لماذا لم تستطع نوكيا هزيمة آيفون؟ السر في الهيكل الخماسي!
في خريف عام 2007، استطلع يورما أوليلا – كبير الإداريين التنفيذيين السابق بشركة نوكيا – آراء 12 من كبار الموظفين التنفيذيين داخل الشركة بشأن الخطورة التي سيمثلها هاتف آيفون الجديد الذي ستنتجه شركة آبل وإن كان سيمثل خطراً حقيقاً أم لا؟!
وبحسب ما أورده أوليلا في مذكراته التي نُشرت باللغة الفنلندية عام 2013 بعنوان Against All Odds " على عكس جميع التوقعات" وتُرجمت الآن إلى الإنجليزية، أجاب اثنان منهم بـ "لا"، في حين جاء رأي الآخرين على النقيض من ذلك تماماً؛ إذ توقع الـ 10 الآخرون أن هواتف آيفون ستكون منافساً قوياً لنوكيا وبالتالي لا يجب التقليل من قدرها.
عبّر بعض هؤلاء المسؤولين عن آرائهم بأسلوب لا يصلح للنشر، ولكن مضمون الرسالة كان واضحاً وهو أن معظم المسؤولين داخل شركة نوكيا كانوا على دراية تامة بالدور التنافسي الكبير الذي ستلعبه آبل في سوق الهواتف الذكية، بحسب التقرير الذي نشره موقع Bloomberg.
تتناول ترجمة كتاب أوليلا المُعنون بـ "قيادة نوكيا من كارثة وشيكة إلى نجاحٍ عالمي" القصة المذهلة وراء تحول نوكيا من تكتل فنلندي فاشل عندما تولى أوليلا رئاسة مجلس الإدارة عام 1992 إلى أن أصبحت قوة هائلة في سوق الهواتف المحمولة بعد مرور عقد من الزمان.
كما إنه يتناول أيضاً الأحداث التي وقعت بعد عام 2007 عندما انهارت أسهم شركة نوكيا وصولاً لبيعها حصتها في مجال الهواتف المحمولة في نهاية المطاف لشركة مايكروسوفت – التي أقدمت الآن على تصفية جزء كبير منها.
التنافس على نظام التشغيل
منذ عام 2004، كان مسؤولو شركة نوكيا على دراية تامة بأن المستقبل سيكون للهواتف الذكية، وأن نظام التشغيل سيكون هو ساحة التنافس بين الشركات المنتجة للهواتف الذكية.
كانت نوكيا من أولى الشركات التي أنتجت الهواتف الذكية وذلك عندما طرحت هاتفها الذكي الرائد Nokia Communicator في الأسواق عام 1996. ولكن عند أعلنت آبل نيتها صنع نظام تشغيل خاص بهواتفها الذكية –وتبعها بعد ذلك جوجل ومايكروسوفت– لم تستطع نوكيا مجاراة الأمر، وذلك وفقاً لما ذكره موقع Bloomberg.
وفي هذا الصدد، كتب أوليلا في مذكراته "لقد كنا على دراية تامة بالمشكلة، ولكننا لم نتقبل ما كان يحدث حينها؛ إذ كنا بصدد تنفيذ العديد من المشاريع العملاقة. ففي الوقت الذي انصب فيه جُل اهتمامنا على دراسة التوقعات الخاصة بالمبيعات خلال الربع التالي فقط، كان يجب علينا التركيز بشكل أكبر على المستقبل".
وأضاف "أسوأ شيء يمكن أن يحدث لأي شركة هو نفاد السيولة المادية الخاصة بها واضطرارها لإعلان إفلاسها".
السبب وراء نجاح نوكيا
في مذكراته، التي نشر موقع Bloomberg مقتطفات منها، أرجع أوليلا نجاح شركة نوكيا الذي حدث من العدم في تسعينيات القرن المنصرم إلى ذلك المزيج الذي جمع بين الحظ والجرأة التي ولدت من اليأس، والهيكل الإداري الفريد من نوعه داخل الشركة.
وفي هذا الصدد يقول أوليلا "إن القرارات الهامة داخل نوكيا كانت تُتخذ من قبل 5 أفراد هم ماتي وأولي بيكا وبيكا وساري بالإضافة إلى نفسي وذلك في الفترة من أوائل التسعينيات وحتى عام 2004".
وأضاف أوليلا "لم أرَ داخل أي مؤسسة شيئاً مماثلاً لهذا الهيكل الخماسي، لا شك أن التشارك في اتخاذ القرارات الهامة بيننا نحن الـ 5 قد ساهم في نمو ونجاح شركة نوكيا".
ومن الجدير بالذكر أن هؤلاء الخمسة هم أنفسهم الـ 5 أفراد الفنلنديين الذين بدأوا العمل معاً في شركة نوكيا في وقتٍ مبكر من ثمانينيات القرن المنصرم.
انفصال الـ 5 وعلاقته بانهيار نوكيا
ولكن في نهاية المطاف انفصل هؤلاء الـ 5؛ بدأ الأمر عام 2004 بمغادرة ساري بالدوف و ماتي آلاهوتا – الذي أصبح رئيساً لمجلس إدارة شركة Kone – لهذا الهيكل الخماسي.
