رغم أنها كانت كلمة واحدة فحسب وردت ضمن رسالة بريد إلكتروني؛ إلا أنها أدت إلى إلحاق خسائر مالية هائلة بشركة متعددة الجنسيات. فالرسالة كُتبت بالإنجليزية من قبل شخصٍ تشكل هذه اللغة لغته الأم، وأرسلها إلى زميلٍ له تمثل الإنجليزية لغته الثانية.
ولأن المتلقي حار في فهم تلك الكلمة، لجأ إلى القاموس ليجد معنييّن متضادين لها. ولسوء الحظ وقع اختياره على المعنى الذي لم يكن يقصده المُرسِل وتصرف بناءً على ذلك.
بعد أشهر، أجرت الإدارة العليا للشركة تحقيقاً للتعرف على أسباب فشل المشروع، مما كبدها خسائر بمئات الآلاف من الدولارات، لتكتشف أن الأمر كله يعود إلى تلك الكلمة، حسبما تقول شيا سان تشونغ، الخبيرة في مجال التدريب على التواصل والاتصال والتفاعل بين الثقافات.
ورفضت سان تشونغ، التي تمارس نشاطها في المملكة المتحدة، الكشف عن تلك المفردة المُراوغة، مُعللةً ذلك بالقول إنها كلمة شديدة التخصص وتتعلق بصناعة بعينها، ولذا من الممكن حال التعرف عليها تحديد الشركة أو المشروع الذي فشل بسبب استخدامها الخاطئ في المراسلات الخاصة به.
ولكنها تكتفي بالإشارة إلى أن الأمر في ذلك المشروع خرج عن نطاق السيطرة "لأن كلاً من الطرفيّن (المُرسِل والمُتَلقي) كان يفكر في اتجاه مناقضٍ للآخر".
وعندما تقع حوادث سوء الفهم هذه، عادةً ما يُنحى باللائمة فيها على من تكون لغتهم الأم هي اللغة المستخدمة في التواصل. وللمفارقة فإن الناطقين بالإنجليزية كلغةٍ أم هم - كما تقول تشونغ - أسوأ من يُوصِلون رسائلهم مُقارنةً بأولئك الذين تشكل تلك اللغة لغة ثانية أو ثالثة بالنسبة لهم.
وتشير تشونغ إلى أن "الكثير من الناطقين بالإنجليزية كلغةٍ أم سعداء لأنها أصبحت لغةً عالمية في مختلف أنحاء الأرض. وهؤلاء يشعرون بأنهم ليسوا بحاجة لتخصيص وقت لتعلم لغة أخرى".
ولكن ذلك لا يمنع من أنه في كثيرٍ من الأحيان يجد المرء نفسه - كما تقول خبيرة مهارات الاتصال -إزاء "قاعة اجتماعات تغص بأشخاصٍ من دول مختلفة يتواصلون فيما بينهم بالإنجليزية، ويفهمون بعضهم البعض".
"وعندما يدخل عليهم فجأة شخص أمريكي أو بريطاني، لا يستطيع أحدٌ من الموجودين فهمه".

تبين أن متحدثي لغةٍ ما من غير أبنائها الأصليين، يتحدثون بشكل هادف أكثر ويعتنون بكلماتهم على نحو أكبر
فقد تبين أن متحدثي لغةٍ ما من غير أبنائها الأصليين، يتحدثون بشكل هادف أكثر ويعتنون بكلماتهم على نحو أكبر؛ تماماً كما هو معتاد من أي شخص يستخدم لغته الثانية أو الثالثة.
أما من تشكل الإنجليزية لغتهم الأم، فيتحدثون غالباً - حسبما تقول تشونغ - بسرعة مفرطة يصعب على الآخرين متابعتها، ويستخدمون في ثنايا الحديث نكاتٍ ودعاباتٍ ومفرداتٍ عامية وإشارات تخص إطارهم الثقافي هم وحدهم.
كما يستخدمون اختصاراتٍ محيرة في رسائل بريدهم الإليكتروني، فبدلاً من القول ببساطة إنهم "خارج المكتب" بالإنجليزية المباشرة، يؤثر بعضهم كتابة اختصارٍ مثل "OOO" بدلا من عبارة "out of the office".
