أدب الأطفال بين النظرية والتطبيق
مقدمة:
لاشك أن الطفولة هي الركن الأساسي في بناء الإنسان ومجتمعه كله. لذلك فالاهتمام بنموها نموًا سليمًا، مع مواصلة العمل على حفظ هذا النمو ومتابعته بالرعاية والعناية، يكون مؤشرًا من المؤشرات الحضارية للأمة التي تسعى لإيجاد مواطن صالح قادر على العطاء وتحمّل أعباء الحياة، ويُسهم في بناء مجتمع قوي.
والاهتمام في هذه المرحلة من حياة الإنسان (الطفولة) يأخذ جوانب متعددّة، لكنها تسير على خط واحد، وقد تلتقي جميعها في هدف واحد.
هذه الجوانب هي الأمور الثقافية والاجتماعية والصحية والتربوية والترفيهية. والخط المشترك الذي تسير عليه، هو خط بناء الإنسان المتوازن في هذه الجوانب جميعها، والاهتمام بها على حدّ سواء، دون ترك أحدها يأخذ حق الآخر. وأما الهدف الواحد الذي تلتقي فيه هذه الجوانب الهامة من حياة الإنسان في مرحلة طفولته، فهو التوصل إلى شخصية متكاملة في نموّها، تكون قادرة على القيام بدورها خير قيام في الحياة الإنسانية التي يعيشها.
و لعل أدب الأطفال يشغل حيزًا لا بأس به من هذه الجوانب، لأنه أصبح حقيقة تربوية، واحتل مكانة في البيت والمدرسة وفي المؤسسات الاجتماعية التي تهتم بالطفولة.
ويُعرّف أدب الأطفال بأنَّهُ “الكلام الجميل المنغم، والمنثور نثرًا منسقًا، ويقصد منه التأثير على السامع، وفي عواطف المتلقين، مما يجعله أقرب للذاتية والعاطفة، سواء أكان شعرًا أم نثرًا” (المشرفي، 2005: 26)، وهذا يتفق مع تعريف (بادود، 2003: 11) بأنه “الكلام الجيد الذي يحدث في نفوس الأطفال متعة فنية سواءً أكان شعرًا أم نثرًا، وسواءٌ كان تعبيرًا شفهيًا تحريريًا، فيدخل في هذا المفهوم قصص الأطفال ومسرحياتهم وأناشيدهم”.
ويُعرّف بأنه “كل ما يكتب للأطفال من قصص ومسرحيات وكتب مصورة ورسومات، وكل ما يسمعه أو يشاهده الطفل من برامج إذاعية أو تلفزية وأغاني وأناشيد وما إلى ذلك” (خريسات، 2004: 79).
أما (عليان، 2014: 49) فيعرفه بأنه “هو كل ما يقدم للطفل من مادة أدبية أو علمية، بصورة مكتوبة أو منطوقة أو مرئية، تتوفر فيها معايير الأدب الجيد، وتراعي خصائص نمو الأطفال وحاجاتهم، وتتفق مع ميولهم واستعداداتهم، وتسهم في بناء الأطر المعرفية والثقافية، والعاطفية والقيمية، والسلوكية المهارية، وصولًا إلى بناء شخصية سوية ومتزنة، تتأثر بالمجتمع الذي تعيش فيه، وتؤثر فيه إيجابيًا”.
كما يُعرَّف أدب الأطفال بأنه “نوع من النتاج الأدبي المؤثر في إيحاءاته ودلالاته، والغني بوسائل التأثير وجذب الانتباه، القادر بميزته الفنية والنفسية على إشباع اهتمامات الطفل، ويشمل كل ما يقدم للأطفال من مواد تبرز المعاني والأفكار والمشاهد، ويتخذ شكل القصة والمسرحية والأنشودة، والأفلام الثابتة والمتحركة، وهو أدب يلتزم بضوابط نفسية واجتماعية وتربوية” (الخضيري، 2002: 13).
وهناك من يرى أن أدب الأطفال مجموعة من الخبرات اللغوية – المقدمة للأطفال في شكل فني أو أدبي، يناسب خصائصهم العقلية والاجتماعية والانفعالية، وذلك لإمتاعهم والسمو بأذواقهم، وإكسابهم القيم والعادات والتقاليد والاتجاهات الإيجابية السائدة في مجتمعهم – بشكل يساعد على نمو شخصياتهم نموًا متكاملًا، ويؤهلهم للتفاعل مع أبناء مجتمعهم والتكيف معهم بشكل طبيعي وسوي (إبراهيم وآخرون، 2009: 303).
