سرطان المعده::
حصل في السنوات الاخيرة تقدماً واضحاً في مجال تشخيص وعلاج سرطان المعدة، مثل التقدم في طريقة تصوير الاشعة الملونة للمعدة، بالإضافة الى التقدم في أجهزة التنظير، جعلت من الممكن تشخيص سرطان المعدة في مراحله المبكرة، مع العلم بأن التشخيص الباثولوجي يتم بأخذ عينات موجهة ودقيقة خلال عملية تنظير المعدة.
والتقدم في السنوات الاخيرة حصل أيضاً في مجال العلاج الجراحي لسرطان المعدة، حتى في الحالات المتقدمة، وذلك باستعمال الوسائل العلاجية الحديثة و باستئصال الغدد اللمفاوية المصابة وإجراء الجراحة الواسعة، بالإضافة الى العلاج الكيميائي أحياناً.
وهناك تقدم واضح حصل في السنوات الاخيرة في معالجة سرطان المعدة المبتديء ( في المراحل المبكرة ) بشكل تام وناجح، وذلك بواسطة التنظير وبدون اجراء عملية شق البطن مستعملين طريقة Mucosectomy Technique .. ولكن و لسوء الحظ فإن تشخيص سرطان المعدة في الاردن وفي مناطق اخرى كثيرة في العالم (وبالرغم من ازدياد حملات التثقيف الصحي في وسائل الاعلام المختلفة ) ما زال يتم في، أغلب الحالات، متأخراً جداً.
و الحقيقة أن الاعراض الواضحة التي توجه الطبيب للبحث عن سرطان المعدة قد لا يشتكي المريض منها الا عندما يصبح الورم متقدماً ومنتشراً، واحياناً اخرى قد يعالج المريض نفسه بادوية من الصيدلية وبدون مراجعة الطبيب لمدة طويلة قبل ان يذهب لاستشارة الطبيب في اعراضه، ولحسن حظ بعض المرضى أن الشكوى قد تكون من أعراض قرحة هضمية ويتم اجراء تنظير لهم فنجد قرحة على سبيل المثال في الاثنى عشر ولكننا قد نجد كذلك ورماً خبيثاً صغيراً جداً في مكان ما من المعدة لم يكن يسبب للمريض أي انزعاج لانه في المراحل المبكرة، وفي هذه الحالة نكون قد حققنا انجازاً كبيراً، لذلك المريض باكتشافنا السرطان في بدايته.
و في اليابان التي يكثر فيها سرطان المعدة بشكل واضح يقوم المواطنون هناك ( بعد سن الأربعين ) باجراء تنظير للمعدة بشكل روتيني كل سنة او كل سنتين ( بالرغم من عدم شكواهم من اية اعراض ) لمحاولة اكتشاف السرطان في بدايته لان علاجه في تلك المرحلة يكون سهلاً وشافياً، إن شاء الله.
ومن الجدير بالذكر أن سرطان المعدة يمكن ان يمكث حوالي ستة سنوات ويتكاثر و ينتشر قبل أن يبدأ بإظهار أعراض هضمية هامة تجعل المريض يضطر للذهاب الى الطبيب، لهذا، ولسوء الحظ، فمعظم مرضى سرطان المعدة يتقدم وينتشر قبل أن يحضرالمريض للطبيب للكشف عليه.
ولذلك فانني استغل الحديث عن سرطان المعدة لأقترح على بعض الاصحاء إجراء تنظير للمعدة كل فترة من الزمن اذا توفرت لديهم بعض الشروط التالية:
1. اذا كان لديهم أحد الأقارب في العائلة (خاصة الاب او الام او الاخ او الاخت) قد أصيب بسرطان المعدة.
2. الشكوى من قرحة في المعدة مقاومة للعلاج الطبي ( بالادوية) .
3. في حالة العثور في عينات المعدة على التهاب معدة ضموري مزمن او التهاب معدة ضموري مرافق لفقر الدم الخبيث.
نسبة انتشار سرطان المعدة:
من المعروف ان سرطان المعدة منتشر في جميع انحاء العالم بلا استثناء، ولكن نسبة الإصابة ونسبة الوفاة الناتجة عن المرض تختلف حسب المنطقة الجغرافية، ففي الوقت الذي نجد فيه النسبة عالية في اليابان، تشيلي، كوستاريكا، نجدها منخفضة في الولايات المتحدة الامريكية، جمهورية الدونيمكان، أو جمهورية مصر العربية، ومن الجدير بالذكر انه وفي عام 1991 م توفي في تشيلي لوحدها 2535 مريضاً نتيجة الإصابة بسرطان المعدة.
اسباب سرطان المعدة:
الحقيقة ان سبب سرطان المعدة ما زال غير معروف لغاية الآن، ولكن هناك عدة عوامل قد تساعد على حدوثه اذا اجتمعت من بينها: طبيعة الطعام وكيفية طبخه و تجهيزه، والطعام الذي يحتوي على ( Nitrates) حيث ان الطعام الذي يحتوي على ( Nitrates ) قد يكون عاملاً مساعداً في حدوث سرطان المعدة وهذا ما يحدث في بعض انواع الطبخ الذي قد لا يحتفظ به جيداً في الثلاجة.
