بين تدني الرواتب وغلاء المعيشة...
هل يكتفي الموظف براتبه ؟ أم يزاول مهن أخرى؟

الموظفون..الإداريون.. الفنيون .. المباشرون .. الايدي العاملة ، هذه الفئات المنتجة في المجتمع الموصلي ، تغادر بيوتها في أولى ساعات الصباح الباكرة سعيا وراء لقمة العيش التي تقي ذل السؤال والعيش – قدر المستطاع – في حياة كريمة .. رغم ما يعانيه الوضع الراهن في الموصل هذه الايام من قلق متزامن بسبب الاوضاع غير المستقرة ، نجد المواطن يتشبث جاهدا بخيوط الحياة ، يظل الموظف حريصا على انجاز العمل ، ملتزما بالدوام الرسمي حتى في حالات الطوارئ كغلق الجسور وغيرها متحملا شتى المخاطر متوكلا على الله تعالى طالبا اياه الرزق والامان ، غايته القصوى تكمن في اسعاد اسرته وتوفير مستلزمات العيش الرغيد وهي بحد ذاتها باتت من جل الصعاب .. فرحة الموظف تكتمل في يوم استلام الراتب الشهري ، اجور تعبه لايام ثقيلة .. حين يعود الى منزله حاملا قوت اسرته ومصدر سعادتها ليلبي طلبات كانت قد اجلت مرارا وحاجات متكررة لايمكن الاستغناء عنها كالملبس والمأكل والدواء والوقود ... الخ .
سيارة الاشتراك .. أفضل ..؟
هاني محمد :عنوان وظيفته معاون قانوني يتقاضى راتبا شهريا قدره 157 ألف دينار ، أكد ان الراتب غير مجز وينتهي في الايام العشرة من استلامه فهو لديه طفلان أحدهما لم يكمل السنة الاولى من عمره والأخر في الرابعة وهو يعاني الأمرين مع زوجته في تربيتهما وتوفير الغذاء خصوصا مادة الحليب ويشتكي من عدم توفرها ضمن محتويات الحصة التموينية وغلاء سعره التجاري ، وكذلك الطفرات النوعية التي تحصل في ثمن الدواء كلما زارتنا موجة برد او انتشر مرض معين ، إضافة الى غلاء المعيشة بصورة عامة جعلني أستخدم سيارتي الخاصة وجعلها سيارة اشتراك لزميلاتي في العمل من ذوات( الراتب الممتاز) ، وبذلك أحقق مردود جيد يعينني في التغلب على متطلبات الحياة فكرة عمل اشتراك ناجحة ، في كل الاحوال سأذهب صباحا الى عملي مستقلا سيارتي الجميلة فما الضرر في القيام بجولة قصيرة بين الشوارع الهادئة وأنا أ ستمتع بأصوات الانفجارات تغرد ، وحين أعود الى البيت مساءا لا اخرج منه الا للضرورة الملجئة كما نقول في القانون، ومثلما ذكر صديقي _ آنفا_ هذا كله في حالة توفر البنزين , إما في حالة (زعل) محطات تعبئة الوقود سيكون مصير الزميلات العزيزات الذهاب بباص الدائرة الا اذا تبرعن بمبلغ إضافي يوازي سعر البنزين التجاري عندها نكمل المشوار ولكن بوجوه ثقيلة وكأنني صاحب القرار في غلاء سعر لتر البنزين .. ومن سخرية القدر إنني أكملت دراسة القانون في كلية الحدباء الجامعة والكل يعلم الإقساط التي تدفع خلال السنوات الأربع للحصول على البكالوريوس فيها، لأتعين براتب كهذا!!
موظف صباحا.. تاجر مساءا ..؟
قسم التسويق هو احد أقسام الدوائر الإنتاجية كالأدوية والألبسة وغيرها ، تحدث مهموما الموظف ر.ن : راتبي لا يتجاوز 75 ألف دينار رغم إنني احمل شهادة جامعية ولكن وزارة المالية – سامحها الله _ أسكن إنا وأخي في بيت واحد وندفع الإيجار مناصفة وهو 150 ألف دينار أي بمعنى ان الراتب يذهب فورا من الحسابات الى المؤجر . ماذا نأكل أنا وزوجتي ومن فضل الله لم نرزق بطفل (يزيد الحمل علاوة) ، أخذت بضاعة من مخزن الألبسة الجاهز وقمت ببيعها للأهل والأقارب والجيران ، وهكذا أصبحت تاجرا صغيرا بسيارة حماي (أبو زوجتي) وهذا ما جعلني استمر على قيد الحياة لحد ألان وللأمانة اذكر وبفخر موقف أهل زوجتي المشرف في مساندتي .. جل ما نرجوه نحن المتعينون بصفة عقود ان تعطف علينا وزارة المالية وتوافق على توفير التخصيصات المالية لنتساوى مع إقراننا في الراتب وإلا فالحال (لا يسر عدو ولا حبيب).
