الكسندر غورتشاكوف مجد الدبلوماسية الروسيةالكسندر غورتشاكوف مجد الدبلوماسية الروسية
ألكسندر غورتشاكوف (1798 – 1883) هو حلقة في السلسلة الذهبية للدبلوماسيين الروس المنصفين في القرن التاسع عشر الذين مجدوا روسيا ودافعو عن مصالحها بصلابة.
ولد ألكسندر غورتشاكوف في 4 يونيو/حزيران عام 1798 بمدينة غابسالا بأستونيا في عائلة نبيل عسكري يحمل لقب الامير. وتلقى التعليم الاولي علي يد امه.
التحق عام 1811 بمدرسة النبلاء في مدينة تسارسكويه سيلو التي درس فيها ايضا الشاعر الروسي العظيم ألكسندر بوشكين والذي كرس له قصيدة تنبأت في مستقبله اللامع.
بدء الخدمة الدبلوماسية
بدأ الامير الشاب غورتشاكوف خدمته في وزارة الخارجية وهو في التاسعة عشرة من عمره. وكان الكونت كابوديستريا سكرتير الدولة للشؤون الشرقية والاغريقية الذي شارك ألكسندر غورتشاكوف معه في مؤتمرات الاتحاد المقدس اول معلم له في الفن الدبلوماسي. . اما الكونت نيسيلروديه سكرتير الدولة لشؤون اوروبا الغربية فلم يقم ألكسندر غورتشاكوف معه علاقات طيبة، الامر الذي اثر فيما بعد في ترقيته بالسلك الدبلوماسي.
في عام 1819 تحققت امنية ألكسندر غورتشاكوف القديمة وهو يتعين في منصب سكرتير السفارة الروسية في لندن حيث ترقى في الخدمة الدبلوماسية الى السكرتير الاول للسفارة الروسية.
انتقل ألكسندر غورتشاكوف عام 1827 الى السفارة الروسية في روما حيث درس اللغة اليونانية واطلع على الاوضاع في اقليم البلقان وتعارف على ابنة جوزيفين بوغارنيه وعلى ام لويس نابوليون امبراطور فرنسا لاحقا .
في عام 1828 تمت احالته الى برلين. ثم عاد الى إيطاليا ليشغل منصب القائم باعمال السفارة.
قبل احالته الى المعاش كان ألكسندر غورتشاكوف يخدم في فينا مستشارا للسفارة. لكن زواجه من ماريا اوروسوفا التي تنتمي الى عائلة ثرية ذات نفوذ في البلاط القيصري حمله على تقديم الاستقالة من الخدمة الدبلوماسية. والسبب الاخر لاستقالته هو العلاقات السيئة التي قامت بينه وبين الكونت نيسيلروديه وزير الخارجية الروسي آنذاك.الخدمة الدبلوماسية في ألمانيا
لكن الخدمة لدى بلاط القيصر كانت تسبب ملللا لدى غورتشاكوف الذي لم يتخل عن طموحاته في السلك الدبلوماسي فطلب من والد زوجته ان يتوسط بينه و وبين الامبراطور نيقولاي الاول ليعيده الى الخدمة الدبلوماسية.
عين ألكسندر غورتشاكوف عام 1841 سفيرا مفوضا وفوق العادة في امارة فيورتمبيرغ الالمانية. وكلف بهمة الاستفادة من التناقضات القائمة بين دولة النمسا - هنغاريا والدويلات الالمانية وتوظيفها لمصلحة روسيا والحيلولة دون قيام دولة ألمانية قوية على حدود روسيا. واشاد القيصر بجهود ألكسندر غورتشاكوف في هذا المجال وكرمه بوسام القديسة آنا . ثم عينه عام 1850 سفيرا مفوضا وفوق العادة لدى الاتحاد الالماني.غورتشاكوف وحرب القرم
تولى ألكسندر غورتشاكوف في عام 1854 منصب السفير الروسي في فينا. وشهدت تلك الفترة تشكل التحالف المعادي لروسيا الذي ضم كلا من تركيا وبريطانيا وفرنسا. وكانت النمسا تتأرجح . فكلفه الامبراطور نيقولاي الاول بمهمة تحييد النمسا باعتبارها حليفة مستقبلية لتركيا في حربها ضد روسيا. وبذل ألكسندر غورتشاكوف جهودا لا تستهان بها من اجل حمل النمسا على سحب قواتها من اراضي امارات نهر الدانوب. ولعبت سمعته الدبلوماسية دورا كبيرا في الحيلولة دون دخول النمسا في حرب القرم الى جانب تركيا ضد روسيا التي تسبب وزير الخارجية الروسي نيسيلروديه الى حد كبير في نشوبها .
انتهت الحرب بهزيمة روسيا . لكن الدفاع البطولي عن مدينة سواستوبول واحتلال القوات الروسية لمدينة كارس التركية وجهود غورتشاكوف في سبيل إضعاف التحالف المضاد لروسيا لعب كل ذلك دورا بالغا في تلطيف شروط السلام واتخاذ الحلفاء موقفا محترما من روسيا في مؤتمر باريس السلمي الذي عقد في فبراير/شباط عام 1856 لعقد اتفاقية السلام .وزير الخارجية الروسية
اجبر الفشل في حرب القرم وانهيار السياسة الدبلوماسية التي كان الوزير نيسيلروديه ينتهجها ، اجبر الامبراطور الروسي الجديدالكسندر الثاني على البحث عن دبلوماسي بوسعه ممارسة سياسة جديدة. ووقع خياره على ألكسندر غورتشاكوف. فلم يخطئ الامبراطور في خياره.
