نقول في لهجة العراقيه «قَرَّت عينك» تعبيرا عن البشرى، لوصول غائب وعودة مسافر.. وقرت كناية عن برودة العين، لان العرب ترى ان سخونة الدمع عند الحزن، وبرودة الدمع للفرح.. لذا تكون عبارة (قرَّتْ عينك) لابلاغ البشرى ويكون الرد (بوجه نبيك) اي لك البشرى بمقابلة النبي عليه الصلاة والسلام.. يقول حاتم الطائي:
أوقد فان الليل ليلٌ قرُّ
والريح يا غلام ريحٌ صَرَّ
عسى يرى نارك من يمرُّ
فإن جلبت ضيفاً فأنت حرُّ
٭٭٭
النار التي يريدها من غلامه المملوك هي نار القرى التي يوقدها الكرماء لجلب الضيفان..
وكانت النيران عند العرب على انواع منها نار الوسم، ونار الاستسقاء، ونار التحالف، ونار الغدر إن غدر حليف وخان العهد، ونار الراحل، ونار الخطر ان داهم القوم خبر اقتراب اسد من منازلهم او احد الوحوش الضارية.
وكانت هذه العادة موجودة ايام الجاهلية وهي رمز الكرم رغم الايام المجدبة من الجفاف وقلة الامطار.. ومن اجواد العرب حاتم ويكني بابنته لانها هي البكر في ولادتها ولازال بعض العرب يكتنون ببناتهم ان كانت الاولى بين الابناء.. وهذا مألوف في العراق عند العشائر فتراه في منصب كبير من الضباط او وزيرا وينادي بأبي فلانة وهكذا.
اجواد العرب في الجاهلية ثلاثة: حاتم الطائي، وهرم بن سنان، الذي مدحه زهير بن ابي سلمى، وسلمى بضم السين وليس كما علمنا بعض المدرسين وثالث الاجواد في الجاهلية كعب بن أمامة.
وحكي عن الامام علي بن ابي طالب عليه السلام انه قال يوما: سبحان الله ما ازهد كثيرا من الناس في الخير!! عجبا لرجل يجيئه اخوه المسلم في حاجة فلا يرى نفسه للخير اهلا فلو كان لا يرجو ثوابا ولا يخاف عقابا لكان ينبغي له ان يسارع الى مكارم الخيرات فانها تدل على سبيل النجاح.. فقام رجل فقال: يا امير المؤمنين اسمعته من النبي عليه الصلاة والسلام قال نعم: لما اتي بسبايا طيء، وقفت جارية عيطاء لعساء، والجارية هي الفتاة او الصبية والعيطاء طويلة الجيد، واللعساء هي التي شفتها تضرب الى السواد، فلما رأيتها اعجبت بها وقلت في نفسي لاطلبها من النبي فلما تكلمت انسيت جمالها بفصاحتها عندما قالت يا محمد (تخاطب النبي):
ان رأيت ان تخلي عني ولا تشمت بي احياء العرب، فاني ابنة سيد قومي، وان ابي كان يفك العاني (وهو الاسير) ويشبع الجائع، ويكسو العاري ولم يرد طالب حاجة قط انا ابنة حاتم الطائي.. فقال النبي: هذه صفات المؤمن.. خلوا عنها فإن اباها كان يحب مكارم الاخلاق.
٭٭٭
من اشعار حاتم:
شربنا بكأس الفقر يوما وبالغنى
وما منهما الا سقانا به الدهر
فما زادنا بغيا على ذي قرابة
غنانا ولا أَزْرَى بأَحسابنا الفقر
يقول: جعلتنا الايام فقراء واغنياء فما بغينا على ذي قرابة لغنانا، ولا ازرى باحسابنا الفقر.. وفي نار الجود والكرم يقول الحطيئة:
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره
تجد خير نارٍ عندها خير موقد
ووصفوا نار البخيل الخامدة بالحشرات المضيئة في الليل
ليت لي منك يا أخي
جارة من مُحارب
نارها كل شِتْوةٍ
مثل نار الحُباحب
هذا قول عبدالصمد المعزل يذم أخاه لبخله.. هذا هو حاتم الطائي الذي كانت صفاته بصفات المؤمن كما قال الرسول عليه السلام ولو ادرك الاسلام لاسلم لجوده وكرمه وشجاعته وحبه للخير.