تخيل أن تغادر مكان عملك لتفاجأ بالشوارع خالية من زحام السيارات، لتصل إلى منزلك قبل الوقت المعتاد، فتقرر ترك سيارتك على مقربة من بيتك وتتخذ هذه الفرصة للتمشية.
قد تتفاجأ عندما تعرف أن هذا بإمكانك فعله في الثاني والعشرين من شهر سبتمبر، حيث تحتفل مئات البلدات والمدن الأوروبية باليوم العالمي بدون سيارات، وتتوقف حركة المرور لدقائق، كي يستمتع الناس برؤية مدنهم وشوارعهم بصورة مختلفة.
لكن هناك بعض المدن يكون فيها اليوم العالمي بدون سيارات هو أسلوب الحياة، حيث يستطيع الناس السير بتمهل، ويتمتعون بصحة أفضل، وفيما يلي نستعرض أهم هذه المدن بحسب تقرير نشرته النسخة الإسبانية من “هافينغتون بوست”.
كوبنهاغن- الدنمارك
ستروجيت، هي إحدى أكبر وأقدم المناطق المخصصة للمشاة في العالم، وهي عبارة عن مجموعة من الشوارع في وسط المدينة، يبلغ مجموع أطوالها أكثر من 3 كيلومترات.
خصصت بلدية كوبنهاغن هذه المنطقة كمكان مخصص للمشي فقط في العام 1962، في محاولة لتخفيف الاختناق المروري الذي بدأ في التأثير على مظهر الحي التاريخي القديم، وذلك بسبب زيادة بيع وشراء السيارات.
اليوم، أصبحت ستروجيت أفضل مناطق الجذب السياحي في العاصمة الدنماركية، وبالأخص لمحبي التسوق، ولكل من يريدون الاستمتاع بالهدوء بعيداً عن الضوضاء والتلوث والزحام.
بالإضافة إلى هذه المنطقة، توجد في كوبنهاغن العديد من المميزات التي تجعلها إحدى أفضل المدن في أوروبا من حيث معدل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
هناك الكثير من المساحات الخضراء والطرق المخصصة للدراجات، التي تم إنشاؤها في بدايات القرن العشرين على مسافة تزيد على 400 كيلومتر.
دوبروفنيك- كرواتيا
إذا كانت هناك مدينة في أوروبا يجب عليك أن تتجول فيها على قدميك فحتماً ستكون دوبروفنيك.
وبالرغم من كونها وجهة للملايين من السياح، فإن المارة لا يعانون من المشاكل المعتادة في المدن السياحية المزدحمة، حيث يعد الحي التاريخي القديم منطقة مخصصة بالكامل للمشاة.
منذ حوالي مائة عام أُحيطت المدينة بجدارٍ طوله كيلومتران، لا يسمح بدخول السيارات، وذلك لأن معظم شوارعها ضيقة ومنحدرة، وعند بعض المداخل كالموجود عند شمال المدينة، يجب هبوط عدد من الدرجات للوصول إلى الساحة المركزية.
على مدار السنوات، رصفت ملايين الخطوات شوارعها وطرقها التي يعود تاريخها إلى العصور الوسطى، وتحديداً في القرن الثالث عشر.
عند زيارة هذه المدينة قد تستطيع التعرف على بعض الأماكن بها إذا كنت من متابعي مسلسل Game of Thrones “لعبة العروش”، مثل حصن لوفرجينيك حيث تم تصوير بعض المعارك.
إلى جانب الاستمتاع بمبانيها الرائعة، ننصحك بزيارة أقدم صيدلية قائمة حتى الآن في تاريخ أوروبا، كذلك عند السير حول جدار هذه المدينة يجب عليك أن تفعل هذا عكس عقارب الساعة؛ لأن هذا يسمح بالسير بشكل سلس دون الاصطدام بالمارة الآخرين في المناطق الضيقة.
ومن أعلى الجدار يمكن مشاهدة الأسطح الحمراء للبيوت، بالإضافة إلى أبراج الكنائس والقصور العتيقة.
بعد زيارة دوبروفنيك ستعرف سر تسميتها لؤلؤة البحر الأدرياتيكي.
أوسلو- النرويج
هي عاصمة النرويج وأهم المراكز الاقتصادية في البلاد.
رغم كونها إحدى أغلى المدن في العالم، إلا أنها تتيح لزائريها الاستمتاع بالمساحات الخضراء والسير لمسافات طويلة في شوارعها الحديثة، دون القلق من الزحام المروري.
توجد بها عشرات الحدائق، وأربعون جزيرة ويمر بها نهران، كما يمكن ممارسة العديد من الأنشطة في الهواء الطلق دون أي تكلفة.
