اغرسوا بذور الحوار داخل الأسرة
قد يستغرب بعض الآباء من الحاجة إلى غرس عادة الحوار داخل الأسرة الواحدة، فيبررون ذلك بقولهم: إن طفلنا يتحدّث طوال الوقت، وما صلة ذلك بالتّواصل الاجتماعي والنّجاح في المدرسة؟!
يُؤكّد المختصون أن تنمية المهارات اللّغوية عن طريق الاستماع والحديث الّذي يدور في المناقشات العائلية من أهم خطوات التّعلّم، لأنّه كُلّما تفوّق الأطفال في استخدام اللّغة المنطوقة، زادت فرص نجاحهم في تعلّم القراءة والكتابة وتفوقوا في اختبارات الكشف عن المواهب والإنجازات في المدرسة العليا؛ لذلك عندما تكون خطوط الاتصال بين الآباء والأطفال مفتوحة، يزداد الحافز للتعلّم ازدياداً ملحوظاً.
كما بيّنت الأبحاث أنّ الأطفال الّذين يتفوقون في الاختبارات العقلية وفي الأعمال المدرسيّة هم من أسر فيها قدر كبير من التّواصل المفتوح، فعندما يُشجع الآباء أبناءهم على الحوار والحديث سيندفع الأطفال ليعبّروا عن أفكارهم ومشاعرهم بصراحة وأمان، ولهذا تأثيره الإيجابي على النّموّ الصّحيح للعقل. لأنّ كلّ مهارة عقلية - كالرّياضيّات والموسيقى والتّفكير المنطقي والعاطفة واللّغة - لها فترة حرجة تُدعى (نافذة التّعلّم) تكون فيها أبواب العقل مفتوحة ومستعدة لأكبر قدر من التّنمية.
إنّ (نافذة التّعلّم) أو الاستعداد لتعلّم اللّغة يمتد من لحظة الولادة ويستمر حتّى سن العاشرة، يوضع خلال هذه الفترة الحجر الأساس لجميع قدرات التّكلّم والتّفكير والكتابة، وهي المعين الّذي يستمد منه الطّفل ما يلزمه حتّى بقية حياته.
وقد أشارت الأبحاث إلى أنّ السّنوات الأولى من عمر الطّفل هي الوقت الذّهبي لتعلّم اللّغة، إلاّ أنّ الاتّصالات الضّرورية داخل المخّ متاحة خلال كلٍّ من فترة الطّفولة والمراهقة، وحتى في المراحل المتقدمّة من العمر في حال بقي الإنسان نشيطاً متابعاً لكلّ ما هو جديد ومتطوّر.
لماذا ينادي لمختصون اليوم بأهمية زرع بذور الحوار داخل الأسرة؟!
لأنّه عندما يمتلك الطّفل مهارات جيّدة للحوار، فإنّ مهاراته المتعلّقة بحلّ المشكلات والاستماع، وقدرته على التّركيز والانتباه تتطوّر، وسيكون لذلك آثار إيجابية على تحصيله العلمي والأكاديمي.
هذا يعني أنّ التّعلّم يبدأ في البيت ويستمر الآباء على مدى مراحل نموّ الطّفل بلعب الدّور الأساسي في تطوير لغته والمهارات الأساسية المتعلّقة بالإصغاء والحديث، ولكنّ الأبحاث الحديثة أظهرت أنّ الأمّهات يمضين فقط من 8 إلى 15 دقيقة في اليوم فقط، في الحديث أو شرح أشياء لأطفالهن، ويقضي الآباء وقتاً أقل من ذلك في الحديث معهم. مع الإشارة إلى أن توجيه الملاحظات والجدال حول الطّعام واللّباس والدّراسة لا يعتبر حواراً ضمن أفراد الأسرة، وإنما جدل فارغ.
يبقى السّؤال الّذي يثير فضول جميع الآباء: ما هو الأسلوب الصّحيح لزرع عادة الحوار، وما هو الوقت المناسب لذلك؟!!
اجتماع مائدة العشاء
إنّ من أفضل الوسائل لتنميّة طفل يُحبّ التّعلّم يكون أثناء الحديث على مائدة العشاء، لأنّه وقت ذهبي يُمكن استثماره لتنمية ذكاء الطّفل ومهاراته اللّغوية، وهذه بعض الاستراتيجيات الّتي ينصح بها المختصون ليكون حديث مائدة العشاء مثمراً:
* أغلقوا جهاز التّلفاز، لأنّه من الصّعب مواصلة الحديث ومشاهدة التّلفاز، لذا اقضوا على تشويش التّلفاز واستمتعوا بالحديث.
* تجنبوا الأمور السّلبية وغير السّارة في العائلة، كتنفيذ عقوبة على سوء تصرف قام به الطّفل، أو التّأنيب على درجات ضعيفة أو التّذمّر بشأن المشكلات، بدلاً من ذلك اخلقوا موقفاً للامتنان وابدؤوا وجبة الطّعام بالحديث عن البركات والمفاجآت السّارة الّتي مرّ بها كلّ شخص خلال يومه.
