miss nau nau
ادام الله سماحتها.
تاريخ التسجيل: December-2014
الجنس: أنثى
المشاركات: 27,137 المواضيع: 1,747
صوتيات:
39
سوالف عراقية:
0
مزاجي: مشمش
العرب والبنات: تعرّفوا على قصة الوائد الأول والرجل الذي كان يحيي الموءودات
تحدثت كتب التاريخ والتفسير كثيراً عن وأد العرب للبنات قبل الإسلام، وأشارت إلى أسباب كثيرة وطرق عديدة اتبعها العرب لقتل بناتهم. ورغم ذلك قللت مراجع عدة من أهمية ما رُوي، واعتبرته مجرد قصص لا تستند إلى معايير العقل والمنطق.
الوائد الأول
تختلف الروايات في تحديد تاريخ ظهور هذه العادة بين العرب، وأول من سنها فيهم. قال هاني أبو الرب في دراسته "الوأد عند العرب قبل الإسلام وموقف الإسلام منه " والمنشورة عام 2009، بمجلة دراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية الصادرة عن الجامعة الأردنية، إن هناك روايات تقول إنها ظهرت في الأول عند قبيلة تميم، على يد زعيمهم قيس بن عاصم المنقري، ثم انتشرت في القبائل العربية الأخرى.
وروى أبو الرب أن قبيلة تميم امتنعت عن دفع الإتاوة المقررة عليها للنعمان بن المنذر ملك الحيرة، فأرسل إليهم النعمان جيشاً أكثره من بني بكر بن وائل، واستاق النعم (الإبل) وسبى الذراري (البنات). فوفدت القبيلة على النعمان، وكلّموه في رد ذراريهم. حكم النعمان بأن يُجعل الخيار في ذلك إلى النساء، أي امرأة اختارت أباها رُدت إليه، وإن اختارت صاحبها (سابيها) تركت عليه. كان بينهن ابنة لقيس بن عاصم، اختارت سابيها، ورفضت العودة لأبيها، فنذر قيس أن لا تولد له ابنة إلا وقتلها، فانتشرت هذه السّنة في تميم والعرب قاطبة بعده.
وهناك روايات أخرى، تجعل قبيلة ربيعة أول من سنّ عادة الوأد بين العرب. إذ سُبيت ابنة زعيمها، ولما أراد والدها ردها رفضت العودة إليه واختارت البقاء عند سابيها، فغضب والدها، وسنّ لقومه عادة الوأد، ثم شاع في غيرهم من العرب.
والظاهر أن نسبتها إلى سيد ربيعة أو تميم، يرجع إلى أن الرواة لم يقفوا على أول من أوجد هذه العادة، فنسبوها لربيعة وتميم لشيوعها فيهما أكثر من غيرهما من القبائل العربية، واستمرارها خصوصاً في تميم حتى مجيء الإسلام. فيذكر الرواة حوادث وأد أقدم من زمن قيس بن عاصم بكثير، مثل ما ذكروه عن سودة بنت زهرة القرشية الكاهنة، التي أراد والدها وأدها لأنها ولدت زرقاء (لونها مائل إلى الأزرق كدليل على سقمها). والوأد عند العرب أقدم من ذلك، وربما يعود إلى ما قبل الميلاد، أما نسبتها إلى قيس، فقد يعود إلى اشتهاره بوأد عدد كبير من بناته، يراوح بين 18 و12 بنتاً، بحسب ما يذكر أبو الرب.
أسباب الوأد
في كتابه "المرأة في الشعر الجاهلي" قال الدكتور أحمد محمد الحوفي، إن العرب كانوا يئدون البنات مخافة أن ينزل بهم الفقر إذ يضطرّون للإنفاق على الذكور والإناث معاً، خصوصاً أن البيئة كانت شحيحة بالزاد كثيرة الفواجع والمجاعات، والإناث فى هذه البيئة يأخذن ولا يعطين.
وذكر أن بعض العرب كان يباهي بالوأد، وبعضهم يقترفه منجاة من احتمال متاعب بنات قد يؤسرن أو يسبين أو يزوجن بغير أكفاء.
