العائلة النمودجية المترابطة
العائلة المترابطة (النموذجية)
عندما نقول "العائلة المترابطة" فإننا نعني أن كل فرد فيها يستخدم موهبته ومهاراته ويشعر بأنه راضٍ عن نفسه وعن كيف يعيش حياته.. هى عائلة تحيا بالأمل والطاقة والحب وتشعر بالدفء ولديها كل ما تحتاجه كى تخرج إلى المجتمع كأشخاص قادرة، صحيحة، وواثقة من نفسها ومترابطة فيما بينها.. كما يربط متسلق الجبال نفسه في الجبل عند تسلقه، فإذا احتاج أحدهم الدعم دعمه باقي أفراد العائلة حتى يجتاز محنته.
ولعلك تتساءل الآن كيف تصل إلى تلك العائلة المترابطة؟
إليك الخمس عناصر التالية من أجل أن نصل إلى العائلة المترابطة:
إن أول حاجة لأى إنسان هى حاجته للقبول، الحاجة للشعور بالإنتماء لشئ ما أو شخص ما.. بعد الله عز و جل.. دعني أسألك.. هل سألت نفسك يومًا لم بعض الأطفال لديهم ولاء لفريق أو لمجموعة من الرفقاء حتى لو كانت جماعة خاطئة؟ هذا لأن هذه المجموعات حسنة أو سيئة تشبع احتياجهم للأمن العاطفي والتعبير والانتماء.
العامل الأول: ضع نظام عائلي تربوي به قبول.
إذا لم يتم هذا الإشباع من خلال العائلة فإن الأطفال سيبحثون عنه في أى مكان ليجدوا القبول والاستحسان.. لابد أن تعترف بحق أطفالك أن يشعروا بالتقدير منك ومن كل أفراد العائلة، وألا يشعروا بالوحدة أو الشك في مكانتهم في عائلة محبة.. لابد أن يشعروا بأنهم محبوبين لذاتهم وأنك فخور بهم وأنك ستكون دائمًا موجود لأجلهم ولن ترفضهم مهما اختلفت معهم.
لعلك تفكر الآن أن هذه الأهداف مستحيلة المنال.. إليك يعض الاقتراحات:
- حاول أن تعيد ترتيب عملك لتقضي وقتًا أطول مع أطفالك، فالحياة سلسلة من الاختيارات والمال ليس هو دائمًا الأهم، حاول أن تقرأ لأولادك وقت النوم وأن تشاركهم هواياتهم.
- خصص ساعة يوميًا لعائلتك.
- ساعد أولادك في وضع وتحقيق أهدافهم فهم يحتاجون للتوجيه في حياتهم.
- حاول أن تستكشف مهارات و قدرات و اهتمامات و مواهب طفلك الأصلية.. هى ليست تلك التي تريدهم أن يكونوا عليها ولكنها المواهب والمهارات التي تميز كل منهم... و لكن كيف؟
- افتح الباب للتجارب المختلفة لأطفالك من رسم، أدب، علوم، قيادة، رياضة وهكذا.. اسمح لهم أن يشتركوا في أنشطة مختلفة حتى يتعرفوا على اهتماماتهم التي لا يعرفونها سواء كنت تستمتع بها أم لا.
- حاول التعرف على مواهب طفلك ومواطن ذكائه واعمل على تنميتها، فمثلاً الأطفال الموهوبين لفظيًا يتكلمون أو يقرأون في سن أصغر، فيمكنك تنمية هذه الموهبة بإعطائهم كتب وتشجيعهم على الكتابة واستخدام الكمبيوتر في الكتابة.. إذا وجدته ماهرًا في الحساب شجعه على حضور معارض الكمبيوتر وامنحه واحدًا لينمي مهاراته
- احترم وشجع ما يميز طفلك.. كل إنسان لديه ما يحب وما يكره، لديه اهتمامات ومواهب يجب أن نحترمهما مهما اختلفنا معها طالما إنها ليست هدامة لهم أو للآخرين.
- امدح أفعال أولادك وشجع الأفعال الإيجابية، لا تكتفي بالنقد فقط لأن ذلك يزعزع إحساسهم بذاتهم وإقدامهم.. مثلاً "أنا سعيد لأنك قمت بتنظيف حجرتك"، "شكرًا لأنك ساعدت والدتك في أعمال المنزل" هذه الأقوال من شأنها غرس الثقة بالنفس في أطفالنا.
- افترض حسن نوايا أولادك.. في كثير من الأحيان نفكر أن أولادنا يخطئون عن عمد، بدلاً من سرعة اللوم افترض أن أولادك نواياهم حسنة.. فمثلاً إذا رسم ابنك على جدران المنزل فربما يحاول تنشيط نفسه عن قلة فهم وليس لأنه ولد سئ أو شرير.. حاول أن توجهه بدلاً من ذلك للكتابة على سبورة مثلاً.
- لا تملأ وقت طفلك بأنشطة كثيرة.. هذا من شأنه أن يجعله يكره هذا النشاط ويتوقف عنه.
- اخلق إحساس بالأمن والسلام في بيتك.
- فعند تعرض الأطفال لمنزل ملئ بالصراع والعداوة والخلافات بين الوالدين اللذين يعتمدون عليهم من أجل أمنهم وسلامتهم الشخصية فإنه يشعر بعدم الأمان وتتولد لديه مخاوف بشأن تفكك الأسرة، فلا ينبغي أن يتشاحن الأبوان و يصرخ أحدهما في وجه الآخر أمام الأبناء.. إن هذا من شأنه أن يقضي على ثقتهم في أنفسهم وفي أوضاعهم الاجتماعية.. حتى أنهم يخافون حضور أصحابهم للمنزل حتى لا يشهدوا هذه المشاحنات.. بعض الأطفال يلومون أنفسهم على حدوث هذه الخلافات ويعتبرون أنفسهم مسئولين عنها بالرغم أنه ليس لهم أى ذنب فيها، وكم هو قاس هذا الاحساس عليهم.. علينا أن نتعلم كيف نختلف حتى لا يكون المنزل ساحة حرب.
- اجعل المشاحنات بمعزل عن الأطفال، فالمشاجرة مع الصراخ واغتيال الشخصية أمام الأطفال هى إساءة للأطفال، فهى تترك ندبة في مشاعرهم يصعب محوها لأنك لا تستطيع أن تتحكم في نفسك حتى تتحدثا بمعزل عنهم.
- كف عن كثرة الجدال في من المخطئ ومن المصيب، أطفالك لا يعنيهم الصواب لكن يعنيهم أن تتوقف عن الخناق.
- لا تقول لا أستطيع التحكم في أعصابي.. هذا ليس صحيحًا ولكن أنت لا تريد التحكم في أعصابك، هل تتشاجر في العمل مع ريئسك؟ مع أصحابك في مطعم؟ أنت لا تفعل هذا لأنك لا تستطيع.. تحكم في دوافعك و أوجد مخرج آخر لاحباطاتك، لا تجعل أطفالك مخرجًا لانفعالاتك، فكر ماذا تعلمهم عندما لا تتحكم في انفعالاتك أمامهم.
- إعط أبناءك مثالاً جيدًا لأدب الاختلاف: فعند حل الخلاف ينبغي التأكيد على عمق الصلة بين الأبوين.. مثلاً بعناق لمدة دقيقة، أو ينظر كل منهما في عين الآخر لمدة دقيقة، ليدعم كل منكم الآخر كل يوم: اجعلها عادة أن تقدم تعليق إيجابي على الأقل يوميًا لباقي أفراد الأسرة.. مثلاً "أعرف أن الحياة تبدو غريبة أحيانًا لكن أريدك أن تعرف أننا فيها سويًا" هذه الأقوال من شأنها أن تكون الأكثر قوة في حياة أطفالنا دون أن نشعر. اسأل أفراد عائلتك كيف حالهم ولا تكتفي بقول جيد كجواب نهائي.. انظر في أعينهم، اسألهم وكن مستعدًا لتسمعهم وتجيب عليهم بأمانة.
- تعامل بصدق مع السلوك المدمر: تقبل أعضاء الأسرة لا يعني تقبل أى سلوك، ولكن تقبله كإنسان له قيمة، عندما يتصرف أحد أفراد العائلة بطريقة مدمرة مثل الإدمان، سوء الأدب.. انقل إليه بوضوح أن هذا السلوك غير مقبول.. مثلاً: "أنا لن أحتمل سلوكك لأني أعرف إنك أفضل من ذلك"، "أعرف إنك يمكن أن تتصرف بطريقة أكثر إيجابية"، "لن أتركك تكون أقل من حقيقتك".
- كف عن الإساءة اللفظية: عندما تنتقده فإنك تترك أثرًا سيئًا فيه.. إليك بعض الارشادات:
- تعرف على أول علامات إنك ستفقد السيطرة على أعصابك مثل جفاف الفم، احمرار الأذن، احمرار الوجه، زيادة ضربات القلب.
- اترك الغرفة واذهب للخارج، افعل أى شئ لتضمن إنك لن تسئ لطفلك.
- اختر صديق لك أو أحد أقرباءك. في كل مرة تتحاشى الإساءة اتصل بهذا الشخص وحدثه عن احساسك وما يدور في ذهنك.
- ارجع إلى حجرة طفلك، عانقه، افعل أى شئ إيجابي.
- استشر أحد المتخصصين: يجب أن تذهب لأحد المتخصصين بصورة منتظمة لكى تتعامل مع ما يحدث بداخلك ولكى يوجهك في الاتجاه الصحيح.
