بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته

. فمنذ استشهاد رسول الله صلى الله عليه وآله ابتلي العالم بالمشاكل، وأصيب الناس بالمصائب.
بعد استشهاد النبي صلى الله عليه وآله ألقت السيدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها خطبة تضمّنت خلاصة أصول الإسلام وأخلاقه وفلسفة أحكامه،
قالت السيدة الزهراء صلوات الله عليها في هذه الخطبة
: «أتقولون مات محمّد؟ فخطب جليل». لعل مولاتنا الزهراء صلوات الله عليها تشير إلى هذه الحقيقة وهي أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد استشهد، وباستشهاده حلّت وستحلّ عليكم مصيبة كبرى.


إن المصائب بدأت بعد استشهاد رسول الله صلى الله عليه وآله، أي باستشهاد سيدنا المحسن والسيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليهما واستمرت إلى حادثة كربلاء واستشهاد الإمام الحسين صلوات الله عليه، واستمرت في زمن بني أمية وبني العباس ومن جاء بعدهم، ولا تزال مستمرة إلى يومنا هذا، ومنها عمليات القتل والتفجير التي ترتكب في الدول الإسلامية كباكستان وأفغانستان، وبالأخصّ في العراق حيث يقتلون زوّار الإمام الحسين وزوّار الإمام أميرالمؤمنين والإمامين الكاظمين والإمامين العسكريين صلوات الله عليهم أجمعين، وهذه المظالم والجرائم يقوم بها أتباع من بدأوا بظلم أهل البيت بعد استشهاد رسول الله صلى الله عليه وآله. فهؤلاء المجرمون يقومون بغسل دماغ الشباب السذّج، فيفجّر بعضهم نفسه بحزام ناسف أو بسيارة مفخخة وسط جموع الأبرياء من المؤمنين والمؤمنات، ومن النساء والأطفال، وهو لا يعلم من يقتل ووسط من يفجّر نفسه لأنه تعرّض للتضليل. والأسوء من ذلك أنهم يعرّفون هذه الجرائم وكذلك ظلم الذين يحكمون باسم الإسلام، يعرّفونها للعالم بأنها من ممارسات الإسلام.

يوجد في العالم اليوم أكثر من مليار ملحد، وإذا أردنا أن ندعوهم إلى الإسلام، فأيّ إسلام ندعوهم إليه؟ هل ندعوهم إلى الإسلام الذي كان أوّله قتل الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وحرق باب بيت بضعته السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها واستشهاد سيدنا المحسن واستشهاد سيدتنا الزهراء صلوات الله عليها، واستمر ولا يزال بقتل الأبرياء من محبّي وزوّار أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله؟
تعريف الإسلام إلى العالم عبر تعريف السيرة المشرقة للنبي صلى الله عليه وآله وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله بتعامله جذب إلى الإسلام الكثير والكثير من الناس، بالأخص من كانوا من المنافقين. وهنا ندرك مدى عظمة فقدان رسول الله صلى الله عليه وآله، وأن فقده كان مصيبة عظمى وكبرى. وهذه المصيبة كبرت وعظمت عندما جعلوا الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه وهو نفس رسول الله صلى الله عليه وآله، جليس البيت لخمس وعشرين سنة.
نعم، كان الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه قادراً على كسر الحصار الذي فُرض عليه، كما ذكر العديد من الروايات المتواترة من الشيعة والعامّة، ولكنه صلوات الله عليه لم يقم بذلك، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله قال له: «يا عليّ أنت محكّ هذه الأمة». فكان لابد للأمة أن تمتحن من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، فامتحنت وسقطت في امتحانها.

اليوم إذا عرّفنا سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وتعامله وأخلاقه للدنيا فسيدخل في الإسلام الكثير من اليهود والنصارى وغيرهم كما حصل في زمن النبي صلى الله عليه وآله، ولكن مما يدعو إلى الأسف أن معظم الدول التي تدّعي الحكم باسم الإسلام لا تقصّر في ذلك فحسب بل تقدّم للعالم صورة مشوّهة عن الإسلام..


