Gods of Egypt.. هوليوود وجولة جديدة مع الميثولوجيا الفرعونية

من بين كل أساطير الشعوب، لم تفز الأساطير الفرعونية للأسف بمساحة اهتمام كبيرة في هوليوود، خصوصا بالمقارنة مع نظيرتها (الأساطير اليونانية). جزء من هذا يعود بالطبع لما نالته الأخيرة من اهتمام وشهرة قبل ظهور السينما نفسها. نقطة منطقية جدا على اعتبارها جزءا من التراث الأوروبي الغربي.
القصتان الأكثر حظا في التراث المصري القديم مع هوليوود، لهما جوانب أخرى غير أسطورية أو فرعونية بالكامل. الأولى كليوباترا التي قدمتها هوليوود عدة مرات، كان أشهرها نسخة 1963 للمخرج جوزيف مانكيفيتس، مع النجمة إليزابيث تايلور في الدور الرئيسي.
في القصة جانب يلمس التراث والتاريخ الروماني، ويتمثل في مارك أنطونيو عشيق كليوباترا وغريمه يوليوس قيصر. هوليوود تُحضر منذ سنوات لفيلم ضخم آخر عن القصة، مع النجمة أنجلينا جولي. مجموعة من أشهر المخرجين اندمجوا سابقا مع المشروع، لكن حتى الآن لم ينتقل لإطار التنفيذ للأسف.


كليوباترا - 1963

الثانية قصة موسى وفرعون، وهى قصة ثابتة بنفس الشكل تقريبا في الأديان الإبراهيمية (اليهودية - المسيحية - الإسلام). البداية كانت في فيلم صامت شهير عام 1923 للمخرج سيسيل دي ميل بعنوان الوصايا العشرة The Ten Commandments. والطريف أنه أعاد صياغتها بنفسه في فيلم ملحمي آخر بنفس الاسم، غير صناعة السينما للأبد عام 1956، مع شارلتون هستون ويول براينر، في أدوار موسى وفرعون على الترتيب.
نهلت هوليوود من هذه القصة بالأخص بسبب ثقلها الديني. على سبيل المثال لا الحصر تناولتها شركة دريم ووركس في الفيلم الكارتوني أمير مصر The Prince of Egypt 1998 وأعاد المخرج ريدلي سكوت تقديمها في فيلم ضخم الإنتاج لم يحقق النجاح المرجو عام 2014 بعنوان الخروج: آلهة وملوكExodus: Gods and Kings مع كريستان بيل وجول ايدجرتون.

باقي المحاولات الشهيرة لا تختص بتقديم أساطير فرعونية بنفس شكلها القصصي، بقدر ما توظف عناصر محددة من التراث الفرعوني. على سبيل المثال سلسلة المومياء أو The Mummy الشهيرة تقتبس فقط قشورا، وتوظف فكرة المومياء الشريرة، التي تستيقظ لتصبح مجرد كيان عدو لبطل غربي.


Exodus: Gods and Kings
البداية كانت في The Mummy 1932 الذي أطلق سلسلة كاملة استمرت حتى الأربعينات. النسخة الأكثر شهرة وسط الجيل الحالي كانت للمخرج ستيفن سومرز، في أحد مفاجآت صيف 1999 في شباك التذاكر.
نجاح الفيلم ساهم في إصدار جزئين آخرين (2001 - 2008)، وإن كانت نسخة 2008 تتعلق بمومياء صينية. إضافة إلى سلسلة تخص أحد شخصيات الجزء الثاني، بعنوان الملك العقرب The Scorpion King بدأت عام 2002 في السينما، واستمرت في نسخ أرخص إنتاجيا يتم إصدارها لسوق العرض المنزلي مباشرة (2008 - 2012 - 2015).
The Mummy أيضا قيد الإعداد حاليا في سلسلة جديدة، ضمن مشروع ضخم لشركة يونيفرسال، يتضمن عشرات الوحوش والمسوخ الأخرى. مشروع أقرب ما يكون لعالم مارفل السينمائي المترابط الذي يضم عشرات الشخصيات.


The Mummy 1999
في عمل فنتازي آخر بعنوان Stargate 1994 للمخرج رولاند إيميريش تم مزج التراث الفرعوني، مع فكرة الكائنات الفضائية. وبفضل نجاحه انتقل سريعا للتليفزيون في مسلسل بنفس الاسم استمر عرضه من (1997 - 2007).
من جديد تُحضر هوليوود حاليا لثلاثية فيلمية جديدة بنفس الاسم، مع مخرجه الأصلي صاحب السجل المميز في أفلام الكوارث.