- احترم و اعترف بأدوار وإسهامات كل فرد من أفراد العائلة: في العائلة المترابطة كل فرد له دور وله هدف، فيجب أن يشعر كل فرد أنه يجب أن تكون له إسهامات في العائلة حتى أن عدم وجوده سيكون مرعبًا بالنسبة للعائلة.. عادة فإن الأم في العائلة هى الرباط الذي يربط الأسرة بالرغم من أن الأدوار مرنة وقابلة للتغيير فإن هناك حدودًا فاصلة في الأدوار بين الآباء والأبناء في العائلة الصحية وهذا يتطلب:
- كن صورة للسلطة في الأسرة: فأنت حقيقةً لست صاحب لطفلك ولست مساو له.. يمكن أن تعامله بصورة لطيفة لكن دون إلغاء للحدود، فطفلك يحتاج أن تكون هناك صورة للسلطة التي تعرفهم أين تقع حدود السلوك المقبول.
- خذ القرارات من أجل عائلتك: القرار النهائي لك بعد كافة المشاورات وسماع آراء أفراد العائلة.
- احرص على عدم التفضيل بين أبناءك: فإن إحساس الطفل بتفضيل آخر عليه يجعله يشعر بعدم الحب وقلة الثقة بالنفس.
كل عائلة لها إيقاع مختلف، فعائلة لها ستة أبناء غير عائلة لها ولد واحد.
العامل الثاني: اصنع إيقاع في حياتك العائلية
1.ضع نظامًا مميزًا لعائلتك فمثلاً:
· حدد أوقات معينة لتناول الوجبات، للنوم، أوقات معينة للواجبات المدرسية، واستخدام الكمبيوتر أو الإنترنت وهكذا.. هذا من شأنه أن يخلق ترابطًا في حياة أفراد العائلة.
· العب مع أطفالك وشاركهم في الأنشطة المختلفة مثلاً: مباراة أسبوعية بصورة منتظمة مع طفلك تعطي فرصة للتواصل والارتباط، وليحذر من إدمان مشاهدة التليفزيون أو فيلم لأنه ليس نشاطًا عائليًا و ليس به تفاعل.. فضلاً عن المحاذير الكثيرة به.
· شجع أسرتك على القيام بأعمال تطوعية مع بعضكم البعض في المسجد، في الجمعيات الخيرية بصورة منتظمة فتعمق قيمة العطاء في العائلة.
2.شجع القيم في عائلتك:
هناك قناعات تتمسك بها العائلة، قناعات تعيش بها في كل وقت، العيش بهذه القيم يخلق إيقاع في حياة الأسرة.. حاول أن تعبر عن قيمك أثناء حديثك مع أولادك.. فمثلاً قل "إن أفراد العائلة لا يكذبون، لايسرقون، لا يخدعون، لا يعلقون تعليقات عنصرية ضد الآخرين، لا يسخرون من المعاقين، لا يتحدثون بسوء أدب للجيران أو كبار السن.. يجب أن تشرح لهم لم لا تقوم بهذه الأفعال. لم هى غير مقبولة.. فهذه الأفعال ليست محل فخر وغير بناءة.. كما أنها من أسس التعاليم الربانية.
3.اخلق شعورًا بالهوية العائلية:
قم بالبحث عن شجرة العائلة وحدثهم عن أجدادهم وقصصهم عبر الأجيال السابقة.. هذا من شأنه توطيد الروابط الأسرية.
4.ضع معايير للسلوك:
هذه المعايير ينبغي أن تكون ثابتة وغير قابلة للنقاش.. فنحن نتعلم ونحن أطفال أن نضع الآخرين في اعتبارنا.. فمثلاً شكر الآخرين وقول "من فضلك" عند أى طلب، احترام خصوصية الآخر، الاستئذان قبل دخول حجرة الآخرين، احترام كل منا للآخر.
5.كن مسئولاً عن اختياراتك:
كل فرد في العائلة مسئول عن اختياراته، هناك ثمن لهذه الاختيارات جيد أو سئ لهؤلاء الذين يشاركونك حياتك لأن اختياراتك تؤثر على كل فرد في العائلة، فأنت تختار المشاعر والأحاسيس التي تحكم سلوكك في العائلة، وأنت تختار كيف تتصرف وتفاعر مع كل فرد من أفرد العائلة.. فاختياراتك تؤثر على باقي أفراد العائلة لذا اسأل نفسك..
- هل لدى سلوكيات سيئة احتاج لوقفها وما هى؟
- هل أنفق أكثر من امكانياتي فأؤثر على ظروف العائلة؟
- هل أتصرف باستهتار دون وضع اعتبار لسلامتي الشخصية؟ كالتدخين مثلاً.
- هل لدى مشاكل في العمل بسبب سلوكي أو التنازل عن مبادئي؟
- هل أفكر في نتائج تغيير عملي على العائلة إيجابية أو سلبية؟
- هل أعرض نفسي لمخاطر غير ضرورية؟
- هل أهتم بعملي على حساب عائلتي؟
- هل فشلت في الوفاء بعهودي الزوجية لكوني مشغول أو غير مخلص؟ هل فكرت كيف يؤثر هذا على عائلتي؟
أجب عن هذه الأسئلة واجعلها أساس لوضع أولوياتك.
6.دعم أسرتك وكل فرد فيها:
في العائلة النموذجية تأتي"العائلة" أولاً، فلا يوجد "هم" في مقابل "نحن" ولكن نحن .. فيجب أن تشجع الفريق الذي يلعب فيه أبناؤك وأصحابهم وهكذا.. فإن الاحساس الأول بالانتماء يأتي من العائلة. فإن كل فرد في العائلة يدعم ويقف وراء باقي أفراد العائلة.. فالولاء يبدأ في المنزل وأفراد الأسرة يضحي كل منهم من أجل الآخر.. يساندون بعضهم في وجه الآخرين، فالأصحاب تأتي وتذهب ولكن لديك عائلة واحدة للأبد..
وماذا لو أن شريكك في الحياة لا يدعم إيقاع عائلتك ورغبتك في خلق عائلة صحيحة؟
خلق إيقاع صحيح لا يتطلب إشتراك كلاً من الأب والأم.. لا تنتظر شريكك.. فإن تفكيرك البناء سوف ينتشر لمن هم حولك خاصة شريكك، ما تتمناه يكون عن طريق مناقشاتك، أمثلتك، اختياراتك، سوف تكون إلهامًا لكل أفراد عائلتك.. اخلق جوًا يدفع للتغيير والقيم التي تميز عائلتك.
نقصد بها هنا أنشطة في الحياة العائلية تسهم كمرساة نفسية وسلوكية للقيم والاعتقادات، تمنح عائلتك الثبات والهوية.. تعطي عائلتك معنى وتخلق إيقاع في الحياة العائلية. هذه الطقوس العائلية عبارة عن أنشطة متكررة عمدًا ولها معنى تساعد الأطفال في اكتساب احساس بالأمان، الحب والتواصلية؟، خاصةً في عالمنا الآن الذي يتسم بالبعد العاطفي والتفكك الأسري والانشغال. هذه الطقوس تحدث تغييرات إيجابية على الجسم فتقوي المناعة، تقل نسبة هرمونات الضغط العصبي ويقل ضغط الدم.. وإليك طرق لخلق هذه الطقوس والعادات في العائلة:
العامل الثالث: داوم على طقوس وعادات لها معنى
- احتفل بالمناسبات العائلية مثل عيد الفطر وعيد الأضحى، في هذه المناسبات اخلق عادات مثل غداء للعائلة كلها على لحم خروف العيد، وتناول الحلوى، و صناعة الفطائر في الاحتفال.
- أخبرهم بحكايات عائلية سواء كانت أحداث عائلية أو أى أحداث مرتبطة بها، هذا من شأنه أن يعلم كل جيل الاهتمام بالجيل السابق.
- قوموا بالعبادات سويًا: مثل صلاة التراويح أو أذكار الصباح والمساء، تعليم القرآن وتعلمه، قراءة أبواب الأدب وأبواب الأمور المنهي عنها في كتب الحديث فهى تربط العائلات برباط التوحيد ودعوة الله خوفًا وطمعًا ومحبة النبى صلى الله عليه وسلم وصحابته و أهل بيته الكرام رضى الله عنهم و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، فاشتراك العائلة في الشعائر الدينية هى وسيلة لتطبيق أسس إيمان العائلة ووضع أساس روحي للأطفال.
- اجعل لك طقوسًا خاصة عند تناول لعشاء لزيادة التواصل، مثل التسمية في أول الأكل و حمد الله في آخره و اجعلها عادة أن يحكي كل فرد شيئين جيدين حدثا له خلال اليوم، وشيئين سيئين خلال نفس اليوم.. لا يهم أن نطبق مبادئ بعينها ولكن المهم العمل بها وأن تجد طرق لكى تكونوا سويًا في العائلة.
أعظم شئ يمكن أن تعطيه لأبنائك هى أذنيك وصوتك، فعند سؤال المراهقين في إحدى الدراسات عما يريدون من آبائهم عبروا عن رغبتهم في أن يكون آباءهم أكثر توغلاً في حياتهم. نقصد هنا حوارًا له معنى يضع في حسابه احتياج كل فرد في العائلة للقبول، احترام الذات، التشجيع، والأمان ويهدف لخدمة هذه الاحتياجات كجزء من الأعمال اليومية.
العامل الرابع: كن منبهاً وفعالاً في تواصلك
عندما تتواصل بصورة نشيطة، أنت تستمع لكى تفهم، تستجيب بدون إصدار أحكام، تتبادل المعلومات بأمانة وبصورة مفتوحة بطريقة تبقى علاقات عائلتك على أساس صلب ومحب.. لا تتواصل فقط في وجود مشاكل أو عندما تكون على خلاف مع أحد أفراد العائلة أو محبط من شئ ما.
