اختارت شركات تصنيع أشباه الموصلات ( تصنيع المعالجات على نحو خاص ) طوعاً السير على خطى القانون الذي وضعه
غوردون مور – أحد مؤسسي شركة انتل – في وضع خططها المستقبلية لإنتاج المعالجات، حيث لاحظ غوردون مور عام 1965 أن عدد الترانزستورات على شريحة المعالج يتضاعف تقريبًا كل عامين في حين يبقى سعر الشريحة على حاله، وبدون زيادة في حجم المعالج.
كان القانون ثورة تكنولوجية ونقلة نوعية بحد ذاته ليس لأنه حدد مسار خطط الشركات المستقبلية فحسب، فكما ورد عن مدير العلاقات العامة في شركة إنتل
وينغارتنر ( مهدت هذه القاعدة البسيطة الطريق لتقدم الثورة التكنولوجية لأكثر من نصف قرن، ولازالت ترسم الحدود الواسعة لها، مما جعلنا قادرين على تجسيد أفكارٍ مثل «الذكاء الاصطناعي» و «السيارات ذاتية القيادة» إلى واقع ) .
هل انتهى عصر قانون مور فعلاً ؟
من وجهة نظري فالاجابة بكل تأكيد هي ( نعم ) ، فالمشكلة التي تواجه قانون مور اليوم ، أن التقنيات التي نمتلكها قد بدأت تصل لحدودها الأعظمية، أي أن القدرة على زيادة عدد الترانزستورات على الشريحة المتكاملة من أجل رفع أدائها و فاعليتها، بدأت تصل لحدودها العظمى.
فغوردون مور عندما وضع قانونه لم يكن عدد الترانزستورات في الشريحة يتعدى الآلاف ، في حين أن رقاقة كرقاقة core i7 quad المستخدمة في الحواسيب حالياً يصل عدد الترانزستورات فيها لأكثر من 731 مليون ترانزستور ، مما يستدعي اللجوء لتقنيات أكثر حداثة، و أكثر قدرة على بناء ترانزستورات جديدة، بأبعاد أصغر، و بفاعلية أفضل، و ذلك لتلبية الحاجات البشرية المتزايدة .
يمكن اعتبار قانون مور أقرب لنبوءة شخصية من كونه قانوناً فيزيائياً ، ومن الجدير بالذكر أن غوردون مور في عام 1975 راجع ورقته البحثية التي طرح فيها نظريته ، ليعدلها كما ذكرناها في البداية ، بعد أن كانت نظريته بأن ( عدد الترانزستورات على شريحة المعالج يتضاعف مرتين كل سنة ).
ووفقا لتقرير من منظمة ( خارطة الطريق الدولية لتكنولوجيا أشباه الموصلات ) ، و التي تشمل عمالقة صناعة المعالجات والرقاقت كإنتل وسامسونج ، فإنه بحلول عام 2021 سنصل لمرحلة يصبح حجم الترانزستورات لا يمكن تصغيره أكثر ، وهذا أدى إلى طرح السؤال الذي ما زال العالم يبحث له عن إجابة شافية ( ماذا بعد قانون مور ؟ ) ، ولا تتفاجأ عزيزي القارئ أن شركة مثل IBM أعلنت عام 2014 انها ستستثمر ثلاث مليارات دولار لايجاد البديل !! فالأمر فعلاً يشكل معضلة لدى عمالقة التكنولوجيا في العالم.
بدائل قانون مور ؟
أو بالأحرى بدائل استخدام السيليكون في صنع الرقائق الالكترونية والمعالجات ، ولعل أبرز هذه البدائل هي :
1- تقنية النانو ( أو تقنية البناء من الأسفل )
هذه التقنية الواعدة تبشر بقفزة هائلة في جميع فروع العلوم والهندسة، ويرى المتفائلون أنها ستلقي بظلالها على كافة مجالات الطب الحديث والاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية وحتى الحياة اليومية للفرد العادي فهي وبكل بساطة ستمكننا من صنع أي شيء نتخيله وذلك عن طريق صف جزيئات المادة إلى جانب بعضها البعض بشكل لا نتخيله وبأقل كلفة ممكنة، فلنتخيل حواسيبَ خارقة الأداء يمكن وضعها على رؤوس الأقلام والدبابيس، ولنتخيل أسطولًا من روبوتات النانو الطبية والتي يمكن لنا حقنها في الدم أو ابتلاعها لتعالج الجلطات الدموية والأورام والأمراض المستعصية.
لا شك أن هذه التقنية هي أبرز البدائل التي يتوجه العالم فعلًا لاعتمادها ، وهي إنتاج معالجات بتقنية النانوميتر ، وبالفعل وردت تقارير إخبارية من عملاق التكنولوجيا سامسونج أنها ستنتج معالج هاتفها القادم Galaxy S8 بمعمارية 10 نانوميتر .
ما تزال التقنية تواجه عقبات كبيرة وتحتاج للمزيد من الوقت كي تصل للمأمول منها ، ولكن كما علمنا تاريخ العلم البشري بأن لا شيء مستحيل على العقل البشري
(فالحاجة أم الإختراع ) .
2- الغرافين
كثيرون يعتبرونها البديل المثالي للسيليكون ، فقد قرر وزير الخزينة البريطانية استثمار 50 مليون يورو في الأبحاث لهذه المادة ، هذه المادة رقيقة جدًا ، وهي أرفع مادة معروفة على الإطلاق الى لحظة كتابة المقال، و تمتاز المادة بأنها موصل مثالي للكهرباء ، ولا تتفاعل مع المحيط الخارجي، وإذا ما تم تصنيع ترانزستور من الغارفين فإنه سيعمل بسرعات أسرع بآلاف المرات من الترانزستور المصنوع من السيليكون ، و بكمية استهلاك معقولة للطاقة.
يمكن استخدام المادة في صناعة الأسلاك والتلفزيونات والرقائق الالكترونية ، ومن الجدير بالذكر أن عالِمَين من جامعة مانشستر البريطانية قد حصلا بالفعل على جائزة نوبل تقديراً لجهود أبحاثهما على مادة الجرافين ، وهما حاليًا يقومان بأبحاث عن استخدامها في رقاقات صغيرة وفائقة الأداء .
ولا شك أنه إذا تم استثمار مادة الغرافين بالشكل المطلوب فستعطي أداءًا أفضل بكثير من أداء مادة السيليكون التي حكمت عالم صناعة الالكترونيات لمدة نصف قرن ونيف.
وفي الختام يجدر الإشارة أن هناك بدائل أخرى ما زالت تجري عليها الأبحاث مثل مادة
الممريستور ، بالإضافة الى
تكنولوجيا الحواسيب الإدراكية.