"الشاورما" أكلة الشارع الأشهر في العالم يعمل بها 200 ألف شخص بأوروبا.. فكيف غزا الأتراك القارة العجوز بالشاورما
قصد ديفيد هارلي، محرر صحيفة الغارديان البريطانية بالعاصمة الألمانية برلين للبحث عن شرائح الشاورما المثالية، التي يعمل في صناعتها حالياً في أوروبا أكثر من 200 ألف شخص، وتدر دخلاً يبلغ 3.5 مليارات يورو سنوياً.
وفي مقاله عن أكلة الشارع المستوحاة من تركيا، يستعرض هارلي تاريخ الشاورما وكيف وصلت إلى أوروبا مع هجرة العمال الأتراك إليها بعد الحرب العالمية الثانية.
إلى نص المقال:
عرفت تركيا الشاورما لقرون، حيث كانت تُقَدم شرائح اللحم على طبق مع الأرز والخضار. لكن مع سفر بعض المهاجرين الأتراك من محبي الطهي إلى أوروبا، شرعوا في حشو الخبز باللحم والخضار ، لتنتشر الشاورما كواحدة من أشهر مأكولات الشارع في العالم.
نُسب الفضل إلى محمد أيغون وعبد القادر نورمان لتحويلهما هذا الطبق التركي إلى وجبة شارع خفيفة بغَرب برلين في عامي 1971 و 1972 على التوالي. على الرغم من هذا، يعتقد أن أول محل شاورما افتتح في لندن عام 1966، ليمر على وجود هذه الأكلة في أوروبا حوالي 50 عاماً.
وفي مدينتي برلين، كان نجم العرض في محلات الشاورما التركية هو قطعة لحم كبيرة تلف على سيخ أمام النار. يتم تقطيع اللحم البقري أو الجاموسي الملفوف على شكل مخروطي، ليقدّم مع الخس، والبصل، الطَماطم، وصوص الفلفل الحار في رغيف خبز مسطح.
تكتسب محلاّت الشاورما جاذبيتها من انتشارها في كل مكان. نصادف هذه المحلات ونحن في طريقنا إلى البيت، في كل مكان من سيدني إلى سان فرانسيسكو. أعرف هذا لأنّي أقابل محلات الشاورما كثيراً خلال سفري في دول مختلفة.
بعد تجربة أكل الشاورما، أدركت أن هذه الوجبة الخفيفة المستوحاة من تركيا تستحق الكثير من التقدير. قد تكون الشطيرة المثالية: يشعرك اللحم الطري بمذاق لاذع لذيذ فاتح للشهية، ويضيف صوص الفلفل الحار والطماطم مذاقاً حمضياً إلى الشطيرة، يضاف لها المذاق الدسم لصوص الزبادي بالثوم، ليلف كل هذا في رغيف خبز محمص ومقرمش. تشعر بالسعادة بمجرد تذوقك لهذا المزيج.
ليست كل محلات الشاورما كبعضها البعض. فلن تخلو أي قائمة لأفضل محلات الشاورما في برلين من أسماء كـ "Imren و Tadim و Mustafa". هذه المحلات الثلاثة جيدة لدرجة كبيرة، لكنّ كل واحد يتميز بشيء ما. يستمد محل Imren جاذبيته من اللحم البقري اللذيذ. ويشتهر محل Tadim بالخبز الطازج المحمص، بينما يقف الناس في طابور لمدة 45 دقيقة لتذوق اللحم الجاموسي الطازج لدى محل Mustafa.
في كثير من الأحيان، أتخيل إعداد شطيرة شاورما تحتوي على أفضل ما لدى المحلات الثلاثة، ستكون الشاورما المثالية، شطيرة جيدة لدرجة الخيال.
وكبقية أطباق طعام الشارع العظيمة، ظهرت الشاورما إلى الوجود في أوروبا مصحوبة بتغيرات كبيرة في العالم، من بينها حركة الهجرة إلى القارة الأوروبية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
في ألمانيا على سبيل المثال، فتحت الأبواب أمام العمال الأتراك للمشاركة في المعجزة الاقتصادية الألمانية وتوافد عشرات الآلاف إلى البلد. لكن تباطؤ الاقتصاد في سبعينيات القرن الماضي 1970 وما صاحبه من تسريح للعديد من العمال الأتراك، دفع العديد منهم إلى فتح محلات شاورما.
وتخبرنا هذه القصة عن الكيفية التي تنتشر بها المأكولات في عصر العولمة وكيف تغيرت التركيبة السكانية لأوروبا خلال الـ50 عاماً الأخيرة (وكيف تقبّل سكانها هذه التغيرات).
يعمل حالياً في صناعة الشاورما بأوروبا أكثر من 200 ألف شخص وتدرُّ دخلاً يبلغ 3.5 مليارات يورو سنوياً. نشأت منظمات كرَابطة مصنعي الشاورما التركي في أوروبا للترويج للمنتج والدفاع عن حقوق عمالها. وباتت الشاورما تجارة جادة.
لكن حلم الوصول إلى شطيرة الشاورما المثالية لا زال يراودني. سمعت البعض يتحدث عن محل يدعى Meraba، بالقرب من منطقة برينزالور بيرغ وفريدريتششين في مدينة برلين، الذي يقدم شاورما ممتازة من لحم بقر، يعامل معاملة أخلاقية ويرعى دون سياج حوله يحد من حريته في الحركة.
هل يمكن أن تكون هذه الشطيّرة المثالية التي أبحث عنها؟ عليَّ اكتشاف هذا بنفسي.
كانت الشطيرة أمامي، يبدو منها اللحم المشوي على النار وقطع الخس الأخضر اللامع، أمسكت بها و تذوقتها.
كان لدي كل ما كنت أبحث عنه في شطيرة شاورما. إنها الشطيرة الوهمية: الخس الأخضر الطازج المفعم بالمذاق القوي، الخبز المقرمش الرفيع لدرجة لا تجعله يزاحم أو يطغى على مذاق بقية مكونات الشطيرة، واللحم المفعم بالمذاق اللذيذ. كانت شرائح اللحم رفيعة ومشوية ومقرمشة لدرجة يندر أن ترى مثلها في أي شاورما مطهية في مكان آخر.
أكسب الصوص الشطيرة مذاقاً أكثر جرأة: صوص الفلفل الحار، وصوص الثومية، والخردل المنعش، كل العناصر تآمرت لإضفاء نكهة خاصة للفطيرة.
أنزلت الشطيرة للحظات وشرعت أتأمل ما كان أمامي. لقد تحقق مسعاي. لن تلقى الشاورما يوماً ما مصير أطعمة الشارع التي انتقلت إلى قوائم المطاعم الفاخرة الخاضعة كالهامبورغر. لا أعتقد أننا قد نرى يوماً شطيرة شاورما معبأة بكبدة الأوز أو منثور عليها أعشاب الكمأة.
- هذا الموضوع مترجم عن صحيفة الغارديان، للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.