عندما تتصادم الأحداث، عندما يكون الفرد غريباً في وطنه، عندما لا يجد فرصة العمل التي توفر متطلبات الحياة؛ يفكر بالهروب من واقعه، وواقع بلده؛ بالهجرة واللجوء الى دولة تقدره، تعينه، ترفع قدراته، وتزيد كفاءته.
تبدأ قصة الشاب (محمد) حين هاجر إلى دولة تركيا، وهو في عز شبابه، في الثامنة عشرة، بعد عناء دام أكثر من شهر. حين وصل تركيا، وجد أن الطبيعة هناك جميلة خلابة، والمطر يتساقط رويداً، هناك آثار أدهشته، وأجواء مثالية أغرته، قال في نفسه "هذا ما أبحث عنه، وتمنيت العيش فيه.".
فكر بأنه يريد وظيفة، قرر أن يبحث عن وظيفه مناسبة، طال بحثه أياماً، أصبحت ملابسه متسخة وقذرة. في أحد الأماكن العامة، حين كان يتجول، لاحقته الشرطة التركية، ظنت أنه متشرد، ظلت تلاحقه وهو يركض، يحاول أن يجد شخصاً يعرفه، لكن لم يجد. أين يذهب؟ قال لنفسه "ليتني لم أهاجر"، بدأ البحث عن مأوى، لم يجد وسط صقيع البرد والرياح، أصبح الليل، رأى في أحد الأفرع ركناً صغيراً ضيقاً، أمام حاوية نفايات، أشعل بعض النفايات، تدفأ حتى أغمض عينيه، طار التعب، وأخذ قسطاً من الراحة، راوده حلم، كأنه وجد عملاً بمرتب شهري لا بأس به، لم يفتح عينيه إلا على إثر ضربة شرطي يصيح به إذهب "أيها المتشرد". ركض، وظل يركض بلا وجهة، كان يأتيه هوس بأن الشرطة تلاحقه، وصل الحدود وهو لا يعلم، قرر أن يجتازها بعد أن رأى العلم العراقي، فرح فرحاً كفرح شخص التقى بصديق، فارقه منذ سنين.
قبل أن يصل، أحس بصعقة قوية، تغلغلت في جسده، وإذا برصاصة قضت عليه، اصابته في صدره. بدأ يزحف وينزف، وفي ذات اللحظة يبكي، يقول "ليتني لم أهاجر، ليتني مت في بلدي". بعد دقائق أخذت سكرات الموت منه مأخذها.
مع جذته وجدت شرطة الحدود العراقية رسالة، مكتوب فيها (الذلة في الوطن كرامة، أنا المنفي بين حدود تركيا والعراق، لن يعرف أحد أني هنا