أثبتت الأبحاث و الخبرات العملية أن كمية حدوث مشاكل في الأطفال تتناسب عكسيًا مع عدد الكلمات التي يتم التكلم بها في المنزل.
ولكن: كيف يتم ذلك في عائلتك؟
· تكلم عن أشياء لا تهم: تكلم عن أصغر الأشياء مثل ما حدث خلال يومك أو يوم طفلك.. هذا من شأنه أن يبقى خطوط الاتصال مفتوحة خاصةً عند حدوث مشكلة أو طارئ.. كيف تتوقع أن تتحدث معهم في أشياء مهمة إذا لم تكن تحدثهم في أمور غير مهمة؟ كلما يتحدث أحدكم للآخر كلما قويت العلاقات فيما بينكم.
· قم بتغيير السياق الذي يحدث فيه الإتصال فستجد أبناءك أكثر راحة واستقبالاً وتجاوبًا في جو آمن، عن إذا جعلتهم يجلسون على مقعد أو منضدة للحديث.. هذا يجعلهم مدافعين ومتشككين وسينفصلون عنك.. فيكون ما يقال غير حقيقي ويتم كتمان الحقيقة.. فمثلاً أثناء لعب مبارايات سويًا، في السيارة، عند النوم، أثناء سماع بعض الشرائط فإن هذا من شأنه أن يكسر الحوائط، ويهئ لكم نتيجة مرضية عن محاولة الإجبار على التواصل وستحصل على معلومات أكثر وترابط أكثر.. طالما لا تستجوب طفلك ولا تضعه في الدرجة الثالثة.
· حاول الدخول في عالم أطفالك: عندما يقوم بعمل لا تفهمه في البداية فإن الحكم عليه أو نقده لا ينبغي أن يكون أول ما تفعله.. حاول أن تدخل في كل شئ يحبه ويهتم به.. مثلاً إهتمامه المفضل في المدرسة، أصحابه، هواياته، وهكذا.. حاول أن تتعرف على كل ما يدور في حياة أطفالك وقلوبهم.
· قم بمناقشة الأمور الحساسة مثل السياسة أو الدين: هذه المناقشات بغرض تعليم أطفالك التعبير عن آرائهم وكيفية الإتصال.. هو ليس بجدال ولكنه فرصة أن يشعر أطفالك بحرية التعبير عن آرائهم بدون نقد.. هذا من شأنه تقوية الثقة بالنفس وتنمية مهارات الإتصال.
· حاول إنجاز مشروع مشترك في العائلة مثل طلاء غرفة، تنظيف المنزل، غسيل السيارة، صناعة لعبة، تهذيب الأشجار في الحديقة.. هذه وسيلة رائعة لخلق فرص للتواصل وجمع شمل الأسرة في عمل واحد.
لا تخلو الحياة من بعض الأزمات التي تؤثر على العائلة بأكملها.. ربما تكتشف إدمان طفلك المخدرات، أو مرضه بمرض مزمن أو مرض أحد الوالدين أو الطلاق.. أو ربما يعاني طفلك من صعوبة في الدراسة.. إن من أهم علامات العائلة النموذجية إنها لا تفزع أو يتحول أفرادها ضد بعضهم البعض عند حدوث أزمة وإنما يعضد بعضهم بعضًا، ويخرجون من الأزمة أكثر قوة وترابطًا من السابق.. بعض العائلات عند حدوث أزمة تكون معوقة ببعض المعتقدات القاصرة فتكون مقتنعة بأن الأزمة مستحيلة الحل وقاهرة فتستسلم للحل السلبي دون مقاومة أو قتال.. على الجانب الآخر بعض العائلات تتعامل مع الأزمة بطريقة بناءة، فهم يرون الأزمة تحدي قابل للإدارة، يتشاركون في الرأى ويحاولون إيجاد حل مناسب وبحث كافة الخيارات.. هذه العائلات لها مهارات عبور الأزمة وتخرج أكثر قوة مع التركيز على ما هو مهم.. وتجديد الأولويات وتوطيد العلاقات الأسرية أكثر مما سبق.
العامل الخامس: تعلم كيف تتعامل مع الأزمات
لكى تعبر أى أزمة بنجاح لابد من وضع خطة لإدارة الأزمة.. لكن كيف؟
· كن مستعدًا قبل وقوع الأزمة: هناك بعض العلامات التحذيرية التي تنذر بوقوع أزمة، كن يقظًا لهذه العلامات ولا تتجاهلها حتى لا تكون العواقب وخيمة.. من هذه العلامات:
- احتمال وجود خطر على النفس والآخرين:
-يتحدث عن ارتكاب جريمة، عمل عنيف، ولديه خطة وبدأ في تنفيذها مثل إحضار سم أو منوم.
-يقوم بأعمال مندفعة تجاه الآخرين، يهمل نفسه، ينعزل عن الآخرين، تغيير جذري في سلوكه، لديه أصدقاء سوء، يفقد أو يزيد في الوزن، ينام قليلاً أو كثيرًا، لديه سوء حكم على الأمور.
- الاكتئاب:
-يفقد الاهتمام بكل الأنشطة التي كان يحبها، قليل النشاط، لديه اضطراب في الشهية والوزن، صعوبة في النوم، صعوبة في التركيز، شعور بعدم القيمة أو الذنب، يتحدث عن الموت أو الانتحار، لديه ضلالات أو هلاوس.
- ضغط نفسي:
-حدث مؤلم حدث له، لديه مخاوف و فزع، النسيان، كوابيس، صعوبة تركيز، عصبية، مشاكل في النوم، الذهول، التبلد.
- الإدمان:
-تغيير الأصحاب، إتخاذ أصدقاء جدد مدمنين، إهمال المظهر، الانعزال، الكذب، السرقة، تأخر دراسي، الهروب من المدرسة، التأخير، فقد الأموال أو المتعلقات من المنزل، استخدام ألفاظ الشارع أو المدمنين، احمرار العينين، سيلان الأنف بدون وجود حساسية، ترك الاهتمامات والرياضة المفضلة، العصبية، تقلب المزاج، تغيير في النوم والأكل، عدم احترام قيم العائلة، وجود آثار حقن، زجاجات فارغة.
- الانتماء لمجموعات معينة مثل المنحرفين، شلل النوادي، الفاشلين دراسيًا، العصابات واستخدام العنف:
-إرتداء زى معين، التكتم، تغيير السلوك، الانعزال، تأخر دراسي، هروب من المدرسة، عدم احترام القواعد، الاستماع للموسيقى الصاخبة، الإصابات الجسدية وإنكار أسبابها، تعاطي المخدرات.
· ابق هادئًا: ابق هادئًا مهما كانت مشاعرك عند حدوث الأزمة، ابق متمالكًا لنفسك وذلك سيبعث الثقة والاطمئنان في باقي العائلة.. قم بتمارين للتنفس العميق، هذا سيمد مخك بالأكسجين فيمكنك التفكير بصورة أوضح وإتخاذ قرار أفضل.
· ابعد الخطر: اتصل بالشرطة مثلاً، ابعد أولادك عن بعض الأشخاص أو الأماكن لحمايتهم.
· اعمل بالمشكلة وليس بالشخص: لا تهاجم أو تلقي باللوم على صاحب المشكلة حتى لا تجعله يخفيها في المرة القادمة وغالبًا سيتعرض لمشاكل لأن السلوكيات المعرضة للمشاكل التي لا يتم التعامل معها تزداد تعقيدًا.
· سد الفجوات: عند ظهور مشكلة يلقى كل فرد من العائلة اللوم على باقي الأفراد ويهاجمه مما يضعف العلاقات ويدمر العائلة، ولكن ليدعم كل فرد الآخر لأن العلاقات العائلية تبقى على مستوى أكبر من اللوم والهجوم الشخصي.
· تواصل: التواصل مهم: كن أمينًا وشجع جو من الانفتاح فتوقف عن الكلام وابدأ الاستماع، اعطه تركيزك واسمع قصته أو استمع لباقي أطراف المشكلة ووجهة نظرهم، دع أولادك يسئلون بحرية وامدح أسئلتهم بكلمات مثل "أنا سعيد لأنك سألتني هذا السؤال"، "أنا هنا لأجلك، لكى أجيب أسئلتك".
· طمن صاحب المشكلة أن المنزل مكان آمن حيث تهتم العائلة به وتدعمه، ربما لا يعجبك ما فعله ابنك ولكنك ستساعده لإصلاح ما حدث وحل المشكلة، فأنت ثروة لطفلك.. أخبره "أنا أهتم بك، أنت أهم أولوياتي وسأحميك".
· اجعل حياتك طبيعية: اجعل نظام حياتك اليومي كما هو، هذا يبعث الهدوء والثبات في باقي أفراد العائلة.
· استمع وتواصل مع أفراد أخرى من خارج العائلة مثل إمام المسجد، أفراد أخرى من العائلة، معلم أطفالك، طبيب أطفال أو طبيب نفسي.. لكى يساعدك على إيجاد حلول بناءة، اجعلهم يساعدونك.
· كن منفتحًا لكل الحلول حتى تلك التي رفضتها في بادئ الأمر: رفضك حل لا يعني إنه لا ينفع عائلتك، لا تغلق الباب أمام بعض الحلول بدون استكشافها بصورة جيدة أولاً.. ربما يكون ما ترفضه هو حل لمشكلتك.
· لا تقلق على المستقبل: لا تقل ماذا لو تكرر هذا مجددًا، فكما تخطيت الأزمة السابقة ستتخطى الأزمة القادمة.