وتخلص تشونغ للقول إن "الشخص الذي تشكل الإنجليزية لغته الأصلية هو الوحيد الذي قد لا يشعر بالحاجة إلى التأقلم مع الآخرين أو التكيف معهم".
أقم صلة بينك وبين جمهورك
في ظل حقيقة أن الإنجليزية لا تشكل اللغة الأم لغالبية المتحدثين بها في العالم، فقد أصبح أبناؤها الأصليون هم من قد يحتاجون لبذل جهدٍ أكبر للتواصل مع من حولهم وليس العكس.
وبرأي الأستاذة الجامعية جنيفر جَنكينز، أستاذة اللغة الإنجليزية ولهجاتها على مستوى العالم بجامعة ساوثهامبتون، يصبح المتحدثون بهذه اللغة كلغةٍ أم في وضع غير مناسب، إذا ما كانوا في جمعٍ يجري فيه استخدام لغتهم هذه كلغة مشتركة للتواصل بين أشخاصٍ من جنسيات وثقافات مختلفة.
ففي هذه الحالة سيصيرون هم - كما تشير جَنكينز - من يواجهون صعوباتٍ في فهم ما يُقال حولهم، وإفهام الآخرين ما يريدون قوله لهم كذلك.
فالناطقون بالإنجليزية من غير أبنائها، يستخدمون - بشكل عام - قاموس مفردات محدوداً بشكل أكبر ويلجأون لتعبيرات أبسط دون استخدام عبارات بلاغية ومنمقة أو مفردات عامية. ولذلك فهم يفهمون بعضهم البعض على نحو مباشر.
ومن بين النتائج التي خلصت إليها جَنكينز في هذا الصدد - على سبيل المثال - أن الطلاب الأجانب في إحدى الجامعات البريطانية كانوا يفهمون بعضهم البعض جيداً عندما يتواصلون باللغة الإنجليزية، وأنهم قادرون على المسارعة بتعديل طريقة حديثهم بها لمساعدة زملائهم الأقل طلاقة.
"ما معنى هذه الحروف بحق الجحيم؟"
هناك قصة يرويها مايكل بلاتنَر، وهو رئيس قسم تابع لشركة تأمين سويسرية تحمل اسم "زيورخ إنشورانس غروب"، في هذا الإطار. فاللغة الأم لهذا الرجل، الذي يعمل في زيورخ، هي ما يُعرف بـ"السويسرية الألمانية" أو الألمانية بلكنة سويسرية، ولكنه يتواصل في مجال عمله بالإنجليزية في أغلب الوقت.
ويشير الرجل إلى أن زملاءه من غير المتحدثين بهذه اللغة كلغةٍ أم، غالباً ما يخبرونه بأنهم يفهمون حديثه لهم بالإنجليزية على نحو أفضل من فهمهم لما يُقال لهم من جانب المتحدثين الأصليين بتلك اللغة.
لكن الاختصارات تشكل أحد مصادر القلق لدى بلاتَنر، الذي يروي أنه عندما تواصل للمرة الأولى لأغراض العمل مع زملاء خارج بلاده، فوجئ بأحدهم يقول: "وقت الوصول المتوقع هو 16:53" مُستخدماً في هذا الشأن الحروف "ETA" كاختصارٍ لعبارة "وقت الوصول المتوقع" بالإنجليزية. وحينذاك تساءل بلاتَنر في نفسه قائلاً "ما الذي تعنيه هذه الحروف بحق الجحيم؟"
ومما يزيد الالتباس في هذا الشأن - كما يقول الرجل - أن "بعض الاختصارات الموجودة في الإنجليزية البريطانية تختلف بشدة عن تلك المتداولة في الإنجليزية الأمريكية".
يُضاف إلى ذلك ما يسميه بلاتَنر النمط أو السياق الثقافي. ويضرب مثالاً على ذلك بالقول إنه عندما يُعلّق شخصٌ بريطانيٌ على عرضٍ ما بقوله إنه "مثيرٌ للاهتمام" فإن تفسير مثل هذا التعقيب سيختلف بين بريطاني آخر سيعتبر هذه العبارة صيغةً مخففة للقول "إن هذا هراء"، وآخرين غير بريطانيين سيفهمون تعبير "مثير للاهتمام" بمعناه الظاهري المباشر.
