أضرار الطلاق للفرد والمجتمع
الزواجَ والحياةَ الأسرية هي محلُّ الاهتِمام في ديننا، لأن هناءَ الزوجين واستقرارَهما واستمرارَهما هو هناءُ الحياة واستمرارُها، وسعادةُ المُجتمع واستقرارُه. والزوجان شريكان كريمان جعل الله بينهما مودَّةً ورحمة، يخوضان مُعترَكَ الحياة، يُحقِّقان أهدافَهما الهدفَ تلوَ الآخر، والزواج ليس رابطةً بين شخصين فقط، بل هو علاقةٌ وثيقةٌ بين أُسرتين وميثاقٌ غليظٌ بين زوجين: (وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا) (النساء ـ 21).
ميثاقٌ غليظٌ ليس من اليسير نقضُهُ، فالزوجان قبل الزواج كان لهما طبائِعهما وتصوُّراتهما وهواجسهُما ومخاوِفهما وآمالُهما، ناهِيكم بتأثير العادات والتقاليد والأعراف والمُستوى المعيشي والاجتماعي، وبعد الزواج يحتاجُ الزوجان إلى تكيُّفٍ وتأقلُمٍ وإعادةٍ للنظرِ في تصوُّراتهما وهوَاجسهِما ومخاوفهما وآمالهما، مما يحتاجُ معه كلُّ واحدٍ فيهما إلى التعديلِ والتقييم، سواء في ذلك الزوجان والأُسرتان والمُحيطون بهم، إن الإدارة الحكيمة والنظرَ الواعي للمصالح وتقديرها، واليقين أن المُستهدَف هو مصلحةُ الجميع؛ فالرِّبحُ للجميع، والخسارةُ على الجميع.
يجبُ إدارة الأُسرة بالرِّفق والمودة والصبر والتصبُّر والهدوء والروِيَّة والحوار الهادِف والتفاهُم المُحاط بالتسامُح.
يجبُ الابتِعادُ عن المُكابَرة ومفهوم النصر والهزيمة والرِّبح والخسارة، أو فرض الشخصية في الحياة الأُسرية، فليس في البيت مُنتصرٌ ولا مهزوم بل النصرُ للجميع والهزيمةُ على الجميع.
السعادةُ ليست في وَفرة المال، ولا علوِّ الجاه، ولا غلَبَة واحدٍ على الآخر، ولكنها بالإيمان، وصفاء النفس، وراحة الضمير، والبُعد عن النفعية الشخصية البَحتة والأنانية القاتِلة، وابتِغاء رضا الله، ثم صلاح الأُسَر.
الطلاق كلمة، لا ينازع أحد في جدواها، وحاجة الزوجين إليها، حينما يتعذر العيش تحت ظل واحد، وإذا بلغ النفور بينهما مبلغا، يصعب معه التودد، فالواجب أن يتفرقا بالمعروف والإحسان، كما اجتمعا بهذا القصد (وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً) (النساء ـ 130).
إن الله عز وجل لم يخلق الزوجين بطباع واحدة، والزوجان اللذان يظنان، أنهما مخلوق واحد، يعيشان في أوهام؛ إذ كيف يريد منها زوجها أن تفكر برأسه، وكيف تريد هي منه، أن يحس بقلبها (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) (البقرة ـ 228).
إن النسيم لا يهب عليلا داخل البيت على الدوام، فقد يتعكر الجو، وقد تثور الزوابع، وإن ارتقاب الراحة الكاملة نوع وهم، ومن العقل توطين النفس على قبول بعض المضايقات، وترك التعليق المرير عليها (فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) (النساء ـ 19)، وقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر) ـ رواه مسلم.
إنَّ ممـــَّا وقع فيه كثيرٌ من الناس التهاونَ بأمر الطلاق جهلٌ بأحكامه، تلاعبٌ به، غفلةٌ عن عواقبه، إيقاع له في غير محله، استخفافٌ وتهوُّرٌ وطيش .. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
اتقوا الله في أمر الطلاق؛ فإن الطلاق شريعة محكمة، وليس أهواء متحكمة، ولا انفعالات طائشة، ولا كلمات فارغة.
إن التلاعب بالطلاق، والتهاون بأمره، تلاعبٌ بكتاب الله يوجب سخطه وعقوبته، ففي الحديث (أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أخبر أن رجلاً طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعاً، فقام (صلى الله عليه وسلم) وهو غضبان ثم قال: الرسول (صلى الله عليه وسلم): أيُلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟ فقام رجل فقال: يا رسول الله! ألا أقتله؟) ـ رواه النسائي.
أيها الأزواج، واعرفوا لهذا الأمر حقه، فإن الله ـ جلّ وعلا ـ قد فرض فيه فرائض فلا تضيعوها، وحَدَّ حُدوداً فلا تعتدوها.
