المعدات الحربية عند الشعوب القديمة
كان الحصول على المعدات الحربية أو صنعها من أهم ما تعمد إليه الدول ـ ومازالت حتى يومنا هذا ـ من أجل أن تحافظ على قوتها وسلامتها أمام الدول الأجنبية في وقتي السلم والحرب، ناهيك عن حرصها الشديد على تطوير تلك المعدات بشكل دائم ومستمر، وزيادة الجرعة التدريبية عليها من أجل الوصول إلى أعلى كفاءة ممكنة في التعامل مع هذه المعدات.
والشعوب القديمة فعلت ذلك قبل أن تفعله الشعوب الحديثة، وفي هذه المقالة المتواضعة نحاول قدر الإمكان أن نتحدث عن المعدات العسكرية عند بعض الشعوب القديمة، وقد جاء حديثنا بعيدًا عن الاستفاضة بشكل عام، حتى نعطي القارئ فكرة تمكنه بعد ذلك من البحث في هذا الموضوع.
السومريون
أولاً ـ عند السومريين:
السومريون هم سكان الجزء الجنوبي من العراق، أو فلنقل سكان منطقة سومر، وهم أول الشعوب التي سكنت بلاد الرافدين منذ سنة 4000 قبل الميلاد .
وقد اعتمدت الحياة السياسية في سومر على إمارات المدن، وهي وحدات سياسية صغيرة مستقلة، ولهذا ظهرت دويلات وأسر حاكمة، واشتملت كل دويلة على مدينة تحيط بها أرض زراعية، ومن أشهر مدن سومر مدينة (أور)، ومدينة (لجش) .
وبسبب النزاع المستمر بين المدن السومرية، وقعت سومر في أيدي شعوب سامية آتية من شبه الجزيرة العربية .
وقد اهتم السومريون اهتمامًا كبيرًا بإقامة المدن الكبيرة وتجميلها، كما بنوا بها القصور الفخمة، والمعابد الكبيرة، ولعل من أهمها مدينة بابل التي تميزت بأسوارها الجميلة، ومعابدها الرائعة ذات الأبراج المرتفعة، وبطريقها الفخم المقدس الذي كانت تمر فيه مواكب الآلهة في الأعياد الدينية الخاصة بهم .
السومريين
كما عمل السومريون على تجفيف المستنقعات، وإقامة الجسور والسدود لتجنب خطر الفيضانات أو الأعاصير، كما اخترعوا الآلات الزراعية التي توفر الوقت والجهد كالمحراث، والشادوف، وآلة بذر البذور .
كما صنعوا الأسلحة الحربية والمعدات العسكرية من النحاس، كما عرفوا وصنعوا أنواعًا عديدة من الأسلحة، أهمها :
1 ـ الخناجر 2 ـ الفؤوس 3 ـ البُلط 4 ـ الخوذ 5 ـ التروس
6 ـ الدروع 7 ـ الكبش 8 ـ عجلات تجرها الحمير 9 ـ آلات الحصار
10 ـ آلات تسلق الأسوار 11 ـ السهام 12 ـ الحراب 13 ـ الرماح
14 ـ نصال مقوسة لها مقابض خشبية 15 ـ أبراج عالية يعتليها رماة السهام
ونتحدث عن بعض هذه المعدات فيما يلي : ـ
الكُبش :
الكُبش جمع كبشة، وهي آلة حربية كانت يستخدمها القدماء في معاركهم الحربية لدك أسوار المدن المحصنة، وتحطيم أسوارها، وربما يبدأ التحطيم من باب سور المدينة الرئيسي، حيث أن بوابة السور تكون عادة أضعف نقطة فيه .
الأقواس :
هي جمع قوس، واستعمله الجندي القديم كسلاح مفرد، لكنه استعمل مع المركبة الحربية أو القتالية حوالي سنة 2000 قبل الميلاد، وكانت رؤوس الأقواس تصنع من حجر الصوان، ويقال : إن الملك (نارام سن) أي محبوب الشمس، كان أول من استعمل هذا النوع من القسي، ثم ظهر بعد ذلك القوس المركب، وكان يصنع من أربع مواد هي : الخشب، قرون الحيوانات، الأوتار، الصمغ، وتربط هذه المواد مع بعضها أو تصمغ .
البُلط :
جمع بلطة، وهي سلاح استعمل منذ العصور القديمة، حيث كانت تستخدم في قطع الأشجار أو اختراق الطرق، كما استخدمت في أطقم مركبات القتال، واستعملها كذلك حملة الرماح من المشاة، ولكن ضعفت أهميتها بعد انتشار استخدام السيف، أي بعد عام 1500 قبل الميلاد تقريبًا .
الدروع :
جمع درع، وظهر الدرع بعد أن ضعفت أهمية الأقواس، وكان الدرع في أول أشكاله عبارة عن سترة حديدية يرتديها الجندي السومري، وهو في الغالب بلا أكمام، ويطرح على الكتف، ويرصع بقطع معدنية صغيرة لتزيد من قوته .
