الحياة والنظم الاقتصادية فى مصر الفرعونية

أولاً: الزراعة
وهب الله لمصر النيل، وكان ذلك هو العامل الرئيسى لتكون مصر بلداً زراعياً منذ أقدم العصور، وكانت الزراعة أساس رخاء البلاد وثروتها. اهتم المصريون القدماء بمراقبة نهر النيل وارتفاع مياهه عن طريق المقاييس، لأن فى ذلك ما يبشر بمحصول طيب. اهتم المصريون القدماء أيضاً بحسن استغلال مياه النيل، فحفروا الترع والقنوات، وأقاموا السدود لحجز المياه وادخارها لوقت الحاجة.
الفصول الزراعية
قسم المصرى القديم السنة الزراعية إلى ثلاثة فصول زراعية هى:

  • فصل الغمر: هو الفصل الذى فيه تغمر مياه الفيضان الأرض الزراعية، ويمتد من منتصف شهر يونيو إلى منتصف شهر أكتوبر.
  • فصل البذر: هو الفصل الذى يقوم فيه الفلاحون ببذر الحبوب، ويمتد من منتصف شهر أكتوبر إلى منتصف شهر فبراير.
  • فصل الحصاد: من منتصف شهر فبراير إلى منتصف شهر يونيو.

وكانت الأرض تزرع مرة واحدة فى العام.
أشهر المحاصيل فى مصر الفرعونية
زرع المصريون القدماء القمح والشعير لصناعة الخبز، الكتان لصناعة النسيج، ومن البقول: الفول والعدس والحمص والترمس، ومن الخضراوات: البصل والخس، كما زرعوا السمسم لاستخراج الزيت، ومن أشجار الفواكه: العنب والرمان والنبق والبلح والدوم والتين والجميز.

خادمة تسحق الحبوب للحصول على الدقيق.


تخمير العجين وصناعة الخبز - هذه النماذج لخدم وقد انشغلوا فى النشاطات اليومية، كانت توضع فى مقابر الفراعنة لتضمن للميت حياة جيدة فى العالم الآخر. وقد صُنعت هذه المجموعة من الخشب المطلى والكتان والصلصال، وترجع إلى بداية الأسرة الـ 12 (1980-1801 ق.م).
الأدوات الزراعية
استخدم المصريون القدماء أدوات مثل: الفأس والمحراث والمنجل والمذراة فى العمليات الزراعية، أيضاً استخدموا الشادوف لتوصيل المياه إلى الأرض المرتفعة.
العمليات الزراعية

كانت عمليات الحرث وبذر الحبوب تبدأ فى شهر أكتوبر، بعدما يكون فيضان النيل قد انحسر. وفى هذه اللوحة الحائطية نرى رجلاً يسوق محراثاً يجره زوج من الثيران، ومن خلفه زوجته تتبعه وهى تبذر البذور. وفى القسم الأسفل من الصورة نرى نهر النيل وقد اصطف على شاطئه نخيل البلح.
فى شهر سبتمبر يبدأ انحسار المياه عن الأرض، فيقوم الفلاحون بعزقها ثم حرثها، ثم يبذرون الحبوب، ثم يسوقون الأغنام فى الحقل، حتى تغرس بأقدامها الحبوب فى ثنايا الأرض. يظل الفلاحون يعتنون بزرعهم حتى إذا تم نضجه، يقومون بحصاده، ثم يحملون المحصول على ظهور الحمير إلى الأجران. وفى الأجران يسوقون الثيران فوق المحصول، ثم تبدأ عملية التذرية لفصل القشور عن الحبوب، وهم فى أثناء ذلك ينشدون الأناشيد العذبة ويرتلون الأغانى الجميلة. فى النهاية يتم تخزين الحبوب فى صوامع من الطين تشبه صوامع الفلاحين الحالية. والحقيقة أن الفلاح المصرى كان نشيطاً فى الزراعة ومحباً لها، لأنه يعتمد عليها فى الحياة.



