السبت 26 نوفمبر 2016
عندما ظهرت مقاطع فيديو لعناصر من تنظيم (داعش) الارهابي يدمّرون مدينة نمرود القديمة خارج حدود الموصل، وقف العالَم مكبّل الأيدي أمام مجموعة من الميليشيات تستخدم المطارق والحفّارات الكهربية لطمس بدائع أثرية يعود تاريخها لمئات الأعوام.
لكن نينوس ثابت (17 عاماً) قرر أن يشمّر عن ساعديه ويبدأ بنحت نسخ مطابقة لما دمّره "داعش"، وفقاً لما ذكره موقع CNN الأميركي.
وكانت مدينة نمرود، القائمة منذ 3000 عام، بالنسبة لثابت الآشوري المسيحي –التي كانت يوماً عاصمة الإمبراطورية الآشورية الممتدة من مصر آنذاك إلى أجزاء من إيران وتركيا الآن- مصدراً للفخر. وكان يعتبر آثار نمرود من صنع أسلافه القدامى.
وقال ثابت لشبكة سي إن إن الأميركية: "شنّ "داعش" حرباً على الفن والثقافة، فقررت أن أحاربهم بالفن أيضاً".
وقام بذلك من خلال نحت تماثيل شديدة الإتقان مطابقة لأهم الآثار الآشورية في نمرود ومناطق قديمة أخرى في مدينة الموصل وما حولها.
وفي عام 2015، وبعد عام من بداية اعتداء "داعش" على الموصل والبلدات المجاورة لها، دمرت الميليشيات مدينة نمرود كجزء من حملتهم لتدمير الرموز التي اعتبروها وثنية، وصنَّفت اليونسكو الحادث بأنه جريمة حرب.
وفي شقة متواضعة بمدينة أربيل الكردية، عاش بها ثابت وعائلته بعد فرارهم من الموصل، نحت الفنان الشاب لحية الثور المجنّح لاماسو، وهو إله آشوري، بدقة بالغة وباستخدام سكين نحت فقط.
وقال ثابت: "لاماسو هو تمثالي المفضّل، فهو أقوى مخلوق في التراث الآشوري. يملك لاماسو رأس رجل، وجسد أسد، وسيقان ثور، وجناحيّ نسر"، مؤكداً أن المنحوتة استغرقت 15 يوماً لإنهائها.
وبحسب موقع إلكتروني يوثّق الخسائر الأثرية، فقد دمّر "داعش" 3 تماثيل للاماسو في العراق.
ويدير كريستوفر جونز هذا الموقع، وهو طالب مختص بتاريخ الشرق الأدنى القديم في جامعة كولومبيا بنيويورك. وقال جونز إن أحد تماثيل لاماسو دُمّرت في نمرود، وآخر عند بوابة نركال بمدينة نينوى القديمة بالقرب من الموصل، بينما كان الثالث في متحف الموصل.
وبعد أن أعاد الجيش العراقي الاستيلاء على نمرود والمناطق المجاورة لها هذا الأسبوع، يُتوقع أن تتضح تفاصيل جديدة عن حجم الضرر الحقيقي الذي ألحقه "داعش" بالآثار القديمة.
وعلى مدار العام الماضي، أنهى ثابت نحت 18 تمثالاً آشورياً وجدارية واحدة. وكان مدرّبه هو والده، ثابت مايكل، الذي كان نحّاتاً أيضاً، واعتاد أخذ ثابت معه إلى ورشته والسماح له باللعب بالصلصال منذ كان في السابعة من عمره. وقال مايكل إن تدريب ابنه لم يتطلب الكثير من الجهد. وأضاف لـ"سي إن إن": "نينوس يتعلم بسرعة شديدة، أرى فيه إمكانات هائلة".
ومنذ ذلك الوقت حتى العام الماضي، كان النحت هواية يمارسها ثابت عندما لا يكون في المدرسة. لكن بعد هجوم "داعش" على تراثه، أخذ ثابت صنعة النحت على محمل الجد.
وقال ثابت : "قُتل أشخاص في العراق؛ لكونهم نحّاتين. لأنهم فنانون، رأتهم (داعش) كفاراً". وأضاف: "لهذا يمثّل الاستمرار في النحت رسالة بأننا لن نسمح لهؤلاء الشياطين بإخافتنا".
ويأمل ثابت الالتحاق بمدرسة الفنون في مدينة دهوك الكردية العام المقبل. وقال: "أحلم بأن أكون فناناً بارزاً في العراق وأجعل بلادي فخورة بي، ليرى العالم أن العراقيين يحبون الحياة ويعتزّون بتراثهم".