السيوف :
تأخر ظهور السيوف في بلاد سومر العراقية، وذلك لتأخر الصناعة لديهم، وكان يشبه الخنجر ثم تطور إلى أن ظهر السيف المحدب، والذي يشبه المنجل .
مركبة القتال :
كانت مركبة القتال هي المعدة الرئيسية في الحرب لدى أهل سومر، سنة 3500 قبل الميلاد تقريبًا .
ويذكر التاريخ أنه كان يوجد نوعان من المركبات الحربية، النوع الأول : هو المركبة ذات العجلتين، والنوع الثاني: المركبة ذات الأربع عجلات، وكان للمركبة لوحة عمودية لوقاية راكبها، وطاقمها يتكون من اثنين هما : السائق والجندي، ويتركز عملهما في الهجوم، وإثارة الفزع والرعب في العدو .
الآشوريون
ثانيًا ـ عند الآشوريين :
الآشوريون من أصل سامي سكنوا في أول الأمر منطقة الشمال العراقي، حيث توجد المرتفعات الوعرة المغطاة بالأشجار، ولهذا اتصف الآشوريون بالغلظة والقسوة، في نفس الوقت الذي أتقنوا فيه الفنون العسكرية والقتالية، وعليه فقد أقاموا دولتهم على القوة، وكونوا الجيوش، مهملين الزراعة، واحتراف الحرف، والمعروف لنا أن الدولة الآشورية استولت على بلاد العراق كلها، ثم ضمت سوريا ومصر إليها .
ولعل من أهم عوامل سقوط الدولة الآشورية : حقد الدول التي خضعت بالقوة الجبرية للآشوريين، نتيجة سياستهم القمعية العنيفة، ومن هنا قامت الشعوب الخاضعة لهم بثورات متكررة، وهذه الثورات أدت إلى انهيار الدولة الآشورية، ووقوع آشور في قبضة الفرس، والقضاء على استقلالها سنة 617 قبل الميلاد .
الآشوريون
لقد تطورت الأسلحة ونظمها تطورًا ملموسًا في عهد الآشوريين، إذ أدخلوا أساليب عديدة في الفنون الحربية والقتالية، ومن أهم هذه الأساليب :
1 ـ السلالم ذات العجلات لاقتحام الحصون المنيعة .
2 ـ سترة يلبسها الجندي تقيه من رماة الأسهم أثناء اقتحام الحصن ـ ويجدر بالذكر أن المصريين القدماء استخدموا الخوذات والدروع، لحماية رؤوسهم وأجسادهم من السهام، كما كانوا يلبسون ملابس قصيرة حتى تسهل عليهم الحركة السريعة في الكر والفر أثناء القتال .
3 ـ الكباش أو الكبش ذات المقدمة المصنوعة من الحديد، مع استخدام سلاسل تعوق كباش الأعداء عند تقدمهم .
4 ـ استخدام القذائف والمشاعل، وكذلك غاز اللهب، وقد استخدموا هذه الوسيلة عند حصارهم للمدن .
5 ـ استخدموا الغازات النتنة ليذهبوا بعقول الأعداء أو يشوشوا عليهم، وهذه الوسيلة تشبه ما نسميه بالغازات السامة أو المثيرة للأعصاب الآن (وكلها محرمة دوليًا)، أو الغاز المُسيل للدموع الذي تستخدمه قوات الأمن في بعض الدول لتفريق المظاهرات أو المشاغبات .
6 ـ استعمل الآشوريون أنواعًا من الفرسان كحملة الرماح، أو كرماة أسهم .
7 ـ استخدم الآشوريون المركبة الحربية ذات الطاقم المكون من أربعة أفراد، وهم : السائق، ورامي السهم، واثنان من حملة القسي .
الحيثيون
ثالثاً ـ عند الحيثيين :-
عرف الحيثيون أنواعًا متعددة من الأسلحة، مثل : الرمح، والدرع، والقوس، والسهم، والعربة الحربية التي تتسع لثلاث ركاب .
كذلك عرفوا استخدام المنجنيق، وأقاموا روابي مرتفعة يحملون إلى أعلاها معدات الحصار، كما أنهم توصلوا إلى معرفة بناء جدران سميكة مزدوجة بحيث يبنى الجدار الأمامي منخفضًا عن الجدار الخلفي، وهذا تكنيك عسكري يتعلق بالفنون الحربية، ويعد سلاحًا حديثًا في تلك الأزمنة.
والمعروف أن الملك رمسيس الثاني أشهر ملوك مصر القديمة، والذي يضعه المؤرخون على رأس الدولة الحديثة (الأسرات من 18 ـ 20) أو عصر مجد مصر الحربي (حوالي عام 1570 قبل الميلاد)، قد وقع معاهدة سلام مع ملك الحيثيين بعد معركة قادش، وهي بحق أول معاهدة سلام في التاريخ الإنساني.
الفرس
رابعاً ـ عند الفرس :
كان الجيش هو العماد الأساسي لسلطان الملك الفارسي، بل أنه يشكل قوة الدولة وسطوتها .