أعقب ذلك سحب بيكا ألا بيتلا –رئيس شركة نوكيا والمرشح الأوفر حظاً لخلافة أوليلا في رئاسة مجلس الإدارة– نفسه من سباق الترشح لرئاسة مجلس إدارة الشركة، ولم يبق من هذا الخماسي سوى أولي بيكا كالاسفو الذي تولى في نهاية المطاف رئاسة مجلس إدارة نوكيا في الفترة من 2006 إلى 2010.
لذا، يُمكن القول بأن منتج الآيفون كان السبب وراء دمار كل شيء داخل نوكيا، أو ربما انفصال فريق الـ 5 عن بعضه هو الذي تسبب في هذا، وفقاً لموقع Bloomberg.
وفي نهاية كتابه، أشار أوليلا إلى أنه، وفي أعقاب حدوث ذلك التحول في شركة نوكيا، يمكن لنوكيا أن تجد لنفسها مناطق جديدة تنمو وتتوسع فيها.
هل تدخل الهواتف الذكية التي تنتجها نوكيا في حالة موت سريري عام 2017؟
وفقاً لموقع tech.first post ، أعلن جيمس رذرفورد – المدير التنفيذي لشركة مايكروسوفت لفرعي آسيا والمحيط الهادي – عن التعاون الذي سيجمع بين نوكيا وHMD Global وأنهما بصدد إطلاق العديد من الهواتف النقالة الجديدة خلال ما تبقى من هذا العام وبداية العام القادم، هذا بالإضافة إلى نية HMD إصدار هاتفين جديدين خلال الربع الرابع من عام 2016 واثنين آخرين على الأقل في أوائل الربع الثاني من عام 2017.
أضف إلى ذلك حضور المدير التنفيذي لشركة نوكيا راجيف سوري لمؤتمر MWC عام 2017 الأمر الذي من شأنه إشعال حماسة محبي هواتف نوكيا حول العالم بشأن العودة المنتظرة للشركة ولكن هذه المرة بهواتف تعمل بنظام الأندرويد.
إذاً فما هي المشكلة؟
أشار موقع tech.first post إلى أن هواتف نوكيا تتميز بقوة التصميم الخارجي، بالإضافة إلى الشعبية التي تمتلكها نوكيا بين مستخدمي الهواتف القدامى. ولكن مشكلة نوكيا الرئيسية تتمحور حول نظام التشغيل الخاص بهواتفها؛ إذ رفضت الشركة منذ البداية مواكبة التطور الذي حدث في أنظمة التشغيل الخاص بالهواتف الذكية الأمر الذي أدى في نهاية المطاف لانهيارها.
لذا، سيكون من الصعب إدارة الدفة الخاصة بنوكيا، بين ليلة وضحاها، باتجاه مغاير تماماً وهذه هي المشكلة التي ستواجهها شركة HMD العالمية، هذا بغض النظر عن أن نوكيا مازالت قابعة بشكل أو بآخر في عباءة مايكروسوفت المالكة السابقة لنوكيا.
الجدير بالذكر أنها، ومنذ تسلمها لنوكيا عام 2013 من قبل رجل الأعمال الكندي ستيفن إلوب، لم تقم شركة مايكروسوفت بأي تطوير يُذكر في هواتف نوكيا الذكية سوى الإبقاء على التصميم التقليدي لهواتف نوكيا مع إدخال نظام تشغيل الويندوز على هواتف لوميا.
لم تؤتِ خطة مايكروسوفت ثمارها، وبالتالي حاولت الشركة التخلص من نوكيا – التي وصفتها مايكروسوفت بالهواتف الخاسرة– وباعتها في نهاية المطاف لشركة .HMD global.
وبحسب موقع tech.first post، تُمول شركة HMD من قبل Smart Connect LP التي تُعد المسؤولة عن الأعمال التجارية للهواتف المحمولة الخاصة بميكروسوفت في آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا؛ وهو ما قد يعني ضمنياً أن نوكيا لازالت بشكل أو بآخر تقع تحت قبضة مايكروسوفت بعد أن ظن العالم أنهما قد انفصلا.
ستُصنّع الهواتف الذكية بواسطة شركة FIH Mobile المحدودة -وهي شركة تابعة لـFoxconn- وهو ما يعني أنه لن يصبح هناك وجود للبصمة الفنلندية على هواتف نوكيا الجديدة.
نوكيا تمضي قُدماً
جُل ما تبقى من نوكيا هو Nokia Technologies والتي ترتكز الآن على مجال الشبكات لذلك من المنتظر أن يكون إعلان راجيف سوري الهام متعلقاً بشبكات الجيل الخامس وليس الهواتف الذكية.
وفي خطوة وُصفت بالجريئة، أصدرت Nokia Technologies مؤخراً الكاميرا المعروفة باسم نوكيا أوزو 360 درجة.
وبحسب موقع tech.first post، لم تعد نوكيا مُصنعاً للهواتف الذكية، بل أصبحت مجرد علامة تجارية. لم يعد هناك أي شيء يربطها بفنلندا. لذا، فقد آن الأوان أن يتوقف طموحنا المرتبط بإمكانية إحداث نوكيا (سواء العلامة التجارية أو HMD المالكة لها) صدى واسعاً في عالم الهواتف الذكية.