة من هرقليز الايمانية. وهو بذلك مع المؤلف الأصلي للرواية الكاتب البريطاني ستيف مور، كسرا الشكل الكلاسيكي لأفلام الأساطير اليونانية، والتي غالباً ما تتم في اطار غارق في الخيال أو حتى الرسوم المتحركة، فقد أخذوا كل الأساطير الرائعة عن هرقليز ولان بريت كان من المعجبين بشخصية هرقليز كما أعلن سابقا منذ ان كان صبياً، لهذا جاء الى المشروع وهو ممتلئ بالحماس والعاطفة ما جعله يقدم أفكاراً لا تصدق.
ولعل وجود دواين جونسون في البطولة أعطاهم أبعاداً وراحة أكبر في كتابة السيناريو باضافة المرح والكاريزما لشخصية هرقليز، لان دواين جيد في اظهار هذه الجزئية، وجعل هرقليز من لحم ودم وتقديمه الى الحياة بكل ما يحمله من براعة وابداع وقوة لأنه رمز وبطل في عالم. وجونسون ليس فقط له شكل وتكوين الشخصية، المصارعة بل هو أيضا يحلم منذ طفولته ان يقدمها، لذلك كان يتدرب من بزوغ الفجر كل يوم، ومع أنه قدم العديد من أفلام الأكشن الكبيرة من قبل ولكن في هذا الفيلم له بريق خاص حيث القتال والمتعة والعاطفة، فصدقه المشاهد عندما ظهر بملابس الأسد ولعل تدريبه المكثف لمدة ثمانية أشهر، ساعد على نحت جسده بالشكل المطلوب وزيادة قدراته القتالية الموجودة ولكن بالشكل الذي يليق بالعصور القديمة والطريف أنه كان يتناول 8000 سعرة حرارية في اليوم، بسبب التدريب.. وشارك في العمل ايان ماكشين الحاصل على جائزة جولدن جلوب مقدما شخصية أمفياروس صديق هرقليز المقرب ومرشده الروحي، ويقول عنه المخرج ايان ممثل مبدع ورائع، تعامل مع الشخصية بشكل فوق الرائع، وأمفياروس لا يعرف الخوف، ولكنه في الوقت نفسه ليس غبياً، ويوجه هرقليز دائماً لفعل الصواب. أما الممثل الانكليزي روفوس فقام بأداء شخصية أوتوليكوس صديق هرقل الحكيم والقوي، ويبهرك الممثل النروجي أكسيل هيني تيديوس الناجي الوحيد في أرض تراقيا والمخلص لهرقليز وهي شخصية تحمل كماً من المشاعر، والكثير من الغضب، والذي لا يمكن ان يعبر عنه بالكلام، مما يضفي سحراً خاصاً على الشخصية. والنرويجية أنجريد بولسو بيردال قامت بدور المرأة القوية أتلانتا رمزاً للمرأة القوية، ومن أجل الاعداد لدور أتلانتا أمضت أنجريد شهورا عدة في التدريب الشاق مع خبير الرمح والقوس ستيف رلفس، لتعلم طرق القوس والتصويب، وقد جعلتنا نصدق أنها بالفعل قوية وصعبة المراس. أماريس ريتشي المرتزق أيولوس ابن عم هرقل.
