ترانيم الامهات
(للباحث المرحوم عزيز جاسم محمد الحجيه)
الجزء الاول
تغني الامهات لاطفالهن ترانيم زاخرة ب ارق العواطف والاحاسيس والمعاني التي تستبد بوجدانهن ,وتعكس اوضاعهن وتترجم حالهن
وترانيم الامهات لاطفالهن طبيعة عفوية تتضمن ما ينطوي عليه قلب الام من محبة وحنان في مواجهة فلذات اكبادهن . فما ابهج منظر الام تحتضن وليدها وهي تفيض حبورا وغبطة انها تنظر الى وجهه وتتحسس جسمه فتبتسم له وتناغيه وتغني له لانامته وترقصه عند يقظته لتروضه على الحركة وتعود سمعه على النطق السليم
ويزخر الادب الشعبي بترنيم الامهات التي تناقلتها الالسن جيلا بعدجيل وقد بدأت تلك الترانيم التي رافقت الطفل منذ ولادته حتى صباه - بالاختفاء في الاونه الاخيرة وخشية من ضياعها بادرت الى جمع ماتمكنت من التقاطه من افواه الامهات البغداديات في محلات الفضل والمهدية وحمام المالح والسيد عبدالله والقراغول
وعسى ان يبادر محبو الادب الشعبي الى تسجيل هذا اللون من الغناء الشعبي والعناية به لانه ينطق بما ينطوي عليه قلب الام بصدق وحرارة فضلا على ما للترنيم من قيمة كبيرة من حيث دلالتها الادبية والاجتماعية والتاريخية
وترانيم الامهات اما ملوله (هدي ) او ترقيص (تهشيش ) ويجري الهدي عادة بنغم شجي هو اقرب الى الغناء البكائي (النعي) منه الى الغناء فالام اذ (تلولي ) لطفلها وهي تهز مهده او (تطب له ) انما تغني لنفسها ولابنها معا فحين تخلو بنفسها مع ولدها تترنم بعبارات تصور الامها ومشاعرها وعواطفها وكأنها تداوي بهذه الترانيم والعبرات الشجيه جروح قلبها وتهدئ اعصابها المرهقة أو كأنها تشكو ابنها بعض ما تكابده من مرارة وشقاء فأستمع الى هذه الام :
ردت الولد من بعد العيون
بعد العمام الما يحنون
ردتهم بالعمى ودومن يونون
فهي تقول :رغبت في الاولاد لاتكل عليهم بعد عيوني حيث لم اشعر بحنان اعمامهم بعد وفاة زوجي وهي ترجو للاعمام فقدان البصر ومواصلة الانين من الامهم التي تتمناها لهم جزاء لقسوتهم عليها
وهذه والدة مئناث تندب حظها لعدم انجابها من يخلف اباه:
ام الــولــد مــدت ذراع
مثــل السفينه الشالت شراع
والماعدها ولد دنكت للكاع
فهي تقول :من كان لها ولد رفعت يدها متباهية كما تتباهى السفينه عندما شراعها فتشق طريقها بواسطته وتسير بسرعه فوق الماء اما التي ليس لها ولد فانها تطأطئ راسها الى الارض
وفي روايه اخرى تقول:
ام الولي تو مــي بالذراع
مثل السيفنه الشايله شراع
والماعدها ولي دنكت بالكاع
وهذه تقول :
يحكلي لو صـــرت د لي
وطلكت الدنيه وولـــي
على ظليمتي من دون خلي
هذه الام نافرة من الحياة لشدة الظلم الذي وقع عليها بعد فراق زوجها فهي تتساءل :أليس من حقي ان اصاب بالجنون فاطلق الدنيا ثلاثا مفضلة الاخرة على حياة الظلم التي احياها دون صويحباتي واقراني؟
,وهذه ترثي حالها وتفضل الموت على البقاء في عذاب مقيم
من كثر همي غديت اتراب
مثل الذبيحه بيد كصاب
والموت اشـــــــوه من العذاب
فهي تقول لقد تغير حالي وهزل جسمي واصبحت وكأني ترابا اساق الى الموت كما تساق الذبيحة طائعة بيد القصاب ولذلك استهون الموت على ما انا عليه من عذاب أليم
وهذه تعاتب السعيده التي تتجاهل شقاء جارتها
لو عيرتني المســـعدات
شنو روس وجناتج مكجيات
هضم ودرد ياخايبات
فهي تقول :لوعيرتني ذوات الحظ السعيد بوجناتي الذابلة لاجبتهن :ذلك نتيج الشقاء والمتربة
وهذه اخرى تندب حظها لوقوفها وحيدة بين افراد العائلة لبعد اهلها وزوجها فتقول :
غريبة وجاراتي غرايب
ومالي بهل دنيا حبايب
وليلة شتا والرجل غايب
يظهر ان هذه الام تكابد هوانا من افراد عائلتها عند غياب زوجها وقد خاصموها في ليلة من ليالي الشتاء الطويلة ولاتدري لمن تشكو هما عند غياب زوجها ..وقد سكنت هنا مؤخرا بين جارات غريبات لم تتوثق اواصر صداقتها بهن ..انها قساوة الوحدة والاغتراب
ولابد هنا من الاشارة الى عادة من عادات النساء الشقيات اللواتي يزرن جارتهن السعيدات ويشكين لهن بعض همومهن معتقدات بأن تلك الشكوى قد تخفف عنهن ما هن عليه من الالام
تكلي الســـعيدة لا تمرين
ولا من شرايعنا تشربين
همج هوايـــه وخاف تعدين
فهي تقول : ان السعيدة تمنعني من زيارتها وحتى من شرب الماء من الشرائع التي تشرب منها خشية ان تصاب ببعض همومي الكثيره ..فانا عندها امرأة جرباء
وهذه ترنيمة اخرى بنفس المعنى
شفت الســــعيدة ولحكتهه
عبالى تشاركني ابختهه
اثاري البخت ألهه ولختهه
فهي تقول:رأيت السعيدة فأردت اللحاق بها لعلها تشاركني في حظها الميمون ولكني وجدت الحظ حكرا عليها وعلى اختها ..وامصيبتاه


يتبع في الجزء الثاني