ترتكز أكثرية علاقاتنا خصوصاً العاطفية منها على حاسة النظر. فحين يدخل رجل وسيم إلى مكانٍ ما، يخطف الأنظار وتلتفت النساء جميعهن نحوه. كلهن باستثناء امرأة واحدة، أنا.
إذا سألتم الشاعر الكفيف بشار بن برد، لعله أجابكم أن "الأذن تحب قبل العين أحياناً". في مشية الإنسان موسيقى لا تغش، وتمكنت أكثر من مرة أن أصف بدقّة شخصاً لم أره من خلال صوته.
كيف نقع في الحب؟
في الأفلام والأفلام فقط، يلمس الكفيف وجه كل من يتعرف إليه ليعرف شكل عينيه ورسمة شفتيه وتفاصيل وجهه. كثيراً ما أردت أن أفسر الخيال والانجذاب اللذين تثيرهما يدا الكفيف، وكأنهما تحلّان مكان تعابير الوجه، ورجفة الصوت وأسرار النظرة.
ربما تفكر، إذا أردتَ دعوة كفيفة إلى العشاء، فكيف ستختار ثيابها؟ تلتقيان؟ هل عليك أن تقرأ لها قائمة الطعام؟ أن تساعدها في الأكل؟ بينما أنت تتساءل وتتلبك، هي اختارت ثيابها ورسمت شفتيها بأحمر شفاه جذاب. اتصلت بتاكسي وها هي تنتظرك في المطعم. قرأت القائمة بواسطة تطبيق حمّلته على هاتفها الخليوي، وطلبت زجاجة نبيذ. تتكلم وهي "تنظر" إليك. تسألها إذا أحبت من قبل، وترى شبه ابتسامة على شفتيها. فلنشرب في صحة الأحكام المسبقة.
قيل لك إن الحب أعمى، لكنك لا تفهم لماذا تجد هذه العبارة في كل لغة تعرفها. فالشابة الجالسة أمامك، تتفاعل معك ومع العالم حولها ككل الشابات اللواتي تعرفهن. ينتهي العشاء، وتعرف أنك ستراها مرة أخرى. فالكثير من الأسئلة تحوم في رأسك، وتشعر بأنك جاهز لإعطائها ثقة عمياء.
حقاً يحتاج المجتمع العربي إلى أناس كطه حسين، يبرهنون أن الكفيف أيضاً يفكر ويطمح ويدرس ويحب، وعندها، لربما ينكسر الجليد في العلاقات مع ذوي الاحتياجات الخاصة.
ليس من المطلوب أن تتجاهل وضع الكفيف الذي تلتقي به. فالأسئلة التي تدور في رأسك دارت في رؤوس الجميع، وطرحها كثيرون قبلك. من سبب إعاقتي إلى توفر البورنو للكفيفين، تجرأ ناس لم أعرفهم أكثر من ساعات قليلة، على أن يسألوني عن كل خانة من حياتي. فغالباً يرسم المجتمع خطوطاً حمراء تمنعه من أن يتفاعل مع الكفيف بعفوية. غير أن الإعاقة لم تحجب يوماً عن عيني تلك الخطوط.
وما المشكلة في حال لم نقارن جمال الحبيب بالقمر؟ ومن قال أصلاً إن القمر جميل؟ لماذا لا يكون الحبيب جميلاً كالنسيم الذي يداعب شعري. فالحبيب صوت ولمسة وحضور قبل أن يكون وسامة.
عندما تلاحظ أنّ تلك الفتاة التي أعجبتك لم تصافحك حين مددت لها يدك في بداية العشاء، لا تتسرع وتقل إنها متعالية. وإن فهمت تصرفها، لا تحول العشاء إلى حفلة تكريم، تفسّر فيها أنك تحترم "الناس الذين يكافحون من أجل حياة أفضل". وإن قررت أن تراها مرة أخرى، لا تظن أن حبيبة عمياء ستغض النظر عن انشغالك بهاتفك الخليوي.
الكرة في ملعبك الآن.
فما يستحيل عليها فعله هو القيام بالخطوة الأولى نحوك.
للكاتبة :غنى أشقر.