نموذج خشبى لمخزن قمح عُثر عليه فى أحد المقابر المصرية القديمة. كانت الحبوب تضاف إلى المخزن من خلال الفتحات الموجودة فى السقف، وتفرغ عند الاحتياج إليها من خلال الفتحات المنزلقة فى حائط المخزن.
تربية الحيوانات والطيور
اهتم المصرى القديم بتربية الطيور، مثل البط والحمام والإوز، كما اهتم بتربية الحيوانات مثل الأبقار والأغنام والحمير، حيث كان يستخدمها فى العمليات الزراعية، كما كان يستفيد من لحومها وجلودها وشعرها.

زودت البيئة الخصبة للنيل المصريين القدماء بغذاء متنوع. وفى هذه اللوحة الحائطية، تُجمع عناقيد العنب وتُداس لاستخلاص عصير العنب، كما نرى عملية اصطياد الطيور ونتف ريشها، وأيضاً تظهر مجموعات من السمك والطيور بعد أن تم اصطيادها وأثناء نقلها.
ملكية الأرض الزراعية
كانت جميع الأراضى الزراعية فى مصر القديمة ملكاً للملك، وعلى الفلاحين أن يقوموا بزراعتها، وعند الحصاد يأخذون منها أرزاقهم. وكان فرعون يعطى للجنود المخلصين والموظفين الممتازين أراض زراعية تكون ملكاً لهم ولورثتهم، ومن هنا لم تنعدم الملكية الخاصة للأراضى الزراعية فى مصر الفرعونية.
ثانياً: الصناعة
تتقدم الصناعة وتزدهر على ما تقدمه البيئة من مواد زراعية أو مناجم أو محاجر، ولقد وهب الله لمصرنا العزيزة هذه الطبيعة التى تساعد على قيام الصناعة، واستغل المصرى القديم المواد التى قدمتها له البيئة، واستطاع أن يصنع الكثير، وقد ترك لنا ما يدل على نشاطه الصناعى فى
المقابر والمعابد والأهرامات ما يشهد بالعظمة والرقى والدقة والجمال.
أهم الصناعات فى مصر الفرعونية

الصناعات القائمة على الأحجار
الصناعات الحجرية أقدم الصناعات المصرية، وأول الصناعات التى قام بها الإنسان المصرى القديم، فمن الحجر صنع الأوانى والجرار والأسلحة والتوابيت، كما استخدم المرمر فى صناعة التحف.

الصناعات الفخارية والخزفية والزجاجية
برع المصرى القديم فى صناعة الأوانى الفخارية منذ أقدم العصور، فقد استعمل الصلصال الجيد، ثم يُحرق بالنار، ثم يُزخرف بالرسوم والنقوش والصور الجميلة. أيضاً استخدم المصرى القديم القيشانى فى عمل لوحات جميلة، وعقود، وتكسية الجدران والأبواب. والمصريون القدماء أول شعوب الأرض فى صناعة الزجاج من الرمال.

الصناعات الجلدية
عرف المصرى القديم أهمية الجلود، فقام بدبغها وصبغها، ثم صنع منها النعال والسيور الجلدية وأغطية الكراسى، وعلب المرايا، كما استخدم جلد الماعز فى نقل الماء وحفظ السوائل، كما كانت الجلود البيضاء تستخدم فى الكتابة إلى جانب البردى.

الصناعات المعدنية

حلى فرعونى من القرن الـ 20 أو الـ 19 ق.م، عبارة عن زنار وسوار بهما خرز مصنوع من الذهب والأحجار الملونة كالفيروز.
استطاع المصرى القديم أن يصنع أدواته، مثل الأسلحة وأدوات الزينة من النحاس، كما استخدم البرونز فى صناعة التماثيل الصغيرة، أيضاً صنع المصرى القديم الحلى من الذهب والفضة والأحجار الكريمة. وجميع هذه الصناعات تؤكد ما توفر للصناع المصريين من ذوق فنى، وبراعة فائقة، ومن أجمل تلك الصناعات تلك التى وجدت فى
مقبرة "توت عنخ آمنون" التى مازالت تدهش العالم حتى اليوم.