السنوات القادمة إذًا ستشهد عددا لا بأس به من المعالجات التي تلمس أساطير وتراثا فرعونيا، لكن حتى الآن يوجد عمل واحد مقتبس من أساطير فرعونية بشكل مباشر، وهو آلهة مصر Gods of Egypt. الفيلم المُتنظر عرضه في أواخر فبراير 2016 ومحور المقال الرئيسي الذي أجلت كتابته عدة مرات، حتى ظهر الإعلان أخيرا.
الفيلم مقتبس من عدة أساطير وشخصيات فرعونية. إيزيس وأزوريس.. حورس.. رع.. والشر والصحراء.. حتحور إلهة الحب والأمومة والخصوبة.. تحوت إله الحكمة.. وغيرها من الشخصيات. لكن من الواضح من الإعلان أنه سيتضمن شخصيات جديدة.
إيزيس وأزوريس تُعتبر من وجهة نظر عشرات المؤرخين أقدم قصة معروفة عن الشرير الذي قتل الملك واغتصب عرشه، وحاول جاهدا قتل أو نفي ابنه ووريثه الشرعي، إلى أن يعود الابن لانتزاع مُلكه المفقود. نموذج قديم جدا للخير ضد الشر، في أوضح صراعاتهم.
القصة بنفس بنائها الرئيسي، تكررت عشرات المرات في تراث الثقافات والشعوب الأخرى. وإلى الآن لا تزال قابلة لإعادة التداول. ستجدها في هاملت شكسبير مثلا. ستجدها أيضا في فيلم ديزني الأسد الملك The Lion King 1994.

النجم الأشهر في الفيلم هو جيرارد باتلر، ويقدم دور ست إله الشر. باتلر مشهور بضخامة البنيان والصوت الجهوري. الفيلم ثاني محطاته الضخمة مع المغامرات التاريخية، بعد أن قدم عام 2006 دور الملك ليونداس في فيلم 300 الشهير عن مقاومة اسبرطة لغزو الفُرس.
لسبب ما قررت الشركة حجب أي ظهور للنجم جيفري راش في أول إعلان وأول مجموعة بوسترات. من المرجح مع هذا الإجراء أنه سيظهر بشكل مختلف نسبيا، تأمل الشركة أن تحقق به اهتماما دعائيا لاحقا في الجولة الثانية. يُقدم في الفيلم دور الإله رع. جمهور أفلام المغامرات يعرفه جيدا بفضل دور القرصان باربوسا. العدو اللدود للقرصان جاك سبيرو (جوني ديب) في سلسلة قراصنة الكاريبي.

نيكولاج كوستير والدو يقدم دور حورس. وجه غير معروف في السينما، لكن جمهور المسلسلات يعرفه جيدا بفضل دوره في لعبة العروش Game of Thrones.


بصفة عامة لا أرى الإعلان مشوقا للدرجة للأسف. مستوى الخدع البصرية والديكورات وخلافه، أقل نسبيا من المُنتظر من فيلم فئة الـ 150 مليون دولار. الإيقاع خفيف ومن الواضح أن هدف صُناع الفيلم، هو تقديم فيلم مغامرات فنتازي على غرار نسخة 2010 من Clash of the Titans. عمل غير مميز مقتبس من أساطير إغريقية تم نسيانه سريعا.
النقطة التي تدعو للتشاؤم أكثر هى ثنائي السيناريو (مات سازاما - بيرك شربليس). ثنائي متواضع يتضمن تاريخه عملين من أضعف أفلام المغامرات ذات الطابع الاسطوري مؤخرا (Dracula Untold - The Last Witch Hunter).

أعيد هنا مقطع من ريفيو آخر أفلامهم: من الغريب أن ينال نفس طاقم السيناريو الفرصة من جديد في فيلم أغلى إنتاجيا. الحوارات كالعادة سطحية ومملة. الشخصيات غير جذابة. الأحداث غير مترابطة.
في المقابل الفيلم من إخراج أليكس بروياس. مخرج جيد جدا بقائمة أعمال لا تتضمن فيلما سيئا واحدا. أشهر أفلامه:


هل سيكسر سجله أخيرا بفيلم سيئ أو متوسط، أم سيفاجئنا بفيلم أفضل بكثير مما يوحي به الإعلان؟.. الحكم النهائي متروك للمشاهدة. بروياس بالمناسبة من مواليد إسكندرية، لأب أسترالي وأم يونانية. عاش منذ الثالثة من عمره في استراليا، ولديه هوس خاص بعالم الأساطير. مستواه البصري متميز ومختلف عادة عن السائد.
من الجدير بالذكر أن الفيلم تم تصوير أغلبه في أستراليا. رجاءً لا تسأل لماذا لم يتم تصوير أى جزء في مصر. أطنان من التصاريح مطلوبة لتصوير لقطة واحدة هنا. لدينا سمعة سيئة جدا في هذه الجزئية منذ عقود. راجع مثلا تصريحات طاقم فيلم جيمس بوند الوحيد الذي تم تصوير جزء كبير منه هنا.

