صوت الجالية العراقية خاص : من المعلوم أن العبقري أنشتاين هو صاحب نظرية الزمكان والبعد الرابع، وبالتالي النسبية الخاصة والعامة فهو أول من أضاف إلى الأبعاد الثلاثة الطول والعرض والإرتفاع البعد الرابع وهو الزمان وجعلهم وحدة للقياس في علم الفيزياء. وقد أثبت العلم التجريبي صحة نظريته وأخذ براءة إختراع عليها وكرم من أرقى المحافل الدولية والعلمية حتى باتت تدرس في كل جامعات العالم لعلوم الفيزياء وصار رمزاً للعبقرية في العصر الحديث فقد جعل الزمان والمكان وحدة واحدة فالزمان بقيد المكان يكون زماناً فهو أحد الأبعاد الأربعة وهذه هي النظرية النسبية الخاصة ، فقد جعل من سرعة النور مقياس الزمن وهو لا يتصور إلا بلحاظ المكان ، فالنور عندما يصل إليك يكون زمانك . هذا من جهة أنشتاين ونظريته ، أما ما يذهب إليه المرجع الأعلى الامام السيستاني دام ظله في مسألة الهلال وقبل البحث فيها علينا أن نبحث رؤيته في مفهوم الزمان ، وذلك لأن مبناه في الهلال مرتبط بمبناه ورؤيته لمفهوم الزمان ، فإنه حفظه الله يرى أن الزمان مندمجٌ بالمكان ومرتبط به بحيث أن المجتمع العقلائي لم ينطلق لتصور الزمان إلا من جهة المكان ، فعندما نرى نور الشمس على الأرض نرسم مفهوم النهار وعندما يهل الظلام على الأرض نرسم مفهوم الليل وعندما نرى مسيرة القمر ونتأمل فيها ننتزع مفهوم الشهر، ولذلك يقول السيد السيستاني اننا نرى العرف يقولون الآن ليل بإعتبار الظلمة المكانية بينما هذا الوقت نفسه في النصف الأخر للكرة الأرضية هو نهار. إذاً الزمان مندمج بالمكان ومرتبط به على نحو ننتزع مفهوم الزمان من المكان وذلك من خلال تعاقب النور والظلام وقد أطلق على هذه النظرية إسم الزمكان أيضاً بمعنى أن الزمان بقيد المكان يكون زماناً ولا يمكن أن يتصور من دونه ، ومع هكذا رؤية وفلسفة للزمان يتضح جلياً لماذا يشترط دام ظله وحدة الأفق بالنسبة للهلال بعد رده وتوجيهه للروايات التي يمكن أن يستفاد منها عدم الاشتراط وأيضاً يتضح لماذا لا يبني رأيه في الهلال على الإحتياط الوجوبي كما طلب منه البعض ذلك بغية السماح لمقلديه الرجوع لغيره في هذه المسألة فإنه مع وضوح الرؤية له لا معنى أن يبني المسألة على الإحتياط وأن كان وجوبياً ، فإنه وأن كان صحيحاً إلى حد ما القول أنه لا يجب على المجتهد أن يفتي بما يعلم بل الواجب عليه أن لا يفتي على خلاف ما يعلم وذلك من خلال الإحتياط مثلاً الذي يؤمن له طريق نجاة لكن هذا انما يكون عادةً إذا كان رأيه مبتنياً على فهم دليل اجتهادي قام على مقدمات الحكمة فبنى على اطلاقه، مثلاً أن يقبل سند ودلالة الحديث النبوي المروي ( إن الله إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه ) فيفتي بحرمة بيع الميتة من جميع النواحي ولكنه لكي لا يوقع مقلديه في مشقة فيذهب إلى الإحتياط الوجوبي بحرمة البيع لكي يكون بإمكانهم الرجوع إلى غيره من الفقهاء مع رعاية الأعلم فالأعلم ممن لا يرتضي هذا المروي من جهة السند أو الاطلاق وبالتالي يرخص في بيعها (الميتة) إذا كان فيه غرض عقلائي كالتسميد مثلاً أو كان رأي المجتهد وجوب تغطية الوجه للمرأة إعتماداً على المشهور لكنه يذهب للإحتياط الوجوبي للتغطية وبالتالي يرخص الرجوع إلى غيره بغية التسهيل فهذا كله ن بل واقع , لكن في ما نحن فيه بالنسبة إلى رأي سماحة السيد دام ظله حول الهلال فالامر مختلف وذلك كما أسلفنا أنها تربتط بمفهوم الزمان الذي انما ينتزع من المكان ويرتبط به إرتباطاً عضوياً فإذا تغير أفق المكان تغير الزمان فلا معنى أن يشترط وحدة الأفق والحال هذه بنحو الإحتياط وإن كان وجوبياً بل اللازم عليه أن يشترط وحدة الأفق على نحو الفتوى صراحةً فإن نور الهلال يشكل عنده وحدة زمنية بالنسبة إلى المكان الذي يظهر في أفقه وهذا يكشف لك سبب اصراره مد الله في عمره على فتواه بالنسبة للهلال ويكشف لك أيضاً شدة ورعه وتقواه وطهارة ذاته وذلك من خلال عدم إستعداده لمخالفة قناعاته فكأنه على نحو ما قيل في الأصول (أن القاطع لا يرجع لغيره) وعليه فهذان العبقريان ؛ الامام السيستاني وأنشتاين يلتقيان في مفهوم الزمان وذلك من خلال نظرية الزمكان للسيد السيستاني التي طرحها في درسه الأصولي حول بحث المشتق (راجع كتاب الرافد في الأصول) ونظرية البعد الرابع للبروفسور اينشتاين التي طرحها في ابحاثه المثبتة عالمياً حول النسبية الخاصة. والحق أنه من حيث الصناعة الفقهية والأدلة الفقاهتية ما ذهب إليه دام ظله العالي في الهلال هو عين الصناعة إذ أنه يدل على فهم عميق للكون وذوق عرفي سليم ولا يمكن والحال هذه إلا الالتزام بما يذهب إليه ، وعليه ينحصر البحث معه دام ظله حول رأيه الهلالي في الأدلة الاجتهادية حصراً التي بإمكانها أن ترخص للمكلف ما هو أوسع من أفقه ومكانه بأن يكون الهلال لكل البقاع التي تشترك في ليل واحد كما هو رأي العظيم السيد الخوئي (قدس سره) لا من جهة النظرة الكونية بل من جهة توسعة الأدلة الاجتهادية إن تمت سنداً ودلالةً. وعلى أية حال لا يسعنا إلا الالتزام بما يذهب إليه مراجعنا العظام من رأي فقهي قد بذلوا فيه جهدهم الفكري مع رعاية الأعلم خصوصاً إذا كان هذا الجهد مؤيداً بعلم تجريبي ورأي عظماء مفكري العالم كما هو الحال مع العبقريين الامام السيستاني والبروفسور اينشتاين. حفظ الله مراجع الدين والمرجعية العليا التي هي ضمانة لوحدة الامة وقوتها، وحفظ الله المؤمنين الملتزمين برأي مراجعهم والسائرين على نهجهم الذي هو نهج محمد وآل محمد صلى الله عليهم أجمعين آمين رب العالمين ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
السيد باسم الشرع
مرشد ومؤسس مركز الزهراء الاسلامي في ميشيغن وكولورادو