أريد مثلها
... التصق بي وبدأ يتسلق رجلي متشبثا بملابسي، وهو يترجّاني أن ألتفت حيث يشير علي بأصبعه الصغير قائلا: أبي أنظر إلى هذا الطفل .. أريدك أن تشتري لي لعبة كلعبته .. أريد مثلها يا أبي .. أريد مثلها يا أبي .. وبينما أنا ألتفت يمنة حيث يقف إبني .. تسلّل إلى سمعي صوت ملائكي يبكي في صمت ، يراود أذني أن تستمع إليه عنوة .. كأنّه يأخذ بأطرافها ليصبّ فيها ذلك الصوت الخافت الحزين، المتغلغل مثل حفيف الأوراق المتناثرة من أشجار ذات خريف بائس، تحاول ريحه لفت النظر، أو شد الإنتباه لخبر جلل .. وهو يردد متلعثما، محاولا ترتيب الحروف لتكوين كلمة صحيحة، كمن به خوف أو فزع قائلا: أبي أنا جائع .. أريد بعض الخبز وقليلا من الماء .. أبي أرجوك أسرع، فأنا لا محالة هالك .. ولكن حذاري يا أبي من القنّاصة وقذائف المدافع .. ووقفت وقفة ذلك الأب الذي يحاول عبثا التقدم، ليلبّي طلب فلذة كبده، وهو كمكبّل بقدمين داميتين، واللتان لا تكادان تحملان جثته الواهنة من وعثاء السفر، هروبا من القصف المتكرر لمنازلهم وقراهم والذي أصبح صناعه لا يفرقون بين مدني ومسلح – فالمدنيون هم من يدفعون غالبا ثمن الحروب والنزاعات – فكلهم مذنبون في نظرهم، أو كما يذيعون في شتى وسائل الإعلام .. أخذ يجر رجله محاولا دفعها إلى الأمام، لتلحق بأختها في خطوات متثاقلة، كأخطل عمي بصره على الدرب .. فاختلفت يمناه بيسراه .. لا يفرق بين الإتجاهات، ولا يدري موضع قدمه ولا إلى أين يتجه .. صوت ذلك الطفل الباكي ما زال يرن كجرس في أذني، وصورته البائسة الهزيلة لم تفارق مخيلتي، بل أصبحت ماثلة نصب عيناي، كلما شخصت ببصري .. صحوت من غفوتي تلك على وقع كلمات إبني الصغير، وهو يشد ملابسي مرددا دائما ببراءته: أبي أريد مثلها .. أبي أريد مثلها .. ونظرت إليه مبتسما، وقلت له: حسنا يا صغيري سأنظر في الأمر، وأخذت بيده، وأنا أجذبه محاولا صرف نظره عن تلك اللعبة الغالية الثمن ، وكيف لنا أن نبذر كل هذه الأموال من أجل لعبة، وأنا أكاد أجزم أنها لن تعمر طويلا، لنراها مجرد خردة، مقابل شقاوة الأطفال، الذين يحولونها إلى بقايا قمامة، ترمى إلى جانب أكوام قطع الخبز المتناثرة والمتراكمة أمام المزابل، والذي لم تنله أفواه وبطون الكثيرين من ضحايا النزاعات، علهم يبقون على قيد الحياة.. فهل نعي ذلك؟؟ ! ..
البليدة يوم: 01 أوت 2016
بقلم: صامت