نظرية النوع في التربية والتعليم… الأسس والخلفيات والمخاطر
مدخل عام
نظرية النوع نظرية فاسدة لا تقوم على أسس علمية، ولا تساعد ابدا على مساواة المرأة وتحريرها من هيمنة العقلية والسلوكيات الذكورية المتخلفة، بل بالعكس، وقد تؤدي في شكلها المنحرف إلى فوضى اجتماعية وثقافية عارمة واختلاط في الاتجاهات والقيم والمفاهيم وربما إلى انقراض الجنس البشري. هذا ما استخلصناه من العديد من الملاحظات الشخصية والدراسات والاشرطة والبرامج… العربية منها والأجنبية.
وعلى الرغم من ذلك، يسعى المغرب بقوة وحماسة منقطعة النظير، إلى تبنيها وإدماج مقاربة النوع الاجتماعي في مخططات السياسات العمومية بما فيها قطاع التربية والتعليم، (ضمانا للمساواة بين الجنسين)، حسب ما يصرح به بعض المسؤولين، وذلك حتى قبل فهمهم لها وتحليلهم لأسسها ومعرفتهم بخلفياتها ومدى ملاءمتها لمجتمعنا. مسؤولين يعملون جاهدين لتكريس ومأسسة هذه المقاربة وجعلها رافدا لاستدرار الشراكات والمساعدات، بدعوى إقرار وضعية عادلة ومنصفة للمرأة، وبدعوى (ضمان تمثيلية شاملة للمواطنين لتحقيق مغرب متطور وعصري، مغرب التلاحم الاجتماعي وتكافؤ الفرص والحرية والعدالة والمساواة)، حسب رأيهم. وذلك في إطار سياق دولي وفي إطار ضغوط لوبيات تتزعمها منظمات دولية ذات أهداف مشبوهة وفي مقدمتها الأمم المتحدة نفسها والتي تدعي الموضوعية والحياد. سياق يعرف حملة واسعة للنهوض بوضعية المرأة، والتي (شجعت) السياسات الحكومية على نهج إصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية، تخول المرأة المغربية المساواة وتكافؤ فرصها مع الرجل في جميع المجالات وولوج ميادين متنوعة كانت دوما حكرا على الر جل، الأمر الذي يشكل في نظرنا، موضع إجماع ولا يرفضه عاقل، ونؤمن بحتميته دونما حاجة إلى فبركة نظرية والتخفي وراء مقاربة تدعي العلمية.
وفي نفس السياق، تنخرط العديد من القطاعات والهيئات ومن بينها على سبيل المثال، وزارة التربية الوطنية ووزارة الوظيفة العمومية، بقوة في هذا التوجه، حيث تعمل على (تثمين مواردها البشرية، من خلال مشاريع تروم إدماج مقاربة النوع الاجتماعي في التسيير اليومي لهذه الموارد)، ساعية من ذلك وعلى ما يبدو، لمأسسة المساواة بين الجنسين في مختلف القطاعات. وقد أنجزت مجموعة من البرامج والمشاريع، باعتبارها آليات لتفعيل وتحقيق التزاماتها أمام المجتمع والدولة، وإزاء الشركاء وبصفة خاصة الشركاء الأجانب والمنظمات الدولية وصناديق الدعم الضاغطة والتي تشترط التهليل والتسبيح لنظرية النوع قبل إتمام أية صفقة ودفع أي دولار. ومن أمثلة تلك البرامج والمشاريع:
1 ـ مشاريع قطاع الوظيفة العمومية :
أحدثت الوزارة المنتدبة المكلفة بالوظيفة العمومية وتحديث الإدارة،وحتى قبل التأكد من صحة نظرية النوع وتحليل خلفياتها وآثارها، ما تسميه بمشروع (مأسسة المساواة بين الجنسين في الوظيفة العمومية) ( 25 ماي 2016)، في إطار مشروع المراجعة الشاملة للنظام الاساسي العام للوظيفة العمومية. وكل ما يرتبط به من مثل:
- وضع استراتيجية لمقاربة النوع بالوظيفة العمومية.
