المبحث الأولأولا:- المعنى اللغوي والاصطلاحي للمقالة:
نشأة المقالة وتطورها
المقالة لغة:- جاء في لسان العرب: (القول: الكلام على الترتيب000 قال يقول قولاً وقيلاً وقولة ومقالاً ومقالة)، وقد أورد الرازي الكلمة بصيغة التأنيث (مقالة) وبصيغة التذكير (مقال).
والمقالة على صيغة (مفعلة ),مصدر ميمي للفعل قال ,يقول , وجاء في المعجم الوسيط المقالة بحث قصير في العلم والأدب أو السياسة أو الاجتماع.
أما اصطلاحا: فقد تعددت تعريفات المقالة عند النقاد تبعاً لتعدد مناهجهم و مشاربهم النقدية, ولكن هذه التعريفات أدت غرضها المفهومي القائم على توضيح التقليد ,الشكلي للمقالة, فضلاً عن حدها, فقد عرفها أحمد أمين (1954م): بأنها إنشاء نثري قصير كامل الدلالة يتناول موضوعاً واحداً يكتب بطريقة لا تخضع لنظام معين ويسمح لشخصية الكاتب بالظهور.
وفي تعريف الدكتور علي جواد الطاهر (1996م) المقالة: ( نوع من الأنواع الأدبية الإنشائية ,ويعبر بها الأديب عن حالة واحده من حالات مشاعره , أو عن طور من أطوار حاله واحده في صفحات قليلة محدودة...).
وهي عند الناقد عبد الجبار البصري (2002م): (نوع من الإبداع الفني الأدبي معتدل الطول يتحدث نثرا عن تجربة شخصية تتناول ظاهرة واحدة حديثا عفويا لا تكلفة فيه)
أما الدكتور محمد يوسف نجم (2009) فقد عرفها بقوله : (قطعة نثرية محدودة الطول والموضوع ,تكتب بطريقة عفوية سريعة خالية من الكلفة و الرهق ,وشرطها الأول إن تكون تعبيراً صادقاً عن شخصية الكاتب).
نلخص مما سبق إلى إن المقالة نص أدبي نثري يعبر فيه مؤلفة عن مسألة ما برؤية واضحة من غير تكلف أو تصنع في صفحات قليلة يحاول من خلالها الإحاطة بتلك المسألة ليكون له فيها رأي واضح.
ثانيا:- مرحلة النشأة :-
1-المقالة في بذورها القديمة:-
تباينت أراء النقاد والباحثين الذين تناولوا دراسة المقالة والبحث في جذورها ومن ابرز الباحثين الذين تصدوا لدراسة فن المقال قال :إن بذور المقالة ظهرت في أدبنا العربي منذ القرن الثاني الهجري وتمثلت على أحسن صورها في الرسائل الأخوانية والعلمية.
لقد عرف الأدب العربي القديم فناً أدبيا يشبه المقالة الحديثة وهو فن الرسائل إذ اتخذها الأدباء لتصوير عواطفهم ومشاعرهم في الخوف والرجاء والرغبة والهجاء ,ولا سيما الرسائل العلمية والاخوانية ,فالرسائل العلمية تتناول موضوعاً واحداً بشيء من الإيجاز ,ومن جهة نظر كاتبها فيها بعض خصائص المقالة الحديثة في الأسلوب و الموضوع ,مثل رسائل الجاحظ في العشق والتخيل واللصوص...الخ ومثلها الرسائل الاخوانية التي تدور على المسامرات والمناظرات والأوصاف. ولكن الرسائل قد تطول إلى عشرات الصفحات ,إما المقالة في وضعها الفني قد تتميز بالقصر ,لأنها "لا تحاول أن تشمل كل الحقائق والأفكار المتصلة بموضوعها ,ولكنها تختار جانبا أو على الأكثر قليلا من جوانبه لتجعله موضع الاعتبار وهنا يكمن الفن لان المؤلف يجب أن يختار هذه الجوانب من موضوعه لكي يقدمها إلى قرائه بصورة مشوقه ومؤثرة".