· حاول إيجاد معنى لمعاناتك: حاول خلق قيمة لما تشعر به من ألم في حياتك، فأنت تتعلم من الحدث وتحمي طفلك وباقي أطفالك مهما حدث .. كذلك يتعلم طفلك كيف يتعامل ويتخطى الأزمات، أو اتخذ بعض الخطوات الاجتماعية للتغيير وحماية الآخرين من نفس المشكلة.
عزيزي عند إنجاز هذه العوامل الخمسة سترى تقدمًا ملحوظًا في طبيعة الحياة العائلية في أسرتك والترابط، لكن أوصيك بالصبر والمثابرة مهما كانت الصعوبات والعقبات أمامك.
ولنعيد ذكر العناصر سريعاً:
1. ضع نظام عائلي تربوي به قبول.
2. اصنع إيقاع في حياتك العائلية.
3. داوم على طقوس وعادات لها معنى.
4. كن نشيطًا في تواصلك.
5. تعلم كيف تتعامل مع الأزمات.
الحلقة الثانية
أى أسلوب تربوي تتبع؟
(ما هو اسلوبك التربوي؟)
لكل أب وكل أم ولكل ابن وكل ابنة بدون استثناء طريقة في التفاعل مع بعضهم البعض، أحيانًا تكون هذه التفاعلات إيجابية وأحيانًا تكون سلبية.
أسلوبك التربوي وهل يتناسب أو يصطدم مع طفلك يؤثر على العلاقات في داخل عائلتك ومدى نجاحك كأب أو أم.. وكعائلة عمومًا في تربية أبناءك.
هناك 3 أساليب أساسية في تعاملنا مع أبناءنا.. غالبًا ما يكون أحد هذه الأساليب سائدًا في الأسرة لكنه لا ينبغي أن يكون دائمًا فهذه الأساليب تتغير بتغير المواقف والظروف المختلفة.. سنحاول فيما يلي أن نجعلك تتعرف على أسلوبك التربوي وأسلوب طفلك ثم نستعرض كيف نغيره أو نتأقلم معه لنحقق أفضل النتائج..
الخطوة الأولى: تعرف على أسلوبك التربوي
فيما يلي 30 مقولة تصف سلوك الأبوين.. اقرأها بعناية وضع علامة على ما تراه صحيحًا بالنسبة لك.. كن صادقًا واعترف بالحقيقة لكل مقولة:
العلامة الدرجة أوافق بشدة أ.ش. 4 أوافق أ. 3 لا أوافق بشدة لا أ. ش. 2 لا أوافق لا أ. 1
المجموعة (أ)
· لدى توقعات واضحة لكيف يتصرف أبنائي وأحرص على مكافئتهم أو عقابهم على حسب هذه التوقعات.
· أرى أنه مسئوليتي وضع أهداف لعائلتي وأن أكون موجهًا لهم.
· أرى أن قيمي لابد تُعَلم لأسرتي ولو أن أبنائي لهم قيم مختلفة فيمكنهم الاختيار عندما يكبرون بقدر كاف لعمل هذه الاختيارات.
· أرى أنه من واجبي تحديد الصورة الاجتماعية لأسرتي.
· أرى أنه يجب أن أكون قوة متحكمة حتى يستطيع أولادي اتخاذ القرارات.
· يجب على أن أضع القيم في العائلة طالما يعيش ابنائي معي في المنزل.. لابد أن يتبعوا القواعد.
· لا ديمقراطية في العائلة.. أنا فقط المسئول.
· معظم الأوقات أتخذ القرارات للعائلة ولنفسي.
· أرى أنه أهم ما تكنه عائلتي لي هو الاحترام.
المجموعة (ب)
· أرى أنه من المهم لعائلتي أن تتعلم كيف تحقق أهدافها .
· فلسفتي أن أنمي روح الفريق في عائلتي في مواجهة المشاكل.
· تحقيق هدف مشترك أهم من الإنجاز الفردي لأى شخص في العائلة.
· أرى أن أحد أهم واجباتي أن أعلم طفلي كيف يضع أهداف لنفسه.
· أرى أنه من المهارات العائلية للأسرة ان يتعلم كل شخص كيف يثق في الآخر ويعتمد عليه في المواقف الصعبة.
· من المهم سماع رأى طفلي واحترام ما يحتاج ويريد.
· بالرغم من أن الأهل مسئولون عن الطفل فمن المهم المشاركة في إتخاذ القرار.
· سلوك الأطفال لابد له من نتيجة سيئة أو جيدة.
· مكافأة الأهل هى أن ترى أبناءها تحقق الأهداف.
· علاقة الطفل بأهله هى أهم ما يبقي من ميراث في العائلة.
المجموعة (ج)
· أشعر أني مسئول عن نجاح أسرتي أو فشلها وسأقوم بالعمل بدلاً منهم حتى لا يفشلوا.
· أنا لين مع طفلي في المواقف التي يجب أن أكون أكثر ثباتًا.
· أنه خطأي إذا حدث لطفلي مشاكل لأني لم أقم بواجبي.
· أهلي كانوا يعاملوني بشدة لذا أحاول إعطاء أطفالي حريتهم.
· طفلي يلومني أحيانًا بسبب مشكلة و أوافقه لأني أشعر بالذنب.
· أحاول دفع أسرتي بأن أجعلهم يشعرون بالذنب إذا لم يقوموا بالشئ الصحيح.
· أريد أن يكون طفلي شخص محترم لأنه يريدني أن أكون فخور به.
· طفلي أحيانًا يعبر عن فكرته في أن أوفر له حياة جيدة لأني أنا الأب أو الأم.
· أحب أن تتذكر عائلتي كم ضحيت لأجلها.
· أحاول ألا أضغط على طفلي لأن هذا ليس عادلاً بالنسبة له.
بعد الإجابة على هذه الأسئلة احسب ما حصلت عليه من نقاط في كل مجموعة منفصلة واكتبها:
مجموعة (أ)
مجموعة (ب)
مجموعة (ج)
ثم تعرف على معنى مجموع النقاط الذي حصلت عليه في كل مجموعة.
مجموعة (أ)
40 – 33 : أسلوب متسلط قوي.
32 – 25 : يغلب عليك الأسلوب المتسلط.
24 – 18 : سلوك متسلط متوسط.
17 – 10 : سلوك متسلط ضعيف.
مجموعة (ب)
40 – 30 : أسلوب يميل إلى المساواة قوي.
29 – 23 : سلوك قوي لأسلوب المساواة.
22 – 15 : سلوك متوسط.
14 – 10 : سلوك ضعيف.
مجموعة (ج)
40 – 34 : أسلوب متسامح قوي.
33 – 27 : سلوك قوي للأسلوب المتسامح.
26 – 18 : سلوك متوسط للأسلوب المتسامح.
17 – 10 : سلوك ضعيف للأسلوب المتسامح.
الأسلــــوب المتسلــــط
إذا كنت تنتمي لأسلوب متسلط قوي أو يغلب على سلوكك الأسلوب المتسلط فأنت تميل إلى الأسلوب المتسلط..
هذا الأب يخبر ابنه بما يفعل وما لا يفعل.. القواعد واضحة وغير مرنة، وليس صادمًا أن مثل هذا النوع من الآباء يتولى إصدار القرارات في عائلته فهو يضع الأهداف ويمنح المكافآت والعقاب.. وهناك وضوح فيمن يقوم بماذا في العائلة أو كيف.. سوء السلوك سوف يتم التعامل معه ويكون في بعض الأحيان يميل إلى المواجهة..
أبرز صفات هذا الأسلوب:
الحسم، كفء، حازم، متحكم، صارم، غير مرن، صلب، مسيطر، متطلب، مهتم بالإنجاز.
مثـــــــــــــال
الأهل: لابد أن تؤدي واجبك، أريدك أن تبدأ الآن، سيأخذ ذلك 4 ساعات.
الطفل: لكني أريد أن ألعب الكرة في نهاية الأسبوع.
الأهل: اللعب بالكرة أقل أهمية من عمل واجباتك.. سوف تعمل من 10 صباحًا حتى 12 صباحًا ومن 3 مساءًا حتى 5 مساءًا يوم السبت في حجرتك دون مشاهدة للكرتون ولا مكالمات تليفونية.. وسأشاهد ذلك وعندما تنتهي سوف نرى موضوع الكرة.
صاحب الأسلوب المتسلط يستخدم عبارات مثل:
- الآن سوف تقوم بـ.......
- اسمع، لابد أن تأتي بدرجات أفضل.
- أولوياتك لـ.......
- لابد من وضع خطة والسير عليها.
- تتبع التعليمات.
- اتبع الخطوات التالية لعمل شئ معين.
الأسلـــــوب المـــــــــرن
إذا كنت تنتمي لأسلوب مرن قوي أو سلوك مرن قوي فإن أسلوبك الغالب هو الأسلوب المرن في تربية أبناءك.. أنت تعطيهم دور في الاختيار.. عائلتك تعمل كفريق والقرارات تتخذ بشكل جماعي، جميع أسرتك تشترك في وضع الأهداف وإتخاذ القر ارات وحل المشاكل وهناك جو في عائلتك من التواصل وروح الفريق.. يتعلم الأبناء في هذه العائلات أن آراءهم وأفكارهم مهمة.. القواعد في هذه البيوت سهلة وهناك نتائج منطقية لخرقها والأطفال يفهمون أسباب هذه القواعد.. هناك قدر من المرونة.. هذا النوع من الآباء يكون متجاوب، منتبه، حساس لاحتياجات أبناءه.
أهم سمات هذا الأسلوب:
الاشتراك في المسئوليات، روح الفريق، يتعلم القيادة، متفاعل، متعاون، غير متسلط، مهذب.
مثــــــــــــــال
الأهل: لاحظت أن لديك حوالي 4 ساعات من المذاكرة لعمل واجبك المدرسي قبل يوم الاثنين.. هل توافقني أن نجعل هذا أولوية.