- إحداث شبكة التشاور المشتركة بين الوزارات المكلفة بإدماج مبدأ المساواة بين الجنسين بالوظيفة العمومية. بهدف (تدارس إشكالية النوع الاجتماعي، في الوظيفة العمومية وكذا تمكين النساء من تمثيلية عادلة بالمناصب العليا ومناصب المسؤولية. ودعم دينامية مأسسة المساواة بين الجنسين داخل الوظيفة العمومية وجعلها إحدى أولويات أوارش التحديث).
- العمل على تعميم الدليل المرجعي لإدماج مقاربة النوع في مسلسل الانتقاء والتوظيف والتعيين والحركية والترقية، بالإضافة إلى تحديد حاجيات مختلف الوزارات من التكوين في مجال مقاربة النوع.
- إنشاء مرصد مقاربة النوع الاجتماعي للوظيفة العمومية، (بغية تعزيز مبدأ التحديث والديمقراطية وإضفاء الطابع المؤسسي في مجال المساواة بين الجنسين في قطاع الوظيفة العمومية).(راجع http://www.ogfp.ma 9، مارس 2016).
وحسب الوثائق المنظمة لهذا المرصد: (تسعى الوزارة من خلاله إلى تنفيذ أوراش الإصلاح بالإدارات العمومية، لاسيما في مجال تثمين مواردها البشرية الذي يعتبر محورا رئيسيا في استراتيجية التحديث. ويهدف مرصد مقاربة النوع للوظيفة العمومية إلى:
- تنوير صانعي القرار بأهمية تطوير وضعية المرأة بالوظيفة العمومية،
- اليقظة الاستراتيجية والتنبيه بمعيقات تحقيق المناصفة،
- إنتاج مؤشرات تهم وضعية المرأة بالوظيفة العمومية وبمناصب المسؤولية والمناصب العليا،
- المساهمة في بلورة السياسات العمومية قصد تحسين وتعزيز مكانة المرأة،
- المساهمة في حماية حقوق المرأة المضمونة من طرف الدستور).
كل ذلك، بطبيعة الحال، بدعم ومباركة من هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، وغيرها من الجهات والمنظمات المتعاونة والممولة والتي تشترط بشكل يثير الشك والتساؤل، إدراج نظرية النوع ومقاربة النوع الاجتماعي، كبند أساسي ضمن أي مشروع يعرض عليها، قبل أن تدعمه، حتى ولو تعلق الأمر بتعاونية لتربية الفئران والصراصير أو حفر القبور.
2 ـ مقاربة النوع في القطاع الاجتماعي:
سبق لنزهة الصقلي، وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن سابقاً، أن صرحت بهذا الخصوص، أن من نتائج الأوراش الكبرى التي فتحت في المغرب، والتي تروم تحقيق المساواة بين الجنسين، (إدراج مقاربة النوع في إعداد الميزانية واستراتيجية المساواة والإنصاف، لإدماج المقاربة ذاتها في مجال إعداد السياسات الحكومية، والبرنامج القطاعي).
واعتبرت الوزيرة أن الالتزامات الدولية للمغرب، منذ سنة 2007، تترجم هذه العزيمة، من خلال مشاركته في الندوات الدولية حول المرأة (مكسيكو 1975، وكوبنهاجن 1979، ونيروبي 1985، وبكين 1995)، وانخراطه شبه الكامل في ترجمة الاتفاقيات المتعلقة بالنساء: الاتفاقية حول الحقوق السياسية للنساء، سنة 1976، واتفاقية القضاء على كافة أشكال العنف ضد النساء، سنة 1993، والمعاهدة الدولية للحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية سنة 1979وغيرها..
كما شكلت مقاربة النوع موضوعاً محورياً للعديد من التظاهرات والبرامج التي نظمتها وتنظمها باستمرار، منظمات المجتمع المدني وكان على سبيل المثال موضوع (إدماج مقاربة النوع في السياسات العمومية والبرامج التنموية) محور لقاء نظمته (جمعية ملتقى المرأة بالريف)، بالحسيمة. (و م ع – ناظور سيتي، 22 يناير 2010).
وفي هذا اللقاء، أشارت سعيدة الإدريسي العمراني رئيسة قسم شؤون المرأة بوزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن، إلى أن الوزارة وضعت مخططاً استراتيجياً يغطي الفترة ما بين 2008 و2012 يهم إدماج مقاربة النوع في السياسات والبرامج والمشاريع التنموية لتدعيم الدور التنسيقي في مجال المساواة بين الجنسين، وذلك بإحداث آليات الإشراف والتشاور والإسهام في القضاء على الفوارق السوسيو – اقتصادية والسياسية المرتبطة بالنوع.