وبعض العرب كانوا يئدون نوعاً من الإناث هو الزرقاء، والشيماء (ذات البشرة الداكنة، أو التي في بدنها بقع تخالف سائره)، والبرشاء (التي بها نكت صغار تخالف بقية لونها) والكسحاء، وسبب هذا الوأد التشاؤم من هؤلاء، كما ذكر الحوفي.
قبائل عُرفت بالوأد
انتشرت عادة الوأد في القبائل العربية قاطبة ولكن بنسب متفاوتة، فكانت مستفحلة في القبائل البدوية مثل تميم وربيعة وقيس وأسد وهذيل وبكر بن وائل أكثر من القبائل المستقرة مثل قريش وخزاعة وكنانة. عزا أبو الرب في دراسته ذلك إلى أن القبائل المستقرة كانت أقل فقراً، ولا تغزو بعضها بعضاً، فلا تخاف على بناتها عار السبي، خصوصاً قريش التي كانت تقيم في الحرم وتعمل في التجارة فأمنت شر الجوع والخوف. ويتوقع أنها مارست الوأد كعقيدة دينية، فزعموا أن الملائكة بنات الله فكانوا يقولون: "ألحقوا البنات بالبنات".
الأساليب والطقوس
تعددت أساليب الوأد واختلفت باختلاف سن الموءودة. قال أبو الرب إذا كانت صغيرة دفنت في التراب حية، وإن كانت كبيرة ألقيت من شاهق، فتمزق جسدها، أو ألقيت في بئر فتموت غرقاً. وفي بعض الأحيان، تترك البنت حتى تبلغ من العمر ست سنوات فيقوم الأب بدفنها.
وذكر الباحث أن الأم كانت تحاول دائماً ثني زوجها عن وأد بناتها، وقد تتوصل معه إلى اتفاق يقضي بوأد نصف ما تلد من البنات فقط، وإحياء النصف الآخر.
ولم تكن الأم تُسلّم بوأد ابنتها إلا تحت التهديد من زوجها بهجرها أو طلاقها، فكان الرجل يطلب من زوجته وأد البنت التي ولدتها، ويقول لها: "أنتِ علي كظهر أمي إن رجعت إليك ولم تئديها". ترسل إلى نسائها يجتمعن عندها ثم يتداولنها، حتى إذا أبصرته راجعاً دستها في حفرتها ثم سوّت عليها التراب.
المتنصرون والوأد
لم يقتصر وأد البنات على العرب الوثنيين فقط، إذ قام بها بعض المتنصرين أحياناً. قال حبيب الزيات في كتابه "المرأة في الجاهلية"، إنه نقل عن عدي بن ربيعة المعروف بالمهلهل زير النساء، أنه لما وُلدت له ابنته ليلى أمر بدفنها، ثم غيّر رأيه فاستحياها (تركها حيّة).
وذكر الزيات أنه بسبب تأصّل هذه العادة في نفوس العرب قديماً، كان الوالد إذا أدركته الشفقة على ابنته وأحب استحياءها، يخفيها عن الناس لئلا يفطن إليها أحد. هكذا فعل عصيم بن مروان بابنته نضيرة أم حصن بن حذيفة، ولم يكن له ولد غيرها، فلما ولدت له رقّ لها، وقال لأمها: استرضعيها وأخفيها من الناس.
إحياء الموءودات
سيدان من سادات العرب حملا لواء الرحمة، وأنقذا من ظلمات الحفائر بنات كثيرات. ذكر الحوفي في كتابه أن صعصعة بن ناجية جد الفرزدق سمي بـ"محيي الموءودات"، وكان السبب في مكرمته هذه أنه مر برجل من قومه، تميم، يحفر بئراً، وامرأته تبكي فقال لها صعصعة: ما يبكيك؟ قالت: يريد أن يئد ابنتي هذه. فقال له: ما حملك على هذا، قال: الفقر. قال: إني اشتريتها منك بناقتين يتبعهما أولادهما تعيشون بألبانهما، ولا تئد الصبية. فرضي الرجل، وأعطاه الناقتين وجملاً فحلاً، وقال في نفسه: إن هذه لمكرمة ما سبقني إليها أحد من العرب، فجعل على نفسه ألا يسمع بموءودة إلا فداها. فجاء الإسلام وقد فدى 300 موءودة، وقيل 400.
