بر الوالدين من أوجب الواجبات وأعظم القربات



وجهت المرشدة الدينية مريم بنت سعيد السيابية رسالتين أولها إلى الأبناء «الزموا البر بوالديكم فهو من أوجب الواجبات وأعظم القربات وتجنبوا العقوق بهما فإنه بئس العمل، كيف لا؟ وهو من الكبائر الموبقات ومن محبطات الأعمال، بل إنه مما يعجل الله به العقوبة في الدنيا فبقدر برك بأبويك يبرك أبناؤك فالجزاء من جنس العمل فمن كان والداه على قيد الحياة فلا يفرط في الأجر العظيم الذي ينتظره في الدنيا والآخرة، فرسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه قال: (من أدرك والديه ولم يدخل بهما الجنة فلا أدركهما).
والثانية للآباء «يا أيها الآباء أعينوا أبناءكم على بركم فخير الآباء من أعان ابنه على بره، ربوهم على الأخلاق الحميدة والصفات النبيلة، وعودوهم على البر منذ نعومة أظفارهم وأعطوهم حقوقهم منذ الصغر من علم وفقه وأدب حتى يكبروا عليه فالعلم والأدب والتفقه في الدين من الأمور المعينة لهم في أمور حياتهم» .. جاء ذلك في لقاء لملحق «إشراقات» معها حول البر بالوالدين .. وإلى تفاصيله.

الاستعانة بالله واستحضار فضل الوالدين من الأمور التي تعين الأبناء على برِّهما –
حدثينا عن بر الوالدين.
البرّ كلمة صغيرة المبنى، كبيرة المعنى، فهي جامعة لكل أنواع الخير، إذ هي الإحسان في أجمل صوره، والعطف في أرق معانيه، والتذلل في أشرف أوضاعه، والإيثار في أسمى أمثلته والرفق في ألطف صوره.
فلا غرابة أن جعله الله للوالدين تكريما لفضلهما وتعظيما لحقهما فهما سبب الوجود في هذه الحياة، والوجود من أعظم نعم الله، لذا فهم أولى الناس بالبرّ وأجدرهم بالعطف والعناية وأحقهم بالإحسان والرعاية.
فدعا الله إلى برهما حبا وتكريما، ووصى بهما وأمر بإكرامهما حتى جعل حقهما مقرونا بحقه وشكرهما مع شكره وعقب ببرهما بعد توحيده وطاعته، ووعد الموفي بحقهما أجرا عظيما، وتوعد المقصر بحقهما عذابا أليما، ولقد حفل القرآن الكريم في أكثر من موضع تحدث فيه عن البرّ بصور شتى فتارة هو وصية من الله جل في علاه لعباده فقال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا) وتارة أخرى مقرونا بتوحيده جل وعلا فقال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، وفي سورة الإسراء جعله الله في صورة قضاء منه يحمل الأمر المؤكد فقال جل شأنه: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا).
كما حدثنا القرآن الكريم عن مشروعية البرّ في الشرائع السابقة كقصة إسماعيل مع أبيه إبراهيم عليهما السلام عندما جاءته الأوامر الإلهية بذبح ابنه وفلذة كبده وقرة عينه، فيستجيب لأمر الله ويلقي هذا الأمر على مسامع ابنه قال تعالى: (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى) فما كان من الابن البار بأبيه إلا السمع والطاعة والوفاء والإذعان، فقال الله تعالى حكاية عنه: (قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) فهذه صورة من صور البرّ في الشرائع السابقة ونكتفي بما ذكرناه، ثم إننا من خلال ملاحظتنا لآيات الكتاب العزيز نجد أنها لم تعتنِ بمثل هذه العناية البالغة في وصية الولد بوالديه عندما وصّى الوالدين بالأولاد ذلك لأن الإنسان مجبول على رعاية الأبناء بالفطرة، فيكدح في الدنيا من أجل راحتهم والاعتناء بهم من دون ملل ولا كلل إذ يرى أن حياة أولاده امتدادا لحياته، إذ يبقى له الذكر ببقائهم فهو ينظر دائما إلى المستقبل، ولا يصرف بصره إلى الوراء، فينظر في حال أصوله، ولأن الأولاد زينة الحياة الدنيا كما قال الله تعالى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) فهو إذا ليس بحاجة إلى أن يوصي بالإحسان إليهم بهذا القدر الذي وصى به الولد بوالديه، فقد جبل وفطر على ذلك.