قدم وزير الخارجية الجديد تقريرا للامبراطور طرح فيه رؤيته لسياسة روسيا على الصعيد الخارجي ، وقال غورتشاكوف في احدى جمل تقريره:" يقولون ان روسيا تغضب. كلا، لا تغضب روسيا ، بل تركز اهتمامها " . وكان يعني بذلك ان روسيا لن تتدخل بنشاط في الشؤون الاوروبية مؤقتا ولن تضحي بمصالحها من اجل مباديء الحلف المقدس، بل انها ستجمع قواها.
التعاون مع فرنسا
ورأى ألكسندر غورتشاكوف ان مهمته الرئيسية هي إلغاء الشروط المهينة لمعاهدة باريس التي قضت بتحييد البحر الاسود، الى جانب استعادة نفوذ روسيا في البلقان.
وراهن ألكسندر غورتشاكوف في تحقيق خططه على فرنسا بصفتها اكثر الحلفاء واقعية. وتم الاتفاق مع الامبراطور الفرنسي نابليون الثالث على العمل المشترك في ساحة الشرق الاوسط . ومقابل ذلك تعهدت روسيا بدعم جهود فرنسا في الشؤون الاوروبية. واصرت الدولتان على منح امارات الدانوب مزيداً من الاستقلال ودعم الجبل الاسود.
لكن قمع الانتفاضة البولندية عام 1863 من قبل روسيا وضع حدا للعلاقات الروسية الفرنسية.
التقارب مع ألمانيا
تم في عام 1862 تعيين ألكسندر غورتشاكوف نائبا لمستشار الامبراطور او بالاخرى نائبا لرئيس الوزراء الروسي. وبدأ البحث عن حلفاء جدد. فالقى نظره باتجاه المانيا حيث حاول المستشار بيسمارك توحيد الدويلات الالمانية في دولة كبيرة وكان يفتقر الى حلفاء لتحقيق هدفه المنشود.
في عام 1863 تم في بطرسبورغ توقيع اتفاقية المساعدة المتبادلة الروسية البروسية السرية .
إلغاء شروط معاهدة باريس
اتاحت هزيمة فرنسا في حربها ضد بروسيا عامي 1870- 1871 الفرصة السانحة لغورتشاكوف كي يعلن خروج روسيا من المادة الثانية لمعاهدة باريس التي قضت بتحييد البحر الاسود.
زد على ذلك فانه اصر على الاعتراف بهذا الامر من قبل مؤتمر لندن الدولي عام 1871. واضطرت بروسيا الى تأييد روسيا في هذا الشأن ملتزمة ببنود الاتفاقية السرية. اما فرنسا فكانت مشغولة بشؤونها الداخلية. واكتفت كل من النمسا وبريطانيا باعلانات شفهية. وجاء دعم من جهة لم يتوقع احد بها وهى الولايات المتحدة التي اعلنت انها لم تعترف ابدا بالتقييدات التي فرضت على روسيا في البحر الاسود. واعتبر إلغاء شروط معاهدة باريس انتصارا عظيما لروسيا على صعيد الدبلوماسية والسياسة اللتين كان غورتشاكوف يمارسهما في اوروبا. وصار بمقدور روسيا امتلاك اسطول بحري خاص بها في البحر الاسود، الامر الذي ساعد الى حد كبير في انتصار روسيا بالحرب الروسية التركية عامي 1877 – 1878 .
الحرب الروسية التركية عامي 1877 – 1878
لعب غورتشاكوف دورا كبيرا في تشكيل تحالف الاباطرة الثلاثة (روسيا والنمسا وبروسيا) وتهيئة الظروف للحرب القادمة مع
تركيا.
نشبت الحرب الروسية - التركية تحت راية تحرير شعوب اقليم البلقان. وعولت روسيا في حال انتصارها على تقوية نفوذها في البلقان. وبذل غورتشاكوف جهودا لا يستغنى عنها لتحييد الدول الاوروبية في النزاع الروسي التركي. واسفرت الحرب عن انتصار روسيا وتوقيع اتفاقية سان ستيفانو التي قضت باستعادة روسيا لاقاليمها في مولدافيا الجنوبية ومنح بعض الدول البلقانية استقلالها. لكن النمسا وبروسيا خانت روسيا واتخذت موقفا معاديا لها واصرت على عقد مؤتمر برلين الذي ألغى معظم بنود اتفاقية سان ستيفانو السلمية. وشهد المؤتمر انقطاعا في العلاقات بين غورتشاكوف وبيسمارك.
ظل غورتشاكوف يشغل منصب وزير الخارجية خلال السنوات الثلاث بعد انعقاد مؤتمر برلين حين بذل جهودا من اجل الحفاظ على توازن القوى في اوروبا.آخر سنوات حياة غورتشاكوف
في عام 1881 هاجر غورتشاكوف الى اوروبا للعلاج. ومنع سوء صحته مشاركته في محادثات برلين التي ادت الى عقد التحالف الروسي الالماني النمساوي.
قدم غورتشاكوف عام 1882 الاستقالة من منصب وزير الخارجية. وكان يقضي اوقاته في لقاءات باصدقائه وكتابة المذكرات.
توفي ألكسندر غورتشاكوف في 27 فبراير/شباط عام 1883 بمدينة بادن بادن الالمانية. وجرى نقل جثمانه الى روسيا ودفن في بطرسبورغ.