المرأة في الإسلام...!!!
بسم الله الرحمن الرحيم [{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا "1"} (سورة النساء)] ما من قضية أثارت جدلاً في كل بيت مسلم .. وفي كل بيت غير مسلم .. مثل قضية الأحكام الخاصة بالمرأة في القرآن الكريم .. وما حورب الإسلام من المستشرقين ومن سار على دربهم .. مثلما حورب بقضايا المرأة في تعدد الزوجات .. وميراثها .. الذي يبلغ نصف ميراث الرجل .. أيضا شهادتها .. حيث إن شهادة الرجل بشهادة امرأتين .. وغير ذلك من الأحكام التي تعمدوا فيها القول بالباطل والمفاهيم الخاطئة .. لإثارة الناس .. ولو علموا ما تجاهلوا. لكن فجأة .. وبعد أن طحنت التجربة المرأة في أوروبا وأمريكا .. وبعد أن أصيبت مجتمعاتهم بأمراض عضوية وخلقية .. إذا بهم لا يجدون طريقاً إلا الطريق الإسلامي .. مضطرين إليه اضطرارا .. بعد أن بينت لهم التجربة النتائج المدمرة التي يمكن أن تحدث عندما يشرع الناس لأنفسهم .. ويتركون ما شرعه الله لهم .. لقد قالوا: لا طلاق .. زواج كاثوليكي .. امرأة واحدة فقط .. وأخذوا يتباهون أنهم وجدوا الحل الأمثل للحياة .. وإذا بالكنيسة الكاثوليكية نفسها ـ التي تبنت هذا القانون ـ هي التي تلغيه تحت ضغط المشاكل الهائلة التي حدثت منه .. وإذا بهم يوم إلغاء هذه الأبدية وإباحة الطلاق .. تقام أربعون ألف قضية طلاق .. في يوم واحد .. في روما وحدها!! وذلك نتيجة للإرهاب الفكري المتسلط. وقالوا: لا ترضعوا أولادكم .. وأنشأوا شركات تصنع اللبن للطفل .. مدعين أن هذا اللبن الذي يصنعونه هو افضل من لبن الأم .. الذي خلقه الله سبحانه وتعالى .. وهو العليم بخلقه .. وما يصلح، أو ما لا يصلح لهم .. ثم مرت السنوات .. وللأسف الشديد .. الدول الإسلامية قلدت دول الغرب .. وقلد أطباؤنا أطباءهم .. ثم ماذا حدث؟ .. أثبتت الأبحاث أن لبن الأم .. هو الذي يعطي الطفل المناعة طوال حياته .. وأن البعد عن لبن الأم انشأ أجيالاً مريضة جسدياً ونفسياً وعقلياً. وأفاقت المجتمعات الغربية .. فأخذت تصيغ قصائد المدح في لبن الأم وفوائده .. وما يفعله في الطفل .. وإذا بكل وسائل الدعاية .. تدعو الأمهات لإرضاع أطفالهن .. لأن الطفل لا يأخذ من ثدي أمه اللبن فقط .. ولا الصحة فقط .. ولكن يأخذ منه الحنان .. والشعور بالأمان والانتماء للأسرة .. وكل ما هو طيب في هذه الحياة. الفكر المرفوض ونحن لأننا نجري ونلهث، وراء الحياة المادية الغربية، التي بهرتنا بقشورها، وكما لهثنا وراءهم، في بيان مزايا ألبان الأطفال التي تنتجها الشركات، لهثنا وراءهم ندعو المرأة إلى ضرورة إرضاع طفلها عامين كاملين، ونسينا القرآن الكريم الذي أمرنا بذلك منذ أربعة عشر قرناً، ونسينا قول الله سبحانه وتعالى: [{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ .. "233"} (سورة البقرة)] وهكذا عاد العالم كله، مكرهاً إلى شرع الله، لم يعد عن إيمان، ولا عن اعتناق للدين، ولكنه عاد بعد تجارب عديدة وأليمة، أراد الله سبحانه وتعالى برحمته أن يقينا شرها .. ولكننا تركنا حكم الله، ثم عدنا مكرهين إليه لأن الحياة لا تستقيم بدونه. وتحدث الغرب عن حرية الجنس .. وكيف أن المرأة لابد أن تكون لها الحرية في أن تفعل ما تشاء، على أنها حرية شخصية، وقد وصل الحد بدولة كبريطانيا، أنها أباحت الشذوذ الجنسي، واعتبرته أمراً مشروعاً