ولو تأملنا في إشكال النثر العربي القديم سواء الرسالة أو المقامة أو الأحاديث أو النوادر أو القصص القديمة لوجدنا في الكثير من تلك الإشكال النثرية القديمة جل المقاييس التي يحددها النقاد الغربيون لهذا اللون من النثر خاصة في أدب الجاحظ والتوحيدي ,وغيرهما واتضحت لنا صلات قوية بين الملامح التي عكسها النقاد عن فصول مونتين* وبيكون ,ومن تلاهما في رواد مبتكري هذا الفن بوجه اخر ,اذ لم تكن معرفة اصول الكتابة طارئة او مجلوبة من الغرب كما يضن بعض الدارسين بل تمتد بعض جذور معرفتها الى عصر ازدهار النثر الفني في تراثنا العربي وهي الفنون الشبيهة بالمقالة الحديثة كالرسائل الاخوانية والفصول والخطب ، لان من المعروف ان النوع الأدبي لا يوجد من العدم بل يبنيه الكاتب من مواد مستمدة من أصول مختلفة فلا شيء يغني من الحياة الأدبية ,فالفنون بعضها من بعض ثم ينأى اللاحق شيئاً فشيئاً عن السابق وقد يتباينان فيما بعد وينطبق هذا على اصل المقالة.
2-المقالة في أدبنا الحديث .
وفي العصر الحديث رأى الناقد عباس محمود العقاد أن أدب المقالة في العربية نشأ مع أدب الفصول ,ثم امتزج بالقصة ,واقترن بالمقامة.
وعند الدكتور زكي نجيب محفوظ:" إن المقالة الأدبية قربيه جداً من القصيدة الغنائية ,لان كلتيهما تغوص بالقارئ إلى عمق من أعماق نفس الكاتب أو الشاعر ,وتتغلغل في ثنايا روحه" إي ان القصيدة والمقالة يشتركان في خصائص وظيفة واحدة إي إن التشابه بينهما يوحي ان مكان المقالة الأدبية من النثر كمكان القصيدة الغنائية من التأليف الشعر.
وهذا ما أكده الناقد علي جواد الطاهر في قوله:"واقرب أنواع الشعر- المقالة- الشعر الوجداني ,والمقالة في حقيقتها شعر وجداني يزجه صاحبه الى القراء نثراً كما يقدم زميله وجدانه قصيده".
ويرى الدكتور شكري بركات ابراهيم ان تنوع النثر ادى الى ظهور (الخطابة) التي بدورها تطورت لتكون المقالة والمسرحية والرواية والقصة.
وأيا كان أصل المقالة فان وجودها الحاضر يذكر بتفسير(تودوروف) الخاص بولادة الأجناس الأدبية الجديدة ,الذي يقول فيها متسائلاً: "من أين تأتي الأجناس؟ بكل بساطة تأتي من أجناس أدبية أخرى ,والجنس الجديد هو دائما تحويل لجنس ,أو لعدة أجناس أدبية قديمة".
ورأى آخرون إن المقالة ظهرت في أدبنا الحديث في القرن التاسع عشر نتيجة لاتصالنا بالغرب واطلاعنا على أدبه حيث تشكل المقالة جنسا أدبيا مستقلا ومهما يقف إلى جانب الأجناس الأخرى.
3- المقالة والصحافة:-
يرتبط تاريخ المقالة بتاريخ الصحافة ولا يتجاوز هذا التاريخ أكثر من قرن فالمقالة لم تظهر في أدبنا جنساً ادبياً مستقلاً كما في فرنسا وانكلترا بل نشأت في حضن الصحافة و خدمت اغراضها المختلفة وحملت الى قرائها اراء محرريها وكتابها.
في حين يرى محمد مندور ان ظهور المقالة كفن لم يرتبط بظهور الصحف والمجلات ,فقبل ان تعرف الصحف وقبل ان يخترع فن الطباعة الالية بقرون طويلة عرف فن المقالة اذ اختاره عدد من الادباء قالبا فنيا منذ عصر اليونان و كانت اقدم صورة للمقالة كما يرى محمد مندور هي صورة الشخصيات النمطية.