الطفل: نعم هذا على قمة أولوياتي أو ساقع في مشكلة كبيرة.
الأهل: دعنا نضع خطة.. ضع جدول بالأوقات التي ستذاكر فيها وساساعدك في تنفيذه.
الطفل: أفضل وقت هو السبت مساءًا ولكني لا أستطيع ان أعمل بصورة متواصلة لأربع ساعات.
الأهل: دعنا نقسمه إلى جلستين وسأوقظك من نومك مبكرًا وأعد لك الفطور حتى تعمل أنت.. ماذا ترى؟
الطفل: هذا مقبول لكن لست متأكدًا إذا كنت استطيع القيام به دون مساعدة.
الأهل: سأساعدك.. دعنا نرتب الرفوف.. أنا متأكد أن لديك القدرة ومع بعض التعاون تستطيع القيام به.
صاحب هذا الاسلوب يستخدم العبارات الاتية:
- يستخدم كلمة نحن في تعاملاته.
- لدينا هدف مشترك.
- يمكن أن نتعامل مع هذه المشكلة وننجح.
- كيف اساعدك لتكون أكثر كفاءة.
- دعنا نتعاون لننجز هذا الأمر.
- يمكن أن نقوم به.. اعلم أن لديك القدرات لعمل هذا الأمر.
الأسلـــــوب المتسامـــــح
إذا كنت تنتمي لأسلوب متسامح أو أسلوب متسامح قوي فإن اسلوبك الغالب هو الأسلوب المتسامح في التربية، تتدخل فقط عند حدوث مشاكل لهم.. تترك له حدود واسعة وتعمل على أن يكون كل شئ هو فكرة ابنك، هذا الأسلوب يشجع، يتعاطف، يتعامل على نحو رحيم مع الأبناء.. لك القدرة على أن تتعرف على دوافعهم الداخلية مثل الحاجة لتحسين النفس للوصول إلى الأهداف الشخصية أو حتى الشعور بالذنب..
هذا النوع من الآباء يشجع حرية التعبير لينمي الإبداع عند الأطفال والتعبير عن آرائهم.. كثير من أبطال الرياضة المشهورين كان لهم آباء من هذا النوع.
السمات الأساسية لهذا الأسلوب:
التقبل، الدعم، الاحترام، الانفتاح، يدفع الأطفال من وراء الستار، يدفع الطفل نحو أهدافه، يستهلك وقت كثير، متساهل، متكيف.
مثـــــــــــــــــال
الأهل: لاحظت أنك تحتاج لأربع ساعات للقيام بواجباتك المدرسية.. ما خطتك؟
الطفل: سأقوم به يوم السبت.
الأهل: أعرف أنك ستقوم به.. ألا ترى أن من المهم أن تكون من المتفوقين في الدراسة وكذلك بالنسبة لنا؟
الطفل: أعلم أنه مهم.
الأهل: إذن دعنا نضع خطة.. أعرف إنك تريد الذهاب للنادي وسنذهب لزيارة جدتك الجمعة مساءًا مما سيشغل كل الوقت ماذا ستفعل؟
الطفل: سأقوم به بعد العودة من عند جدتي.
الأهل: أعتقد أن هذا غير مناسب فإذا عدنا للمنزل في التاسعة ستكون متعبًا ولن يكون هناك وقت.. هذا لا يتناسب مع أهمية التفوق بالنسبة لك.
الطفل: سأقوم به بين العاشرة والثانية يوم السبت.
الأهل: هذا أفضل.. أين ستقوم به؟
الطفل: في حجرة المعيشة وأتفرج على الكرتون في نفس الوقت.
الأهل: هل تراها فكرة جيدة؟ تعرف ماذا سيحدث.. هل تعرف نفسك جيدًا؟
الطفل: سأقوم به في حجرتي فأنجزه أسرع.
صاحب هذا الأسلوب يستخدم العبارات التالية:
· ما هى خطتك؟
· هل ترى هذا أفضل شئ يمكن عمله؟
· هل هذا يناسبك؟
· أين ستقوم بهذا؟
· ما هو هدفك؟ وكيف يمكن تحقيقه؟
· هل ما تفعله سيساعدك في تحقيق هدفك؟
لا يوجد جيد أو سئ، خطأ أو صواب.. لا يوجد أفضل أسلوب لأن هذا يعتمد على شخصية الطفل.. لكل طفل ميول، مقاومة، مزاج يختلف من طفل لآخر حتى في العائلة الواحدة تختلف شخصيات الأطفال..
مثلاً الطفل الذي يقاوم السلطة يكون شديد الاستقلال ولديه توجيه ذاتي.. أطفال آخرون يكونون متعاونين ويحبون مشاركة ومساعدة الآخرين.. وهناك الطفل السلبي يحتاج أن يوجه بصورة واضحة ولا يستطيع أن يبدأ بنفسه أى عمل.
لذا تعرف على نوعية طفلك: هل هو متمرد، متعاون أم سلبي.. أجب على الأسئلة التالية:
المجموعة (أ)
· ابني يحب أن يعمل مستقلاً.
· طفلي نشيط.
· طفلي يحب أن يقوم بالشئ بنفسه.
· ابني يحب أن يكون مختلفًا.
· في معظم الأحيان يكون طفلي غير متعاون.
· ابني يحب أن يعبر عن رأيه ويحب أن يجادل.
· ابني يحب أن يقود الأطفال في اللعب.
· ابني يعمل بجد.
· ابني لديه روح التنافس ويحب أن ينتصر.
· ابني يلبس بطريقة مختلفة ويحب أن يكون متفرد.
مجموعة (ب)
· ابني يحب أن يكون مع الآخرين.
· ابني يتم وصفه بأنه متعاون.
· ابني مرن في قرارات الجماعة.
· ابني يحب المشاركة عن القيادة.
· ابني يحب العمل في فريق.
· ابني يفهم أهمية المشاركة.
· ابني مريح.
· ابني يستأذن قبل إتخاذ القرارات أو التفاعل مع الآخرين.
· ابني يقدم مجهوداته كلها للفريق.
· ابني يقود أو يتبع الآخرين حسب احتياجات الموقف.
مجموعة (ج)
· ابني يحتاج التوجيه قبل أن يفعل أى شئ.
· ابني يتحمس عندما أعطيه توجيهات.
· ابني لا يبدأ العمل بنفسه.
· ابني يتبع القواعد والأوامر جيدًا.
· ابني يفخر بأنه يتبع الأوامر ويقوم بعمل جيد.
· ابني يحتار بدون قواعد وأوامر.
· ابني يستجيب جيدًا للاستحسان والشكر.
· ابني يأخذ النقد بجدية شديدة.
· ابني عندما يتولى القيادة يأخذها بجدية شديدة.
· ابني يأخذ صفات من يراه سلطة بالنسبة له.
احسب مجموع درجات كل مجموعة على حده واكتبهم..
تعرف على معنى مجموع النقاط التي حصلت عليه في كل مجموعة.
مجموعة (أ):
40 – 33 : اسلوب متمرد عالي.
32 – 25 : السلوك الأغلب متمرد.
24 – 18 : متوسط السلوك بالنسبة للتمرد.
17 – 10 : سلوك متمرد ضعيف.
مجموعة (ب)
40 – 30 : أسلوب متعاون عالي.
29 – 23 : السلوك الأغلب متعاون.
22 – 15 : سلوك متعاون متوسط.
14 – 10 : سلوك متعاون ضعيف.
مجموعة (ج)
40 – 34 : أسلوب سلبي عالي.
27 – 33 : السلوك الأغلب هو السلبي.
26 – 18 : سلوك سلبي متوسط.
17 – 10 سلوك سلبي ضعيف.
فهم نوع طفلك شئ مهم لكنه ليس كافيًا.. لابد أن تأقلم أسلوبك التربوي على حسب احتياجات الطفل وسلوكه ومزاجه.. أسلوبك لابد أن يتغير بتغير الموقف ومن يوم إلى يوم وحتى من ساعة لساعة حسب ظروف طفلك.. أن تتمسك بأسلوب جامد لا يتغير لا يشكل سلوك طفلك في الاتجاه الصحيح.. لابد من المرونة.
أنت وطفلك ساهما معًا في وضع شكل العلاقة.. أنت تعلمهم القواعد وحدود العلاقة.. مثلاً إذا كان طفلك يعاملك بعدم الاحترام ثم لا تأخذ أى موقف فإنك قد علمته أن يعاملك بهذه الطريقة.. لسنوات قبلت هذا السلوك فعلمته ألا يحترمك لأنك سمحت له بهذا..
أولادك قد يحتاجون إلى إعادة تدريب على ما يُقبل وما لا يُقبل مهما تركت السلوك غير المرغوب فيه يمر.. لابد من تجنب أن يواجهك رأسًا برأس قدر المستطاع.. مع هذه المواجهة تتحول علاقة الحب والدعم إلى معركة لمن يكون له اليد العليا كما إنك تبعدهم عنك.
سنعرض لك بعد قليل كيف تتحاشى المواجهات وأن تكون التفاعلات مع طفلك أكثر إنتاجًا..
إدارة التصادم بين الأساليب المختلفة:
عند حدوث تصادم في داخل عائلتك عليك أن تحلل لماذا هذه العلاقة لا تعمل.. المعلومات الآتية ستساعدك على التعرف على الديناميكيات السليبة التي تعرقل مسيرتك للأمام.
(1) الأسلوب المتسلط مع الطفل المتمرد:
إذا كان اسلوبك متسلط وطفلك متمرد فلابد أن يحدث صدام.. فكلاً منكما يحب القوة في العلاقات والتحكم، كلاً منكما يحاول السيطرة على التفاعلات بأن يكون متحكم أو غير عاقل..