السيد الآخر هو زيد بن عمرو بن نفيل القرشي، فكان يستحيي الموءودات، فإذا بصر برجل يهم بوأد ابنته قال له: لا تقتلها، أنا أكفيك مؤونتها، ويأخذها وينفق عليها حتى تكبر، ثم يقول لأبيها: إن شئت دفعتها إليك، وإن شئت كفيتك مؤونتها. وقيل إنه أحيا 96 موءودة.
وأد الذكور
ذكر أبو الرب أن وأد الذكور كان نادراً بين العرب، ولا تفعله القبائل البدوية إلا في سنوات الجدب والمجاعة، كما حدث بقبيلة مضر، التي أجدبت سنين فأكلوا فيها العلهز، وهو طعام كانوا يتخذونه من وبر الإبل مخلوطاً بالدم ثم يشوونه بالنار ويأكلونه من شدة الجوع، فكان ذلك سبباً من أسباب الوأد. وقد أرادت هند بنت معاوية من بكر بن وائل وأد ابنها لما ولدته، لأنها لا تجد ما يعيشه، فمنعها جارها همام بن مرّة من ذلك وأعطاها ذلولاً (ناقة حلوب)، ولقحة (امرأة مرضعة) لإعالتها.
أحياناً تم وأد الذكور لعقيدة دينية عندهم، كتقديمهم قرابين للآلهة وفاءً لنذورهم، كما فعل عبد المطلب حين أراد ذبح ولده عبد الله بأنه نذر إن ولد له 10 أبناء أن يذبح أحدهم للآلهة، لكن إخوة عبد الله لم يسمحوا بذبحه واحتجت قريش على ذلك حتى لا تصير سنة فيهم، فافتداه بمئة من الإبل بناءً على مشورة الكهنة، كما أشار الباحث في دراسته.
تشكيك وتفنيد
عدد من الباحثين والمؤرخين يرفضون ما رُوي من قصص الوأد عند العرب قبل الإسلام، بل يفندون كل ما قيل في هذا السياق، خصوصاً ما يتعلق بقصة قيس بن عاصم. في كتابه "الوأد عند العرب بين الوهم والحقيقة"، قال الدكتور مرزوق بن تنباك، إنه إذا أخذنا المجال الزمني الذي بدأ به الوأد، كما زعمت روايات المؤرخين، يكون قيس هذا قد جاوز الأربعين عندما بدأ الوأد، لأن البنت التي يزعم أنها السبب في سَنِّهِ الوأد لها، زوج لم ترد أن تعود إليه. وستكون فوق العشرين من العمر حين اختيارها لسابيها على أبيها وزوجها، وفي سن تمكنها من الاختيار. وقد أدرك قيس النبي وعاش بعده ومات في البصرة سنة 47 للهجرة، ولم يذكر أحد أنه من المعمرين، ويكون عمره دون السبعين عند موته، قضى نصفها أو أكثر في الإسلام، فإذا أخذنا العمر وحده، وجدنا أنه يستحيل أن يولد له هذا العدد من البنات بعد الأربعين من العمر، ثم يئدهن جميعاً، فقد رووا أنه وأد 8 بنات أو بضع 10 كما تزعم الرواية، أو 12 في رواية أخرى.
الروايات تجمع على سيادة قيس ومكانته في قومه وحكمته وحلمه، وتذكر أنه حرَّم الخمر في الجاهلية على نفسه، ومن كانت له هذه المكانة في قومه، والفضائل الإنسانية في نفسه، لا يمكن أن يقدم على قتل ولده بهذه الصورة، التي نقلتها كتب المؤرخين، وبالغوا فيها، بحسب ما ذكر تنباك.
وأوضح تنباك أن الروايات تروي عن قيس أنه كان يكره قتل أعدائه، فكيف يقتل أولاده على هذه الصورة البشعة؟ كما أنه ليس من طبيعة الأشياء أن يبدأ الرجل عملاً محدثاً مهماً كان حسناً أو قبيحاً، ثم ينتشر بسرعة مذهلة مثل انتشار الوأد كما زعموا، لا سيما أن القتل عمل تشمئز منه النفوس، وتكرهه الطبيعة، خصوصاً قتل الولد مهما كانت الأسباب والدوافع.