كما عرفه البعض أنه “شكل من أشكال التعبير الأدبي، له قواعده ومناهجه، سواء منها ما يتصل بلغته وتوافقها مع قاموس الطفل، ومع الحصيلة الأسلوبية للسن الذي يؤلف لها، أو ما يتصل بمضمونه ومناسبته لكل مرحلة من مراحل الطفولة، أو يتصل بقضايا الذوق وطرائق التكنيك في صوغ القصة، أو في فن الحكاية للقصة المسموعة” (يحيى، 2001: 18).
وعرفه (شبانه، 2011: 33) أنّه “بناء لغوي فني جمالي، يصدر عن وجدان المبدع على هيئة شكل أدبي من أشكال الأدب المعروفة شعرًا أم نثرًا، كالقصيدة والقصة والرواية والمسرحية، يبدعه كاتب صاحب موهبة وخبرة، ويتوجه به للأطفال غير الراشدين، مراعيًا المراحل العمرية المختلفة لهم، فيخاطب وجدانهم، ويحلق بخيالهم، ويقدم لهم القيم والخبرات في ثوب فني معجب، ولغة مؤثرة مشوقة، وصورة موحية”.
1- أهمية أدب الأطفال:
للأدب أهمية كبيرة في حياة الإنسان، فالأدب متعة، تسلية، معرفة، ثقافة، وتخيل. والأدب عامة يساعد على تنمية الطفل في جوانب عديدة، ويؤدي به إلى الصحة النفسية، والتعامل الإيجابي مع الآخرين نتيجة لما يكتسبه الطفل من خبرات ومعارف.
وأدب الأطفال كالفيتامينات للفكر، يحتاج عقل الطفل وخياله منها بأنواع مختلفة، كل نوع يغذي جانبًا من تفكيره وشعوره، ويقوي نواحي الخيال فيه، ومن ثم يجب ألّا يقتصر الذين يكتبون أدب الأطفال كتاباتهم على مجال واحد منه، أو نوع بذاته، ولا على أمة واحدة.
ويخلص أحمد نجيب إلى أن لأدب الأطفال دورًا كبيرًا واسع النطاق يتجلى في أمور منها:
- يمكن لأدب الأطفال أن يدعم بقوة تربية الأطفال التربية الروحية الصحيحة.
- يعد الأطفال للحياة في عالم الغد بمتغيراته وتكنولوجياته المتقدمة.
- يقوم أدب الأطفال بدور مهم في إثراء لغة الطفل.
- يدعم القيم والصفات اللازمة لعمليات التفكير الابتكاري والإبداعي مثل: دقة الملاحظة، الصبر والمثابرة، التفكير الجاد.
- يقدم أدب الأطفال أنماطًا للتفكير المستهدف، ونماذج للتصرف السليم في المواقف المختلفة، ومن خلال تصرفات الأبطال الذين يعجب بهم الطفل ويقدرهم، فيقلد تصرفاتهم ويتبنى أساليبهم من غير تردد.
- تعريف الطفل بالبيئة التي يعيش فيها من كافة الجوانب.
- تنمية القدرات اللغوية عند الطفل بزيادة المفردات اللغوية المكتسبة لديه.
- تكوين ثقافة عامة لدى الطفل.
2- أهداف أدب الأطفال:
مهما تكن طبيعة النص الأدبي المقدم للطفل، فلا بد أن يحقق جملة من الأهداف التي يضعها الكاتب نصب عينيه حين يقوم بإعداد النص الأدبي، وبمقدار ما يتمثل الطفل تلك الأهداف، يكون نموه باتجاهات النمو المختلفة، العقلي والتربوي والمعرفي واللغوي، فلا خير إذًا في نص لا يسهم في تنمية الطفل في هذه الجوانب أو بعضها على الأقل. ولا يشترط أن يتضمن النص الواحد جميع الأهداف، وربما توصل كاتب النص إلى تحقيق أهدافه بجملة من النصوص، تتكامل وتتضافر في تحقيق جملة من الأهداف المرسومة.