وقد تمحور هذا اللقاء حول (الاستراتيجية الوطنية من أجل الإنصاف والمساواة بين الجنسين بإدماج مقاربة النوع الاجتماعي في السياسات والبرامج التنموية) و(مشروع تجربة بلدية الحسيمة من أجل إنشاء لجنة المساواة وتكافؤ الفرص) و(إدماج مقاربة النوع في المشاريع الاجتماعية المحلية والجهوية).
(كما يهم هذا المخطط، حسب العمراني، تشجيع ولوج النساء إلى مناصب المسؤولية والقرار، وتشجيع المشاركة الفعلية في تدبير الشؤون العامة على الأصعدة المحلية والجهوية والوطنية، واتخاذ تدابير عمل إيجابية، والرفع من نسبة تمثيلية النساء في الهيئات المنتخبة، وتشجيع خلق المقاولة لفائدة النساء، وتشجيع مشاركتهن في النمو الاقتصادي للبلاد).
(انظر في موضوع ما خصصته الدولة من ميزانية لهذه الوزارة ولغيرها من الوزارات لمقاربة النوع: (مشروع قانون المالية لسنة 2012، تقرير حول ميزانية النوع الاجتماعي)، إنجاز وزارة الاقتصاد والمالية ـ الرباط).
كما أظهرت وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية حالياً وفي العديد من المناسبات، نفس الحماس / الهوس الزائد لهذه المقاربة على أساس (أن المرأة عنصر أساسي في خلق الثروة والتنمية في إطار مواطنة منصفة تتحقق فيها المساواة بين الجميع) ونوهت الوزيرة بسيمة الحقاوي، القيادية في حزب العدالة والتنمية (بإحداث مرصد مقاربة النوع الاجتماعي بالوظيفة العمومية، ضمن عمل مشترك للحكومة في إطار خطة (إكرام) التي تشرف على نهايتها، ليشرع بعدها في خطة إكرام 2 التي ستشتغل على تنزيل أهداف الألفية للتنمية المستدامة في أفق 2030) وهكذا دواليك…
3 ـ مقاربة النوع في قطاع التعليم:
لم يتوقف المسؤولون عن قطاع التعليم،عن التنويه وبكثير من العشوائية والمناسباتية، بمزايا مقاربة النوع الاجتماعي والاشادة بما تحققه وزارة التربية الوطنية من مشاريع ومنجزات لإدماجها في القطاع، على الرغم من عدم تدقيقهم في مفاهيمها وضعف اكتراثهم بأسسها وغضهم الطرف عن حقيقة علاقتها بمطالب المرأة العادلة وحاجياتها الحقيقية والتي تشاطر الرجل ظروف الفقر والمعاناة والتهميش.
فقد سبق للطيفة العابدة كاتبة الدولة في التعليم سابقاً، أن تحدثت عن الجهود الكبيرة التي تبذل من أجل إدماج مقاربة النوع في تدبير قضايا التربية والتكوين والقضاء على مظاهر التمييز بين الجنسين.. وأوضحت السيدة العابدة في افتتاح يوم دراسي حول (تمدرس الفتاة ومجتمع المعرفة) نظمه مركز تكوين مفتشي التعليم ومركز التوجيه والتخطيط التربوي، (الرباط 17 مارس 2010) أن الوزارة الوصية جعلت من ضمان التكافؤ بين الجنسين هاجسها الأول وذلك من خلال تعميم الاستفادة من الخدمات التربوية لصالح الإناث والذكور بالوسطين الحضري والقروي، ووضع مخطط عمل استراتيجي متوسط المدى، يهدف إلى تطوير قدرة مؤسساتية كافية لترسيخ المساواة بين الجنسين، وضمان ولوج الإناث والذكور إلى نظام تربوي ذي جودة عالية، مع الحرص على تأمين فضاء مدرسي ملائم للتنشئة على مبادئ حقوق الإنسان وقيم المساواة.