لقد عاش النبي الأعظم صلى الله عليه وآله 23 سنة بعد البعثة الشريفة، عاش 13سنة منها في مكّة و10في المدينة، وخلال 13 سنة في مكّة بذل صلوات الله عليه وآله قصارى جهده لهداية الناس لكن لم يؤمن به سوى 200 شخص كان فيهم المنافقون، إلاّ أن الأوضاع في المدينة كانت تختلف عمّا كانت في مكّة حيث بلغ الحال أنه في بعض الأيام كان يتشّرف بالإسلام 200 شخص، علماً أن الرسول نفسه والكلام الذي كان يقوله في مكّة كان يقوله في المدينة، ولم يتغيّر شيء سوى أن الحرية في المدينة أتاحت الفرص له صلى الله عليه وآله، على خلاف ما كان عليه من الكبت والاضطهاد في مكّة.
إنّ الظروف في المدينة أتاحت للناس كي يعايشوا أخلاقيات وسيرة النبي صلى الله عليه وآله العطرة، ومنها تعامله مع الأسرى الذين لا والي لهم، وإيثاره وتضحياته، كما عايشوا ولمسوا خصائصه وشمائله العظيمة صلى الله عليه وآله حتى تيقّنوا أنه جاء لسعادتهم، وقد قال الله تعالى عن إقبال الناس على الإسلام: «ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً».


: إن رسول الله صلى الله عليه وآله تعرّض في مكّة وغيرها ولمدة عشرين سنة إلى أنواع الظلم والأذى، من قريش ومن المشركين ومن اليهود وغيرهم، ولكنه صلى الله عليه وآله عندما دخل مكّة فاتحاً أعلن العفو العام بقوله:
«اذهبوا فأنتم الطلقاء». بل إنه صلى الله عليه وآله عندما سمع أن أحد المسلمين كان يصيح: «اليوم يوم الملحمة»، أمر الإمام أميرالمؤمنين صلوات الله عليه أن يأخذ منه الراية ويعلن: «اليوم يوم المرحمة». فكم هو عظيم هذا الخلق وهذا التعامل.

إن رسول الله صلى الله عليه وآله صنع سياسة الأخلاق، أي جعل الأخلاق أساس السياسة، وليس سياسة الحكم والتحكّم مهما كان الثمن ومهما كانت الوسيلة. فالناس لو اتّبعوا رسول الله صلى الله عليه وآله واتّبعوا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه وساروا على نهجهما وتعاملهما لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم.

تقع في الدول الإسلامية مظالم كثيرة فتحدث الثورات، ويظن الناس أن الثورة الجديدة ستخلّصهم من المظالم، ولكن بعد فترة ولكثرة المظالم من قبل الحكّام الجدّد يصل الحال بالناس أن الكثير منهم يرتدّ حتى عن الدين..


أخلاق وتعامل رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: إن يهود بني قينقاع كانوا في أطراف المدينة فعاهدوا النبي صلى الله عليه وآله على أن لايحاربوا ولا يعينوا أعداء الإسلام، لكنهم نقضوا عهدهم وكانوا يرسلون الإعانات إلى المشركين بالخفية، فافتضح أمرهم، فحاصرهم النبي صلى الله عليه وآله خمسة عشر يوماً، فجاء إلى النبي رئيس المنافقين عبد الله بن أبي سلول وقال: يا رسول الله هؤلاء ـ أي يهود بني قينقاع ـ أصدقاء لي فاعفو عنهم لأجلي. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله له: هم لك! فلم يحاربهم النبي ولكن أمر بأن يرحلوا إلى مكان آخر.

لاحظوا عظمة خلق وتعامل رسول الله صلى الله عليه وآله، فإنه قَبِل وساطة حتى المنافق، وهذه هي سياسة الأخلاق التي أسّسها النبي صلى الله عليه وآله.

