من المحتمل أنك تعرف مسبقًا عن طريق التجربة أن ارتداء الملابس الخاصة بالعمل يجعلك تشعر بنوع من التحفيز والنشاط والتركيز في أداء العمل، سواء كان ذلك عبر ارتداء البدلة الرسمية في المكتب أو حتى عبر مجرد خلع البيجاما بالنسبة لأولئك الذين يعملون من البيت.
ومن المثير أن دراسة حديثة، أجريت في كلية كيلوج للإدارة في جامعة نورث ويسترن بالولايات المتحدة، أشارت إلى أن ارتداء أنواع معينة من الملابس بصفات محددة يمكن أن يساعد في تحسين أدائك في العمل أيضًا.

وعندما ارتدى الأشخاص الخاضعون للدراسة معطف المختبر الأبيض (الخاص بالأطباء مثلا)، فإن أداءهم في اختبار "ستروب" تحسّن بشكل ملحوظ. وفي هذا الاختبار يُطلب من المشاركين قول لون الكلمة المكتوبة على بطاقة لا قول الكلمة نفسها. (مثلا تكون كلمة "أزرق" مكتوبة باللون الأحمر، وعلى المشارك أن يقول أحمر عند رؤيتها ولا يقول أزرق).


ووجد الباحثون أن المجموعة التي ارتدت المعاطف البيضاء خلال الاختبار ارتكبت نصف الأخطاء تقريبًا التي ارتكبها زملاؤهم الذين لم يرتدوا المعاطف.
وأطلق الباحثان آدم جالينسكي وهاجو آدم على هذا التأثير اسم "Enclothed Cognition" أو ما يمكن وصفه بـ"المعرفة عبر الملابس"، وهو تناص للمصطلح المعروف "Embodied Cognition"، أو "المعرفة المتجسدة"، وهي فكرة تشير إلى أن الإحساس الجسدي يمكن أن يؤثر على طريقة تفكيرنا وشعورنا. فعلى سبيل المثال، حركات الجسم التي نعتبرها تشير إلى القوة، مثل الوقوف والميل إلى الطاولة، تجعل الناس يتصرفون بثقة أكبر وترفع معدلات التستوستيرون في الجسم.

ومن المثير للدهشة فعلاً هو أن المشاركين في الدراسة الذين ارتدوا معاطف بيضاء ولكن بعد إخبارهم أنها معاطف خاصة بالفنانين، لم يكن أداؤهم في الاختبار أفضل من المتوسط. ومن هنا استنتج جالينسكي أن ارتداء الملابس ليس له تأثير في حد ذاته، إنما التأثير يكمن في المعنى الرمزي الذي تحمله هذه الملابس. بمعنى أن المعاطف البيضاء لا تحسّن أداء العمل من تلقاء نفسها، ولكنّ شعورك بأنك ترتدي معاطف خاصة بالعلماء والأطباء يجعلك تهتم أكثر وتركز بشكل أعمق، ما يؤدي إلى تحسن الأداء.



وبعيدا عن معاطف العلماء والفنانين، لم يختبر الباحثان الملابس الخاصة بباقي المهن. ومن هنا يبرز التساؤل: هل ارتداء ثوب القاضي يجعلك تتصرف بشكل أخلاقي، أو ارتداء ملابس عامل المطافي يجعلك أكثر شجاعةً؟ ماذا إذاً عن البدلة والكرافتة؟ يقول جالينسكي: "إذا كنت تربط البدلة والكرافتة بالثقة والقوة، فإن هذا التأثير سيظهر عليك. ولكن بالنسبة لبعض الناس، ارتداء البدلة يجعلم يشعرون وكأنهم متصنعون". فالأمر إذاً مرتبط بما تشكله الملابس من إيحاء ومعنى رمزي داخل عقل كل فرد.

ويطرح جالينسكي سؤالًا آخر يحتاج لمزيد من البحث والدراسة، وهو هل هذا الشعور المرتبط بالملابس لدى الشخص (كشعور الثقة والقوة المرتبط بالبدلة) يخفت ويزول مع الوقت؛ لأن الشخص اعتاد ارتداء هذه الملابس فلم تعد تؤثر عليه؟
وختامًا، هناك دراسات عديدة تشير إلى أهمية الملابس في تشكيل إدراك الآخرين لنا، لكنّ هذه الدراسة تؤكد على أهميتها في تشكيل وعينا نحن بذواتنا، لذلك على المدراء وأصحاب الأعمال التفكير في أهمية "قواعد اللباس" الخاصة بكل مؤسسة، لا من ناحية الظهور بأحسن شكل أمام العملاء، ولكن من ناحية تحسين أداء عمل الموظف.