وأضافت العابدة (أن منجزات قطاع التعليم المدرسي المتعلقة بتحقيق المساواة بين الجنسين، ترتكز على تثمين مكانة المرأة ومواصلة مراجعة المناهج التعليمية، و(تنقية الكتب المدرسية من الصور النمطية التي تحط من كرامة المرأة)، فضلا عن العمل الضخم الذي تقوم به جمعيات حقوقية ونسائية وطنية لدعم تمدرس الفتاة ومحاربة الأمية بين النساء) (عن وكالة المغرب العربي للأنباء 17 مارس 2010).
ومن جهته أكد وزير التربية الوطنية والتكوين المهني، رشيد بن المختار، الأهمية التي توليها الوزارة لهذه المقاربة، من خلال الشروع في مراجعة الكتب المدرسية والتدبير الإداري للموظفين، مضيفاً أن الوزارة تعتمد ميزانية تراعي النوع الاجتماعي وأعرب عن أسفه لكون قلة من النساء فقط يلجن مراكز المسؤولية، وهو ما لا يعكس، برأيه، إسهامهن الحقيقي في المنظومة التربوية، مفسراً عدم ترشحهن لهذه المراكز بصعوبة تحمل مسؤولية مزدوجة اجتماعية ومهنية. (في حوار له نشر في موقع مشاهد، أجرى الحوار: أمل التازي وسناء بنصري، 10 مارس 2016)).
كما أظهرت وزارة التربية الوطنية اجتهاداً كبيراً غير معهود، فيما أسمته (بالعمل الاستراتيجي لمأسسة المساواة بين الجنسين في المنظومة التربوية):
Plan d’Action Stratégique à Moyen Terme (PASMT) d’Institutionnalisation de l’Egalité entre les Sexes (IES) dans le système éducatif.
وقد أشرف وزير التربية الوطنية والتكوين المهني يوم 15 اكتوبر 2014 بالرباط ، على افتتاح اللقاء التواصلي لعرض نتائج مشروع الدعم التقني للاتحاد الأوربي لتنفيذ مخطط العمل الاستراتيجي المتوسط المدى لمأسسة المساواة بين الجنسين في المنظومة التربوية بالمغرب والذي انطلق العمل به منذ 2010.
وللتذكير: (يهدف هذا المشروع الذي حضر لقاءه التواصلي رئيس مفوضية الاتحاد الأوربي لدى المغرب، إلى تقديم المساعدة التقنية إلى الوزارة (الدعم الأجنبي مرة أخرى…)، من أجل تنفيذ هذا المخطط في أفق ضمان الإدماج الأفقي للنوع في المنظومة التربوية) (عن الموقع تربية وتعليم).
ويتمحور المشروع حول ثلاثة محاور تهم مأسسة المساواة بين الجنسين وإعداد استراتيجية التواصل المستجيبة للنوع الاجتماعي ووضع ميزانية تستجيب للنوع الاجتماعي.
وعرف محور مأسسة المساواة بين الجنسين إنجاز ورشة (بناء الفريق) تمكن مبدئياً، من تجميع مختلف الفاعلين حول أهداف مشتركة من أجل إدماج المساواة بين الجنسين في حكامة القطاع التربوية. كما تم تنظيم دورات تكوينية للفريق الوطني والفرق الجهوية لتدبير النوع، وورشات جهوية لإعداد مخطط عمل جهوي يستجيب للنوع.
ولنا مثال آخر عن تسلل مقاربة النوع إلى هذا القطاع ومرة أخرى باتكال على الدعم الأجنبي في غفلة من المجلس الأعلى للتعليم واستراتيجيته (كأنه آخر من يعلم) وربما بدون علمه وبالأحرى موافقته، نجده في مشروع (PAGESM) (مشروع دعم تدبير المؤسسات التعليمية)، الذي ينجز بتمويل سخي من كندا التي صنعته صنعاً واقترحته جاهزاً للاستعمال. والذي يرمي من حيث موضوعه وأهدافه، إلى:
- بلورة وإنجاز مشاريع المؤسسات.
- بلورة وإنجاز مخطط لتعزيز القدرات التدبيرية للمديرات والمديرين إلى جانب تأهيل مكونين داخل مراكز التكوين.
- بلورة مساطر وأدوات حديثة لانتقاء وتقويم المديرات والمديرين.
- إعمال تدابير لتحقيق المساواة في بلوغ حاجات الذكور والإناث بشكل متساو من جهة وفي ولوج النساء للإدارة التربوية من جهة أخرى.
ولا بأس أن نذكر ببعض أهداف هذا المشروع والذي يحتل مكانة بارزة ضمن الميزانية القطاعية والذي يتم (تنزيله) على المستوى المحلي بمختلف الجهات والنيابات، وخاصة هدفين أساسيين وهما: الرفع من جودة منتوج النظام التعليمي، وتطوير الحكامة المحلية، من خلال التركيز على رفع عمل القيادة التربوية على الصعيد المحلي من مستوى مجرد مهمة إلى مستوى المهنة داخل القطاع (مهننة المهام والأدوار) لما لذلك من تأثير على تحسين جودة النظام التعليمي.
أما عن محاور الاشتغال الأساسية التي يتشكل منها مشروع PAGESM فهي أربعة :
- مشروع المؤسسة التعليمية (المكون 100).
- تعزيز وتقوية القدرات التدبيرية لمديري المؤسسات التعليمية (المكون 200).
- انتقاء وتقويم مديري المؤسسات التعليمية (المكون 300).
- المساواة بين المرأة والرجل (المكون 400).
انظر: علي بلجراف http://www.oujdacity.net/national-article-69163-ar/).
وهكذا يبدو جلياً وعند استحضار مثل هذه البرامج والمشاريع، أن الإنصاف بين الجنسين، حسب المسؤولين عن قطاع التربية والتعليم، لا يمكن أن يتحقق دون استحضار إشكالية النوع الاجتماعي ليس في الخطاب والواقع التربويين أي في النصوص الرسمية التي توجه المنظومة التربوية، وإنما في المقررات والكتب المدرسية كذلك وفي توفير الإمكانيات اللوجستية اللازمة من أطر وفضاءات ومرافق… وأخيراً تدبير وإجراء الخطاب على مستوى الممارسة الصفية والتفاعلات بين المتعلمين والمتعلمات في الأقسام الدراسية والفضاء المدرسي بشكل عام، من قبل النخبة التي يشكل قطاع التعليم أحد أبرز رهاناتها في التطوير وإعادة إنتاج العلاقات والأدوار.
إذن نحن أمام عملية غير مسبوقة لجندرة هذا القطاع وصبغه بصبغة المساواة بين الجنسين كما لو كانت هذه هي إشكاليته الاولى والأخيرة.
ليس ذلك فقط، بل ظهر من يتحدث حتي في أوساط المدرسين والباحثين أنفسهم عن (قيم النوع الاجتماعي) من مثل خالد زروال والذي قدم دراسة / مقالة مركزة وجد معبرة حول هذه المقاربة في الكتاب المدرسي بعنوان: (في التربية على قيم النوع الاجتماعي).
فبعد أن لاحظ، من تحليله لمحتويات بعض الكتب المدرسية الرائجة، أنه وبالرغم من (محاولة الكتاب المدرسي المغربي عموماً رسم صورة حديثة عن المرأة، فإنّ هذه المحاولة لم تبرح مستوى الخطاب الصريح والظاهر، من خلال نصوص وعبارات تتحدث عن إنصاف وتكريم المرأة، ذلك أنّ هذه الصورة تصطدم بصورة أخرى مقابلة ومضادّة، سواء على مستوى ظاهر الخطاب نفسه، من خلال الصور والمتون التي يحملها الكتاب المدرسي، أو من خلال الخطاب الضمني… مواقف تستبطن في ثناياها تمييزاً ضمنياً للرجل على المرأة، وبالتالي تتحدد مختلف أشكال السلطة الذكورية ورمزيتها في المجال وفي الدور الاجتماعي، وفي التمايز الجنسي الجسدي القائم على فطرية الفوارق بين الجنسين، هذه الفوارق البيولوجية التي تحاول أن تبرّر تلك السلطة لتعيد إنتاج الأدوار والعلاقات الاجتماعية السائدة نفسَها، وحيث يصير الجسد منتوجاً ثقافياً أكثرَ منه معطى بيولوجي، وبذلك نعي جيداً ما الذي حذا بسيمون دو بوفوار إلى قول قولتها الشهيرة: (لا يأتي المرء إلى هذا العالم كإمرأة، بل يجعلون منه كذلك)..