ومباحاً .. ثم ماذا حدث؟! اكتشفوا مرض الإيدز الذي لا علاج له .. وإذا بأبواق بالإباحة في العالم، ودعاة الحرية الشخصية وغير ذلك .. يقولون: إنه لا علاج لهذا المرض إلا بالتمسك بالفضيلة .. وأن مرض الإيدز لا يصيب الزوج وزوجته إذا ما اكتفى كل منهما بالآخر، ولكنه يصيب كل من يتجاوز هذه الحدود. وعاد العالم يدعو إلى التزام الفضيلة والتمسك بها، وهو ما أمر به الله تبارك وتعالى.. ولكن المجتمعات الغربية بعدت عنه بدعوى الحرية الشخصية .. وإذا بها تعود .. ليس عن إيمان كما قلت، ولكن لأنها قاست النتائج المرة لمنهج حياة البشر .. وإذا بها تعود وتطالب بالفضيلة .. وتحث الناس عليها .. ولكن لأسباب دنيوية .. وليس لأسباب دينية. وهكذا في كل شيء، خالف الناس فيه شرع الله في أمور الدنيا .. حتى نظام البنوك التي يستخدم فيه الربا .. أوجد من المشاكل الاقتصادية في العالم ما جعل الدول الغنية تزداد غنى، والدول الفقيرة تزداد فقراً، حتى وجد من كبار رجال الاقتصاد الغريبين .. من يقول: إن اقتصاد العالم أن يعتدل، إلا إذا كانت الفائدة تساوي صفراً، ولو أنه قرأ القرآن الكريم، لوجد أن الله تعالى قد أخبرنا بذلك منذ أربعة عشر قرناً، ولكننا نبذنا ما قاله الله .. ووضعنا نظاما بشريا .. أصاب الدنيا بالكوارث .. المرأة قبل الإسلام هذه مجرد إشارات لموضوعات سنتناولها بالتفصيل في هذا الكتاب؛ لنرد على كل ما يقال .. عن أحكام المرأة في الشريعة الإسلامية، سواء كان الذين يقولونه ينتمون زيفاً إلى الإسلام، أو كانوا ممن يحاربونه علناً. وقبل أن نبدأ الحديث .. لابد أولاً أن نستعرض كيف كانت حالة المرأة قبل الرسالة ثم نبين بعد ذلك كيف أن الإسلام أعاد للمرأة كرامتها وشخصيتها .. وأنزلها مكانة عالية .. لم تكن القوانين الوضعية في ذلك الوقت .. وقد وصلت ولو إلى جزء منها؟ إننا لو أخذنا مثلاً قوانين اليونان نجد أن المرأة كانت تدخل ضمن ممتلكات ولي أمرها، فهي قبل الزواج .. ملك لأبيها أو أخيها، أو من يلي أمرها .. وهي بعد الزواج ملك لزوجها .. فليس لها تصرف في نفسها .. وهي لا تملك ذلك .. لا قبل الزواج ولا بعده .. وهي تباع لمن يشتريها .. والذي يقبض الثمن هو ولي الأمر! وفي القانون الروماني .. كانت المرأة تعامل كالطفل أو كالمجنون، أي لا أهلية لها، وكان لرب الأسرة أن يبيع من يشاء من النساء، ممن هن تحت ولايته، وتظل المرأة تحت سلطان ولي أمرها، سواء كان أباً أو زوجاً حتى الموت .. وله حق البيع والنفي والتعذيب، بل والقتل! وفي شريعة اليهود .. تعتبر المرأة في منزلة الخادم عند بعض فرق اليهود، وتحرم الأنثى من الميراث، سواء كانت أماً أو زوجة إذا ما كان للميت ذكور، وهذا موجود في الأصحاح 21 من سفر التكوين. إن قوانين الأحوال الشخصية للإسرائيليين تقول: إذا توفى الزوج ولا ذكور له .. تصبح أرملته زوجة لشقيق زوجها، أو لأخيه من أبيه، ولا تحل لغيره إلا إذا تبرأ منها ورفض الزواج بها. وفي القانون الصيني .. كانت القاعدة أن النساء لا قيمة لهن .. ويجب أن يعطين أحقر الأعمال، وفي القوانين الهندية .. لا يحق للمرأة في أي مرحلة من مراحل حياتها أن تجري أي أمر وفق مشيئتها ورغبتها، وأن المرأة في مراحل طفولتها تتبع والدها، وفي مراحل شبابها تتبع زوجها، فإذا مات الزوج تبعت أولادها. المرأة المفترى عليها بين جهل البشر وتكريم الإسلام