كيف يمكننا عيش حياة سعيدة ؟ أو ما هو الشيء الذي بإمكانه أن يجعل حياتنا جميلة حقًا؟ هل هو المال ؟ الشهرة؟ علاقتنا بالآخرين ؟
حتمًا سألت نفسك هذا السؤال عشرات بل مئات المرات، وسأخبرك بالجواب وبالخطوات العملية التي تجعل حياتك رائعة ..
في محاضرة من محاضرات تيد ألقى الطبيب النفسي روبرت والدنجر سؤالًا: إذا أردت أن تستثمر حياتك ولحظاتك الحالية لخلق مستقبل أفضل لك، ما هو الشيء الذي ستركز عليه؟ أين ستصب طاقتك ووقتك وجهدك؟
وكانت إجابة 80% من البشر هدفهم في الحياة هو أن يصبحوا أغنياء، فإختاروا أن يضعوا كل تركيزهم على العمل، بينما 50% من الشباب يرون أن هدف الحياة هو أن يصبحوا مشاهير، لكن ما يؤكده د.روبرت بناء على دراسة علمية امتدت لـ 75 عامًا أن هذا الجواب خاطيء تمامًا، فلا المال ولا الشهرة هى التي تضمن لك حياة سعيدة، حسنًا ما هو هذا الشيء إذن ؟!
أطول دراسة في التاريخ
في دراسة قام بها مجموعة من المختصين في جامعة هارفارد، والتي يرأسها دكتور روبرت، بدأت تحديدًا في عام 1938 واستمرت نحو 75 عامًا، بهدف تتبع حياة 724 رجلًا، من أماكن مختلفة، ولكل منهم ظروف حياتية مختلفة، تابع المختصين المشاركين في الدراسة في كل تفاصيل حياتهم، متابعة في العمل، في الحياة اليومية، متابعة حالتهم الصحية والنفسية، مراقبة كافة التفاصيل كما لو كانوا يعيشوا معهم، متابعة التغيرات التي تحدث في حياتهم من عام لآخر، التعرف على زوجاتهم وأطفالهم، ويراقب المختصون كيف أن حياة هؤلاء المشاركين تتحول تدريجيًا دون شعور أو إهتمام منهم، عندما بدأت الدراسة كانت أعمار المشاركين تتراوح ما بين الـ 18- 20 عام، الآن ما بقي منهم في التسعينات من عمرهم، هذا النوع من الدراسات نادرًا ما يصمد ويستمر، تخيل أن تقوم بدراسة تمتد لـ 75 عام !
الأسباب كثيرة لإنهيار دراسات كهذه، وبالفعل معظها تنهار في غضون 10 سنوات، لأن الأشخاص أنفسهم التي تجرى عليهم الدراسة ينسحبون، أو الممولين يتوقفوا عن التمويل، أو أن الباحثين أنفسهم يتشتتون وينشغلون بأمور أخرى، لذلك صمود هذه الدراسة حتى الآن هو مصدر فخر وسعادة ومكسب لنا.
ولحسن الحظ استمرت هذه الدراسة التي تبقى فيها 60 رجل من أصل 724 بدأت بهم، هؤلاء الـ 60 هم من بقوا على قيد الحياة، واستمروا في المشاركة، معظمهم في الـ 90 من عمرهم.
منذ عام 1938، استهدفت الدراسة مجموعتين من الشباب، المجموعة الأولى كانوا طلاب في جامعة هارفاد، أما المجموعة الثانية فهم أطفال تم إختيارهم من أفقر أحياء بوسطن، حياتهم وظروفهم صعبة، منهم كان لا يجد المسكن، ومن يحصل على قوت يومه بالكاد، وللحصول على أفضل النتائج من كلا المجموعتين، كان القائمين على الدراسة يدخلون في تفاصيل حياتهم، بدءًا من زيارتهم في بيوتهم، والجلوس مع والديهم، مرورًا بمتابعة حالتهم الصحية مع الأطباء، ومسح أدمغتهم، ومراقبة حالتهم النفسية.
بعد سنوات، كبروا هؤلاء وعملوا بكافة مناحي الحياة، منهم العمال والأطباء والمدرسين والمحامين، ومنهم من ضاعت حياته في الكحول، ومنهم من أصيب بإنفصام الشخصية، منهم من صعد السلم الاجتماعي من الأسفل حتى وصل إلى أعلى نقطة، وحقق إنجازات هائلة ومشرفة، ومنهم من قام بالرحلة ذاتها لكن في الإتجاه المعاكس، ونزل إلى ماهو أدنى من الصفر.
والآن .. ماذا نستخلص من هذه الدراسة ؟ ماذا نتعلم ؟
أثبتت الدارسة أن المال والشهرة والعمل بكد لا علاقة لهم بعيش حياة سعيدة حياة جيدة، وأن الشيء الوحيد المسؤول عن سعادتنا في الحياة: علاقتنا بالآخرين ، وما علينا تعلمه ثلاث دروس:
الدرس الأول
هو أن علاقتنا بالآخرين مهمة لنا كبشر، فنحن بطبيعتنا مجبولين على التواصل، على التعامل مع الآخرين، لم نخلق لنعيش في عزلة، ولهذا أصعب شعور يشعر به الإنسان؛ الوحدة، هذا ليس كلام عاطفي، فالأبحاث تؤكد أن الأشخاص الذين لديهم علاقات جيدة مع الأسرة، والأصدقاء، والمجتمع، هم أكثر سعادة ويتمتعون بصحة جيدة، ليست فقط الصحة النفسية بل الجسدية أيضًا، والمفاجأة أنهم يعيشون أكثر مقارنة بأولئك الذين يعيشون بمنعزل عن الناس.
الدرس الثاني
ستخبرني الآن أنك تشعر بالوحدة وسط حشد من الأصدقاء والأهل .. أليس كذلك ؟
حسنًا هذا درس ثاني علينا تعلمه، وهو أن العلاقات الجيدة فقط، هى التي نستحق أن نعيشها، العبرة ليست في عدد العلاقات، عدد الأصدقاء، الفكرة في العلاقات السوية الجادة التي تساعدك على المضي قدمًا، التي توفر لك الطمأنينة والهدوء النفسي، لا تلك التي تستنزفك وتصيبك بالقلق والخوف والاضطرابات نفسية !
صدقني العلاقات المضطربة لا تصيبك فقط بحالة نفسية سيئة، بل انها تتسبب في متاعب جسدية أيضًا، في دراسة حديثة يوصف علماء النفس مستوى الألم الذي يعيشه شخص محطم، أنه في مرحلة التعافي يشعر بنفس الألم النفسي والجسدي الذي يشعر به المدمن خلال فترة العلاج، نفس ركلات الألم في جسده ، نفس الإكتئاب، نفس الضياع، لذلك حافظ على نفسك وروحك ولا تورط نفسك في علاقة أنت تعلم أنها تدمرك.
الدرس الثالث
والدرس الثالث أن العلاقات الجيدة هى ثروة حقيقية، شيء لا يقدر بثمن، نعمة تستحق التقديس والشكر دائمًا وأبدًا، صدقني كل شيء يرحل، كل شيء ينتهي، لكن علاقتتنا بالآخرين هى ما يبقى ويدوم، علاقتك بشخص آدمي تشعر معه بمعنى الحياة، شخص يمكنك الإعتماد عليه، هدية حقيقية إذا ذهبت لن تعود، فحافظ على علاقتك الجيدة بالآخرين، وتذكر أنها ليس من السهل إيجاد علاقات سوية دائمًا.
وفي هذه النقطة علميًا؛ العلاقات الجيدة أفضل وسيلة للوصول إلى السلام الداخلي، والاستقرار النفسي، فالأبحاث تقول أن الأشخاص الذين يعيشون علاقات جيدة، ويشعرون حقًا بإمكانية الإعتماد على الطرف الآخر، يتمتعون بذاكرة جيدة لفترة أطول، على عكس من يفتقدون الثقة في علاقتهم ويشعرون بالوحدة وبأنهم لا يمكنهم الإعتماد على أحد، تتراجع الذاكرة لديهم بشكل ملحوظ.
والآن .. ماذا عنك ؟
بعد أن عرفت أهيمة علاقتنا بالآخرين وتحديدًا العلاقات الجيدة، اجلس مع نفسك قليلًا وراجع علاقاتك بالآخرين، ابحث عن أسباب الخلافات ونقاط الضعف، في أي علاقة أنت طرف فيها، حاول أن تصلح الأمر، أو انسحب تمامًا وكف عن العبث بالآخرين، كف عن أذى نفسك، كف عن تضييع وقتك ووقتهم…
لكن الجميل في الأمر أنه يمكن تدارك الموقف، أي في حال كان هناك خلافات من أي نوع في علاقتك بالآخرين ، يمكنك تغيير الحالة بالكامل بقليل من الإهتمام، نعم .. فكل ما نحتاجه نحن البشر لكي نعيش حياة جيدة؛ العلاقات الجيدة المتينة، التي تزيد من ثقتنا بأنفسنا، تزيد من إقبالنا على الحياة، تجعلنا نشعر بقيمة أنفسنا، بقيمة المشاركة والمودة والعطاء.
وأخيرًا؛ بعد كل هذا الكلام عن علاقتنا بالآخرين ، هل تدرك حقًا أهمية العلاقات الجيدة بالنسبة لك ؟ وللآخرين ؟
هلا توقفت عن إيذاء نفسك بالإستمرار في علاقات أنت تعلم جيدًا أنها تجذبك نحو الأسفل؟
وإذا كنت أنت من يسبب الأذى لشخص ما أنت على علاقة به، هلا توقفت عن العبث بالآخرين كما لو كانوا دمى تتسلى بها؟
هلا أدركت ولو قليلًا مدى الألم والاحتراق النفسي الذي يسببه الصراع في العلاقات؟