ويقدم خالد زروال أمثلة من تحليله تتضمن في الآن نفسه تشخيصاً لمصطلح النوع، والذي سنعمل على مناقشته فيما بعد، (يمرّر الكتاب المدرسي صفة «الحنان» (على سبيل المثال لا الحصر) كخاصية أنثوية تمتدّ إلى تفكير الفتاة وتمثلاتها. ففي نصّ قرائي في أحد الكتب المدرسية تبدو هذه الفتاة وهي تلعب بالورق مع أخيها، الذي فكر في صناعة صاروخ، في الوقت الذي دفعت العاطفة الصغيرة سناء لتصنع بالورق عصفوراً.. ليعود الخطاب المتواري ويمارس عنفه الرّمزيَّ على الفتاة، التي لا يحق لها أن تفكر في التحليق بعيداً عبر الصواريخ…).
هكذا، لا يجوز للفتاة أن تطلق العنان لعقلها كي يفكر، وتطمح لكي تدرك العلا، فهو من شأن الفتيان – رجال الغد، أما الفتيات «النساء» فمهمتهنّ الرعاية والوداعة والرّقة، لذلك كان لهنّ أن يلعبن ويفكرن في صنع العصافير.. وهكذا، تستبطن المتعلمة ويستبطن المتعلم صورة المرأة ككائن من (جنس لطيف)، في مقابل الرّجل ككائن عقلانيّ، ومن تم تتحدّد الأدوار والعلاقات الاجتماعية، وبذلك يتشكل البناء الاجتماعي للجسد وفق قاعدة التقابلات بين الجنسين، حيث أن هذا البناء الاجتماعي بقدْر ما يجعل الفوارق الاجتماعية تبدو طبيعية فهو يريد، كذلك، أن يجعل من الفوارق الطبيعية تبريراً للفوارق الاجتماعية ويُحوّل الاختلافات البيولوجية إلى اختلافات في المكانة الاجتماعية..) (انظر خالد زروال، المساء التربوي، 12 يوليو 2013).
انعدام الاسس العلمية لنظرية النوع
منذ أن نشرنا كتاب (مقاربة النوع والتنمية) للعربي وافي (2007)، ضمن سلسلة المعرفة للجميع التي نشرف عليها، والذي كان سباقا للكتابة الجادة في هذا الموضوع، ونحن نتساءل بنوع من التشكك في أصل هذه النظرية / المقاربة وعن أسسها العلمية وأبعادها وما يمكن أن ينتج عنها من آثار في حياة الناس والمجتمعات. وبدأنا نقتنع شيئاً فشيئاً وكلما تقدمنا في الدراسة والاطلاع على ما كتب وعلى نتائج العديد من البحوث العلمية، بفساد هذه النظرية، وبآثارها المدمرة للإنسان والمجتمعات، واحتمال أن تؤدي الى انقراض الجنس البشري.
وسنعمل في البداية وبكل نزاهة وموضوعية على عرض هذه النظرية / المقاربة / الأيديولوجيا قبل انتقادها وبيان فسادها ومخاطرها، من خلال العناوين التالية :
1 ـ اضطراب في تعريف النوع / الجندر
أول ما نبدأ به ملاحظاتنا هو أن مصطلح النوع مصطلح فضفاض مائع يصعب تحديده إجرائياً. مع العلم أن التعريف الإجرائي للمفاهيم والمصطلحات شرط أساسي لإنشاء النظرية وقيام العلم، وهذا ما لا يتوفر ولا يمكن أن يتوفر في مصطلح النوع والذي كبر وتضخم ليتحول إلى نظرية النوع. وكما هو معلوم فإن الإجرائية في المنهاج العلمي تعني تحديد المؤشرات العملية (أي المقاييس) للظواهر الطبيعية والمجتمعية. وفي العلوم الاجتماعية والإنسانيات، فإن الإجرائية هي عملية تعريف مفهوم غامض بحيث يصبح المفهوم النظري قابلاً للتمييز أو القياس بوضوح وفهمه من منطلق الملاحظات التجريبية. وبمعنى أشمل، فإنها تشير إلى عملية تحديد امتداد المفهوم، لتصف ما يمثل جزءاً منه وما ليس كذلك.