وهناك اعتقاد بان النيترين (ملح حامض النيترين) و الذي يستعمل كمادة حافظة للطعام يمكن ان يتحول الى مواد مسرطنة. ومن الأسباب نوع فصيلة الدم، فالاشخاص الذين يحملون فصيلة الدم نوع A هم أكثر الناس تعرضاً للإصابة من الآخرين، ونسبته أقل عند الاشخاص الذين يحملون فصيلة الدم نوعO .
وهناك عوامل شخصية ذاتية، فبعض العائلات يكثر فيها سرطان المعدة ويذكر التاريخ مثالاً على ذلك عائلة نابليون بونابرت، وكذلك فان النسبة عند اقارب المرضى هي أعلى ممن لا يوجد عندهم اقارب مصابين بالسرطان.
ويضاف للأسباب انعدام حمض كلور الماء في المعدة ( Achlorhydria ) : حيث يعتبر انعدام حمض كلور الماء عاملاً مساعداً في حدوث سرطان المعدة عند البعض، كما أن استئصال جزء من المعدة يزيد من نسبة حدوث سرطان المعدة، ويزداد هذا الاحتمال بعد سنوات من استئصال جزء من المعدة و وصلها مع الامعاء الدقيقة (كعلاج جراحي للقرحة الهضمية او لأي سبب آخر).
والبوليب ( اللحميات ( Polyps تعد أحد الأسباب فبعض اللحميات عندها قابلية للتحول الى أورام خبيثة لهذا السبب يجب استئصالها بواسطة التنظير، أو على الاقل مراقبتها عن كثب. وكذلك عمر الانسان وجنسه: فسرطان المعدة اكثر انتشاراً عند الرجال وعادة ما نشاهده في منتصف العمر (40 - 60) سنة او اكثر، ومنها الاصابة بالتهاب المعدة الضموري، فتزداد امكانية حدوث سرطان المعدة عند الاشخاص الذين يوجد عندهم التهاب المعدة الضموري اذا كان مرافقاً لفقر الدم الخبيث او اذا كان هذا الالتهاب ضموري مزمن. وللعوامل البيئية دور في الاسباب، حيث التغير الواضح في نسبة انتشار سرطان المعدة جغرافياً في مختلف بقاع العالم يعطي الانطباع بان هناك عوامل بيئية تؤثر على حدوثه، وهذه العوامل البيئية قد يبدأ تأثيرها في فترات مبكرة من عمر المصاب.
وأخيراً الإصابة بالجرثومة الحلزونية اللولبية، فهنالك البعض ممن يعتقد أن إصابة المعدة بجرثومة H ( (Pylori التي قد تؤدي الى التهاب مزمن من النوع الضموري هوعامل مساعد هام في حدوث سرطان المعدة، ولكن المثبت ان العلاقة قد تكون قوية بين الاصابة بالجرثومة الحلزونية اللولبية H Pylori وسرطان الغدد اللمفاوية في المعدة Gastric Lymphoma وما زال الموضوع تحت الدراسة لاثبات علاقتها مع الأنواع الاخرى من سرطان المعدة.
أعراض سرطان المعدة:
الحقيقة ان هناك اختلافاً كبيراً بين حالة مرضية واخرى فقد يشتكي المريض من آلام حادة و شديدة اذا حضر سرطان المعدة على شكل قرحة هضمية - فالسرطان التقرحي يتصرف على شكل قرحة هضمية حادة ويختفي الالم بشكل واضح بعد استعمال مثبطات الافرازات الحامضية بالرغم من وجود السرطان وانتشاره، وبالطبع فالمشاكل والاعراض ترجع بشدة اكثر بعد مدة من الزمن وعندها قد يكون الوضع أسوأ بكثير من السابق وعلاجه الجراحي اصعب.
ويحضر للعيادة او المستشفى بعض المرضى بعد ستة اشهر او اكثر لمعاناتهم من اعراض هضمية غير نموذجية مثل عسر الهضم التي تكون بسيطة في البداية لتصبح اكثر ازعاجاً، فتزداد حدة الغثيان، ويحدث نقص في الشهية، ويزداد الشعور بعدم الراحة وآلام البطن و التقيؤ ونقص في الوزن وشحوب الوجه و آخرون قد نجد عند فحصهم للمرة الاولى في العيادة استسقاء في البطن و انتشار للسرطان الى الكبد، الحوض، الغدد اللمفاوية….الخ.
وان اكثر الاعراض التي تجعل مريض سرطان المعدة يزور الطبيب قبل ظهور المضاعفات هي آلام مبهمة غامضة في الجهة العليا من البطن مثل الشعور بثقل في منطقة المعدة او شعور بالانتفاخ والانزعاج بعد تناول الطعام، ويعتبر امتلاء البطن او الشبع المبكر من اكثر الاعراض حدوثاً بالاضافة الى نقص في الشهية و نقص في الوزن، وان التغير في طبيعة اعراض قرحة هضمية ( المستقرة سابقاً ) او ظهور نزيف دموي قد يكون أحد أعراض سرطان المعدة.