* شجعوا أطفالكم على الانضمام إلى الحديث بتوجيه أسئلة مثل: ما أكثر المواقف الّتي حدثت معكم اليوم وأدخلت الفرح إلى قلوبكم؟ أو ما هو أكثر موقف سيئ ولماذا؟، أشعلوا فتيل الحوار عن القضايا المهمة الّتي تحدث في الأخبار بالحديث عن مقال ممتع مأخوذ من جريدة محليّة.
* أفسحوا المجال ليشارك أصغر عضو في العائلة في النّقاش، وبدلاً من المقاطعة شجعوا الآخرين على الاستماع الصّحيح واحترام كلّ فرد لأفكار وآراء الآخر حتّى لو لم يوافق عليها، وفكّروا بعمق قبل الإجابة عن الأسئلة المبتكرة الّتي يوجهها الأطفال.
الحديث في الأوقات المختلفة
* انتهزوا سائر الفرص لتفتحوا باباً للحوار مع أطفالكم بالاستفادة من الأحداث اليومية الّتي تمرّ بالإنسان، يُمكنكم الحديث مع طفلكم في البيت أثناء طهو الطّعام أو أثناء العناية بالنباتات في الحديقة أو سقاية الشّتلات المستنبتة داخل البيت، أو أثناء ترتيب الثّياب، وفي اللّحظات الهادئة وقت الذّهاب إلى الفراش، تحدّثوا معهم وأنتم تراقبون حركة النّجوم، وأثناء التّأرجح في الحديقة العامّة، تحدّثوا مع أطفالكم حتّى الرّضع، بحبّ ورقّة، ولكن تجنّبوا الحديث كالأطفال، بل سمّوا الأشياء بأسمائها الحقيقية، فبدلاً من أن تشيروا للعصفور وتقولوا (كوكو)، استخدموا كلمة (عصفور)، واشرحوا لهم ما يفعله العصفور، تكلّموا عن الطّعام المغذي الّذي تقدمونه لهم، وارووا القصص لهم خاصّةً أثناء تناول وجبة الغذاء.
* ابذلوا جهدكم لتكون لغتكم واضحة ومحدّدة، خاصّةً أثناء إعطاء التّعليمات، كي يسمع أطفالكم ويفهموا بوضوح الكلمات الصّحيحة للأشياء والأفعال، على سيبل المثال؛ عوضاً عن أن تقولوا لطفلكم: (أحضر أغراضك إلى هنا)، من الأفضل استخدام التّعبير الآتي: (من فضلك أحضر جواربك وحذاءك كي تلبسها، لأننا سنخرج معاً..).
* ناقشوا معهم النّشاطات الّتي يرغبون بممارستها معكم خلال العطلة الأسبوعية، أنتم بهذه الحالة لن تغرسوا في طفلكم فقط مهارات مهمّة في الحديث، ولكنكم سوف تبنون معهم علاقة حميمة، وبذلك تمنعون العديد من المشاكل الّتي قد تحدث مستقبلاً.
وقد أكّد ذلك أحد الحكماء بقوله: (إنّ مشاركة الوقت والحديث والاستماع أفضل ترياق للعديد من المخاوف والصّعوبات الّتي يواجهها الأطفال والبالغون)
الألعاب والإرشادات
* عندما يلعب الأطفال لعبة، سواء داخل البيت أم خارجه، نلاحظهم يميلون إلى الاسترخاء ويبدؤون العديد من الحوارات التّلقائيّة.
* تفسح الألعاب المجال أمام الأطفال للقراءة والتّعمق بفكرة ضرورة اتباع التّعليمات والإرشادات للنجاح. لذلك ينصح المختصون بأن تخرجوا الألعاب من المخزن، خاصّة ألعاب الرّقعة مثل لعبة السّلم والثّعبان، وانفضوا عنها الغبار والعبوا بها مع طفلكم بشكل منتظم.
يسأل بعض الآباء: ما هي الألعاب الّتي يجب أن نلعبها مع أطفالنا؟!!
1. ألعاب الرّقع: مثل (ألعاب المزرعة) الّتي تُعلّم التّخطيط وحلّ المشكلات، تنمّي الرّياضيّات لديهم وتطوّر اللّغة.
2. ألعاب لتنمية الذّاكرة، مثل التّمييز البصري: اعرضوا على الطّفل عدّة أشياء، واطلبوا منه ملاحظتها، ثُمّ إغماض عينيه، في هذه الأثناء تقومون بتغيير ترتيب الأشياء، وعليه أن يعيد ترتيبها كما كانت في السّابق.
3. لعبة البطاقات المبعثرة: تعمل على تطوير اللّغة ومهارات التّصنيف.
4. ألعاب البطاقات: تُعلّم العدّ والحساب والتّصنيف والتّحليل والمنطق وتقويّ الذّاكرة.
اجعلوا الحديث جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية داخل البيت وأثناء الاستمتاع باللّعب، فإنّكم بذلك تغرسون في نفوس أطفالكم عادة الحوار وفن الإصغاء، وهما من الأسس الضّرورية للتواصل الصّحيح والإيجابي ضمن الجماعة.