إن من المؤسف المحزن أن كثيراً من سفهاء الأحلام تهاوَن في أمر الطلاق، فترى الواحد من هؤلاء يجري الطلاقُ على لسانه عند أدنى استفزاز، ولأوهى سبب، لا يراعي في ذلك لله أمراً ولا نهياً، ولا يقيم فيه لشرع الله وزناً.
ولا شك أن من جعل الطلاق يمينه على طرف لسانه يردده عند كل تأكيد أو نفي أو حث أو منع، لا شك أنه مستهين بهذا العقد، متلاعب به، وأنه على خطر كبير.
إن من صور الاستهانة بالطلاق تهديد المرأة به عند كل عارض، فتجد الواحد من هؤلاء المستهترين يهدد زوجته بالطلاق بكرة وعشياً، ولا شك أن هذا ليس من العشرة بالمعروف، وأنه ضرب من التهاون والتلاعب، فإما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.
الطلاقُ المُتعجِّلُ فراقٌ لأُنسِ الصحبة والسَّكَن والسكينة والاستقرار، الخلافُ الناجِمُ عن الطلاق يتَّسِمُ بالعُنف والكراهية المُتبادَلة، ويُثيرُ المشاعِر العُدوانية بين الأطفال في فجوةٍ نفسيَّةٍ واسِعة تُباعِدُ بين الطفل وبين المُحيطين به يشعُرُ معها بعدم التقبُّل، والقُصُور، والإهمال، وفُقدان الحُبِّ والتقبُّل الأُسريِّ، وعدم الاهتمام بين الزملاء، مع الشعور بالحُزن والتشاؤُم، وعدم الشعور بقيمةِ الذات، والبُعد عن المُشارَكة والتفاعُل والتواصُل الاجتماعي، والفشل، الطفلُ يشعُرُ بالفشل وتأنيبِ الضمير ومُحاسَبةٍ داخليَّةٍ عنيفةٍ، وشعورٍ بالذنبِ والندَم يزيدُ في المُعاناة والعُزلة والانغِلاق.
الأولادُ في أُسرة الطليقين ينتمون إلى أُسرةٍ مُفكَّكةٍ مُتفرِّقة، الحنانُ فيها ضعيفٌ إن لم يكن مفقودًا، يفقِدون معه الأمن والحماية والاستِقرار بل إنهم فرائِسُ صراع الوالدَيْن، سواء بتجالُب الحضانة والرعاية، أو بتدافُعها والتخلِّي عنها.
وقد يسمعُ الأولادُ من أحد الوالدَيْن أو من كليهما في الآخر كلامًا غيرَ سديدٍ ولا حكيمٍ؛ ما يُفقِدُهم الثقةَ بأنفسهم ووالدَيْهم ومُجتمعهم، ومعلومٌ تأثيرُ ذلك كله على سُلُوكهم وتعامُلهم ودراساتهم وعلاقاتهم.
الوالِدان هما مدَدُ الأولاد بالعاطِفة والعقلانية والمُساعَدة في مسارات الحياة، ولا سيَّما في السنوات المُبكِّرة سنوات التنشِئة والتربية والتعليم، وبالانفِصال يفقِدُ الأولادُ التوجيهَ المُتَّزِن، ناهِيكم لما يتعرَّضُ له هؤلاء الأولاد من احتِمال الانحرافِ والجُنوحِ والوقوع في أحضان قُرناء السوء والبيئات الموبوءَة، والتخلُّف الدراسي، والأمراض النفسية، والتشرُّد، والمُخدِّرات، والتسوُّل، وانتشار الجريمة، وهي مُشكلاتٌ خطيرةٌ، وآثارٌ مُتعدِّيةٌ على المُجتمع كله.
أما المرأةُ فإن ثقافة بعض من الناس فيها ثقافةٌ قاصِرة بل خاطِئة، فالمُطلَقةُ عندهم مُدانةٌ في جميع الأحوال، تعودُ إلى البيت حاملةً مع متاعها جراحَها وآلامها ودموعها في مُعاناةٍ نفسيَّةٍ لا تكادُ تُطاق، هذه الثقافةُ الخاطِئة تُحاصِرُ المرأةَ المُطلَّقة بنظرةِ انتِقاصٍ ورَيبٍ، مما تشعُرُ معه أن السهامَ مُوجَّهةٌ إليها، يُشعِرونها بالذنبِ والفشلِ وخيبةِ الأمل، بل تشعُرُ وكأن المُجتمع يتنصَّلُ من مسؤوليته نحوَها ونحو أطفالها والحُنُوِّ عليهم.
فيا أيها الأزواج! اتقوا ربكم، واستوصوا بالنساء خيراً؛ فإنهن عوانٍ عندكم، وعظِّموا حرمات الله وشعائره لعلكم تفلحون.