وفي أوربا .. كانت المرأة وقت ظهور الإسلام سلعة .. تباع وتشترى وتعذب .. وتأخذ أشق الأعمال بأقل الأجور. تلك لمحة سريعة .. عن بعض الأحوال والقوانين التي كانت تخضع لها المرأة قبل الإسلام .. ولقد كتب الفيلسوف الإنجليزي "هيربرت سبنسر" في كتابه علم الاجتماع: إن الرجال كانوا يبيعون الزوجات في إنجلترا، فيما بين القرن الخامس، والقرن الحادي عشر الميلادي .. لقد وضعت محاكم الكنيسة قانوناً يعطي الزوج الحق في أن يعطي زوجته لرجل آخر لمدة محددة بأجر أو بغير أجر! وظل هذا القانون مطبقاً حتى ألغي، وفي عام 1933 .. باع إنجليزي زوجته بمبلغ خمسمائة جنيه إسترليني، وألغى القضاء هذا البيع! ولم يكن للمرأة في أوربا، حتى فترة قصيرة، حق الحضور أمام القضاء، أو حق إبرام العقود، ولا تملك البيع أو الهبة، بغير مشاركة زوجها في العقد بموافقة مكتوبة. وحتى عام 1942 .. كان الزوج هو المتصرف في أموال زوجته، ثم عدل هذا، بأن تتصرف الزوجة في أموالها، بعد أن تثبت أنها ليست أموالاً مشتركة بينها وبين زوجها. على أننا ونحن نورد هذه الأمثلة، إنما نتحدث عن قليل من كثير .. فنحن في هذا الكتاب ليس هدفنا مقارنة أوضاع المرأة في الإسلام بأوضاعها في دول العالم غير المسلمة، ولكننا نقول: إنه إذا كانت المرأة قد حصلت حديثاً في أوبا وأمريكا على حقوق ومساواة. فإن الإسلام كان أول من أعطى المرأة حقوقها، وأعاد إليها كرامتها، وأعطاها الحرية في أن ترفض أو تختار زوجها بحريتها، ولا يتم زواج الفتاة دون استئذانها وموافقتها وبشاهدين، ولها أن توكل والدها، ولها أن ترفض الزوج، ولها أن تخلعه إذا استحالت المعيشة. إن المرأة في الإسلام تحتفظ بشخصيتها القانونية المستقلة، ولها حق التملك وحق التجارة، وقد كانت السيدة خديجة رضي الله عنها تعمل بالتجارة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل زواجه منها يعمل في تجارتها، ويرعى لها أموالها. التكامل بين الرجل والمرأة وقبل أن نبدأ .. في مناقشة الموضوع تفصيلاً .. لابد أن نحدد قضية الخلاف على الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة، ذلك أن هذا الخلاف يثار دائماً لعدم فهم طبيعة الخلق من الله سبحانه وتعالى ذلك لأن الناس تحسب أن الرجل والمرأة خلقا متنافسين، ولكنهما في الحقيقة خلقاً متكاملين، أي يكمل كل منهما الآخر. اقرأ قول الحق سبحانه وتعالى: [{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى "1" وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى "2" وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى "3" إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى "4"} (سورة الليل)] لقد أراد الله تبارك وتعالى أن يلفتنا إلى قضية التكامل بين الرجل والمرأة، كقضية التكامل بين الليل والنهار .. الليل والنهار مختلفان في الطبيعة .. فالنهار يملؤه الضوء .. وهو وقت السعي وراء الرزق والحركة، والليل تملؤها الظلمة وهو وقت السكون والراحة والنوم. كلاهما (أي الليل والنهار) يختلفان في طبيعة مهمتهما في الكون، ولكنهما مع ذلك متكاملان في هذه المهمة، أي يكمل أحدهما الآخر.. فلو أن الله سبحانه وتعالى جعل الدنيا كلها نهارا، لتعب الناس لأنهم لا يجدون وقتاً تسكن فيه النفوس وتطمئن القلوب، ولا يجدون الراحة التي توفر لهم الاستعداد لاستقبال