من ابرز السمات التي يتميز بها الاسلام هي الاعتدال والوسطية في الفكر والسلوك والعاطفة , وقد وصف القرآن الكريم الامة الاسلامية بالامة الوسط , قال تعالى ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا).
.

وسوف نتعرض في بحثنا المختصر هذا الى الغلو في ائمة اهل البيت (عليهم السلام) ولا نتوسع في تاريخ الغلو وتاريخ ظهوره ونشأته عن اتباع الديانات اليهودية والمسيحية وعند بعض المذاهب الاسلامية من اهل السنة, نتركة الى البحوث المطولة في هذا المجال ونذكر ما يتناسب و هذا البحث المختصر.
معنى الغلو:
الغلو في اللغة: هو تجاوز الحد والخروج عن القصد , قال تعالى :( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ )
وقد عرف الغلاة بأهل البيت (ع) هم الذين غلو في حقهم حتى اخرجوهم عن حدود الخليقة ورفعوهم على مستوى الربوبية واللوهية واعطوهم صفات الخالق سبحانه وتعالى عما يصفون.
وهم ـ الغلاة ـ من المتظاهرين في الاسلام وفي حقيقتهم هم من اكثر الناس بعدا عن الاسلام, لانهم نسبوا الى امير المؤمنين علي والائمة الاطهار(عليهم السلام ) الالوهية واخرجوهم عن حدود البشرية, وهذا نوع من انواع الشرك.
وقد وقف أهل البيت (عليهم السلام) من هذه الظاهرة موقف حازم فأمير المؤمنين حكم عليهم بالحرق بالنار وكذلك الائمة حكموا بكفرهم وخروجهم عن الاسلام حيث ان هذه الظاهرة نشترت في العصور المختلفة من حياة الائمة وقد تحولوا الغلاة الى جماعات وفرق وطوائف كثيرة .
من أهم هذه الفرق والطوائف التي عرفت بالغلو هي فرقة المفوضة , ومعنى التفويض ان الله قد فوض الى الائمة الخلق وانهم هم الذين يرزقون ويعطون ومنعون ويميتون ويحيون بمعنى انهم اهم الذين يديرون العالم بمعزل عن الله تعالىز
وغير خفي ان التفويض بهذا المعنى شرك صريح فلو قالوا بان الله تعالى فوض امر الخلق والتدبير اليهم (ع) واعتزل هو كل شيئ فهذا الشرك والكفر بعينة وخلاف العقل والمنطق والبرهان.
نماذج من فرق الغلاة :
1- السبئية: المنسوبون الى عبد الله بن سبأ الذي ظهر في ايام الامام علي فدعى الالوهية فاحرقة الامام هو اصحابة بالنار.
2- الكيسانية: القائلون بامامة محمد بن علي المعرروف بأبن الحنفية .
3- المنصورية: وهم اتباع ابي منصور وهو عبد القيس سكن الكوفة وادعى ان الامام الباقر قد فوض الية اموره بما جعلة وصية من بعدة ثم ادعى ان الائمة كانوا انبياء ..... .
4- المغيرية : اصحاب المغيرة بن سعيد العجلي الذي صحب الامام الباقر.
5- الخطابية : اصحاب ابي الخطاب محمد بن ابي زينب الاجدع الاسدي الذي اباحوا شهادة الزور وقالوا بالوهية الامام الصادق (ع) وقد لعنهم الامام وتبرئ منهم ولعن ابي الخطاب نفسه.
وهناك الكثير من هذه الفرق المغالية المنحرفة التي تعد بالعشرات التي ظهرت من اجل هدم وتشويه معالم الاسلام الاصيل .
نماذج من عقائد الغلاة :
هناك نماذج كثيرة على عقائد واقوال الغلاة الباطلة والتي حاولو جا هدين نشرها في الفكر الاسلامي وبين طيات بعض الكتب الحديثية والكلامية .
