حل عيد الفطر المبارك هذه السنة بنكهة خاصة، ميّزها التهافت الكبير من طرف الأطفال على الألعاب بأنواعها. فبعد تخلص الأولياء من عبء ملابس العيد ومصاريفه، بات هاجس اقتناء الألعاب ينغّص عليهم حلاوة العيد، خاصة أن الألعاب المتوفرة في السوق هذه الأيام ساهمت في ''عسكرة الشوارع'' وبث القلق في نفوس الأولياء، نظرا لخطورتها على صحة الأبناء ونفسيتهم.
بات الأطفال يميلون إلى الألعاب العنيفة ولم تخل الشوارع يوم عيد الفطر المبارك من المواجهات بين أطفال ''الحومة'' الذين اتفقوا على مخطط خاص عشية العيد لمواجهة أبناء الحي المجاور، حتى باتت أحياءنا أشبه بمعسكرات يوم العيد. ويبدو أن انعكاسات الأحداث الدولية وارتفاع وتيرة العنف في المجتمع قد غذى رغبات الطفل في التوجه إلى البنادق والمسدسات والمدرعات والسيوف والألعاب النارية بأنواعها، في ظل فقدان الأولياء للسيطرة على مشتريات أبنائهم خلال هذه الأيام، بعد استفادة هؤلاء من ''دراهم العيد'' التي تقدّم لهم من طرف الأقارب، مما يساهم في إضعاف الرقابة الأبوية.
ألعاب ''خردة'' والدولة مطالبة بمنع دخولها
من جانبه، أكد عبد الرحمن عرعار رئيس الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل ''ندى''، أن ما يباع لأطفال الجزائر يعتبر ''خردة أجنبية'' وليست ألعابا يمكن الاعتماد عليها في تنشئة الطفل، مبرزا أن النوعية التي تروج في الأسواق خلال المناسبات والأعياد على وجه الخصوص تهدد تربيته وتشجعه على ممارسة العنف على غيره. وأكد محدثنا أن العمل التجاري في البلاد لا يحمل أي بعد تربوي واجتماعي، وهو ما يثير -حسبه- الشكوك في الجهات التي تروّج لمثل هذه السلع ''في ظل ضعف آليات الرقابة من طرف الدولة''. وطالب عرعار السلطات العليا في البلاد بتحديد شروط استيراد الألعاب الموجهة للطفل من الخارج وتحديد معايير السلامة الجسمية والنفسية، مع محاربة نشاط السوق السوداء على وجه الخصوص ومراقبة السلع المعروضة للأطفال. وأكد المتحدث على أهمية توعية التجار بأهمية انتقاء الألعاب وردع المخالفين منهم، خاصة في ظل ارتفاع نسبة العنف بـ 80 بالمائة خلال الشهر الفضيل، وهو مؤشر يستدعي التصرف سريعا لتحديد طريقة المعالجة والحد من تأثيرها على الأطفال. وأضاف ''أطفال زمان لم يكونوا بحاجة إلى الألعاب النارية والمسدسات لاجتياز العيد وهو ما يدل على أنها ثقافة جديدة في مجتمعنا تستهدف إفساد تربية الطفل وتحقيق الربح التجاري السريع''.
تلذذ بآلام الآخر وتدمير للقيم
من جهتها، أكدت مديرة المركز الجزائري للبحوث والتطبيقات النفسانية، سميرة فكراش، أن الألعاب العنيفة تؤثر بصفة مباشرة على الصحة النفسية للأطفال من حيث تلقينهم الأساليب العدوانية في التعامل مع الآخر. وأوضحت أن الألوان القاتمة المستعملة وتصميم الألعاب بدون دراسة، يؤكد أنها موجهة وتستهدف تنشئة الطفل في بلادنا، خاصة وأن تلك الألعاب لا تروّج بنفس الطريقة في دول أخرى. وأضافت فكراش أنها كثيرا ما تدفع الطفل إلى نبذ التواصل مع الآخر، وتعلم الانطواء، وتجعله غير قادر على الإحساس بألم الآخر ''بل يتلذذ بألم الآخر ويتعلم عدم احترام إنسانية الغير''. وقالت فكراش أن ميزان القيم الإنسانية والمبادئ مهدد في ظل انتشار هذه الوسائل المغذية للعنف في يد الأطفال، منتقدة في السياق دور الأولياء''الذين استقالوا من مهمتهم التربوية'' في الوقت الذي ينبغي أن يعلموا أبناءهم السير وفقا للحاجة وليس وفقا للرغبة.