أتذكر في الأيام التي كنت ساكناً فيها في مدينة تبريز أن أحد شباب العائلة قد أصيب بمرض روحي غامض ، ولشدة مرضه فقد الحالة الطبيعية لأصابعه وبعض أعضاء بدنه ، فتغير شكلها ، وتم الرجوع إلى أطباء ذلك الزمان الحاذقين ، واستعملت أدوية كثيرة ولكن بقي الأمر بلا فائدة ، وأخذ مرضه يشتد يوماً بعد يوم حتى يئس جميع الأطباء من علاجه
وفي أحد ليالي شهر محرم الحرام وبعد الغروب وأداء فريضتي المغرب والعشاء ذهبت لعيادة ذلك الشاب فوجدته في حالة صحية سيئة جداً ، ورأيت أن مرضه ذاك قد وصل إلى أشد درجاته وهو يتحمل العذاب الشديد ، فاحتملت أنه لو استمر به الحال كذلك فستبقى معاناته حتى الصباح
لقد آلمتني رؤيته على هذه الحالة بشدة وعم وجودي الغم الشديد -وكنت قد رأيت من آثار أهل البيت عليهم السلام أن من مُلئ قلبه بالحسرة ، وبكى من أعماق قلبه مع خالص النية على مظلومية سيد الشهداء عليه السلام ، فإن غمه سينجلي عن قلبه - ولم يعد لدي القدرة على التحمل فنهضت وقصدت المسجد المجاور لمنزلنا حيث كانت تقام فيه مجالس العزاء في ليالي شهر محرم الحرام لذكر مصائب مظلوم كربلاء سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام
وبعد أن صعد أحد الخطباء المنبر وقال : السلام عليك يا أبا عبدالله ، ذكر لنا ومن دون أية مقدمة أن رجلاً كان لديه مريضٌ لم تنفعه مراجعة الأطباء ، وقد عجزوا عن علاجه ، فحل اليأس في قلبه ، فتوجه إلى قبلة الحاجات إمام زمانه الإمام الصادق عليه السلام ، وشكا إليه الحال وسأله الشفاعة إلى الله في شفاء مريضه
فمكث الإمام قليلاً ثم قال وعينه تغص بالدموع ما معناه : أعندك تربة جدي الحسين عليه السلام في المنزل ؟
فقال نعم يا بن رسول الله
فقال عليه السلام ضع جزءاً منها في ماءٍ طاهر واسقه فسيشفى ببركتها إن شاء الله
ثم قال ما مضمونه : إذا كان لديكم مريضٌ فاعرضوه على الأطباء فإن لم يشفَ ويئستم فإلينا ، فإن دواء عللكم التي لا علاج لها عند آل محمد عليهم السلام
وعند سماعي لرواية الخطيب هذه ، أصبحت كالذي استيقظ من نومه ، فنهضت من مكاني بعد انتهاء المجلس وذهبت إلى الدار وأخرجت مقداراً قليلاً جداً من تربة الحسين عليه السلام كنت أحتفظ بها في منزلي ، ووضعتها في نصف قدح شاي وخلطتها مع الماء ، ثم أخذتها إلى المريض ، فلما أحس قدومي نظر إليّ بعينين يائستين ونصف مغلقتين ، قلت : كيف حالك يا عزيزي؟
قال : كما تراني !
قلت : لقد جئتك بدواء ستتناوله الآن ، فتشفى ببركته إن شاء الله تعالى وستنهض غداً من فراش مرضك بعافيةٍ ونشاط لتذهب إلى المدرسة، ثم ناولته ذلك الماء الشافي فشربه ، وأُقسم بصاحب تلك التربة المقدسة أن ذلك الشاب نهض من فراش مرضه في تلك الليلة قبيل الصبح فأدّى صلاة الصبح ثم تناول طعام الإفطار بشهيةٍ وذهب إلى مدرسته بنشاطٍ واجتهاد كاملين
وهو إلى اليوم وبعد مرور خمس وعشرين سنة على ذلك التاريخ يعيش حياته بنشاط تام ، وهو الآن متزوج وله عدة أولاد ويتمتع بصحة وعافية ببركة التربة المقدسة للحسين عليه السلام ، والحمد لله رب العالمين
وقد روي في فضل تربة أبي عبدالله الحسين - أرواحنا فداه - المقدسة ، عن المعصومين عليهم السلام : إن الحور العين إذا أبصرن بواحدٍ من الأملاك يهبط إلى الأرض لأمرٍ ما يستهدين منه السبح والتربة من طين قبر الحسين عليه السلام
ولا يترك القول إن الاستشفاء بتربة الحسين عليه السلام أو بالآيات القرآنية أو الأدعية المأثورة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام - كما ورد في حديث الإمام الصادق عليه السلام في الرواية أعلاه - كان بعد أن يئس الأطباء من معالجة المريض ، كما أن من شرط تأثيره هو التوجه والإخلاص والإيمان الكاملين ، وأي عمل خالٍ من التقوى والطهارة الظاهرية والباطنية فليس له اعتبار من الله عز وجل ، وليس له ثمر للإنسان . يقول الله عز وجل في القرآن الكريم : إنما يتقبل الله من المتقين
تفسير الثقلين لآية الله المعظم خادم الشريعة الغراء المولى المظلوم ميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي اعلى الله مقامه