بسرعة الطائرة وسعر تذكرة الباص.. هل سيصبح "الهايبرلووب" وسيلتنا للسفر عبر الزمن؟
في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني المُنصرم أعلنت وكالات الأنباء عن توقيع مذكّرة تفاهم بين شركة هايبرلووب وحكومة دبي لتدشين ما قيل إنه أسرع قطار في العالم. ركّزت كل الأخبار على حقيقة أن القطار الجديد سوف يسير بسرعةٍ فائقةٍ وينقل الركّاب من دبي إلى "أبوظبي" في 12 دقيقة، ومن دبي إلى الرياض في 48 دقيقة فقط! ولكن هل هذا كل ما في الأمر؟ وهل سيكون "الهايبرلووب" مجرّد قطار آخر سريع؟
دعونا نبدأ من هذا التساؤل: ماذا لو كان المستقبل هو الآن؟ ماذا لو أننا الآن نشهد أوان بدءِ المستقبل؛ ذلك الذي كنّا نراه في الأفلام ونظنّه مستحيلاً، أو محض خيالٍ عِلمي؟
رحلة النقل الجماعي عبر الزمن
حتى مطلع القرن الثامن عشر كانت وسيلة النقل المنتشرة هي العربة التي تجرّها الخيول، وكان التنقّل بالعربة التي تجرّها الأحصنة حلماً يراود الكثيرين من المُرتحلين الحفاة، أو أولئك المسافرين الذين قَصم السفر بالدواب ظهورهم. كانت سرعة تلك العربة لا تتعدى 0.01% من سرعة الصوت. وبالطبع كانت تلك العربات تتوقف تماماً في أوقات المطر أو الرياح الشديدة، على أية حال كان هذا الجيل الأول من وسائل النقل الجماعي.
ثم تطوّرت وسائل النقل الجماعي، فأصبح لدينا القِطارات والطّائرات والسفُن، حتى بلغنا اليوم قُرابة الـ 80% من سرعة الصوت، وهي تتمثل في السرعة القصوى لطائرات البوينغ (الجامبو) التي تُمَثّلُ بدورها الجيل الرابع من وسائل النقل الجماعي؛ إن كنت تجد صعوبة في تصديق ذلك الآن؛ فهي الصعوبة نفسها التي ستجدها بنفسك إذا أردت أن تُقنع جدّك في بداية القرن التاسع عشر وهو يُحاول تخليص عجلات عربته من الوحل، بأنه غداً سيصبح هناك وسيلة تنقّل تطير في الجو وتنقل على الأقل مائتين وخمسين فرداً!
إلون ماسك.. الرائد
لا يكتمل الحديث عن الهايبرلووب قبل أن نتناول بالذكر هذا العبقريّ إلون ماسك؛ الذي علم نفسه البرمجة وخلال مراحل كثيرة من حياته أسس العديد من الأعمال والمشاريع التي كان يستغل دخلها في بدء مشاريع أُخرى، ولمع نجم إلون في العام 2002 حين اشترت منه ebay-عملاق التسوق الإلكتروني- موقعه Pay pal لخدمات نقل الأموال والتعاملات المالية، كعادته أخذ إلون مبلغ 1.5 بليون دولار من صفقة "إيباي" وأودعه في مشروعه الثوري spaceX هذا المشروع كان يهتم في وقت مبكّر جداً بسياحة الفضاء، وكان الغرض الأساسي منه توفير رحلات صاروخية ذات كلفة منخفضة نسبياً، وذلك عن طريق إعادة استخدام الصاروخ لأكثر من مرة، كما الحال في الطائرة، بدلاً من فقده في الفضاء الخارجي كما جرت العادة.
ونجح إلون في تسويق فكرته لدى ناسا، التي أعطته تمويلاً ضخماً لتتولى "سبيس إكس" رحلات تزويد المحطة الدولية الفضائية بالمُؤن بدلاً عن ناسا.
استخدم "إلون" أموال العقد المُبرم مع ناسا ليُنشئ شركة TESLA لتصنيع السيّارات الكهربائية، والتي أصبحت اليوم على مشارف منافسة السيارات التقليدية ذات محرك الاحتراق الداخلي والمُعتمدة على الوقود الأُحفوري؛ بتطوير مستمر، وعبر تصميمات ثورية جديدة أصبحت سيارات "تسلا" واقعاً ملموساً حيث تخطت مبيعات هذه السيّارة حاجز الـ14000 سيارة في ثلاثة أشهر فقط من العام الجاري.
وفي عام 2015 أعلن "إلون" عن نقلة ثورية في عالم النقل الجماعي بإعلانه عن مشروع الـ"هايبرلووب" الذي أودعه لشركات متخصصة (وفِرق تصميم تتنافس فيما بينها) تتولى تصميمه وإدارته بينما يتفرغ هو لإدارة شركة للطاقة الشمسية؛ استحوذ عليها حديثاً في مطلع العام الجاري تُدعى Solarcity وتهتم ببيع الطاقة الكهربائية للمستهلكين وفي الوقت نفسه تخدم مشروعه للسيارات الكهربائية "تسلا".
وبحسب ما نشرته الغارديان في مايو/أيار من العام الحالي؛ فقد تمّت التجارب المبدئية لهذا المشروع بنجاح باهر.
ما هو الهايبرلووب؟
كما جاء في مُستهلّ الصفحة الإلكترونية للـ هايبرلووب فهي "وسيلة مواصلات جديدة لنقل الناس والبضائع بسرعة الطائرة وسعر تذكرة الباص".
تقوم فكرة الهايبرلووب على كبسولات لنقل الركّاب تَسَعُ الواحدة منها 28 راكباً، وتسير في أنابيب مفرغة جزئياً من الهواء، يُوجد في مُقدّمة كل كبسولة ضواغط للهواء -المنخفض الضغط أصلاً - لتشكيل وسادة هوائية حول الكبسولة؛ ثُمّ تُحمل هذه الكبسولات باستخدام مُحركات الحثّ الكهربي ذات الحركة الخطيّة؛ وتتحرك الكبسولة خفيفة الوزن خلالَ مُقاومة هواءٍ (شبه منعدمة) بسرعة تصل إلى 1200 كيلومتر/ساعة!" نعم ما قرأته صحيح،" ستسير بسرعة الصوت! هذا يعني أنّ الكبسولة ستقطع مسافة الكيلومتر في 3 ثواني.
هل هذا ممكن من الناحية الهندسية؟
فكرة محركات الحثّ المغناطيسي مُستخدمة بالفعل حالياً في القطارات فائقة السرعة التي صُمّمت لتبلغ سرعة قصوى مقدارها 600 كلم/ساعة لكنّ هذه السرعة محدودة بإمكانيات القضبان الحديدية ومقاومة الهواء وحالة الطقس، لذا يتم تشغيلها بسرعة 320 كم/ساعة فقط في الوقت الراهن!
وفكرة الوسادات الهوائية أيضاً موجودة بالفعل في كراسي التحميل الهوائية التي تُستخدم ككراسي محور في التوربينات الكهربائية، والضغط المنخفض للأنابيب يُوفّر الوصول إلى سرعات عالية، وهو بالضبط ما تنتهجه الطائرات بتحليقها عالياً للوصول لمستويات ضغط منخفض تتيح لها الوصول لسرعات عالية.
ما الجدوى الاقتصادية للهايبر لووب؟
هذا الابتكار الثوري سيوفّر الوقت المُستغرق للتنقل بين المُدن الكبرى التي تفصل بينها مسافة 1500 كيلومتر، أمّا المسافات الأكبر من هذه فستكون طائرات الركاب الأسرع من الصوت أكثر مُناسبة كما يذكر إلون في ورقته البحثية بخصوص الهايبرلوب؛ وباعتماد المشروع كلياً على الطاقة المتجددة، ستُصبح تكلفة المشروع التشغيلية أقل ما يمكن، وهو ما سيجعل تكلفة الرحلة ما بين 20 إلى 30 دولاراً وهو سعر نسبي مُنخفض للغاية؛ وسوف يُدرّ هذا المشروع الدّخل الوفير على الحكومات التي تسعى لتوفير وسائل نقل جماعي منخفضة التكلفة ومدرّة للدخل في الوقت نفسه، على عكس وسائل النقل الحالية التي تَصرف عليها الحكومات لتغطية خسائرها؛ فتكلفة المشروع المبدئية تُعتبر عشر تكلفة شبكة قطارات لنفس المسافة، ليس هذا وحسب ولكن مع ضمانات أعلى لسلامة الركاب.
ماذا عن ضمانات السلامة؟
أنابيب الهايبرلووب ستكون مرتفعة عن الأرض، لتكون أكثر مرونة في مواجهة الزلازل كما أنها مُصممة بشكل هندسي يسمح بإضافة خطوط جديدة كُلّما دعت الحاجة، من دون تعطيل الخطوط القائمة بالفعل؛ والأنابيب معزولة كُليّاً عن عوامل الطقس الخارجية، ولذلك لن تتعطّل رحلتك إذا ساء الطقس، ويتم التحكم في نظام التشغيل بالكامل بشكل إلكتروني وتتم مراقبته من قبل مهندسين مُرتفعي الكفاءة؛ ستقترب نسبة حدوث الحوادث من الصفر، التوقف المفاجئ لا يشكّل خطراً لأن محركات الحث المغناطيسي الخطيّة، لها قصور ذاتي منخفض مقارنة بمحركات الحث الكهربي الدورانية المُعتادة.
شيئاً فشيئاً يقترب الإنسان من كسر الحواجز الفيزيائية، مع الوقت رُبما نقترب من حاجز سرعة الضوء، وعندئذ سيصبح السفر عبر الزمن واقعاً حقيقياً لا خيالاً. الهايبرلووب يُمثّل نقلة ثورية في عالم المواصلات.
يمكن الاستزادة عن معلومات السلامة الخاصة بالهايبرلووب من هذه الورقة البحثية المنشورة على الموقع الرسمي؛ كما أن هذا المقطع -مُتوافر ترجمة فورية للعربية- يلخّص العديد من التساؤلات التي قد تراودك عن الهايبر لووب