الحركة في الحياة. ولو أن الله سبحانه وتعالى خلق الكون كله ليلاً، ما استطاع الناس الحركة ولا العمل، ولا السعي على الرزق إلا بصعوبة. واقرأ قول الحق جل جلاله: [{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ "71" قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ "72"} (سورة القصص)] إن الله سبحانه وتعالى يلفتنا إلى أن مهمة الليل والنهار في الكون هي مهمة متكاملة، وليست متعاندة، أي لا يعاند بعضها بعضاً، ولكن يكمل بعضها بعضاً وهذا واضح من حركة الحياة. الإنسان إذا لم يسترح ويسكن ليلاً، لا يستطيع السعي والعمل نهاراً، والإنسان الذي تضطره ظروفه مثلا .. أن يواصل العمل ليلاً ونهاراً، لا يمر عليه يومان إلا ويكون قد فقد القدرة على العمل والحركة، ولابد أن ينام فترة توازي فترة ليل اليومين اللذين قضاهما مستيقظاً. النوم بالليل هو الذي يعطي الراحة الحقيقية للجسم، ذلك أن حركة الحياة تهدأ ليلا، مما يتيح للإنسان نوماً عميقا .. فضلاً عن ذلك فإن النوم ليلاً ـ كما ثبت من الأبحاث الطبية الحديثة ـ يعطي الجسد راحة لا يعطيها له نوم النهار. كذلك لا يستطيع أحد أن يقول: إن الليل والنهار متعاندان .. بل هما متكاملان .. يكمل كل منهما الآخر. ولكي تستقيم الحياة، لا يستغني الإنسان عن ليل أو نهار. أيضاً الرجل والمرأة خلقهما الله سبحانه وتعالى متكاملين وليسا متعاندين. الرجل له وظيفته في السعي على الرزق، ورعاية زوجته وأولاده، وتوفير أسباب الحياة لهم. والمرأة لها مهمتها في رعاية البيت وإنجاب الأولاد .. وتكون سكناً للزوج عندما يعود إلى بيته متعباً من حركة الحياة، تستقبله بابتسامة تمسح له شقاء اليوم، ويجد كل ما يحتاج في بيته معداً، ولذلك قال الله تبارك وتعالى: [{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ "21"} (سورة الروم)] وهكذا حدد الله سبحانه وتعالى المهمة المتكاملة للرجل والمرأة، فكلاهما يكمل بعضه بعضاً، لا الرجل يصلح لمهمة المرأة في إنجاب الأطفال ورعاية البيت، وتربية الأولاد والعناية بهم، ولا المرأة مهمتها الأساسية أن تسعى في سبيل الرزق؛ لتوفير لقمة العيش للرجل، وليس هذا على مستوى الأفراد والأمم فقط، ولكنه شمول للكون وما فيه ومن فيه، وإن كانت هناك نساء تسعين على الرزق، فإن ذلك يكون في حدود إمكاناتها واستعدادها الفطري مع شمولها بالكرامة، وإحاطتها بكامل الرعاية. لا يوجد رجل يبقى في البيت وامرأته تعوله وهو قادر على الكسب، إلا نال احتقار الناس بما فيهم زوجته، ولا توجد امرأة إلا تتمنى أن تعيش في حماية رجل يوفر لها كل شيء ويرعاها. تلك هي سنة الله في كونه بصرف النظر عن الإيمان وعدم الإيمان، ومن تمام الحياة، أن يؤدي كل إنسان مهمته فيها، أما قلب الموازين، فلا ينجم عنه إلا الشقاء للإنسان. ولكن ما الذي حدث؟ .. أخذت القضية غير مسارها .. وأصبح هناك شبه معركة بين الرجل والمرأة، فلا المرأة قنعت بدورها ومهمتها، ولا الرجل رضى بمهمة المرأة في الحياة، بل كلاهما دخل في معركة متعاندة. وهذا هو الذي أوجد القضية التي ما كان يجب أن توجد لو أن كلاً منهما رضى بمهمته في الحياة. إنها فتنة صنعها الحاقدون على أنفسهم وعلى كل القيم النبيلة بغية الظهور العارض والالتفاف للذات لإثبات وجودهم، ولو كان الإثبات على خطأ. لكن المرأة أصرت على أن تزاحم الرجل في العمل والرجل استسلم لمزاحمة المرأة، بل ودفعها إلى ذلك، فما الذي حدث؟ .. حدث اختلاف في المجتمع. بعض الناس يقول: إن الضرورة قضت عمل المرأة. ونحن لا نتحدث هنا عن وضع متفرد يمثل ظاهرة عارضة تعالج بمعرفتها القيم على طول الزمن ومر الأيام، ولكننا نتحدث عن الأمور الطبيعية التي يقرها العقل، وينادي بها الشرع وتحيا بها الحياة في ظل أسرة كريمة. عمل المرأة في الميزان إن قضية عمل المرأة .. قد أضاعت الأجيال من الأولاد .. فافتقد الابن حنان الأم ورعايتها، ونشأ في حالة اضطراب نفسي .. نشهدها الآن في الأجيال الشابة التي بعدت عن حنان الأم ورعايتها، وتعليم أولادها القيم في الحياة. قد يقال: إن دور الحضانة قد حلت هذه المشكلة، وأن المرأة يمكنها أن تترك أولادها في دور الحضانة في رعاية مشرفات مثقفات. نقول: إن هذا كلام لا يتفق مع الواقع. فلا توجد امرأة تستطيع أن تعطي حنانها، واهتمامها لمائة طفل، ذلك أنها إذا أعطت هذا الحنان والاهتمام لطفلين أو ثلاثة فإنها ستهمل باقي الأطفال، فضلاً عن أن حنان الأم عاطفة طبيعية .. وضع الله سبحانه وتعالى فيها من مقومات الرعاية والحب والاهتمام ما يحتاجه الطفل، ولا يمكن لأي امرأة أن تعطي لأطفال غيرها نفس الحنان الذي تعطيه لأولادها. ومن هنا مهما ارتقت مشرفة الحضانة .. فإنها لا تستطيع أن تعطي الطفل حنان الأمومة، بل يبقى الشيء ناقصاً. ولعل الحيرة النفسية التي يعانيها جيل الشباب في العالم كله، إنما تعطينا صورة لما يمكن أن يحدث عندما يبتعد الطفل عن حنان أمهن فهو ينشأ قاسياً عليها، فاقد الإحساس بالانتماء إليها. روابط الأسرة عنده مفككة، فاقد القيم الاجتماعية، ولشعور التضامن والانتماء وغير ذلك. وينتج عن ذلك رعيل متشرد، كما نراه على مسرح الأحداث والحوادث. وفضلاً عن هذا كله .. تكون قد حملنا المرأة فوق طاقتها .. لأنها مكلفة بأعباء البيت وأعباء العمل، فهي لا تجد وقتاً لإعداد الطعام. ولذلك نجد عدداً من الزوجات يقمن بإعداد الخضار في مكاتبهن (!!) مشغولات وهن في العمل بما يتطلبه البيت من طعام ورعاية وغير ذلك. الواحدة منهن تعود من عملها متعبة لتجد أنها لابد أن تعد الطعام، وترعى شئون بيتها وأولادها. فإذا انتهت من هذا كله، وعاد الزوج إلى البيت، وجد زوجته في غاية الإرهاق، والزوج له مطالب .. وأهم هذه المطالب أن يجد سكناً في بيته، وامرأة تستقبله لتمحو من نفسه تعب النهار وشقاءه .. ولكنه بدلاً من ذلك يجد زوجة مرهقة، لا هي سكن ولا هي مستريحة الأعصاب، ولا هي قادرة على أن تستقبل زوجها بابتسامة، مهمتها قد فسدت. كل هذا لأننا خرجنا عن المفهوم الحقيقي لمهمة المرأة في الحياة. ولو نظرنا إلى عمل المرأة لأشفقنا عليها، لأنه في هذه الحالة ستكون مهمتها أصعب وأشق من مهمة الرجل؛ لأن عمل الرجل هو السعي في سبيل الرزق، ثم الراحة بعد ذلك، أما عمل المرأة فهو السعي في سبيل الرزق .. ثم الحمل، وأثناء الحمل المرأة تعاني .. بحيث لا تجد للحياة استقراراً ولا أمناً. والله سبحانه وتعالى يقول: [{حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا .. "15"} (سورة الأحقاف)] وهكذا نرى أن الحمل للأم، يجعلها تعاني، ويجعلها محتاجة إلى رعاية خاصة وقت الحمل، ولذلك فهو شيء ليس محبباً لأن فيه مكاره. فالأم الحامل ليست كالزوجة غير الحامل في نشاطها وحركتها وتمتعها