نستلخص من كل ما تقدم ان الباحثين عن اصول فن المقال في الادب العربي تتحدد اراؤهم بثلاثة طوائف ,طائفة تذهب الى القول بانقطاع الصلة بين ادب المقال و واقع الادب العربي القديم ,و انه حديث النشأه في الادب العربي وقد ارتبط بوفوده الينا من الادب الاوربي مع ظهور ن الصحافة العربية ,وتذهب طائفة ثانية الى ان فن المقال اجنبي النشاة حديث الوفدة الينا من الغرب مع وجود صلة تشابه بينه وبين بعض الوان النثر في الادب العربي القديم ,وتذهب طائفة ثالثة الى اثبات ان فن المقال عربي الارومة والنشأة وان كسي ثيابا غريبة.
تطور فن المقالة:
المقالة كغيرها "من الفنون الأدبية أدركها , ويدركها التطور حسب ما يقتضيه تطور الأفكار والأساليب وحسب الظروف الثقافية والفكرية السائدة".
تطورت المقالة الأوربية من الناحية الفنية والموضوعية على مر العصور نتيجة اعتناء الكتاب بها ,في القرن الثامن عشر بدت المقالة نوعا أدبيا قائما بذاته ,يعود الفضل في هذا التطور الذي لحق بالمقالة إلى جهود كاتبين برزا في هذه الحقبة وهما ريتشاد ستيل ,وصديقه جوزيف اديسون.
وقد أعان تطور الصحافة في المدة على تطور المقالة واتجهت المجلات اتجاها إصلاحيا تهذيبا ,فكانت الرغبة في الإصلاح هي الغاية الأساسية لهذا الفن الجديد ,وهناك من يرى إن انتشار المقاهي التي يجتمع فيها ,ويتحاورون في جميع شؤون الحياة من اجتماع وأدب وسياسة واقتصاد هي الأمور التي ساعدت في تطور المقالة في هذه المرحلة.
وقد حفل القرن التاسع عشر في أوربا بنخبة من الكتاب الذين تمردوا على قواعد إسلافهم في القرن الثامن عشر في المقالة وأحلوا مكانها أسسا جديدة تختلف في مضمونها فمن أشهر هؤلاء الكتاب شارلس لام ,ولي هنت ,وهزلت ودي كونسي,وقد فارقت مقالة القرن السابق في أمور عده أهمها اتساع نطاق الموضوعات التي أصبحت المقالة تدور حولها فقد اخذ الكتاب يكتبون بكل ما يروق لهم،بعد ان كانت المقالة مقصورة على حياة المدن وازيا المجتمع وعادات السلوك والأخلاق فأصبحت موضوعاتهم تعتمد على مدى اتساع الثقافة لدى الكاتب ،فظهرت المقالة الشخصية والعلمية والنقدية والفلسفية، فضلا عن ظهور شخصية الكاتب ظهورا واضحا وجليا دون التوقيع باسم مستعار او التستر خلف شخصية مخترعة،كما ازداد طول المقالة ازديادا واضحا وفسح المجال امام الكتاب لعرض ارائهم وصورهم باسهاب لم نعرفه مقالة القرن الماضي التي كانت تكتفي بعرض الصورة القصيرة وتصوير بعض جوانب الموضوع .
اما ما يخص تطور المقالة عند العرب ،فقد أخذت المقالة شكلها وسماتها الفنية من تراث الغرب على أساس إن الآداب العالمية تتبادل بينها التأثير والتجربة ،وان الاديب لا يمكن ان يعيش منعزلا عن الكون الذي ينتمي اليه، وهذا ما حدث الاديب العربي في مطلع القرن العشرين حيث افاد من شكل المقالة الغربية ومحتواها.