الطفل المتمرد يسعى للقوة بطرق مختلفة مثل سوء السلوك، الدراما، محاولة جذب الانتباه، تضخيم المواقف.. هذا الطفل يشعر أنه مهم عندما يشعر بالقدرة على التحكم وأنه محط الأنظار..
الأطفال المتمردون يسعون نحو آباءهم واصحاب السلطة (الصراخ، البكاء، بصق الطعام، محاولة فرض رغباتهم على رغبات آباءهم وأمهاتهم) هؤلاء الأطفال يستخدمون العنف السلبي ويقولون كل شئ على ما يرام في حين أنه غاضبون أو محبطون لسبب ما.
كثرة القواعد تسبب لهم الإحباط وسوف لا يعيرونها إهتمامًا..
الأهل المتسلطون والأطفال المتمردون لا يحلون المشاكل ولكنهم يتصادمون.
لكى تحل المشاكل لابد من:
1. تحاشي تبادل العبارات الغاضبة ورفع الصوت.
2. خذ وقت للإستماع لطفلك فالتواصل بين الناحيتين مهم.
3. تصرف مع سوء السلوك بهدوء قدر المستطاع.
4. استخدم الأسلوب المرن لأن هذا يخلق روح الفريق فيتحول طفلك من العراك إلى أنشطة أكثر إيجابية مثل الصلاة، الأذكار، اللعب، الرياضة، الواجبات المنزلية أو القراءة.
5. كن صبورًا وثابتًا.
6. تعلم كيف تتنازل وتحرك نحو الاحترام المتبادل، التعاون، والاشتراك في إتخاذ القرارات.
7. إعطٍ تعليمات مع احترام الوقت والمكان.. فالأطفال يتحملون المسئولية في موقف ما إذا استطاعوا التركيز عليه.
(2) الأسلوب المتسلط مع الطفل المتعاون:
إذا كنت تستخدم الأسلوب المتسلط مع الطفل المتعاون توقع بعض الخلاف لأن هؤلاء الأطفال يحبون التشارك في القوة وأن تشترك في إتخاذ القرارات في العائلة وحل المشكلات.. وهم يحبون تحمل المسئولية التي لا يرحب الآباء المتسلطون بإعطائها لهم.
إليك بعض الاقتراحات:
1. استخدم الأسلوب المرن واعطٍ طفلك مسئولية أكبر لإتخاذ القرار فمثلاً اسأل طفلك إذا كان يريد الاستحمام قبل أو بعد العشاء.. اعطاؤه خيارات يعطيه شئ من الاستقلالية ويعطيك درجة من التحكم.
2. استمع لآرائهم واشركهم في حل المشكلات.
3. زد من اهتمامك بحياة الطفل فهذا النوع من الأطفال يحب الاهتمام.. مثلاً خذه معك صلاة الجماعة في المسجد،صلوا معًا صلاة الجمعة في نفس المسجد، احضر المبارايات التي يشترك فيها، راقب واجباته المدرسية، تحدث معه، قم بالأشياء معه.. النقطة هى إيجاد سبل للتعاون بينكما.
4. اعطٍ للعلاقة روح التشجيع.. اعترف بنجاح طفلك وامدحه لما ينجزه ودعمه.. هذا يجعل الطفل المتعاون يزدهر.
(3) الأسلوب المتسلط مع الطفل السلبي:
يتناسبان مع بعضهما.. هذا الطفل يحتاج من يخبره بما يفعل وما لايفعل.. والأسلوب المتسلط يحب فيه الوالد أن يخبر أولاده بما يفعلون.
مع الطفل السلبي يجب أن تكون شديد النصح لأنه لا يبدأ عمل بمفرده ويستجيب للأوامر المباشرة.
(4) الأسلوب المرن مع الطفل المتمرد:
توقع بعض المشاكل عند استخدام الأسلوب المرن مع الطفل المتمرد الذي لا يحب الاستماع.. كما أنه يحب أن تكون القوة في يديه.. هذا القدر من الأنانية من جانب طفلك يمكن أن يحبطك ويجعلك تفقد صبرك..
إليك بعض الاستراتيجيات:
1. لا تبالغ في ردود أفعالك.. حاول أن تشرح له وجهة نظرك بأسلوب هادئ.. هذا يمنع تصاعد العدوانية في علاقتكما.
2. اجعله يختلف معك في بعض المواضيع.. هذا الاختلاف صحي إذا حدث في روح من الاحترام المتبادل للآراء المختلفة.
3. اجعله يأخذ دور القيادة في بعض الأنشطة العائلية المناسبة مثل تنظيم مبارايات للعائلة، اختيار وسيلة ونوع التنزه.
4. اشركه في وضع قواعد للسلوكيات المناسبة ونتائجها.. هذا ينهي الخلافات حول القواعد والعقاب.
(5) الأسلوب المرن مع الطفل المتعاون:
لأن كلا الأسلوبين يعتمد على روح الفريق والمبادئ الجماعية تكون التفاعلات ناجحة وإيجابية.. هذا النوع من الآباء يعامل ابنه بطريقة تحميه وتشجع ثقته بنفسه وتجعله متحمسًا في هذه العلاقة مما يجعل العلاقة على أفضل ما يرام.
(6) الأسلوب المرن مع الطفل السلبي:
لأن صاحب الأسلوب المرن يتوقع من الطفل أن يشارك في أنشطة الفريق فهو يشجع أبناءه على المساهمة وربما يحبط لأن هذا الطفل لا يتحمس للمشاركة بسبب خجله..
إليك بعض الإرشادات:
1. شجع طفلك السلبي على أن يشترك في أنشطة في مجموعات صغيرة من طفلين أو ثلاثة.. هذا يكون أقل تهديدًا له ويعطيه فرص لنمو مهاراته.
2. اعطه توجيهات مباشرة خطوة بخطوة وكيف يفعله ومتى يفعله وما يجب عمله حتى ينجح.
3. تحرك نحو الأسلوب المتسلط لعمل جدول ونظام يحتاجه ليشعر بالأمان.
4. عبر عن تقديرك عندما يشترك في أشياء جديدة ويظهر مرونة وتأقلم لأنه ينعزل إذا دفعته لموقف جديد بسرعة.
(7) الأسلوب المتسامح مع الطفل المتمرد:
هذان الأسلوبان يعملان جيدًا مع بعضهما البعض لأن كلاهما متعاطف مع الآخر.. فكلاهما يدعم الآخر ويهتم بما يشغل الآخر، فالأسلوب المتسامح قوي في تدعيم الطفل لكن ضعيف في التحكم.. لأن الطفل المتمرد يحتاج قدر من السيطرة لابد للأب المتسامح أن يتعلم وضع حدود جامدة لأى سلوك غير مقبول.
(8) الأسلوب المتسامح مع الطفل المتعاون:
هذه العلاقة تحدث بها توترات لأن صاحب الأسلوب المتساهل يعطي الطفل سلطة إتخاذ قرارات كبيرة الذي تعود أن يشارك الآخرين في إتخاذ القرار.. في هذه الظروف يشعر هذا الطفل بعدم الترابط وعدم الثقة فيما يفعل ويكون هناك تواصل ضعيف بينهما.
إليك بعض الاقتراحات:
1. كن أكثر تعاونًا لكى تشجع الاستماع المتبادل بينكما والمشاركة في حل المشكلات وإتخاذ القرار ووضع الأهداف ومهارات تواصل أفضل.. شجعهم واسمح لهم أن يعبروا عن مشاعرهم.
2. عملا معًا على المشاريع المشتركة مثل واجبات المدرسة.
إليك بعض الاقتراحات:
1. كن أكثر تعاونًا لكى تشجع الاستماع المتبادل بينكما، المشاركة في حل المشكلات وإتخاذ القرار ووضع أهداف ومهارات تواصل أفضل، شجعه واسمح له أن يعبر عن مشاعره.
2. اعملا معًا على المشاريع المشتركة مثل واجبات المدرسة.
(9) الأسلوب المتسامح مع الطفل السلبي:
الأسلوب المتسامح مع الطفل السلبي كلاهما يزيد الجزء السلبي في الآخر.. فأنت تجلس حوله ترى إسدال الستار.. ولا تحل المشاكل. أنت تنتظر أن يبدأ طفلك عمل وطفلك ينتظر تعليماتك ليبدأ أى عمل.
إليك بعض التعليمات:
1. شجع مواهب واهتمامات طفلك مثل القراءة والرياضة والرسم الطبيعي.
2. استخدم الأسلوب المتسلط مع طفلك الذي يحتاج حدود واضحة لكى يشعر بالحماس.
3. اعطه نصائح للعب والأنشطة المختلفة.
(الحلقة الثالثة)
رسالة إلى الآباء والأمهات
ذات يوم قال ولد لأبيه: أبي اجلس معي ساعة وأعطيك ألف جنيه.. حقًا إنه طلب غريب كيف يشتري أحد الأولاد جلوس أبيه معه بألف جنيه.. لك الحق أن يأخذك العجب ولكن بعدما تقرأ معي هذه السطور سيتبين لك سبب ذلك إن شاء الله.
دخل الطفل على والده الذي انهكه العمل، فمن الصباح إلى المساء وهو يتابع مشاريعه ومقاولاته فليس عنده وقت للبقاء في البيت إلا للأكل والنوم.
الطفل: لماذا يا أبي لم تعد تلعب معي وتحكي لي قصة، فقد اشتقت لقصصك واللعب معك، فما رأيك أن تلعب معي اليوم قليلاً وتقول لي قصة؟
الأب: يا ولدي أنا لم يعد عندي وقت للعب وضياع الوقت، فعندي من الأعمال الشئ الكثير و وقتي ثمين.