ليس له حد معلوم
كيف نبر بوالدينا؟ وهل لبرنا بهم حدود؟
البرّ بالوالدين هو الإحسان إليهما بكل ما تحمله كلمة الإحسان من معنى فليس للبر بهما حد معلوم بل الواجب على كل مكلف أن يبر بهما ما استطاع إلى ذلك سبيلا فلا يبخل عليهما في نفقة حتى وإن كانا من الأغنياء بل ويؤثرهما على النفس والزوج والعيال بحيث لا يضر بالطرف الآخر، فإن تعارضت المصالح قدم الأصلح، قال تعالى: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، وعليه أن يتذلل لهما ولا يستعلي عليهما وأن لا يتقدمهما في شيء إلا إن كان ذلك في مصلحتهما كأن يتقدم الولد أباه في المشي ليدفع عنه الضرر والأذى، أو يسوي له الطريق وما شابه (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) وأن يلين لهما في الكلام فلا يرفع صوته فوق صوتهما ولا يسمعهما إلا ما يرضيهما ولا يخاطبهما إلا بصفة الأبوة والأمومة إذ لا يصح له أن يناديهما باسميهما أو بكناهما أو ألقابهما كما ينادي الآخرين فإن فعل شيئا من ذلك يعد من العقوق المحظور: (فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) أي كلاما حسنا جميلا لا ضجر فيه ولا صخب، وعليه أن يكون لهما آذانا صاغية وقلوبا واسعة فلا يظهر لهما ضجرا إن أبديا له معارضة في أمر ما بل عليه أن يبصرهما بما يصلح لحالهما بالتي هي أحسن فلا يغلظ لهما في القول ولا ينهرهما، ولا يجادلهما إلا بالتي هي أحسن، كذلك ينبغي له ألا يرفض لهم أمرا ولا يرد لهما طلبا ما دام أمرهما في مباح لا يضره في دينه ودنياه، فإن أمراه بشيء رأى فيه مضرة لنفسه أو لم يجد به مصلحة له فليس عليه أن ينفذ أمرهما بل عليه أن يبين لهما الأصلح لنفسه بأسلوب طيب وكلام رقيق كي لا يجرح خاطرهما ولا يؤذي مشاعرهما، و أما إن أمراه بمعصية فلا يطعيهما في ذلك الأمر ولكن عليه أن يصحبهما في الدنيا معروفا فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق حتى وإن كانا يأمرانه بالإشراك بالله يقول الله تعالى: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)، ومن البرّ كذلك أن يكثر من الدعاء لهما في حياتهما وبعد وفاتهما (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)، ومن هذه الآية الكريمة نتعلم أن البرّ لا يتوقف بمجرد موت الوالدين أو أحدهما بل إن له صورا أخرى كالتي ذكرته الآية الكرمة وهو الدعاء لهما بالرحمة والمغفرة إن كانا صالحين، فعليه أن يدعو لهما وأن يتصدق عنهما وأن يؤدي الدين عنهما إن ماتا وعليهما دين مصداقا لقول نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) بل إن من أبر البرّ صلة أصدقائهما بعد وفاتهما لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أبر البرّ صلة الولد أهل ود أبيه)، إذا فالبرّ ليس له حد يتوقف عنده بل يمكن أن نقول بأنه الطاعة لهما ما لم يأمراه بشيء فيه حرمة ومعصية أو إشراك بالله (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ) فهما مع كونهما مشركين ويأمران ابنهما بالإشراك فإن الله قد حفظ لهما حقهما كوالدين.