أعراض سرطان المعدة المتقدم: وتشمل نقص الوزن، ونقص الشهية، وآلام في المنطقة العليا من البطن : واما ان تكون هذه الآلام مشابهة لآلام القرحة الهضمية او ان تكون مستمرة ومستقرة ولا تتغير مع تناول الحليب او تناول مضادات الحموضة.
والألم في سرطان المعدة لا يخضع لصفة خاصة لانه قد يظهر بعدة صور فقد يكون على شكل ثقل غامض في المنطقة العليا من البطن وقد يشبه آلام عسر الهضم او التخمة، واحياناً قد تظهر آلاماً نموذجية للقرحة لها وقتها الدوري اليومي واحياناً يوقظ في منتصف الليل، وعند مرضى آخرين قد تكون هذه الآلام واضحة وشديدة وتتطور بدون ان تهدأ.
ويضاف للأعراض التعب العام والارهاق، بالاضافة الى اللون الشاحب للوجه، وهذه الاعراض عادة ما تكون مرافقة للحالات المتقدمة من سرطان المعدة. واحياناً قد يعاني المريض من التقيؤ مباشرة بعد تناول الطعام او بعد ذلك بقليل، وهذا ما يحدث خاصة اذا كان هناك انسداد معوي نتيجة وجود الورم قريباً من فتحة البواب، وقد يحدث التقيؤ اذا كان هناك التهابات شديدة في المعدة مرافقة للسرطان وهذا التقيؤ يؤثر سلباً على الحالة العامة للمريض، خاصة اذا كان متكرراً ومستمرا.ً ومنها النزيف الدموي: فقد يحدث النزيف الدموي (والذي يعتبر علامة غير ثابتة) ولكنه احياناً يظهر بشكل شديد على شكل قيئ دموي وبراز زفتي اللون و أحياناً اخرى يظهر بشكل فقر دم مزمن نتيجة نزيف بسيط لا يُرَى بالعين المجردة ولكنه متكرر او مستمر.
وكذلك صعوبة البلع: قد يشعر بها المريض اذا كان الورم قريباً من فتحة الفؤاد و تبدأ بصعوبة بلع الطعام الصلب وتنتهي بالطعام السائل.
وبشكل عام ممكن القول بأنه يجب البحث عن سرطان المعدة عند الاشخاص في منتصف العمر او اكبر من ذلك اذا كانوا يعانون من اعراض عسر الهضم حيث ان حوالي %20 من مرضى سرطان المعدة يكونون قد اشتكوا من اعراض عسر الهضم لمدة سنوات قبل التشخيص.
وأخيراً علينا ان ننبه الى بعض الاعراض المبكرة التي قد تظهر عند بعض المرضى مثل:
1. شعور بعدم ارتياح في المنطقة العليا من البطن.
2. "عدم استطاعة املاء المعدة" الشعور بالغثيان و الامتلاء المبهم للمعدة.
ولكن من الواضح ان الاعراض المذكورة قد يشتكي منها اشخاص آخرون يعانون من اعراض وظيفية بسيطة جداً وليست عضوية.
تشخيص سرطان المعدة: هناك عوامل تؤدي الى التاخير في التشخيص اهمها:
1. غياب الاعراض التقليدية ( النموذجية ) المبكرة.
2. علاج المرضى لأنفسهم دون اللجوء للطبيب.
3. طبيعة الأعراض المبكرة و التي قد يشتكي منها المريض و التي عادة ما تكون مثيرة للإلتباس و قد تتحسن كثيراً بعد تناول ادوية معينة مما يؤخر التشخيص لمدة قد تكون طويلة. وفي البداية قد تلتبس اعراض سرطان المعدة مع اعراض هضمية متنوعة مثل قرحة المعدة الحميدة، التهاب المعدة المزمن، القولون العصبي، القولون التقرحي، عسر هضم وظيفي….الخ و التشخيص يتم بواسطة: الاشعة الملونة بالباريوم ، وتنظير المعدة: وهو اساسي وهام جداً في التشخيص لاننا بواسطته نشاهد الورم على طبيعته بالاضافة الى اخذ عينات موجهة ودقيقة لمعرفة طبيعة الورم قبل اجراء العلاج الجراحي المناسب.
والاكتشاف المبكر لسرطان المعدة يتم تطبيقه في اليابان بشكل ناجح منذ عشرات السنين وذلك باجراء تنظير للمعدة عند الاشخاص الاصحاء ( الذين يزيد عمرهم عن الاربعين ) و الذين قد لا يكونوا يعانون من اية اعراض هضمية في ذلك الوقت.
وان القصة الغامضة وشكوى المريض البسيطة تُؤَخر التشخيص الى وقت متأخر مما قد يجعل العلاج صعباً وحياة المريض بعد العلاج الجراحي قصيرة او مليئة بالصعوبات في غالبية الاحيان، لهذا فالتشخيص المبكر هام جداً من اجل نجاح العلاج و العيش بهدوء وراحة بعد الجراحة، فكلما كان التشخيص مبكراً كان العلاج اكثر نجاحاً وحياة المريض بعد العملية اكثر اشراقاً