وبناءً على ذلك، فإننا إذا أردنا أن نحدد أهداف أدب الأطفال في نقاط من وجهة نظر تربوية فإننا سنوجزها فيما يأتي:
أ- الأهداف التربوية لأدب الأطفال:
وهي متعددة، وتنبع من الأصول التربوية لذلك الأدب، ويمكن تحديدها في بعض النقاط:
- مساعدة الأطفال على أن يعيشوا خبرات الآخرين، ومن ثم تتسع خبراتهم الشخصية وتتعمق.
- إتاحة الفرصة للأطفال كي يشاركوا بتعاطف وجهات نظر الآخرين تجاه المشكلات وصعوبات الحياة.
- تمكين الأطفال من فهم الثقافات الأخرى وأساليب الحياة فيها، حتى يتمكنوا من التعايش معها.
- مساعدة الأطفال على التخفيف من حدة المشكلات التي يواجهونها وشرح سبل علاجها لهم حتى يزدادوا ثقة بأنفسهم.
ب- الأهداف الخاصة بالاتجاهات القيمية والمجتمعية:
يمكن التعرف على هذه الأهداف ومنها:
- مساعدة الطفل على النمو اجتماعيًا، ليستطيع الاختلاط بالآخرين والتعامل معهم، مع الاحتفاظ بصفاته الخاصة.
- تهذيب سلوك الأطفال وتحويل القيم والفضائل والمثل التي اكتسبها الطفل إلى سلوك حقيقي.
- مساعدة الطفل على التخفيف من حدة المشكلات الاجتماعية التي يواجهها.
- ربط الطفل بتراث أمته وحضارتها من خلال النصوص التي تتناول القضايا المختلفة على مر العصور.
ج- الأهداف اللغوية:
وتمثل الأهداف اللغوية أهم أهداف أدب الأطفال، وذلك لأن الطفل في المرحلة التعليمية الأولى في حاجة إلى التمكن من مهارات اللغة: قراءة، وكتابة، واستماعا، وحديثا، ذلك أن اللغة وسيلته لاكتساب المعارف الأخرى. ويستطيع أدب الأطفال أن ينمي مهارة التعبير كذلك بتدريب الأطفال على التعبير عن مشاعرهم واستدعاء أفكارهم بسلاسة وطلاقة، وذلك عن طريق مطالبتهم بسرد القصة التي سمعوها، أو وضع نهاية لها أو بداية لها، وكذلك إعطاؤهم أدورًا لتمثيل تلك القصة أو حوارًا في مسرحية، أو إلقاء نشيد في فرقة المدرسة.
د- الأهداف الصحية والجسمانية:
ويمكن تلخيصها في عدة نقاط :
- تنمية عادة النظافة والعناية بالمظهر الجميل.
- تنمية أساليب الوقاية من الأمراض.
- إكساب الأطفال العادات الحميدة في المأكل والمشرب وتعويدهم على الالتزام بآداب الطعام.
- إكساب الأطفال عادة مزاولة التمارين الرياضية التي تساعد في بناء الجسم.
هـ- الأهداف المعرفية والوجدانية:
ويمكن عرضها كما يلي:
- يثري الأدب لغة الأطفال من خلال ما يزودهم به من ألفاظ وكلمات جديدة، كما أنه ينمي قدراتهم التعبيرية.
- يبني الطفل بناء جديدًا سليمًا عن طريق تنمية شخصية الأطفال: جسميًا، وعقليًا، ونفسيًا، واجتماعيًا ولغويًا، ويعدّه لتحمل مسؤولية الغد بعزيمة ووعي وإخلاص.
- يكسب الأطفال المهارات المختلفة التي تساعد على الإنتاج واكتساب الثقة بالنفس.
- ينمي الشجاعة والجرأة في نفوس الأطفال.
- ينمي لدى الطفل الحس الفني الجمالي، فالقراءة المتواصلة تهذب الذوق، وتعلمه أن يقدر الكتاب الجدي، والصورة الجميلة، و الإنتاجات الأدبية المميزة.
- يمكن من إبراز المواهب الأدبية والفنية في مرحلة مبكرة عند الطفل.
3- مجالات أدب الأطفال:
تنوعت وتعددت المجالات التي يحتويها أدب الأطفال فمنها:
- القصة.
- المسرح.
- الأناشيد.
- الصور التعليمية.
- الأحاجي.
- الفيديو التعليمي.
- البرامج التلفزيونية والإذاعية الخاصة بالأطفال.
- البرامج الثابتة والمتحركة.
تطبيق عملي لتوظيف أدب الأطفال في التعبير الشفوي للصف الثالث الأساسي