بينما كانت ” السعادة ” تقوم بجولتها الصباحية المعتادة، و بينما هي تتنقل بين الأزقة و الطرقات لتنشر في الطبيعة مشاعر الفرح و الانشراح ، إذا بها تلمح شخصا قد جلس منزويا و علامات الحزن و الاستياء بادية عليه .
اقتربت ” السعادة ” منه بحذر و توجس ، ملامح الشخص الغريب تبدو مألوفة لها . تساءلت ” السعادة ” في ذهول : أيعقل أن يكون هو ؟……نعم ، إنه هو . لقد عبثت أصابع الزمن بأسارير وجهه و حطت السنون أوزارها فوق جسده المنهك .
استجمعت ” السعادة ” أفكارها المتناثرة و خاطبت الغريب قائلة :
– ها قد التقينا من جديد .
رفع ” المال ” رأسه بتثاقل و نظر إلى ” السعادة ” و أجاب :
– نعم ، و لكن للأسف فقد تغيرت ظروف اللقاء .

نظرت إليه ” السعادة ” بعينين ملؤهما الاستغراب و الشفقة و قالت :
– ما لي أراك على غير عادتك و على غير هيئتك التي كنت عليها ، ألم تقل لي من قبل أنك أنت مصدر السعادة ؟
أجاب ” المال ” بكلمات متقطعة يائسة :
– بلى ، لكنني الآن صرت أرى الأشياء على حقيقتها….
– كيف ؟ ألم تكن أنت زينة الأغنياء و مصدر بهجتهم و حبورهم ؟
– كنت أظن أنني كلما حللت بمكان ، عمت السعادة و الفرح أرجاءه ، و لكن هيهات . يملكني الأغنياء و يتباهون بي في مجالسهم و يظهرون للعالم بهجة و انشراحا زائفين ، بينما الحقيقة غير ذلك .

– أ تريد إقناعي أن ” المال ” ليس بالضرورة مرتبطا بالسعادة ؟
– بالتأكيد نعم.فها هو قارون قد كانت خزائنه ملأى لكن الله خسف به و بداره الأرض ، فصار ذكره في سجل الأشقياء .
و ها هو أحد الأغنياء ، اسمه ” سعيد ” مع أنه لا يماك من السعادة إلا الاسم فقط . هجره أفراد أسرته و جميع أصدقائه بسبب جشعه و لهثه وراء المال أينما حل و ارتحل ، يعيش في عزلة و حزن متمنيا التضحية بثروته مقابل ” قطرة ” سعادة دافئة تسكب في فؤاده لتذيب أكوام الجليد التي بداخله .
تلعثم لسان “المال ” و لم يستطع الاستمرار في حديثه . إذ ذاك بادرته ” السعادة ” قائلة :
– هون عليك ، فقد تكون أنت سبب كل الخير في هذا العالم !!!
– لطالما تمنيت ذلك ، و لكن كيف السبيل ؟
– الأمر بسيط للغاية ، يكفي أن نضع يدا بيد ونعمل سويا أنا و أنت متحدين ضد الفقر و الأحزان . و أول عمل سنقوم به هو زيارة ذلك المنزل الذي نراه – و أشارت نحو منزل مهترئ – تسكن هناك أم مع أيتامها الأربعة ، وهم في أمس الحاجة لي و لك .
استبشر ” المال ” خيرا و أيقن أن سبيل النجاح رهين بتظافر الجهود بين البشر و مواساة بعضهم بعضا ، عوض الانشغال بالذات و والاكتفاء بتحقيق متطلباتها التي لن تقود أبدا لحياة مستقرة و سعيدة .