تفوق حقوق الناس أجمعين
هل حق الأم والأب على حد سواء، أم إن أحدهما أحق بالبرّ عن الآخر؟
من المعلوم بأن حق الوالدين من أعظم الحقوق على الإنسان فهو يفوق حقوق الناس أجمعين لفضلهما العظيم علينا وذلك كما بينه الكتاب العزيز وسنة النبي الكريم عليه الصلاة والسلام كما ذكرناه سابقا، فإن كان المقياس الذي حصل منه هذا التعظيم لحقهما هو ما قدماه للإنسان من تضحيات إذا فإننا نجد أن تضحيات الأم أعظم من تضحيات الأب وهذا ما بينته نصوص الشرع الحنيف فقد قال الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا) (الأحقاف/‏‏15) في هذا ما يدل دلالة واضحة على أن حق الأم أعظم الحقوق، فيجب على الإنسان أن لا ينسى أبدا حق أمه، وكيف ينسى حقها وقد كانت مضحية براحتها، وبكل عزيز لديها في سبيل راحة هذا الولد؟ لقد حملته كرها ووضعته كرها، ثم بعد ذلك اشتغلت بتربيته، وسهرت عليه الليالي الكثيرة، فحقيق بالإنسان أن يتذكر حقها، وأن يرعى صلتها، وأن يحفظ ودها، وأن يتقرب إليها بما يرضيها من البرّ والإحسان، وأن يواسيها بكل خير، وأن يتحايل في الوصول إلى رضاها، فالإنسان يجب عليه أن لا ينسى هذه الحقوق (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) (الرحمن/‏‏60) وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي رجلا يطوف بالكعبة وهو حاملٌ أمه على ظهره، فقال له الرجل: يا رسول الله أتراني أديت حقها ؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (لا، ولا بزفرة واحدة) أي لم توف بحق زفرة واحدة من زفرات الطلق عندما كانت تضعك، ومن الأدلة كذلك قوله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) أي ضعفا بعد ضعف. وجاء في سنة النبي صلى الله عليه وسلم في شأن فضل الأم على الأب ما رواه أبو هريرة ـــ رضي الله عنه ـــ أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: أي الناس أحق بصحابتي ؟، قال له: (أمك). قال ثم من ؟. قال له: (أمك). قال ثم من ؟. قال له: (أمك). قال ثم من ؟. قال له: (أبوك، ثم الأقرب فالأقرب). هذا ما ذهب إليه أكثر أهل العلم بأن حق الأم أعظم من حق الأب في البرّ والله أعلم.
مما يعين على البرّ
هل توجد أمور تعين الأبناء على البرّ بوالديهم؟
نعم هنالك أمور تعين الأبناء على البرّ بوالديهم منها: الاستعانة بالله تعالى ليوفقه في البرّ بوالديه إذ إن الإنسان لا يستطيع عمل شيء بغير استعانة بالله تعالى.
واستحضار فضل الوالدين على أبنائهم والتضحيات التي قدماها لهم وأنه لا يمكن أن يوفي حقهما مهما قدم لهما من خدمات، إذ إن استحضاره يولد في النفس الرغبة في رد الجميل.
ومجاهدة النفس وتوطينها على البرّ بالوالدين وترغيبها فيه بتذكيرها بفضائل البرّ وعواقب العقوق حتى تقوى عزيمتها في سبيل نيل ثمار البرّ والنجاة من عواقب العقوق.
وإعانة الوالدين أبناءهم على برهم يكون بشكرهم والثناء عليهم والدعاء لهم وعدم توجيه الأوامر إليهم بما لا يطيقون أو بإجبارهم بفعل ما لا يحبون وخاصة في الأمور المباحة أو الشخصية كاختيار تخصصهم في الدراسة واختيار الزوج أو العمل، فخير الآباء والأمهات من أعانوا أولادهم على برهم.
