بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك

وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته


ان الامام علي بن موسى الرضا (ع) هو ثامن الحجج والائمة (ع) في الدين الاسلامي بعد جده رسول الله وآبائه الطيبين عليهم الصلاة والسلام، وله (ع) جعل سبحانه وتعالى وراثة علم آبائه وكتابه وتعاليم دينه في زمانه، ثم لابنائه عليهم السلام بعده، والله تعالى اورث اهل البيت علم الكتاب وجعلهم ائمة يهدون بأمره، ويعلمون المؤمنين تعاليم دينه الحنيف، فهم الراسخون بالعلم والذين يعلمون تأويل الكتاب، وبهم حافظ الله تعالى على دينه وتعاليم كتابه بما علمهم وطهرهم وخصهم ومكنهم به من هداه.


ان الشيء البارز في شخصية الامام الرضا (ع) هو احاطته التامة بجميع انواع العلوم والمعارف. فقد كان (ع) – باجماع المؤرخين والرواة – من اعلم اهل زمانه، وافضلهم، وادراهم بأحكام الدين، وعلوم الفلسفة، والطب، وغيرها من سائر العلوم.
وقد تحدث ابو الصلت الهروي عن سعة علومه (ع)، وكان مرافقا له يقول: ما رأيت أعلم من علي بن موسى الرضا (ع)، ما رآه عالم الا شهد له بمثل شهادتي.
وكان المرجع الاعلى في العالم الاسلامي، الذي يرجع اليه العلماء والفقهاء فيما خفي عليهم من احكام الشريعة، والفروع الفقهية.

يقول ابراهيم بن العباس: ما رأيت الرضا (ع) يسأل عن شيء قط الا علم، ولا رأيت اعلم منه بما كان في الزمان الاول الى وقته وعصره.
وقد دلت مناظراته (ع) في خراسان والبصرة والكوفة على ذلك حيث سئل عن اعقد المسائل، فاجاب (ع) عنها جواب العالم الخبير المتخصص.
وقد واجه (ع) الكثيرين من اهل الفلسفات ومن المتصوفة، ورأى فيه كل هؤلاء الامام الموسوعي الذي لم يتعقد من سؤال ولم يتوقف امام اية مشكلة، بل كان يفيض بالعلم، وكان القرآن هو القاعدة التي انطلق منها وارتكز عليها في كل ذلك .. وقد قال ابو الصلت: حدثني محمد بن اسحاق بن موسى بن جعفر عن ابيه، ان موسى بن جعفر كان يقول لبنيه: «هذا اخوكم علي بن موسى عالم آل محمد، فاسألوه عن اديانكم، واحفظوا ما يقول لكم».
والائمة من اهل البيت (ع) هم النخبة الذين اصطفاهم الله لهداية الناس بالحق، فكانوا المثل الاعلى في الانسانية والخلق الكريم حيث نلمس انسانية رسالة الاسلام في اخلاق الامام الرضا (ع).

روى ابراهيم بن العباس حيث قال: ما رأيت ابا الحسن الرضا (ع) جفا احدا بكلامه قط، ولا رأيته قطع على احد كلامه قط حتى يفرغ منه، ولا رد احدا عن حاجة قط، ولا مد رجليه بين يدي جليس له قط، ولا رأيته يشتم احداً من مواليه ومماليكه قط، ولا رأيته يقهقه في ضحكه قط، بل كان ضحكه (ع) التبسم، وكان اذا نصب مائدته اجلس معه عليها مماليكه ومواليه حتى البواب والسايس، وكان قليل النوم بالليل كثير السهر يحيي لياليه بالعبادة من اولها الى الصبح.
وكان كثير الصيام ولا يفوته صيام ثلاثة في الشهر، ويقول (ع) ذلك صوم الدهر، وكان (ع) كثير المعروف والصدقة في السر واكثر ذلك في الليالي المظلمة.
وناهيك بها من خصال شريفة، وخلال طريفة، وصفات منيفة فيه (ع) وآباؤه الكرام عليهم السلام، لابد أن يكونوا احسن الناس خلقا، واظهرهم فرعا وعرقا.

ومن معالي كرمه ما رواه احمد بن عبيد الله عن الغفاري، قال: كان لرجل من آل ابي رافع، مولى رسول الله (ص)، علي حق فتقاضاني، والح علي، فلما رأيت ذلك صليت الصبح في مسجد رسول الله (ص) ثم توجهت نحو الامام الرضا (ع) وكان في العريض، فلما قربت من بابه خرج وعليه قميص ورداء فلما نظرت اليه، استحييت منه، ووقف لما رآني فسلمت عليه وكان ذلك في شهر رمضان، فقلت له: جعلت فداك لمولاك علي – فلان – علي حق، شهرني فأمرني بالجلوس حتى يرجع فلم ازل في ذلك المكان حتى صليت المغرب، وانا صائم وقد مضى بعض الوقت فهممت بالانصراف، فاذا الامام قد طلع وقد احاط به الناس، وهو يتصدق على الفقراء والمحوجين، ومضيت معه حتى دخل بيته، ثم خرج فدعاني فقمت اليه، وامرني بالدخول الى منزله فدخلت، وتحدثت معه فلما فرغت من حديثي قال لي: ما اظنك افطرت بعد، قلت: لا، فدعاني بطعام، وامر غلامه ان يتناول معي الطعام ولما فرغت من الافطار امرني ان ارفع الوسادة، واخذ ما تحتها فرفعتها فاذا دنانير فوضعتها في كمي، امر بعض غلمانه ان يبلغوني الى منزلي، فمضوا معي، ولما صرت الى منزلي دعوت السراج ونظرت الى الدنانير فاذا هي ثمانية واربعون دينارا، وكان حق الرجل علي ثمانية وعشرين دينارا، وقد كتب على دينار منها ان حق الرجل عليك ثمانية وعشرون دينارا، وما بقي فهو لك.
هذه بعض بوادر كرمه، وهي تنم عن نفس خلقت للاحسان والبر والمعروف
.
وقد استشهد الامام الرضا (ع) في طوس من ارض خراسان في صفر سنة 203 من الهجرة الشريفة، وذلك عن عمر مبارك يقدر بخمسة وخمسين عاما.
فسلام الله عليه يوم ولد، ويوم استشهد، ويوم يبعث حيا
.