وللسيد جعفر الحلّي قصيدة عصماء في رثاء العبّاس (عليه السّلام) طالما يردّدها الخطباء في مجالسهم ، ولقد جاء في بعضها :
وقـعَ الـعذابُ على جيوشِ أمـيّةٍ
مـن بـاسلٍ هو في الوقائعِ مـعلمُ
عـبـست وجوهُ القومِ خوفَ الـموتِ
والـعـبـاسُ فيهم ضاحكٌ متبسّمُ
أوَ تـشتكي العطشَ الفواطمُ عـنده
وبـصـدرِ صعدتهِ الفراتُ الـمفعمُ
قلبَ اليمينَ على الشمالِ وغاصَ في
الأوسـاطِ يحصدُ للرؤوسِ ويـحطمُ
ولـو استقى نهرَ المجرّة لارتـقى
وطـويـلُ ذابـلهِ إليها ســلّـمُ
لـوسـدّ ذو الـقرنينِ دون وروده
نـسـفـتهُ همّتهُ بما هو أعـظـمُ
فـي كـفّـهِ الـيـسرى السقاء يقلّهُ
وبـكـفّهِ اليمنى الحسامُ الـمـخذّمُ
بـطـلٌ إذا ركـبَ المطهمَ خـلـتهُ
جـبـلٌ أشـمُّ يخفُّ فيهِ مـطـهّـمُ
مـا شـدّ غضباناً على مـلـمومةٍ
إلاّ وحـلّ بـهـا البلاءُ الـمـبرمُ
قـسـماً بصارمهِ الصقيلِ وإنـني
فـي غـيرِ صاعقةِ السما لا أقـسمُ
لـولا الـقضا لمحا الوجودَ بـسيفهِ
واللهُ يـقـضـي ما يشاءُ ويـحـكمُ
صـبغَ الخيولَ برمحهِ حـتّى غـدا
سـيّـانُ أشـقرُ لونها والأدهـــم
وهـوى بجنبِ العلقمي فـليته
لـلـشاربينَ به يدافُ الـعلقمُ
وغـدا يهمّ بأن يصولَ فلم يطق
كـالـليث إذ أظفارهُ تـتـقلّمُ
فمشى لمصرعهِ الحسينُ وطرفُه
بـيـنَ الـخـيامِ وبينهُ متقسّمُ
ألـفـاهُ محجوبَ الجمالِ كـأنّه
بـدرٌ بـمنحطمِ الوشيجِ مـلثّمُ
فـأكـبَّ منحنياً عليهِ ودمـعه
صـبـغَ البسيطَ كأنّما هو عندمُ
قـد رامَ يلثمُهُ فلم يرَ مـوضعاً
لـم يدمه عضّ السلاحِ فـيلثمُ
نـادى وقد ملأ البواديَ صيحةً
صـمُّ الـصخورِ لهولها تـتألّمُ
أأخـي مَنْ يحمي بناتَ مـحمدٍ
إذ صرنَ يسترحمنَ مَنْ لا يرحمُ
أأخـي يُهنيكَ النعيمُ ولم أخـل
تـرضى بأن أُرزى وأنتَ منعّمُ
ما خلتُ بعدكَ أن تُشلَّ سواعدي
وتكفَّ باصرتي وظهري يُقصمُ
هـذا حسامُكَ مَنْ يذلّ بهِ العدى
ولـواك هـذا مَـنْ بـه يتقدّمُ
يـا مالكاً صدرَ الشريعةِ إنّـني
لـقـليل عمري في بكاكَ متمّمُ
بـطلٌ تورّثَ من أبيهِ شجاعةً
فـيها اُنوفُ بني الضلالةِ تُرغمُ