نجاح العلي
نعلم جيدا حجم الازمة المالية التي يمر بها بلدنا ونضعها في الحسبان عند الحديث عن اي مشروع او تطوير في مجال العلم والثقافة والمعرفة والعمران، لكن هذا لايعني ان نبقى مكتوفي الايدي او نتسمر مشلولين للخراب الثقافي بقصد او دونه الذي يمر به بلدنا.في تسعينيات القرن المنصرم عندما دخلت الوسط الصحفي تخصصت في الصحافة الفنية وكان مسرح الرشيد ببغداد قبلة الصحفيين والفنانين والمخرجين والاعلاميين ومن يشتغل في حقل السينما والمسرح والاعلام والثقافة والفن، فكان صرحا ثقافيا متميزا لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي وسط بغداد في منطقة الصالحية التي يقطنها اغلب الفنانين ويقابله فندق المنصور ميليا المهم والضروري في حال اقامة مؤتمرات او مهرجانات ثقافية وفنية، وبجواره مبنى الاذاعة والتلفزيون، وكان مكانا لتجمع الفنانين والمنتجين للبحث عن مواهب فنية، فمنه كانت تنطلق اولى عمليات الانتاج الفني والدرامي سواء كانت مسرحية او اغنية او فيلما او مسلسلا او اي عمل فني ابداعي. هذا الصرح الثقافي المهم، ليس مجرد مبنى واثاث وديكورات فخمة بنيت على أرقى الطرز المعمارية، بل هو ذاكرة ثقافية واساس متين تبلورت تحت سقوفه اعمال فنية ابداعية شكلت جزءا مهما من التاريخ الفني والثقافي العراقي، لكن مع الاسف الشديد تعرض المبنى حاله حال الكثير من المؤسسات والابنية الحكومية، الى التخريب والحرق والسرقة والنهب بعد عام 2003 وما رافقه من تدمير للبنى التحتية الثقافية، وحاليا هو مجرد اطلال تسكنه الاشباح ويمر من جواره ممن كانوا يرتادونه سابقا وتملؤهم التنهدات والحسرة لما آل اليه هذا المسرح المهم والحيوي.امام حالة التقشف التي يمر بها بلدنا، يا حبذا، لو تم اعمار هذا المسرح وتأثيثه عبر اللجوء الى القطاع الخاص، وقد ابدى بعض المستثمرين رغبته في استثماره ليشكل اضافة ثقافية نوعية لو وجدت الرغبة والتشجيع والنية الصادقة للقائمين على وزارة الثقافة التي يقع المسرح بعهدتها، والتي نستغرب عدم التفاتها اليه طيلة الفترة الماضية، مع وجود التخصيصات الفلكية التي تم رصدها ضمن مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية التي أثير حولها الكثير من الكلام وملفات فساد وهدر للمال العام لمشاريع وهمية لم يتلمسها او يشعر بها الوسط الثقافي والفني على ارض الواقع.انها دعوة خالصة من القلب الى وزارة الثقافة، لاعادة اعمار وافتتاح مسرح الرشيد بدلا من صرف الميزانيات على مهرجانات وايفادات بمئات الملايين تستمر اياما وينتهي بريقها، وضرورة الاهتمام بصروح ثقافية منسية ومهملة اولها مسرح الرشيد وتستمر القائمة لتضم بيوتا تراثية ومواقع اثرية لايسعنا المجال لسردها جميعا، وهي صروح ثقافية مضيئة لايخبت نورها الى ابد الدهر.