وفي فصل الشتاء عندما تكسوها الثلوج، يستطيع الناس التنزه لوجود العديد من المسارات المصممة للسير بالزلاجات.
إلى جانب السياسات البيئية المعتمدة من قبل الحكومة النرويجية، أعلن مجلس مدينة أوسلو مؤخراً خطة للحد من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، وجعلها أول مدينة من المدن الكبرى في العالم من دون سيارات في المركز.
وتتضمن الخطة، من بين الإجراءات الأخرى، إنشاء 60 كيلومتراً إضافية من ممرات الدراجات وتحسين وسائل النقل العام.
هامبورج وفرايبورج- ألمانيا
وضعت هامبورغ -ثاني أكبر مدينة في ألمانيا- خطة طموحة للسنوات العشرين القادمة، أطلقت عليها الشبكة الخضراء، التي تهدف إلى القضاء التام على وجود السيارات في وسط المدينة.
يوجد في هامبورج العديد من المساحات الخضراء، مثل الحدائق النباتية التي تعد من أهم معالم الجذب السياحي. تعد مدينة فرايبورج بدورها أحد أكثر الأماكن خضرة في العالم.
في حي فوبان حوالي 70% من السكان لا يمتلكون سيارات خاصة، وبالتالي فإن وسائل التنقل الرئيسية في هذه المنطقة من المدينة هي السير على الأقدام أو ركوب الدراجات.
إذا كنت تخطط لزيارة هذه المدينة، فلا تذهب بسيارتك لأن الأماكن المخصصة لإيقاف السيارات محدودة للغاية، وقد تضطر للسير لمسافات طويلة حتى تستطيع الوصول إليها.
جزر كابري.. وهيدرا.. وماكينك
لقضاء عطلة هادئة خالية من الضغوط والسيارات، فإن جزيرة كابري هي أحد أفضل الأماكن المرشحة لرحلة ممتعة.
الطريقة الوحيدة للوصول إليها عن طريق العبّارة، وبمجرد أن تصل إلى هناك، فإن المشي هو أفضل وسيلة لاكتشاف الجمال الطبيعي للجزيرة والتمتع به.
تتكون الجزيرة من مدينتي كابري وأناكابري، اللتان لا تسمحان بدخول المركبات إلى الحي القديم.
كما هو الحال في جارتها في البحر المتوسط، تمنع جزيرة هيدرا دخول السيارات، وبدلاً منها يستخدم السكان الدراجات المائية، التي يطلق علها التاكسي المائي، كذلك يركبون الدراجات العادية والحمير.
هذه الجزيرة الخلابة كانت موطناً لكثير من الفنانين، بما في ذلك المغني ليونارد كوهين، أو الروائي هنري ميلر، مما يجعلها وجهة مثالية لمحبي الفن والثقافة للاستمتاع بالطبيعة دون دخان أو ضوضاء.
تنتقل إلى المحيط الأطلسي في بحيرة هورون بولاية ميتشيجن -الولايات المتحدة- حيث جزيرة ماكينك، وهي إحدى الوجهات السياحية المميزة، حيث وسائل التنقل تتنوع بين السير على الأقدام، أو استخدام عربات تجرها الخيول.
هوتين- هولندا
هولندا هي بلد الدراجات بلا منازع، في مقاطعة أوتريخت، هوتين واحدة من المدن الأكثر تمثيلاً للحياة على عجلتين. وقد تم تصميم القرية للمشاة وراكبي الدراجات على وجه التحديد، وتقتصر حركة السيارات فقط على وسط البلدة.
أما أحياء البلدة فتربط بينها طرق الدراجات؛ لهذا فإن معظم هذه الدراجات تتصل بمقطورة صغيرة لاستخدامها في نقل جميع أنواع السلع، من أكياس التسوق إلى الحيوانات الأليفة.
بونتيفيدرا- إسبانيا
ننتقل إلى إسبانيا، وإلى مدينة بونتيفيدرا، وهي واحدة من أكثر المدن تمثيلاً لهذه الطريقة في الحياة من دون سيارات.
في عام 1999 قرَّرت بلدية مدينة ليريث زيادة الاهتمام بوسائل النقل العامة، لإخراج السيارات من وسط المدينة التاريخية، في استجابة لشكاوى المواطنين حول الضوضاء والازدحام المروري.
بعض الشوارع الرئيسية مفتوحة أمام حركة المرور، لكن بسرعة قصوى تبلغ 20 كلم/ساعة.
منذ ذلك الحين استطاعت البلدية تخفيض 90% من حركة المرور في المدينة وبالإضافة إلى ذلك، وفقاً لبيانات إحصائية، تحسنت صحة سكان المدينة في السنوات الـ20 الماضية لاعتيادهم على المشي، لا سيّما هؤلاء الذين كانوا يعانون من مشكلات في القلب والأوعية الدموية.