موظف .. بائع موبايلات ..؟
الموظف ر.ع سرد قصته : حصلت على فرصة التعيين قبل أكثر من سنة وكنت سعيدا حينها ، أتقاضى راتبا لا يتجاوز120 ألف دينار ولكنني حين فكرت بالزواج تعقدت الأمور. أهل الخطيبة يبالغون في فرض الشروط التعجيزية من مهر وأثاث ، وأسعار غرف النوم ضرب من الخيال و(حضرتها ) موافقة على ما يطلبه أهلها مني . وعلي مساعدة أبي في دفع تكاليف أخوتي الدراسية ، وهكذا وجدت لي مهنة أثناء وبعد الدوام وهي بيع وشراء أجهزة (الموبايل) .. أستغل وقت الفراغ في البيت،.لدي حاسبة في البيت ، تمكنني من إدخال البرامج المرغوبة مثل النغمات ومقاطع الفيديو وتسجيل الأغاني ..الخ .. ملائي هم زبائني، أبيعهم بالتقسيط وتعلمون كم يشجع الموظف المسكين على الشراء.. أحب مهنتي هذه ومردودها المالي جيد إما الراتب أسدد به أقساط غرفة النوم التي سأتزوج فيها (بعد عمر طويل).
التدبير.. نصف المعيشة ..؟
قال الله سبحانه وتعالى : ( كلوا وأشربوا ولا تسرفوا).. هكذا استهلت حديثها معنا الموظفة س.ع فقالت : نحن معشر النساء وخصوصا المتزوجات لنا دور كبير في التغلب على صعوبات الحياة ليس فقط مساعدة الزوج في المصروف ولكن في كيفية إدارة الأمور ووضع ميزانية للأسرة تتضمن النفقات والإيرادات ولا أسمح بحدوث عجز فيها ، صدقوني ورغم غلاء الأسعار وتكرار الأزمات ، حافظت وحرصت على الاكتفاء براتبنا إنا وزوجي وهو لا يتجاوز 400 ألف دينار ولدينا خمسة أطفال، و عدم السماح له بالاستدانة في أسوء الظروف . أقتصد في كل شيء في الملبس والمأكل والوقود وانأ متأثرة بوالدتي في تدبيرها لأمورنا بعد وفاة والدي وكيف تمكنت من تخريجنا ( أنا وإخوتي ) من الجامعة معتمدة على راتب والدي التقاعدي .. المرأة الموصلية معروفة بالحكمة والتدبير وكما كانت تقول جدتي (المرأة بناء في بيتها) ولا اتفق مع كثير من زميلاتي اللواتي يتصرفن بأنانية واضحة في عدم مساعدة الزوج واعتباره (الرجل الخارق) وعليه تحمل كل المسؤوليات ، فهو إنسان وله طاقة محدودة وإذا زادت قد ينفجر لا سامح الله .
هند وأخواتها الثلاثة ..؟
هند شابة متخرجة حديثا تعينت براتب 157 ألف دينار حدثتني عن وضعها المادي قالت : أنا أساعد أبي في مصروفي الشخصي بكل تفاصيله ومنذ تعيني اكتفيت ذاتيا في شراء الملابس واللوازم الاخرى والهدايا ودفع أجرة نقلي الى عملي وكل ذلك يتم وفق قاعدة (الأهم ثم المهم) ، كما أساهم في دفع مبلغ الاشتراك لأخواتي الثلاثة اللواتي في الجامعة . من حق أبي ان يرتاح قليلا وسيرتاح أكثر عند تعيين أخي الذي ينتظر فرصته منذ زمن ليس بالقليل .. استغل فرصة عملي إمام الحاسوب واثناء الفراغ اقوم بطبع وسحب وترجمة التقارير المطلوبة من أختي التي تدرس الماجستير وبذلك أوفر الكثير من المال الذي كان يدفع لمكاتب الترجمة والاستنساخ.
مصائب قوم عند قوم فوائد ..؟
عند انقطاع أسلاك الكهرباء الممتدة بين بيوتنا والمولدات التجارية او أسلاك الكهرباء الوطني نهرع الى الكهربائي ونرضيه ونغريه لدفع المبلغ الذي يحدده ، هذه المرة فان هذا الكهربائي هو موظف في إحدى دوائر الدولة. كما حصل مع الموظف ب.ي ، جاءنا الى الدار يحمل على كتفه سلما ويحتضن بيده الاخرى حزمة من الأسلاك ، قال :أنا موظف وراتبي لا يتجاوز 200ألف دينار ولدي أسرة متكونة من زوجة وثلاثة أطفال في أعمار الابتدائية والمتوسطة ، زوجتي ربة بيت أي لا راتب لها . في الحقيقة اختصاصي كهرباء ، لجأت الى هذه المهنة (تصليح الأجهزة الكهربائية وأسلاك المولدة) بسبب تدني راتبي وعدم كفايته لتوفير مستلزمات المعيشة ، الكل يعلم ما وصل اليه الحال من التهاب أسعار الغذاء والدواء والوقود وأمور أخرى لا يمكن الاستغناء عنها . الحمد لله تمكنت من توفير دخل إضافي الى جانب راتبي لمواكبة الغلاء الفاحش .اتفقت مع صاحب المولدة وأهالي المنطقة لتصليح او مد خطوط المولدة وتصليح الأجهزة الكهربائية الحديثة ونصبها كالستلايت (الدش)والمكيف (السبلت).