وتدل أقدم النقوش التي عثر عليها الأثريون على أن المحاربين الفرس كانوا ينقسمون إلى نوعين من الفرسان، فرسان يركبون الجياد، وفرسان يستخدمون المركبات التي يجر كل منها زوج من الخيل .
كما عثر في بعض المقابر الفارسية على أسلحة مختلفة منها : السيوف والخناجر والدروع ورؤوس السهام، وقد صنعت جميعها من مادة البرنز ومعدن الحديد .
كما عثر على أعنة للخيول، وقد حليت رؤوسها وصدورها بالأحجار الكريمة، وشبه الكريمة .
ويبدو أن الجندية كانت محبوبة، ومصدر فخر عند الفرس، إذ كان الجند يخرجون إلى ميدان القتال وسط دوي الموسيقات العسكرية، وتحية الجماهير الزاحفة لرؤيتهم .
ومن أهم فرق الجيش الفارسي، فرقة الحرس الملكي، والتي تضم عددًا من النبلاء والأشراف، وتتألف في معظم الأحيان من الفرسان، ومن المشاة، وتركزت مهامها في مهمة واحدة ألا وهي حراسة الملك، والمحافظة على حياته .
وبالنسبة للأسطول الفارسي، فلا شك أن تجربة الفرس في ركوب البحر كانت في بداية الأمر متواضعة جدًا أو فلنقل أقل من غيرهم، ولذا كانوا يستعينون بالفينيقيين في هذا المجال، ومع هذا لم يدخر الفرس وسعًا في إنشاء أسطول قوي يضم سفنًا فينيقية ويونانية، واستطاعوا بهذا الأسطول أن يسيطروا على مياه البحر المتوسط .
ويذكر التاريخ أن السفن الفارسية التي صنعها الفينيقيون كانت ثلاثة أنواع هي : سفن الهجوم، وناقلات الجنود، وناقلات الأمتعة والذخائر .
هذا، وقد استعمل الفرس السفن في حروبهم في منطقة أسيا الصغرى وما حولها وبالذات في مضيق الدردنيل .
اليونان القديمة
خامساً ـ عند اليونان القديمة :
كانت مدينة اسبرطة من أهم المدن الإغريقية، ورغم هذا فهي لم تسهم بقسط وافر في الحضارة الإغريقية مثل أثينا، وذلك بسبب نظام الحكم العسكري الصارم الذي سيطر عليها، فقد كان اهتمام اسبرطة بالجيش وبالقوة المسلحة أكبر من اهتمامها بالتقدم الحضاري، لأن التربية في اسبرطة كان هدفها الأول والأخير إخراج مواطنين مقاتلين من الدرجة الأولى .
ومن الممكن لنا أن نرجع السبب في هذه النزعة العسكرية عند الأسبرطيين إلى بعد أسبرطة عن البحر، ورغبتها العارمة في التوسع فيما حولها، وعلى حساب جيرانها .
ويجدر بالذكر هنا أن (بركليس) أيام عصر أثينا الذهبي (480 ـ 399 قبل الميلاد) أنشأ أسطولاً كبيرًا له شأنه .
وقد استخدم اليونانيون القدماء أنواعًا متعددة من المعدات القتالية مثل : السفن الحربية، والكُباش، كما استعملوا المخلوط المشتعل بالكبريت والقار والكتان ونشارة الخشب .
كما عرفوا المبارزة وأقروها كوسيلة لفض كافة أنواع المنازعات بين المتحاربين .
الرومان
سادساً ـ عند الرومان :
عندما استطاعت روما أن تهزم قرطاجة في موقعة زاما المشهورة سنة 302 قبل الميلاد، وتمكنت من تدميرها، والاستيلاء على جميع ممتلكاتها سنة 146 قبل الميلاد، أصبحت روما أكبر قوة عسكرية غربي البحر الأبيض المتوسط، ناهيك عن أسطولها البحري الذي عرف بالقوة والمنعة .
وقد اهتم الرومان باستخدام معدات ووسائل حربية جديدة مثل : الخندق، فقد كان سلاحًا مهمًا عندهم، حتى أن أحد القادة المشهورين يقول : إن الرومان كانوا أعظم جيش يخندق في التاريخ !!.
فقد كانت الفرق تدعم عسكريًا بحصن، وعند الضرورة كان يبنى معسكر جديد في نهاية كل يوم مسير، حتى لو كان ذلك على نفقة تخفيض مدة السير إلى ثلاث أو أربع ساعات في الصباح .
وكان المعسكر الروماني يحصن جيدًا بمتاريس وسياجات من الأوتاد الخشبية القوية وخنادق الدفاع .
هذا، وقد استعمل الرومان الترس المستطيل شبه الأسطواني، كما أنه صنع من طبقتين من الخشب مصمغتين سويًا، ومكتسيتين بالجلد والقماش، كما عمل لحافيتية العلوية والسفلية على شكل إطار من الحديد لمقاومة سيوف الأعداء، وبالذات سيوف الغاليين (الجيش الفرنسي) .