أغلب الأفلام التي احتاجت قديما إلى أجواء مصرية، تم تصويرها في المغرب أو تونس!.. حاليا في عصر الجرافيك وإضافة الخلفيات بسهولة، لم يعد ذلك ضروريا في أغلب الحالات.

من الكواليس - Gods of Egypt
موعد العرض يمثل فرصة بمعايير شباك التذاكر. فبراير شهر غير مُتخم بأفلام المغامرات الضخمة، مقارنة بالصيف وأواخر العام. في 2015 استفاد جدا فيلم كينجزمان من هذه الميزة.

النقطة السلبية نسبيا في الموعد، أن فيلم جيرارد باتلر الآخر سقطت لندن London Has Fallen مُقرر عرضه أوائل مارس. والمؤكد أن جاذبيته قد تكون أقوى نسبيا بالنظر لنجاح الجزء الأول Olympus Has Fallen 2013.
الطريف أن ظهور البوسترات والإعلان تسبب في موجة هجوم شرسة جدا على الإنترنت ضد صناع الفيلم، واتهامهم علنا بالعنصرية، لسبب أرفضه تماما، وهو اختيار أبطال (غير سود البشرة) للأدوار الرئيسية!

ريدلي سكوت تعرض سابقا لهجوم مماثل وقت صناعة فيلم Exodus: Gods and Kings. من الواضح أن غالبية المجتمعات الغربية، تتركز معلوماتها بخصوص المصريين على كونهم بملامح ولون مماثلين لملامح ولون مجتمعات وسط وجنوب أفريقيا.
النقطة الأكثر غرابة عامة هى معاملة فيلم مغامرات فنتازي اسطوري، بنفس معايير السينما التسجيلية وكتب التاريخ!.. شخصيا لا أعرف مثلا لماذا غير مقبول وجود ممثلين بيض البشرة في الأدوار الرئيسية، في الوقت الذي لا يمانع فيه أحد من عشاق الدقة المزعومة، حوار بالإنجليزية في فيلم تدور أحداثه في مصر الفرعونية!
على كل لا أجد في ذلك سوى جزء من موجة (ابتزاز اعلامي)سخيفة ومستمرة، تتظاهر أن هدفها إتاحة فرص عادلة للممثلين السود وكافة العرقيات، بينما هدفها الحقيقي ابتزاز من لا يفعل ذلك طوال الوقت، واتهامه بالعنصرية دون مبرر. باختصار هذه الحملات هى العنصرية بعينها. كل ما هنالك أنها عنصرية لمصلحة العرق الأسود. سنعود عامة لمناقشة هذه السخافة تفصيليا لاحقا. هذا وعد.

نجاح الفيلم تجاريا أيا كان مستواه النهائي، يضمن نسبيا درجة أكبر من الاهتمام لاحقا بالأساطير الفرعونية في هوليوود، وهى نقطة جيدة. كل مرة يتردد فيها مصطلح (مصر الفرعونية) أيا كان السبب، لها تأثير إيجابي مُحتمل على الأنشطة السياحية وخلافه. مجرد ترديد أسماء آلهة فرعونية أو البحث بأسمائها في الإنترنت، مكسب.
على صعيد آخر أثق تماما أن وقت عرض الفيلم، سيشهد سلسلة مقالات ومزايدات لا تنتهي في مصر. سيتجاوز كثيرون كالعادة حقيقة كونه مجرد فيلم مغامرات فنتازي هوليوودي آخر، عن الصراع التقليدي بين الخير والشر، وسيوضع على قائمة تشريح تطالبه بتقديم صورة إيجابية عن كل ما هو مصري!

من الكواليس - Gods of Egypt
لدى ذكريات كئيبة مماثلة وقت عرض The Mummy 1999 مع الصحافة المصرية. ومن الجدير بالذكر أن الرقابة العزيزة منعت عرضه وقتها!.. يوجد دائما موظف (مثقف) يمثل وزارة (الثقافة)، يرى أن أفلام المغامرات والفنتازيا التي تقدم مومياء شريرة من مصر، أو تفصيلة تاريخية لا تروقنا، تستحق المنع فورا حرصا على الهوية المصرية!
وبالطبع حتى في أواخر التسعينات (قبل انتشار الإنترنت)، كان المومياء الممنوع متواجدا في كل نوادي الفيديو!
بقى أن أذكر أن بعض الأساطير الفرعونية، تعرفها الآن للأسف في صورتها الأجنبية غير الأصلية. قصة سندريلا الشهيرة مثلا فرعونية الأصل، لكن ضاع الأصل وبقيت النسخة الأجدد.