: ذكر التاريخ أن جمعاً من أعداء الإسلام جاءوا من مكّة إلى المدينة وحاربوا رسول الله صلى الله عليه وآله وبعد أن خسروا المعركة، تّم أسر بعضهم، وكان أحدهم جريحاً وكان يئنّ ويتأوّه الليل كلّه، وعندما حان وقت صلاة الصبح، جاء النبي صلى الله عليه وآله ليصلّي بالمسلمين فقال: ما نمت الليل كله لأنين ذاك الأسير!! أي أنه صلى الله عليه وآله كان متألماً على حال ذلك الأسير وهو من عدوّه.

: هل تجدون مثل هذه الرأفة ومثل هذه الأخلاق العظيمة عند غير رسول الله صلى الله عليه وآله؟
إن هذا التعامل من رسول الله صلى الله عليه وآله هو التعبير الصادق عن حقوق الإنسان، وليس ما يدّعيه الغرب وما يدّعيه حكّام الدول الإسلامية، فادّعاؤهم ليس إلاّ كذب في كذب. فلاحظوا كيف يتعامل الحكّام مع شعبوهم فضلاً عن عدوّهم. إنهم يقمعون شعوبهم حتى لأبسط مظاهرة.


التضليل والتعتيم الإعلامي المقصود على الزيارة المليونية في ذكرى أربعينية استشهاد الإمام الحسين صلوات الله عليه وقال:
إن من الملايين من الزائرين يمشون إلى زيارة الإمام الحسين صلوات الله عليه، وفيهم كل طبقات المجتمع من العلماء والأطباء والمهندسين والكسبة والتجّار والعمال والأساتذة والنساء والأطفال والشباب والكهول وغيرهم، لكن انظروا كيف تتعامل الدول الإسلامية مع هذه السيول الهادرة وهذه المسيرة المليونية، إما يعتّمون عليها أو يقلّلون من عظمتها. فقد قرأت في إحدى صحف الوهابية خبراً حول زيارة الأربعين المليونية بهذه الصيغة وبهذه العبارة: الآلاف يزورون الحسين بن علي!!
لاحظوا كيف يبخسون هذه الزيارة حقّها، مع أنهم يعلمون جيّداً أن الإمام الحسين صلوات الله عليه هو حفيد رسول الله صلى الله عليه وآله الذي يقولون إنهم يعتقدون بنبوّته.

إن القرآن الكريم يقول: «ولا تبخسوا الناس أشياءهم»، أي لا تستصغروا عمل الناس، فكيف فيما يخصّ الإمام الحسين صلوات الله عليه؟
: إن الله تعالى ينتقم للمظلوم البتة، فكيف بمظلومية وليّه الإمام الحسين صلوات الله عليه؟ ومن يبخس حقّ القضية الحسينية هل سيأمن العذاب والانتقام من الله؟

إن الملايين من الزائرين يمشون ويقطعون مئات الكيلومترات لزيارة الإمام الحسين صلوات الله عليه ويتعرّضون للقتل والتفجير، ولكنهم لايبالون بذلك بل يزدادون عزيمة وإصراراً، ويزدادون عدداً ولا يتوانون عن إحياء الشعائر الحسينية مهما كان الثمن. إذن ألا يجدر أن نكرم هذه الملايين وندعو لها؟

إن الدنيا لا تعرف مثل هذه الأمور وهذا الخلق العظيم لرسول الله صلى الله عليه وآله، بل إن الدنيا ترى عكس الحقيقة وعكس ذلك تماماً، وهذا يدلّ على أن مظلومية النبي وأهل بيته اليوم أكثر من الماضي.
لذا فإن الجميع مسؤولون بأن يقوموا بتعريف سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وأخلاقه وتعاليمه إلى البشرية كافّة بكل وسيلة من الوسائل السلمية والنزيهة وكل حسب قدرته وطاقاته وإمكاناته، ومسؤولية الدول الإسلامية بهذا الخصوص أكبر من غيرهم.
على الجميع أن يقوموا بمطالعة تاريخ وسيرة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله بتأمل وتدبّر ثم يقوموا بتعريفها للبشرية. هذا أولاً.
.
وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين