بعد حرب تموز 2006، بدأ «حزب الله» التفكير بإنشاء «فوج المدرعات»، من ضمن جملة مشاريع اخرى كان للحاج عماد مغنية (رضوان) الدور الأكبر في التأسيس لها. وتماما كحال الصواريخ المضادة للدروع التي ظلت ضمن دائرة ضيقة في المقاومة حتى ظهرت في صيف العام 2006، أحاط الكتمان مشاريع ما بعد الحرب، حتى أنه يُقال إن مجموعات متخصصة لم تكن تعلم بوجود نظير لها في الاختصاص نفسه داخل الجسم العسكري للمقاومة... وأخيرا كان الإعلان غير الرسمي عن الفوج في الاستعراض العسكري في بلدة القصير السورية في ريف حمص الجنوبي.خلال اليومين الماضيين، وجهت قيادة المقاومة الأجهزة التي ترصد وتحلل العدو الاسرائيلي بضرورة رصد كل الإشارات المتعلقة بالاستعراض العسكري.
لم يعلن الحزب رسميا عن الحدث. في ذلك مراعاة لحساسيات الداخل اللبناني في هذه المرحلة بالذات، والأهم أن الرسالة من الاستعراض قد وصلت سريعا الى الجهة المقصودة منها في تل أبيب.
ما بين قصة «فوج المدرعات».. ومشهدية «جيش حزب الله» في القصير، فصلٌ من رواية بات عمرها أربعة وثلاثون عاما. رواية قامت في البداية على فكرة الثورة الأممية، وشهدت تطوراً في خطابها من دون أن تتخلى عن الفكرة الأساس.
في العقد الأخير، انتقل «حزب الله» من عامل مؤثر في الساحات العابرة للحدود الى لاعب أساسي فيها. استفاد الحزب بالتأكيد من الفترة التي شهدت النزاع الدولي حول الاتفاق النووي الايراني ليكتسب صورته الإقليمية. كانت أسئلة الوفود الغربية التي تزور لبنان في تلك الفترة تدور حول سؤال واحد: ما هو موقف «حزب الله» إذا تم استهداف البرنامج النووي الإيراني؟.
ساهم هذا القلق الغربي في بناء صورة الحزب خارج حدود الصراع مع "اسرائيل" للمرة الأولى. ما لم تفهمه الدوائر المتابعة للحزب (أو لعلّها تتقصد سوء الفهم) أن تنظيماً مشابهاً سينطلق بالتأكيد من اعتبارات تعزيز وحفظ وجوده في مقاربة الأحداث الإقليمية والدولية. تتعدى هذه الاعتبارات المسألة الطائفية أو المذهبية. هي أبعد من ذلك بالتأكيد، وإن كانت الأزمة السورية قد أضفت على المشهد العام هذا البُعد، لأسباب تتعلق بالدرجة الأولى بالطبيعة البنيوية لإعلام المقاومة؛ وهو واقع كان سيعاني منه أي تنظيم أو حزب أو حركة ثورية أخرى في التاريخ.. كما في الحاضر والمستقبل.
كان على الحزب اتخاذ موقف من الحرب في سوريا. ومع التحديات التي يحملها الانتقال من نظام أحادي إلى عالم متعدد الأقطاب، وجب على قيادة التنظيم الثوري التكيف مع الواقع، وإلا تحول إلى ورقة مساومة على طاولة الكبار.
لم يكن هناك من خيار أمام «حزب الله» سوى أن يتحول إلى لاعب إقليمي. وهكذا شهدت أدواره العابرة للحدود انتقالا نوعيا، من تنظيم بإمكانه تنفيذ عمليات أمنية موضعية في جميع القارات، الى محرك وداعم ومخطط ومؤسس لكيانات شبيهة به في البقع الجغرافية التي فرضت عليه المواجهة الحضور فيها.
أهمية العرض العسكري في القصير تكمن في كونه يحدد مجدداً معالم الهدف الرئيسي لنشأة «حزب الله». المتغير الوحيد هذه المرة هو المكان. لكن هذا المتغير ليس العامل الأهم الذي على الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية والأميركية قراءته بدقة. العامل الأهم الذي صُنع بفعل التجربة السورية هو النوع والكم.
وبالتوازي، ارتفع الدور من المستوى الإقليمي الى الدولي بفعل صمود الميدان على امتداد جبهات سوريا. لا يمكن الحديث عن حل للأزمة السورية من دون الوقوف على رأي «حزب الله». بل لا يمكن التوصل الى حل لأزمات المنطقة من دون الاستماع الى السيد حسن نصرالله. هذا ليس مديحاً. إنه الواقع.
http://www.alalam.ir/news/1885806