ومع هذا الفريق من الممثلين المدربين انتقلنا مع المخرج الى عصور ما قبل الميلاد وزمن الأبطال الأسطورية اليونانية، بطريقة مثيرة وحديثة ببناء مجموعات لأماكن التصوير من الصفر، ولايجاد أماكن ضخمة مربعة الشكل تتناسب مع العمل ومن أجل ذلك سافر صناع الفيلم الى استوديوهات اورغيو في المجر، حيث استخدم الفيلم كل الاستوديوهات السبعة بجانب المساحة الخلفية الشاسعة، فكانت ملحمة وأماكن تصوير لا تنسى، مع خلق مشاهد معارك لا تصدق مع الخيول، والعربات ومئات من المحاربين، وهذا ما برع فيه مدير التصوير دانتي سبينوتي الحاصل على ترشيح للأوسكار مرتين، فأدخل الجمهور بالفعل الى عالم هرقليز، وزاد من الابهار تصميمات جان فنسنت المذهلة التي جلبت وجهة نظر جديدة ورائعة، لقرية بيسي من أرض تراقيا، والتي أصبحت موقع معركة شرسة، فظهر كل شيء كأنه حقيقي وشعر الجمهور بذلك. واستطاعت أيضا مصممة الأزياء جاني تميم ان تعبر بالأزياء عن هذا العصر وتجلبه على قيد الحياة، وكانت تصاميمها السبب في زيادة التركيز على الواقعية وتحمل رائحة خاصة، وشعر الجميع بأنها بالفعل قادمة من هذا العصر، وقد بدأت جاني العمل مع أزياء هرقل وقد قامت بالكثير من الأبحاث وقررت ان تجعله يرتدي رأس أسد وملابس مصنوعة من جلد الأسد، واعطائه شعراً طويلاً. ثم ننتقل الى داخل الأراضي الطازجة، حيث الحروب البدائية والخرافية فصدقناها بسبب براعة منسق الحيل جريج باول ومنسق المعارك آلان بوبلتيون، والذي بدوره أحضر مجموعة ممن يعملون دوبلير، ليؤدوا المشاهد الخطيرة من انكلترا وكندا ونيوزيلندا والمجر وسلوفاكيا وبلغاريا، وكذلك مجموعة من الفرسان المهرة من اسبانيا، على رأسهم ريكاردو كروز الأب، وقد عمل باول وبوبليتون مع فريق العمل قبل بدء التصوير بشهر لضمان خروج شكل المعارك بطريقة واقعية وحقيقية، كما تم تدريب الخيول لأشهر عدة لتعتاد على أجواء المعارك ولا تنفعل أثناء التصوير.
وبهذا العمل استطاع المخرج بريت راتنر اعادة البطل الأسطوري هرقليز بنسخة تناسب القرن الحالي وترفع الأدرينالين في دم الجمهور، مع بطل عالم الملاكمة دواين جونسون بأسطورة في التاريخ ممزوجة بقصة رجل حقيقي يقود فريقا من المحاربين لانقاذ البشرية، فهرقليز الذي وُلد مع قوة الاله لانه ابن كبير الآلهة زيوس، ولكنه يعاني كما البشر وفي الوقت نفسه يحمل قوة لا يمكن ان يحملها بشر، يشتهر بمغامراته وقوته التي لا مثيل لها ومنها الـ 12 مغامرة التي خاضها، والتي كانت أكثر أشهر وأخطر المهام في تاريخ اليونان القديم، ولكن بسبب حادث ومأساة في ماضيه تم كسره ليصير انساناً مهزوماً، تحول هرقل الى مرتزق متجول يقدم خدماته مقابل الذهب ويكتفي البعض بسمعته لتخويف أعدائه، وابتعد عن أسطورته ومعه خمسة من أتباعه المخلصين، ولكن بعد ان يطلب منه حاكم تراقيا وابنته المساعدة، يقود حملة لانهاء الحرب الأهلية الدامية في أرض تراقيا، ويعيد الملك الشرعي للعرش، ليجد نفسه مدفوعاً ليتخطي الحدود التي كان يتخيلها بشكل لا يصدق، مختبراً قوة هرقليز الأسطورية، مع عالم متعطش للعدالة، ليجد نفسه يعود البطل الأسطوري الذي يريده الجميع.
الفيلم يذهب الى الاسطورة ولكن ضمن معطيات تحتفي بالتاريخ والاسطورة ولكن تعيد تقديمها باطر فنية وأنماط ابداعية متجددة ومدهشة تضيف الكثير من الخيال والمتعة البصرية للفيلم .