ويضيف بلاتنَر قائلا إن استخدام الكلمات الشاذة وغير المعتادة والحديث بسرعة أو التمتمة لا تفيد في إيصال المعنى، لاسيما إن كان التواصل يتم عبر الهاتف أو من خلال دائرة تليفزيونية مغلقة، قد تتدنى جودة الاتصال أثناء استخدام أيٍ منهما.
ففي هذه الحالة - كما يقول بلاتنر - يبدأ المرء في الانفصال عن المحادثة برمتها والشروع في القيام بأي شيء آخر نظراً لانعدام أي فرصة للفهم.
ويشكو بلاتَنر من أن الناطقين بالإنجليزية كلغة أم يستحوذون عادةً على نحو 90 في المئة من وقت أي اجتماع يشاركون فيه، رغم أن الحاضرين الآخرين قد "وُجهت لهم الدعوة للحضور لسببٍ ما"، على حد تعبيره.
ويتفق مع هذا الرأي دَيل كولتر، وهو المسؤول عن قسم اللغة الإنجليزية في مؤسسة "تي إل سي إنترناشيونال هاوس" لتعليم اللغات في مدينة بادن السويسرية.
ويقول في هذا الشأن: "غالباً ما يفتقر من يتحدثون الإنجليزية وحدها دون أي لغة أخرى، للوعي بكيفية استخدام إنجليزيتهم" مع الآخرين ممن لا تشكل هذه اللغة لغتهم الأم.
وفي هذا الصدد، يروي كولتر موقفاً شهده من قبل في برلين، تحديداً في شركة مُدرجة في قائمة مجلة "فورتشَن" لأكبر 500 شركة أمريكية. فقد رأى الرجل موظفين من ألمانيا يستمعون إلى إحاطةٍ من جانب مسؤولٍ في مقر الشركة بكاليفورنيا عبر دائرة تليفزيونية مغلقة.

بتكر جان بول نرير ما يُعرف باسم "غلوبيش"، وهي نسخةٌ شديدة التنقيح والبعد عن الإطناب والزخرفة من اللغة الإنجليزية، لا تضم سوى 1500 مفردة لتسهيل التواصل بها
ورغم أن هؤلاء الموظفين الألمان يجيدون الإنجليزية، فلم يتسن لهم سوى التعرف على جوهر ما قاله المدير الأمريكي للمشروع الذي يعملون جميعاً عليه، لا أكثر.
ولذا فقد توافقوا على صيغةٍ ما لما يحسبون أنه قيل لهم، وهي صيغة قد لا تتسق بالضرورة - كما يشير كولتر - مع ما كان يقصده مديرهم الذي تحدث من كاليفورنيا. وهو ما يعني حسبما يقول الرجل أن "الكثير من المعلومات يذهب سدى".
عندما تكون البساطة هي الحل
وبرأي جان بول نرير، وهو فرنسي كان في السابق مديراً تنفيذياً كبيراً بإدارة التسويق الدولي في شركة "آي بي إم"؛ فإن الناطقين بالإنجليزية كلغةٍ أم هم غالباً ما يُعرّضون فرص إبرام صفقات تجارية للخطر، بسبب طريقة استخدامهم للغتهم.
ويوضح بالقول إن كثيراً للغاية من المتحدثين بالإنجليزية من الأجانب، خاصة من الآسيويين والفرنسيين، يحرصون بشدة على ألا يُراق ماء وجههم، إذا ما تبين خلال محادثةٍ ما أنهم لا يفهمون ما يدور فيها من حديث، ولذا فهم يومِئون بالموافقة "حتى وإن كانوا لا يدركون على الإطلاق ما يُقال لهم".
ولهذا السبب، ابتكر نرير ما يُعرف باسم "غلوبيش"، وهي نسخةٌ شديدة التنقيح والبعد عن الإطناب والزخرفة من اللغة الإنجليزية، لا تضم سوى 1500 مفردة، وتعتمد قواعد نحوية مبسطة وسليمة في الوقت نفسه.
ولا يعتبر نرير ما ابتكره لغةً وإنما "أداة" للتواصل. ومنذ أن أطلقها في عام 2004، باع أكثر من 200 ألف كتاب بـ 18 لغة مختلفة، لتعليم التحدث بها.