الطفل: اعطني فقط ساعة من وقتك فأنا مشتاق لك يا أبي.
الأب: يا ولدي الحبب أنا أعمل وأكدح من أجلكم، والساعة التي تريدني أن أقضيها معك أستطيع أن أكسب فيها ما لا يقل عن 1000 جنيه، فليس لدى وقت لأضيعه معك.. هيا اذهب والعب مع أمك.
وتمضي الأيام ويزداد انشغال الأب وفي أحد الأيام يرى الطفل باب المكتب مفتوحًا فيدحل على أبيه..
الطفل: اعطني يا أبي خمسون جنيهًا.
الأب: لماذا؟ فأنا أعطيك كل يوم 10 جنيهات. ماذا تصنع بها؟ هيا اغرب عن وجهي ولن أعطيك الآن شيئًا.
يذهب الابن وهو حزين، ويجلس الأب يفكر فيما يفعله مع ابنه، ويقرر أن يذهب إلى غرفته كى يراضيه ويعطيه 50 جنيهًا، فرح الطفل بهذه النقود فرحًا عظيمًا حيث توجه إلى سريره ورفع وسادته وجمع النقود تحتها وبدأ يرتبها..
عندها تساءل الأب في دهشة قائلاً: كيف تسألني وعندك هذه النقود؟
الطفل: كنت أجمع ما تعطيني للفسحة ولم يبق إلا خمسون جنيهًا ليكتمل الألف، والآن خذ يا أبي الألف جنيه واجلس معي ساعة..
فمن المؤسف حقًا أن بعض الآباء لا يعرف أدنى مستوى لمعاني الأبوة، لا يعرف سوى تأمين المأكل والمسكن والملبس، فلا يعرف الجلوس مع أولاده.. فقد فقد الأولاد الكلمة الحانية.. والتوجيه السديد.. والنصيحة المشفقة، لا يلتقي بأولاده إلا على وجبات الطعام، بل قد يتخلف عنها في بعض الأحيان والسبب أنه مشغول في عمله أو مع أصدقائه أو في ذهابه وإيابه.
فهو يأتي وهم يذهبون، ثم يأتون وهو يذهب، ثم يأتي آخر الليل ليجدهم نائمون.. فكثير من الأبناء فقدوا آباءهم وأمهاتهم وهم على قيد الحياة فرباهم التليفزيون والشارع والنت وصديق السوء..
فإذا وقع الفأس بالرأس تذكر إهماله وتقصيره بحق أولاده..
إن الأولاد نعمة من الله منّ بها علينا، فهم زينة الحياة الدنيا، وتربيتهم مهمة عظيمة يجب على الآباء والأمهات أن يحسبوا لها حسابًا ويعدوا العدة للقيام بحقها.. خصوصًا في هذا الزمان الذي تلاطمت فيه أمواج الفتن واشتدت غربة الدين وكثرت فيه دواعي الفساد حتى صار الأب مع أولاده كراعي الغنم في أرض السباع الضارية، إن عفل عنها ساعة أكلتها الذئاب وهكذا الآباء والأمهات إن غفلوا عن أبناءهم ساعة، تاهوا في طريق الفساد.
فعن أنس بن مالك رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال (إن الله سائل كل راع عما استرعاه: احفظ ذلك أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته)
وفي رواية أخرى (كلكم راع ومسئول عن رعيته، فالإمام راع ومسئول عن رعيته والرجل في أهله راع وهو مسئول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهى مسئولة عن رعيتها).
فأنت أيها الأب وأنت أيتها الأم ستسألون، فليعد كل منكم للسؤال جوابًا، فكل من وهبه الله نعمة الذرية وجب عليه أن يؤدي أمانتها بأن ينشأ أبناءه ويربيهم تربية إسلامية وأن يتعهدهم منذ نعومة أظفارهم.
إن الطفل الناشئ كالعجينة اللينة في يد صانعها يشكلها كيفما أراد، أو كالصحيفة البيضاء قابلة لكل ما يكتب فيها أو ينقش عليها.
وكى نربي أبناءنا وننشئ أسرة مترابطة وسعيدة لابد أن نكتسب ونتعلم المهارات والخبرات التي من خلالها نستطيع أن نبني الأسرة التي نتمناها وتعطي أطفالك الفرصة الأفضل للنجاح.
وقد كثر الحديث في أيامنا هذه عن أهمية التربية في إعداد الناشئة للعيش في زمان كثير المتطلبات، كثير المغريات، وبوصف الأسرة والبيت على أنها الحصن الأخير الذي مازال لأهله نوع من السيطرة عليه.. وهذا التوجه نحو تفعيل وظيفة الأسرة توجه صحيح.. ولكن لا ينبغي أن نتوقع أننا سنتمكن من حل كل مشكلاتنا عن طريق التربية.
ليس من المنطق أن نطلب من الأسرة ذلك ولكن لا ريب أن البيوت حين نقوم بواجبها فإنها تقدم الكثر من الشروط الجيدة والكثير من الأسس التي تمكننا من النهوض ومعالجة أشكال المعاناة التي يعاني منها السواد الأعظم من المسلمين.
إن موضوع التربية موضوع متجدد، حيث إن كل أشكال التقدم والتطور الحضاري تنعكس على المربي، فتغير من رؤاه وأساليبه وتنعكس على الناشئة فتغير من تطلعاتهم وسلوكياتهم وتحدد نوعية استجاباتهم للجهود التربوية، ولهذا فكل الأمم تواصل مساعيها في معالجة مسائل التربية الشائكة.
ومازالت البحوث والكتب التربوية في زيادة مطردة ولكن من المؤسف أن المشكلات التربوية هى الأخرى في حالة من النمو والتضخم.
إن البشرية تتقدم تقنيًا على نحو مطرد ولكن التقدم الأخلاقي والسلوكي قد يكون بطيئًا أو معدومًا، بل إن بعض جوانب السلوك تشهد ما يشبه الإنهيار مثل الانتحار وحوادث الطلاق وإدمان المخدرات وخلافه، وأدى التقدم الهائل في مجال الاتصال من النت والتلفاز والأقمار الصناعية إلى هدم البيئة التربوية القديمة، حيث صارت الأمة الإسلامية تربى في بيئات ملوثة.
وياللعجب حيث أصبح كل طفل أشبه بحالة فريدة ولا تماثل غيره من الأطفال يحتاج إلى أسلوب معين و فقه خاص في التعامل.
وكل النصائح والوصايا والمبادئ التي نسمعها أو نقرؤها تظل غير كافية لنجاحنا في مهمتنا ولابد لنا معها من الاجتهاد والتأمل وحسن التصرف وتوفيق الله عز وجل، ولا ينبغي لنا بعد أن نثقف أنفسنا ونبذل كل جهودنا أن نتوقع الحصول على نتائج قريبة وحاسمة.
وأكرر مهما أعطينا التربية من وقت وجهد، فإن ما نتوقع الحصول عليه هو أكبر بكثير مما نبذله، وذلك لأن الطفل حين يولد تكون إنسانيته عبارة عن استعدادات ليس أكثر، أى أنه يولد على الفطرة ومن خلال التربية يتملك مقومات الإنسانية الفكر واللغة والمشاعر ومعايير الخطأ والصواب، ولذا فإن وُلد الإنسان لا يصبح إنسانًا إلا إذا رباه إنسان.. وإن الخطوط العميقة في شخصية الطفل ترسم في السنوات الست الأولى من عمره.
إن مهمة الأسرة في عملها تزداد صعوبة يومًا بعد يوم بما تفرضه علينا العولمة من تهميش لسلطات الأسرة والمدرسة وبما تشجعه من التمرد على الأعراف، ومصطلحات الحرية الشخصية والخيار الشخصي ولكن ليس أمامنا أى خيار غير الاستمرار في الجهود التربوية وأن نصدق الله عز وجل في الدعاء أن يصلح لنا ذريتنا.
وفي اعتقادي أن الأبوين لا يستطيعان من غير التثقيف التربوي الملائم أن يعرفا ما هو طبيعي لدى أبناءهما مما هو غير طبيعي ولنطرح عليكم بعض الأسئلة مثل:
1. هل تحافظ على نظام تربوي داخل بيتك؟
2. هل تحافظ على قواعد يومية للتعامل مع عائلتك وعلاج مشكلاتها؟
3. هل تحافظ على جو أسري مريح داخل بيتك لراحة أطفالك؟
4. هل تمتلك المهارات حتى تساعد ولدك على أن يكون شخص ناجح في هذا العالم؟
5. هل لديك الشجاعة على تحطيم القوانين الأسرية المعروفة التي تعتقد أنها غير صحيحة؟
6. هل اتفق الوالدان سواء كانا في منزل واحد أو منفصلين على خطة واضحة ومنهج واحد لتربية الأبناء؟
7. هل تُهيئ لأطفالك بيئة يشعرون فيها بالأمان والانتماء والقوة والاعتماد على النفس؟
8. هل تساعد طفلك على أن يثبت ذاته ويعتمد على نفسه ليصبح عضو فعال ونافع في مجتمعه؟
اعرف يا عزيزي القارئ أنك أجبت على هذه الأسئلة الآن ولكن إذا قرأتها ثانية بتمعن وتذكرت أن إجابتك هذه سوف تؤثر على مستقبل طفلك ستجد الإجابة مختلفة.
وأنا على يقين أنه إذا توافرت لك القدرات والوسائل والمعلومات الصحيحة عن التربية سوف تجتاز بإذن الله معظم المواقف الصعبة وتعبر إلى النجاح.