كما أن التعريف الإجرائي يذكر تفاصيل العمليات و(الإجراءات) التي سيقوم بها الباحث في فحصه وتعامله مع المتغيرات، والباحثون العلميون يواجهون ضرورة قياس المتغيرات في العلاقات التي يدرسونها. ففي بعض الأحيان يكون القياس سهلاً وفي بعضها الآخر يكون عسيراً فقياس الطبقة الاجتماعية مثلاً، أمر سهل نسبياً ولكن قياس الإبداع أمر صعب.
وعموماً فإن التعريفات الإجرائية لا يستغنى عنها في البحث العلمي، لأنها تمكن الباحثين من قياس المتغيرات، وهي جسور تصل بين مستوى (النظرية والفرضية وخطة البحث) ومستوى (الملاحظة). فمن غير الممكن وجود بحث علمي دون ملاحظة، والملاحظة بدورها مستحيلة بدون تعليمات واضحة محددة عما يجب ملاحظته وكيفية ملاحظته، تعليمات تكون متضمنة بالضرورة في التعريفات الإجرائية. الأمر الذي لا يتوفر في مختلف التعريفات التي تقدمها نظرية النوع.
على أن المشكل يزداد تعقيداً خاصة عند ملاحظتنا أن مصطلح النوع / الجندر مصطلح قابل للتغيير من مجتمع إلى آخر، وذلك بتغير ثقافاته وتعبيراته الاجتماعية، بل إن هذا المصطلح قد يتغير داخل نفس المجتمع، فالعرق والجنس، والطبقة الاجتماعية، والظروف الاقتصادية، والعمر، كلها عوامل تؤثر في النظرة لكل من الرجل والمرأة ووضعيتهما داخل المجتمع، وما قد يعتبر مناسباً للنساء من أعمال، وما يعتبر مناسباً للرجال…، أي أن هذه العوامل قد تحدد أدوار الجنسين وكذا العلاقة بينهما، فكلما انتقلنا من مجتمع إلى آخر تغيرت الأدوار الممنوحة للجنسين، بل كلما انتقلنا من طبقة اجتماعية إلى أخرى قد تتغير الأدوار الممنوحة لهما، وهو ما يعني أن مفهوم النوع يرتبط ارتباطاً أساسياً بالمنظومة الثقافية للمجتمع ولعاداته وتقاليده وأفكاره وقيمه، وهو ما يعني كذلك أن جميع ما يفعله الرجـال والنسـاء وكل ما هو متوقع منـهم – فيمـا عـدا وظائفهم الجسدية المتمايـزة جنسيـاً – يمكن أن يتغير بمرور الزمن وتبعاً للعوامل الاجتماعية والثقافية المتنوعة. وحتى هذا الاستثناء المرتبط بالوظائف الجسدية المتمايزة أصبح موضع تساؤل مع الانحراف الذي بدأنا نلاحظه في هذه النظرية، والميل نحو الاختلاط الجنسي وتجاوز شرط الزواج لتكوين الأسرة والمطالبة بتعدد الأزواج وشرعنة الجنسية المثلية وزواج المثليين وتبنيهم للأطفال.
كما رفضت ودائماً في إطار الإشكاليات المرتبطة بتعريف النوع وترجمته، العديد من الدول وخاصة الدول الغربية، رفضت تعريف النوع / الجندر بالذكر والأنثى، وأصرت على وضع تعريف له يشمل الحياة غير النمطية التي تميز سلوك الجنسين داخل المجتمع، في حين رفضت دول أخرى ربط المفهوم بالسلوكات الاجتماعية.
أما مجتمعاتنا فقد دخل إليها أو فرض عليها، مصطلح النوع / الجندر أوائل التسعينات. وقد ذكر على سبيل المثال في وثيقة مؤتمر القاهرة للسكان في سنة 1994، في واحد وخمسين موضعاً من هذه الوثيقة، منها ما جاء في الفقرة التاسعة عشرة من المادة الرابعة من نص الإعلان الذي يدعو إلى تحطيم كل التفرقة الجندرية. إلا أن هذا المصطلح لم يثر وقتها نقاشاً كبيراً،لأنه ارتبط أساساً بالخصائص الذكورية والانثوية، ولم تعط له حمولات إيديولوجية أو فلسفية آنذاك، ولم يعرف الانحراف الخطير الذي يعاني منه الآن.