موظفة ..تاجرة صغيرة ..؟
جذب نظري الموظفة ن ، تأتي صباحا وتفترش الارض ببضائع متنوعة من ملابس ولعب أطفال ومواد تجميل ..الخ يتجمعن الموظفات من حولها يتفرجن ويشترين ويوصينها بعض اللوازم ، تحمل بيدها (دفتر الحساب) تدون فيه ما يسدد نقدا وما يؤجل الى الراتب من قيمة البضاعة المباعة ، قالت أنا لا أعتمد على الراتب في المعيشة فهو مخصص لدفع إيجار البيت وهو 150 ألف دينار ، أما عائدات هذا العمل الذي تراه فهو الذي ييسر الأمور في معيشتي وطفلتي فزوجي لا عمل له لم يكمل دراسته ولم يتعين ، قد يجد له عملا بعض الأحيان ولكن بالصدفة مع انه مستعد للعمل في أي مجال ماذا أقول (كل شيء قسمة).. زميلاتي في العمل هن زبوناتي احضر كل ما يطلبونه مني وبذلك أوفر عليهن عناء الذهاب الى السوق . عند عودتي الى البيت تأتيني الجارات العزيزات للشراء واستغل أيام العطل للتسوق وإحضار المزيد من البضاعة.. هناك مثيلات لهذه التاجرة الصغيرة ولكن في حدود ضيقة مثل موظفة الخدمة التي تبيع الصمون صباحا للموظفين وأخرى تبيع البسكويت والعصير واللفات وأخرى تقوم بتزيين العرائس وحلاقة السيدات في بيتها وأخريات قلن كنا (في أيام الحصار) ننسج الملابس الصوفية ونبيعها ولكن اليوم وبسبب (البالات) لم يعد احد يشتري بضاعتنا .
موظف.. طالب جامعي ..؟
الموظف ع.غ قال تعينت بشهادة الإعدادية ، لذلك فان راتبي قليل ومهما تراكمت لدي سنوات الخدمة لن يتحسن الراتب الا بنسبة ضعيفة ، كذلك فان درجتي الوظيفية لن تتقدم كثيرا لذلك قررت ان أكمل دراستي الجامعية ، في كلية الادارة والاقتصاد / قسم المحاسبة الدراسة المسائية وعند تخرجي ستصبح درجتي الوظيفية معاون محاسب . كما أتأمل خيرا في الزيادة التي سمعنا عنها كثيرا ولا ندري متى تصدق وتتصدق علينا وزارة المالية ، فحال الموظف رديء للغاية فهو يقضي ساعات طوال أمام الماكنة او وراء المكتب ينجز معاملات المواطنين وعند عودته للبيت لا تنتهي رحلته المتعبة بل يستأنفها في عمل أخر يساعد على متطلبات المعيشة العسيرة .. أما عن وضعي كطالب جامعي فانني أعاني_ وزملائي_ الأمرين في الحصول على الملازم ولا ندري لماذا ناصبنا العداء تدريسيو الكلية ؟!الا يعلموا بضيق وقتنا وصعوبة وصولنا الى الكلية في الوقت المحدد بسبب وظيفتنا ؟!! وربما خفي عنهم وضع البلد امنيا !!
في نهاية المطاف لنا كلمة بعد كل ما قيل ويقال : ان شريحة الموظفين التي تشكل نسبة كبيرة من المجتمع الموصلي شريحة متعبة ومثقلة بالهموم وتسعى في شتى المجالات لتحسين وضعها المادي وفي مزاولة مهنا صعبة ومرهقة للغاية ، بسبب تدني الرواتب وعدم كفايتها لمواكبة الغلاء الحاصل في المعيشة .. كثيرون هم الذين قدموا لإكمال دراستهم من معهد او كلية او ماجستير وربما دكتوراه وغايتهم تكمن في تقدم درجاتهم الوظيفية وتحسين رواتبهم ، لقد أضافوا الى أعبائهم العائلية عبئا جديدا ، فهم لا ينعمون بأيام العطل للاستراحة والاهتمام بأسرهم وأطفالهم ، بل يستغلونها في الدراسة والبحث عن المصادر وهذا بحد ذاته عبئا ماليا وجهدا فكريا إضافيا لعلهم يقطفون ثمار تعبهم هذا ويحققون غايتهم القصوى وهي تحسين مستواهم المعيشي .. لا ننسى دور المرأة الموصلية التي تساهم براتبها لمساعدة زوجها في تدبير تكاليف الحياة، وتحية منا للموظفة التي لا تكتفي براتبها بل تزاول أعمالا أخرى تعود عليها وعلى أسرتها بالنفع المادي لتلبية احتياجاتها اليومية الضرورية.