مثلا ما جاء في خطبة البيان التي ينسبوها الى ا لامام علي (عليه السلام) والتي انكرها علمائنا وضفوها سندا ودلالتا , وقال عنها العلماء والمحققين انها لا اساس لها .
وهنا نذكر بعض القفرت من هذه الخطبة التي تعبر عن مفاهيم الغلو بشكل واضح وصريح بما لايقبل التأويل , مثلا قوله: انا عندي مفاتيح الغيب لا يعلما بعد محمد غيري وانا بكل شيئ عليم , انا مفتاح الاسباب وانا منشر السحاب انا مورف الاشجار ومخرج الثمار وانا مخرج المؤمنين من القبور ..... الخ , وواضح ان هذه الصفات لا تجوز الا على الله تعالى وحدة وهي صفاته سبحانه كما هو اضح من صريح القرآن الكريم.
مثال آخر القول في ان الائمة يعلمون الغيب لذاتهم وأنهم (عليهم السلام ) يعلمون ما كان وما يكون او القول بالولاية التكوينية انهم المتصرفون بالكون حسب اختيارهم وارادتهم الذي يعطي في مضمونه معنى التفويض وهو الغلو وارتفاع وخروج عن الحد المراتب والمواضع التي وضع الله بها الائمة (ع) في حفظ الاسلام والشريعة والقرآن ومن التحريف , وكذلك هداية وحفظ الامة من الاختلاف والفرقة في امور دينهم ودنياهم .
موقف أهل البيت عليهم السلام من الغلاة:
ورد عن الائمة الاطهار الاراء والواقف الصريحة من الغلو والغلاة في البرآئة منهم ولعنهم وتكفيرهم , رغم محالولة هذه الفرق التستر بائمة اهل البيت (عليهم السلام) والاندساس في البنية الاسلامية عن طريق ادعاهم التشيع, لكن الائمة كشفوهم ولعنوهم وطردوهم بل قام الامام علي (عليه السلام) في عهد حكومتة بقتلهم وحرقهم .
هنا نذكر بعض الاروايات التي وردت عن أهل بيت العصمة التي بينت حقيقتهم وكشفت زيف ادعائاتهم الفارغة.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لا ترفعوني فوق حقي فان الله تعالى اتخذني عبدا قبل ان يتخذني نبيا.
قال أمير المؤمنين علي (ع) : أياكم والغلو فينا فقولوا انا عبيد مربوبون وقولوا في فضلنا ما شئتم . أي قولوا فينا ما اشئتم من الصفات التي ليست من صفات الله تعالى .
مثلا عن الفضيل بن مزيد قال قال ابو عبد الله (ع) بعد ذكره اصحاب ابي الخطاب والغلاة فقال الي يا فضيل لا تقعدوهم ولا تؤاكلوهم ولا تشاربوهم ولا تصافحوهم ولا تؤاثروهم.
وعن الامام الصادق (ع) قوله: لعن الله ابا الخطاب ولعن من بقي منهم ولعن الله من دخل في قلبه رحمة لهم .
وعنه (عليه السلام ): ما نحن الا عبيد الذي خلقنا وصطفانى وانا لمبعوثون ومسؤلون .
وعن الامام الرضا(عليه السلام) قال: ان من تجاوز بامير المؤمنين العبودية فهو من المغضوب عليهم ومن المغالين.
الى الكثير من الرويات الاخرى الواردة عن الني واهل بينه الطاهرين في نفي ما ينسبه الغلاة , اضافة الى الرويات التي تنص على عرض الرويات التي وردت عنهم على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فنبذوه , قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نورا فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله ندعوه .
.
نستفيد من ذلك كلة ان الغلو ظاهرة شاذة في الفكر الاسلامي عموما و في مدرسة هل البيت (عليهم السلام ) على وجه الخصوص .
ففكر اهل البيت يمثل الاسلام الاصيل وابعد ما يكون عمن الغلو والتطرف , بل هو على العكس من ذلك تماما ويمتاز بالمرونة والاتزان والوسطية فهو يجمع بين النص والعقل والوجدان والواقع ايضا . .