بالحياة .. بل تحس أنها ثقيلة في حركاتها .. وكلما تقدم الحمل أحست بالثقل؛ لأن هناك إنساناً آخر يتكون في داخلها. ويلفتنا الحق جل جلاله إلى هذه الحقيقة في قوله تعالى: [{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ "189"} (سورة الأعراف)] وهكذا نرى أن حمل المرأة يبدأ خفيفاً، ثم بعد ذلك يثقل عليها، وبهذا تصبح حركتها صعبة، ويكون العمل عليها ثقيلاً، وكلما زادت شهور الحمل، كان العمل على المرأة أكثر مشقة، والمرأة بطبيعتها مخلوق ضعيف .. ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: [{حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ .. "14"} (سورة لقمان)] في هذه الآية يلفتنا الله تبارك وتعالى إلى أن المرأة بحكم خلقها ضعيفة، وأن الحمل يزيدها ضعفا على ضعف. إذن فهذه مشقة تتحملها المرأة بالإضافة إلى مشقة العمل في البيت وفي الوظيفة، فتزيدها إرهاقاً، حتى إذا وضعت فهي محتاجة إلى فترة طويلة لتستعيد قواها؛ لذلك فهي تلازم الفراش عدة أسابيع بعد الولادة. ثم يأتي الطفل وهو محتاج أيضاً إلى رعاية وعناية .. من رضاعة وتغيير مستمر لملابسه الداخلية والخارجية، وإعداد الطعام له على فترات قصيرة، وتذهب الأم إلى عملها، وقلبها مشغول بطفلها، لا تستطيع أن تعمل، ولا أن تفكر تفكيراً سليماً، ولا أن تعطي انتباهها للعمل، لأنها مشغولة بشيئين، والله سبحانه لم يجعل لأحد منا قلبين في جوفه، وتعود إلى بيتها لتجد طفلها محتاجاً إلى أن تعد له أشياء، وتجد زوجها محتاجاً إلى أن تعد له أشياء، وإذا كان لها أولاد آخرون، فهم محتاجون أيضاً منها إلى أشياء تعدها لهم. وهكذا نرى أن الحمل عليها يكون ثقيلاً جداً أكثر من حمل الرجل؛ وهذا يجعلها مرهقة ويخرجها عن مهمتها في الحياة، وهي أن تكون سكنا لزوجها، والله سبحانه وتعالى يقول: [{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا .. "189"} (سورة الأعراف)] إذن: السكن هنا .. وهو المهمة الأساسية .. للمرأة في الحياة قد ضاع، وضاع معه السلام والاستقرار في البيت والأسرة، وحملنا المرأة فوق طاقتها. إن الإسلام .. قد وضع شروطاً لعمل المرأة، ووضع مهاما لابد أن يقوم بها المجتمع ليعاونها في عملها. وهذا ما سنتعرض له إن شاء الله في فصل قادم من هذا الكتاب .. عن قصة موسى وابنتي شعيب، وكيف حددت لنا هذه القصة ظروف عمل المرأة، وواجب المجتمع نحوها. وبإجمال نقول: إن الإسلام حين جاء رفع مكانة المرأة بالنسبة للأحوال التي كانت سائدة في العالم حينذاك، وأنه أعطاها حريتها وكفل لها شخصيتها المستقلة، وكفل لها كرامتها، وأن الرجل والمرأة في الحياة، يكمل كل منهما الآخر. وأنهما ليسا متعاندين، بل متساندان، وأن اختلال هذا التساند، هو الذي يوجد الشقاء في المجتمع، ويحمل المرأة فوق ما تطيق. وأمام تكريم الإسلام للمرأة وإنصافها. نلمس ذلك جلياً في هذه المقارنة، المرأة في ظل الإسلام في حصانة نفسها حتى تجد الزوج المناسب، وفي ظل الفكر الغربي الوافد تستسلم المرأة للرجل لغرض عارض. في الإسلام المعايشة مستمرة وتدوم بالمعروف، وهي مسئولة وقلبها على بيتها بالهدوء الساكن مع عطف يظلل الأسرة والأولاد. وفي ظل الفكر الوافد تعاشر المرأة الرجال بالمال والعشق المؤقت، مهملة بدون مسئولية، قلبها موزع بين العشاق، مرهقة محرومة من الولد مفصولة عن الانتماء.