ويرى الرجل أن نجاح المرء في التواصل بفعالية باستخدام لغة مُبسطة محدودة في عدد مفرداتها، يؤدي لتجنب إهدار الوقت، وتحاشي سوء الفهم وارتكاب الأخطاء في الحديث والاتصال.
أما رَوب ستيغلز، وهو مسؤولٌ كبير في مجال تسويق أنشطة عملاق الاتصالات "إن تي تي كوميونيكاشِن" في أوروبا، فلديه نصيحةٌ للناطقين بالإنجليزية كلغة أم، وذلك بوصفه إنجليزياً بذل جهوداً مضنية لتعلم التحدث بالفرنسية.
إذ يقول الرجل، المقيم في باريس، إن على هؤلاء الحرص على أن يكون حديثهم مُختصراً وواضحاً ومباشراً، والسعي لتبسيط هذا الحديث في الوقت نفسه. ولكنه يستدرك بالقول إن هناك فارقاً دقيقاً بين أن يجري ذلك باقتناع ورغبة في التواصل مع المحيطين، أو أن يتم على نحو ينطوي على تفضَل وتعطفٍ على الآخرين. ولعل هذه المعادلة الدقيقة هي ما تجعله يصف الأمر برمته بأنه "سيرٌ على حبل مشدود".
أعطِ للآخرين فرصة

بماذا تشعر عندما تنهي مكالمة مع شخص آخر بلغة أجنبية وأنت لا تفهم ماذا كان يقصد بالضبط؟
وتُسدي جنيفر جَنكينز بعض النصائح للمتحدثين بالإنجليزية كلغةٍ أم، ممن يحاولون استخدامها للتواصل مع مجموعة من الأشخاص متفاوتي القدرات فيما يتعلق بإتقانها.
ومن بين هذه النصائح، أهمية أن يكون المرء مُتقبِلاً لما يستمع إليه، وقادراً على أن يُكيّفَ لغته لتصبح مفهومةً من جانب أصحاب هذه المستويات المختلفة من الطلاقة اللغوية.
كما يتعين عليه التحلي بالقدرة على التجاوب مع الطرق المختلفة والمتنوعة التي يستخدم بها الآخرون المفردات والتعبيرات الإنجليزية، دون أن تأنف أذناه منها.
وترى جَنكينز أن من تعلموا لغاتٍ أخرى يتقنون القيام بما نصحت به، "لكن الناطقين بالإنجليزية كلغة أم يكونون عامةً من المتحدثين بلغة واحدة، ولا يجيدون كثيراً الانتباه للاختلاف والتباين في استخدام اللغة".
ويشكو ستيغلز من بعض تصرفات هؤلاء خلال الاجتماعات، إذ يقول إنهم يميلون إلى التحدث بوتيرة سريعة، يحسبون أنها الوتيرة الطبيعية للحديث، ويسارعون إلى أن يملؤوا بأنفسهم الثغرات التي قد تنشأ خلاله أيضاً.
ولكن هذا قد يؤدي إلى مشكلات يواجهها حاضرو الاجتماع الآخرون، ممن تشكل الإنجليزية لغةً ثانية أو ثالثة لهم، فربما يعرقل ذلك - كما يقول ستيغلز - محاولاتهم لاستنباط معنى ما يُقال لهم.
ولذا ينصح بأن يتريث المتحدث للحظة، ويعطي لمستمعيه فرصة فهم ما يقول، وإلا فقد يخرجون من الاجتماع دون استيعابٍ لأيٍ مما قيل فيه، أو قد لا يتبع هذا اللقاء تنفيذ ما أراده الداعي له، لأن من حضروه لم يفهموا ببساطة ما الذي كان يُراد منهم.
ولتجنب مواجهة مواقف مثل هذه، يوصي ستيغلز بأن يشرح المتحدث النقطة الواحدة خلال الاجتماع بطريقتين أو ثلاث، وأن يسعى للتحقق - بشكل ما - مما إذا كان الحاضرون يستوعبون ما يُقال، إما عبر السعي للتعرف على ردود فعلهم إزاءه، أو من خلال مطالبتهم بالإقدام على فعلٍ معين، يشي بفهمهم لحديثه.
فمن شأن عدم وجود مشاركة من قبل حاضري أي نقاش أو اجتماع - كما يقول ستيغلز - جعل المتحدث فيه غير متيقن مما إذا كان حديثه قد فُهم من جانب المحيطين به أم لا.