وتذكر دائمًا أن العامل الأساسي في هذه المهمة هو حبك لطفلك الحب الذي لا حدود له والتضحية التي لا ثمن لها.. ولكنه يحتاج منك إلى المزيد لأنه يعيش في مجتمع وكثيرًا ما يتأثر به.
هل يستطيع أولادك أن يتحملوا ضغط الحياة الرهيب؟ وماذا سيحدث لهم؟
الإجابة على هذا السؤال تعتمد بشكل كبير على أسلوب تنشئة أبناءك وبأى شكل شكلتهم وأى قيم غرستها فيهم وبمن يقتدون في تصرفاتهم وقدرتهم على إتخاذ القرار الصحيح بأنفسهم، وباختصار تعتمد الإجابة على ماذا تفعل الآن لكى تساعد أبناءك على أن يصبحوا أفرادًا مسئولين غدًا.
ولابد أن تعرف أن الرحلة تبدأ بك إذ ينبغي عليك أن تغير كل سلوكياتك الخاطئة وتتنازل عن هواياتك الفاسدة فلا يستقيم أن يربي الأب أولاده على عدم التدخين وهو مدخن، أو تعلم الأم أطفالها أن مشاهدة الأفلام والمسلسلات الماجنة تدخل النار وتبعد عن الجنة وتشاهدها هى.. وليست كل الأساليب التي ربانا بها أباؤنا صحيحة فكثير من الآباء والأمهات الآن يعانون من مشاكل نفسية راجعة إلى اضطرابات في مرحلة الطفولة وإهمال في التربية فهؤلاء إن نهجوا نفس النهج سوف ينتجون أطفالاً مشوهين نفسيًا.
فلابد للأبوين أن يعرفوا أن لكل مرحلة عمرية متطلباتها ويتعلمون كيف يمرحون ويلعبون مع أطفالهم حتى يربي طفل مرح، مرن يستطيع أن يتعامل مع الناس ويستطيع أن يفكر ويتحكم في مشاعره ويعبر عنها.. لأنه تعلم هذا من والديه.. تعلم كيف يكون ممتع ومبدع.
ولا توجد قوانين أو ثوابت محددة تجلب السعادة لأسرتك وإنما هى لعبة يقوم بها الأب والأم ولابد أن يفكرا لماذا يلجأ الأبناء إلى أصدقاء السوء والمخدرات والكحوليات وتضيع الأوقات والأعمار أمام التليفزيون وفي النوم لأن الآباء لم يتعلموا أن يجنبوا أبناءهم الهروب من المشاكل.
وبإذن الله تعالى الحلقان التي سننشرها سوف تضع الأب والأم على نقطة في الطريق التربوي الناجح ولا تحاول أن تخمن أين أنت الآن على الطريق، سوف نسوق لك معظم المشاكل التي تواجه الآباء في التربية ومدى استجابة الأبناء لحلول هذه المشاكل.
يقول الإمام على كرم الله وجهه:
"لا تكرهوا أبناءكم على أخلاقكم فقد خلقوا لزمان غير زمانكم"
إننا في حاجة إلى فهم الطفولة وماهيتها.. وتعلم فن الأمومة والأبوة في ضوء تراثنا وتوجيهات ديننا وما توصل إليه علماء الاجتماع والنفس والتربية في عصرنا، فالتريبة تعني النمو والتطوير في القدرات والإمكانات النفسية والجسدية والعقلية والروحية والقدرة على التكيف مع المجتمع والأهل والجيران.
وليس هناك أى تقدم لأى أمة بغير علم وتربية.. وما تخلفت أمتنا الإسلامية يوم تخلفت إلا حينما تركت شعارنا الإلهي "اقرأ باسم ربك الذي خلق".
وهكذا أصبح المجتمع المسلم في أغلب بلدانه مجتمعًا ممسوخًا لا هو بالمجتمع الدنيوي المتقدم ولا بالأخروي المحافظ، وانعكس ذلك على الطفل والأم والأب والشيخ والشاب والمراهق، وأصيبت الأمة الإسلامية بحالة اختلال في الفكر والنظام والأخلاق والقيم ولذا ترى الآن الأصوات ارتفعت بإعادة بناء الإنسان المسلم (طفلاً وشابًا) على نفس الأسس التي بنى عليها أجداده وأسلافه.
الطفولة هى حجر الأساس في بناء أى أمة، وكلما نالت الطفولة نصيبها من العناية والرعاية والحماية والتوجيه كلما سهل على المراهق أن يمر بمرحلته الصعبة بطريقة أيسر وأأمن، وكلما زاد الاهمال والتدليل الزائد للأطفال كلما صعبت مرحلة المراهقة وأصابها الكثير من الهزات.
وإذا كان الإسلام في القرن السادس الميلادي حين جاء رفع شعار "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا" و "الزموا أولادكم وأحسنوا أدبهم" قبل أن تسمع الدنيا شيئًا عن حق الأطفال في الرعاية والعناية والتأديب فإننا في حاجة اليوم إلى رفع نفس الشعار.
الشعار الذي ملأ صفحات التاريخ الإسلامي فلا تكاد تقف على عظيم ممن ذلت لهم نواصي الأمم ودانت لهم الممالك إلا وهو ينزع بعرقه وخلقه إلى أم عظيمة، وكيف لا يكون ذلك والأم المسلمة قد اجتمع لها من وسائل التربية مالم يجتمع لأخرى ممن سواها مما جعلها أعرف خلق الله بتكوين الرجال والتأثير فيهم والنفاذ إلى قلويهم.
فالزبير بن العوام رضى الله عنه: فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بلغ من بسالته وبطولته أن عدل به الفاروق رضى الله عنه ألفًا من الرجال حين أمر به جيش المسلمين في مصر وكتب إلى قائدهم عمرو بن العاص رضى الله عنه يقول:
أما بعد: فإني أمددتك بأربعة آلاف رجل، على كل ألف رجل منهم مقام الألف.. الزبير بن العوام، والمقداد بن عمرو، وعبادة بن الصامت، ومسلمة بن خالد.. وقد صدقت فراسة الفاروق رضى الله عنه وسجل التاريخ أن الزبير لا يعدل ألفًا فحسب بل يعدل أمة بأسرها، فقد تسلل إلى الحصن الذي كان يعترض طريق المسلمين وصعد فوق أسواره وألقى بنفسه بين جنود العدو وهو يصيح صيحة الإيمان: الله أكبر.. ثم اندفع إلى باب الحصن ففتحه على مصراعيه واندفع المسلمون فاقتحموا الحصن وقضوا على العدو قبل أن يفيق من ذهوله.
هذا البطل العظيم إنما قامت بأمره أمه صفية بنت عبدالمطلب عمة النبى صلى الله عليه وسلم فقد شب في كنفها ونشأ على طبعها وتخلق بسجاياها.
وأمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضى الله عنه ورث عن هند بنت عتبة أمه مالم يرث عن أبيه أبا سفيان وهى القائلة وقد قيل لها ومعاوية وليد بين يديها إن عاش معاوية ساد قومه أى أصبح ملكًا على قومه.. "ثكلته إن لم يسد إلا قومه"، ولما نعى إليها ولدها يزيد بن أبي سفيان قال لها بعض المعزين: إنا لنرجوا أن يكون في معاوية خلف منه.. فقالت: أو مثل معاوية يكون خلفًا من أحد.. والله لو جمعت العرب من أقطارها ثم رمى به فيها لخرج من أيها شاء..
وكان معاوية رضى الله عنه إذا نوزع الفخر بالمقدرة انتسب إلى أمه فصدع أسماع خصمه بقوله: أنا ابن هند..
وسفيان الثوري، وما أدراك ما سفيان الثوري.. إنه فقيه العرب ومحدثهم وأحد أصحاب المذاهب الستة المتبوعة، إنه أمير المؤمنين في الحديث، قالت له أمه: يا بنى اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي، فكانت رحمها الله تعمل وتقدم له ليتفرغ للعلم.. وكانت تتخوله بالموعظة والنصيحة وقالت زيادة له ذات مرة: يا بنى إذا كتبت عشرة أحرف فانظر هل ترى في نفسك زيادة في خشيتك وحلمك ووقارك، فإن لم تزد لك فاعلم أنها تضرك ولا تنفعك.
فهل من غرابة بعد هذا أن نرى سفيان يتبوأ منصب الإمامة في الدين، كيف وهو قد ترعرع في كنف مثل هذه الأم الرحيمة وتغذي بلبن تلك الأم الناصحة التقية؟
ثم إذا نشرنا صفحة العهد العباسي بل صفحة العهد الإسلامي لا نجد فيها امرءًا دنت له قطوف العلم والحكمة ودانت له نواصي البلاغة والفصاحة كمحمد بن إدريس الشافعي، فهو الشهاب الثاقب الذي انتظم حواشي الأرض فملأ أقطارها علمًا وفقهًا وذلك أيضًا ثمرة الأم العظيمة..
فقد مات أبوه وهو رضيع فتولته أمه بعنايتها وأشرقت عليه بحكمتها، وكانت امرأة من فضليات عقائل الأزد وهى التي تنقلت به من غزة إلى مكة مستقر أخواله فربته بينهم هناك.. وكانت أم الشافعي من العابدات القانتات ومن أذكى الخلق فطرة.
كذلك كانت الأمهات في ذلك العهد الكريم مبعث كل شئ في نفوس أبنائهن من اللواتي انبلج عنهن فجر الإسلام وسمت بهن عظمته وصدعت بقوتهن قوته وعنهن ذاعت مكارمه ورسخت قوائمه..
لقد كانت الأم في عصور الإسلام الزاهية وأيامه الخالية مهبط الشرف الحر والعز الماثل والمجد المكين وصدق الشاعر:
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبًا طيب الأعراق