علم المعاني:علم من علوم البلاغة العربية الثلاثة، التي تناولها الباحثون بالدراسة والتحليل، إذ عرفوه بأنّه: "علم يعرف به أحوال اللفظ العربي التي بها يطابق مقتضى الحال"() فالألفاظ قوالب المعاني؛ إذ الكلام يتكوّن من لفظ حامل ومعنى به قائم ورباط لها ناظم ().
وقد شغلت قضية اللفظ والمعنى الدارسين منذ القدم، واختلفت وجهة نظرهم، فترى الجاحظ يتحدث عن اللفظ والمعنى في مواضع كثيرة في كتابه البيان والتبين والذي لا يمعن النظر في كلام الجاحظ يتوهّم انّه قد فضلّ اللّفظ على المعنى أو المعنى على اللّفظ فيقول: "ثم اعلم –حفِظَك الله- أنّ حُكٌم المعاني خلافُ حُكم الألفاظ لأن المعاني مبسوطةٌ إلى غير غاية وممتدةٌ إلى غير نهاية واسماء المعاني مقصورةٌ ومعدودة ومحصَّلةٌ محدودة"()، فنجده قد جعل المعاني مبسوطة ممتدة والألفاظ التي هي أسماء المعاني محدودة ممدودة، فهل قدم المعاني هنا على الألفاظ؟ لو كان الأمر كذلك فكيف يقول في موضع آخر: "والمعاني مطروحةٌ في الطريق يعرفها العجميّ والعربيُّ، والبدويُّ والقرويِ وإنّما الشأن في إقامة الوزن، وتخيُّر اللفظ، وسهولة المخرج، وفي صحة الطبع، وجودة السَّبك"()، فلم يقدم الجاحظ هنا اللفظ على المعنى ولا المعاني على الألفاظ هناك وإنّما رجع الميزة للنظم"().
وكلام الجاحظ تلخيص موجز لعلم المعاني يعطي للدارس الخيوط الأولى للمفهوم الدقيق في علم المعاني المعتمد على طريقة سبك الكلام.
وجاء الجرجاني (ت471هـ) فوضع نظرية النظم التي تقوم على تحليل علم المعاني على أساس التركيب النحوي، فاللفظ المفرد لا يمكن أن يكون له قيمة معنوية إلا عن طريق النظم، يقول: "وهل تجد أحداً يقول: هذه اللفظة فصيحة، إلا وهو يعتبر مكانها من النظم، وحسن ملائمة معناها لمعاني جاراتها وفضل مؤانستها لأخواتها"().
فنظرية النظم عند الجرجاني تتضمن لونين من البحث اللفظ المفرد من جهة والتركيب من جهة اخرى().
وجاء السكاكي (ت626هـ)، بقوله: "هو تتبع خواص تراكيب الكلام في الإفادة، وما يتصل بها من الاستحسان وغيره ليحترز بالوقوف عليها عن الخطأ في تطبيق الكلام على ما يقتضى الحال ذكره"().
أمّا ما ذهب إليه الخطيب القزويني (ت739هـ) في تعريفه: "علم يعرف به أحوال اللفظ التي بها يطابق مقتضى الحال"().
من خلال ما تقدم يظهر إنّ علم المعاني يبين كيفية صياغة الكلم ووضع ألفاظه وترتيب عباراته على نحو يناسب المقام الذي يقال فيه.
() علم المعاني دراسة بلاغية ونقدية لمسائل المعاني، بسيوني عبد الفتاح فيود، مؤسسة المختار للنشر والتوزيع، ط2، 1431ه-2010م، 1/302.
() المصدر نفسه، 1/5.
() البيان والتبين، لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت255هـ)، تحقيق: عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي بالقاهرة للطباعة والنشر، 1418ه-1998م، 1/76.
() كتاب الحيوان، أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون، دار الجيل، بيروت، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1408ه-1988م، 3/131-132.
() يُنظر: علم المعاني، بسيوني عبد الفتاح، 1/6.
() دلائل الإعجاز في علم المعاني، عبد القاهر الجرجاني (ت471هـ)، قرأه وعلق عليه: أبو فهر محمود محمد شاكر، مكتبة الخانجي بالقاهرة، ط5، 44.
() يُنظر: خصائص التعبير القرآني سماته البلاغية، عبد العظيم ابراهيم محمد، مكتبة وهدة، القاهرة، ط1، 1413هـ-1992م، 1/25.
() مفتاح العلوم، أبو يعقوب يوسف بن أبي بكر محمد السكاكي، ضبطه وكتب حواشيه وعلق عليه: نعيم زرزور، دار الكتب العلمية، بيروت، 1403ه-1983م، 161.
() الإيضاح في علوم البلاغة (المعاني والبيان والبديع)، للخطيب القزويني، وضع حواشيه: ابراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، ط1، 1424ه-2003م، 1/23.