حق المنفعة من شخصه
ماذا نفهم من قول النبي صلى الله عليه وسلم (أنت ومالك لأبيك)؟
نجيب على هذا السؤال بما قاله سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسطنة في كتابه الدين الحياة: (ولا يعني عليه أفضل الصلاة والسلام ــ كما يتصور البعض ــ أن مال الولد ملك للأب، فكلٌّ أحق بماله حتى الوالد وولده، ولكن له الانتفاع بمال ولده، ويدل على ذلك العطف هنا، قال له (أنت ومالك لأبيك) وإنما الأب له المنفعة من الولد من غير أن يملك رقبته، فليس له أن يتصرف فيه بالبيع أو الهبة كما يتصرف في ملكه، وإنما له حق المنفعة من شخصه، فكذلك حكم ماله إذ العطف يقتضي الاشتراك بين المعطوف والمعطوف عليه في الحكم.
ما ثمار بر الوالدين؟
للبر ثمار كثيرة تلحق بالابن البار في الدنيا وفي الآخرة جراء بره بوالديه نذكر منها: رضا الله تبارك وتعالى في رضا الوالدين: فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رضا الرب في رضا الوالدين، وسخط الرب في سخط الوالدين). وقال صلى الله عليه وسلم: (الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه).
وثناء الله على البارين بوالديهم في كتابه العزيز فقال الله تعالى حكاية عن يحيى بن زكريا: (وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا، وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا).
وبرُّ الوالدين سبب في استجابة الدعاء وتفريج الكرب فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بينما ثلاثة نفر يتماشون أخذهم المطر فمالوا إلى غار في الجبل فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل فأطبقت عليهم، فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالا عملتموها لله صالحة فادعوا الله بها لعله يفرجها، فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران، ولي صبية صغار كنت أرعى عليهم، فإذا رحت عليهم فحلبت بدأت والدي أسقيهما قبل ولدي، وإنه ناء بي الشجر فما أتيت حتى أمسيت، فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فجئت بالحلاب فقمت عند رؤوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما وأكره أن أبدأ بالصبية قبلهما، والصبية يتضاغون عند قدمي، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا فرجة نرى منها السماء ففرج الله لهم فرجة حتى يروا منها السماء ….)
وبر الوالدين بركة في الأعمار والأرزاق والبار بوالديه موفق في أمور حياته من الله تعالى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه)، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يرد القضاء إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البرّ) والزيادة هنا بمعنى البرّكة. وبر الوالدين جزاؤه الجنة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (دخلت الجنة فسمعت قراءة فقلت من هذا؟ قيل: حارث بن نعمان. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : كذلكم البرّ وكان برا بأمه) وقال صلى الله عليه وسلم: (الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه).
والبرّ بالوالدين يمحو الخطايا ويكفر الذنوب فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أصبت ذنبا عظيما فهل لي توبة؟ قال صلى الله عليه وسلم: (هل لك من أم؟) وفي رواية أخرى (هل لك والدان؟) قال: لا، قال: (هل لك من خالة ) قال: نعم، قال: (فبرها).
والجزاء من جنس العمل فمن كان بارا بوالديه رزقه الله ابنا بارا ومن عق والديه عاقبه الله بعقوق أبنائه له كقصة إبراهيم عليه السلام مع أبيه في سورة مريم فقد كان بارا به مع كفره وإشراكه بالله قال الله تعالى:{واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا، إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا، يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا، يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا، يا أبت إني أخاف أن يمسَّك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا، قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا، قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا} فكان عليه الصلاة والسلام يخاطب أباه بأسلوب الابن البار بأبيه مع ما أظهره الأب من غلظة وشدة في خطابه لابنه، فكان الجزاء العادل من الله تعالى لخليله إبراهيم عليه السلام أن رزقه بأبناء بررة بروا بوالديهم ومن ذلك ما أنزله الله في كتابه من قصة إبراهيم مع ابنه إسماعيل عليهما السلام وقد ذكرناها سابقا عند ذكرنا للبر في الشرائع السابقة.
وبر الوالدين فيه دلالة على امتثال الإنسان لأمر ربه خالقه ورازقه وأمر نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام.