الفنان الخزاف العراقي أكرم ناجي .. والتأمل الممزوج بالدهشة !
لا شك أن الفن، هو أحد وسائل الاتصال بين الناس، ففهم الفن يحتاج أيضا» الى أساس معرفي ونظام اتصالي، ولذلك فإن تطور فن الخزف وتواصليته خلال العصر الحديث، بتراجع مظاهره التقليدية وانسحابها لصالح المظاهر البنائية والتركيبية المعاصرة والتجميعية، والذي سعى من خلالها الخزاف الى خلق نظام جديد، هي السمة المميزة للمسحة الفنية، فيما يخص الخزف، والتي تكمن في النهاية باستعمالات الخزاف المتميزة للشكل والمضمون، من خلال تلاقح الخبرات الفنية، عن طريق العمل والمشاهدة والنقد والمطالعة والتذوق الفني.
والخزاف العراقي اكرم ناجي، ولد في بغداد عام 1945، حاصل على البكالوريوس من كلية الفنون الجميلة – فرع الخزف في بغداد، عضو جمعية الفنانين التشكيليين العراقية - 1975، عضو نقابة الفنانين العراقية – 1975، يُعد واحدا» من أشهر الخزافين في العراق، شارك في عشرات المعارض الخزفية في العراق وخارجه.
أصبح هذا الفنان الخزاف، موضع دراسة وإهتمام من قبل الدارسين لهذا الفن، لكونه يتمتع برؤية ذات معان وأشكال جامعة، إذ أن القطعة الفخارية بين يدي الفنان أكرم ناجي تتحول الى عشق ينوء بحملها، حتى يخرجها من أعماقه الى الوجود، هذه الصياغات الرائعة لطوية الطين والتلاعب بالشكل ضمن رؤية جمالية تتخلق من جديد على ضوء شغفه بالجمال، عندما يتحكم بالكتلة والفراغ وصياغتها، لتصدم الذائقة وتبحر بها نحو آفاق من التأمل الممزوج بالدهشة.
أنها صياغات إبداعية لا يملكها إلا ذوو الحس والذائقة الفائقة، اللحظة التي بها يكتشف ذاته المتمردة على كل شيء، ويغوص في أعمق بحث عما فقده في الواقع وحققه في المخيل، هذه الفنتازيات الحميمية بين عالم الواقع وبين إشكالية الهروب الى منافي الجمال وقيمه الجوانية والموسيقى الحالمة التي يحدثها التنسيق بين الشكل واللون، هي التي تتحكم في المرحلة التي تكرس لمرحلة ما بعد الاستغراق في الذات عند هذا الفنان الخزاف، لإيجاد الإبعاد الجمالية المنطوية بين تلافيف الواقع الذي يُنمّي الفرحة المكبوتة، والاندهاش في رؤية قطعة الطين، تتحول الى شكل مبهر وقيمة جمالية عالية.
ومن خلال أعماله التي عُرضت في هذا المعرض أو ذاك، نرى الفنان أكرم ناجي يداعب تقنيات العمل واللون والأطيان والأكاسيد، وكأنه يداعب لوحة في ريشة بكل بساطة وشفافية ورقي، لخبرته الرائعة في هذا المجال، ولبراعته في إبتكار أشكال خزفية تجمع بين الحرف والطبيعة والهندسة، خصوصا» وأن العمل الفني التشكيلي، هو اللغة البصرية التي لا تتحدث ولا تقول ولا تصدر صوتا»ً، بل تشي أكثر مما تتكلم، ولا قوانين تحكمها مثل وسائل الاتصال والاعلام السمعية والبصرية، بل تبوح من خلال الشكل البصري، فهناك إيحاءات بما يشبه اللغة، تتحدث وتقول وتلتقط القلب والنفس من خلال العين .
حتى ان الرموز والعلامات، ماهي الا رسائل بصرية تسحب المشاهد من عزلته إلى عوالم بصرية وطقسية، لم يعتد عليها في حياته العادية، وهذه الرموز والعلامات هي وسائل تواصلية تقدم للمتلقي شيفرات محددة، تدفع به إلى اكتشاف المجهول أو محاولة اكتشاف الذات، وربما الفنان هنا، يعمد الى إثارة قضايا عامة مشتركة من خلال رؤية ذاتية .
والفنان الخزاف أكرم ناجي، لا يتوانى عن وضع رؤيته ولمسته، بأشكال قريبة الى فهمه ومدلوله، وكأن ذلك حالة تناصية، يحرص الفنان على أن تكون هي مضمون وشكل العمل الذي ينجزه في آن، حتى تكون هذه الحالة، قراءات ظاهرية للمعنى المقصود والمتضمن للتعبيرات، وأخرى قراءات للمعنى المقصود لدى المرسل نفسه أو الفنان، متضمنة مختلف النواحي الاجتماعية والمعرفة الثقافية والأدبية لديه، ومن اشتراك القراءتين يظهر المعنى المتخفي في فنون التشكيل على سبيل المثال، حيث يأخذ حيزا» مهما» من العملية الإبداعية أو الإنتاجية للمنجز الفني، حتى بات الفن المعاصر يمثل صورة تفاقم المتخفي من الشفرات.
وهذا ما نجده في مقصدية الفنان (المرسل (والاعتقادات والاهتمامات المشتركة بينه وبين المتلقي، وهذا ما حرص عليه الفنان أكرم ناجي، كي تكون أعماله مشتركة الفهم، ورسالة يسيرة للمتلقي، بعيدة عن الطلاسم والإلتباسات! .