الصناعات الخشبية

طقم أدوات نجارة عُثر عليه فى "طيبة".
استورد المصريون القدماء خشب الأرز من "
فينيقيا" (لبنان)، ومنه صنعوا السفن والتوابيت والأسرة والمقاعد، واستوردوا خشب الأبنوس من بلاد النوبة وبلاد "بونت" (الصومال)، ومنه صنعوا أثاث القصور الملكية وبيوت الأمراء. وقد اضطر المصريون القدماء إلى استيراد الأخشاب الجيدة، لأن الأخشاب المصرية، مثل الجميز والسنط والصفصاف لم تكن تصلح للصناعة الجيدة. استخدم المصرى القديم الكثير من الأدوات كالإزميل والمنشار، وبرع فى فن حفر الخشب وتطعيمه بالعاج والأبنوس.

كرسى العرش الذهبى الذى عُثر عليه
بمقبرة الملك "توت عنخ آمون" (1361 - 1352 ق.م)، وتُظهر الأشكال المرسومة عليه طرز الملابس الملكية المصرية المستخدمة فى هذه الفترة (1350 ق.م).

صناعة المنسوجات

نجح المصرى القديم فى صناعة ملابسه من الكتان، وكان هذا الكتان من النوع الرقيق الذى يشبه الحرير، ومن النوع الخشن الثقيل، وكانت تسبق عملية النسيج عملية الغزل بمغازل من الخشب التى تقوم بها النساء، وكان النسيج يتم بأنوال تشبه الأنوال البلدية حالياً. أيضاً استخدم المصرى القديم الألوان فى زخرفة الملابس.

نماذج مطلية لنساء ينسجن قماش (من مقبرة "ميكيتر" Meketre - الأسرة 11).

الصناعات القائمة على البردى

حصاد ورق البردى - فى القسم الأعلى من هذا اللوحة المجسمة المطلية بالألوان نرى رجالاً يجمعون ورق البردى من على حافة نهر النيل، بينما فى القسم الأسفل يعبر قطيع من الماشية. وكان لورق البردى استخدامات عديدة، فكان يُصنع منه الورق والنعال والصناديق والحبال والقوارب.
استغل المصريون القدماء نبات البردى فى صناعة الورق، فكانوا بذلك أول من صنع الورق فى العالم، ومن سيقان البردى صنعوا الحصير والسلال والحبال والقوارب والسفن.
ثالثاً: التجارة الداخلية والخارجية
التجارة الداخلية

ركوب القوارب فى نهر النيل - كانت مهنة الإبحار (الملاحة النهرية) مهمة فى مصر القديمة، حيث كانت تُنقل على متن القوارب المصنوعة من نبات البردى الإمدادات الغذائية، والأحجار لبناء المعابد، والبضائع التجارية، وذلك عبر نهر النيل الشريان الرئيسى للبلاد. وكانت المواكب الجنائزية لنقل مومياء فرعون إلى مكان دفنه تسير هى الأخرى عبر نهر النيل.
ساعد نهر النيل وفروعه على رواج التجارة الداخلية، فكانت القوارب والسفن تسير فيه حاملة الفلاحين ومحاصيلهم بين القرى والمدن، وكانت الأسواق المحلية تقام فى المدن والقرى المختلفة، يتبادل فيها الفلاحون منتجاتهم ومحاصيلهم. كانت المقايضة أساس التعامل ووسيلة البيع والشراء، ثم ظهرت العملة التى استخدمت فى العمليات التجارية، والتى صنعت من الذهب والفضة والنحاس. وإلى جانب نهر النيل كوسيلة انتقال، اعتمد المصريون القدماء على الدواب، مثل الحمير أو العربات التى تجرها الثيران فى حمل البضائع، واستخدموا الموازين والمكاييل، مثل القدح والكيلة والإردب.

التجارة الخارجية
ازدهرت التجارة الخارجية، واتصل المصريون القدماء بالبلاد المحيطة بهم، وسارت سفن الأسطول المصرى التجارى فى البحرين الأحمر والمتوسط حاملة بضائع مصر إلى بلاد "بونت" (الصومال) و"
فينيقيا" (لبنان) وجزر البحر المتوسط وبلاد النوبة، وتعود محملة بمختلف السلع والبضائع. كانت السفن المصرية تحمل البضائع والسلع المصرية من حبوب، وورق بردى، وحلى، ومنسوجات كتانية، وتعود محملة بالبضائع، مثل خشب الأرز من "فينيقيا"، والعطور وخشب الأبنوس والعاج من بلاد "بونت"، والزيوت والأخشاب والأسلحة المعدنية من سورية وجزر البحر المتوسط.