المبحث الثاني
انواع المقالة وخصائصها
لم يختلف الدراسون اختلافا رئيسا في تقسيم المقالة الى اقسام تندرج تحت موضوعاتها التي تؤول اليها ،ووظيفتها التي تؤديها في حياة المجتمع ، فقد قسمت الى صنفين رئيسيين هما :
1ـ المقالة الذاتية :وفيها تظهر شخصية الكاتب بصورة جلية جذابة تستهوي القارئ وتؤثر فيه فهي "نفثة نثرية يفضي بها الكاتب فتكون لسان حاله ومعرض تطلعاته وتاملاته وتتسع اتجسيد انطباعاته واهتمامات حسه الاجتماعي والانساني في اطار جاد تارة ومتفكها تارة اخرى ،رغبة في الاثارة والتأثير وامتاعاً واقناعاً "
وعدة الكاتب في هذه المقالة الاسلوب الادبي الذي يشع بالعاطفة ويشير الانفعال ويستند الى ركائز قوية من الصور الخيالية والصنعة البيانية والعبارات الموسيقية والالفاظ اللغوية الجزلة
وللمقالة الذاتية انماط متعددة ،يأخذ الكاتب اي منها ليكتب قطعته ومن هذه الانماط ،اسلوب الزخرفة البديعية الذي يهتم بالزخرفة الشكلية ،ويحرص على توظيف فنون البديع ،واسلوب الترسل حيث الزهد في الوان البديع حرصا على انطلاقة الاسلوب ورحابة الفكر وسعة مجال التعبير في خطرات النفس ،فضلا عن الاسلوب التصوري الساخر ،حيث يتسم كاتبها بخفة الظل والميل إلى الدعابة أو حرصه على التهكم والسخرية ،وقد يعمد بعض الكتاب على عنصر الحوار ،واسلوب القص والرد في تجسيد مواقف اجتماعية او انسانية .
وتعرف المقالة الذاتية ايضا باسم المقالة الادبية او المقالة غير الرسمية وتمتاز هذه المقالة بانها تعرض الخواطر باسلوب جميل مثير للشعور والخيال وغرضها المتعة الحاصلة من تذوق الجمال وتقسم الى :
2- المقالة السياسية :- وفيها يعبر صاحبها عن مواقفه السياسية وأحاسيسه الوطنية وفيها يهاجم الاستعمار وينقد الحكام ويحلل اوضاع البلاد ومن ابرز كتابها محمود سامي البارودي ،محمد عبده ،عبد الله النديم ،سعد زغلول ،مصطفى كامل ،اديب اسحق ،ابراهيم صالح شكر ،وفهمي المدرس .
3- المقالة الدينية :التي تتناول مفهوم العقيدة ويدافع كاتبها فيها عن قيمه الدينية ويهاجم الخصوم الذين يكيدون للدين الاسلامي ومن اهم كتابها مصطفى صادق الرفاعي ،واحمد امين والمنفلوطي والعقاد
4- المقالة الرثائية: يؤبن فيها الكاتب صديقا رحل اوعزيزا فقد يتميز بالعاطفة الدافئة والسعور العميق والموقف الصادق وليس لهذا اللون من المقالة كاتب متخصص فقد مارسه معظم الكتاب .
5- المقالة التاملية :التي يتحدث فيها الكاتب عن الكون والحياة والنفس فيلونها بلون نفسه ويلقي عليها مشاعره وعواطفه ويغوص في اعماقها ليتامل عظمة الخالق وسحر الكون ومكنونات النفس ومن ابرز من كتب فيها مصطفى صادق الرافعي في (وحي القلم ،حديث القمر ،رسائل الاحزان )والعقاد في (مطالعات في الكتب والحياة )واحمد امين في(فيض الخاطر ) من كتابها في المهجر جيران خليل جبران وامين الريحاني.
ثانيا : المقالة الموضوعية :
وتستقطب فيها عناية الكاتب ومن ثم القارئ حول موضوع معين يتعهد الكاتب بتجليته مستعينا بالاسلوب العلمي الذي يسير له ذلك، وتكون فيها "شخصيه الكاتب متوارية وراء موضوعه واهتمام الكاتب فيها يكون موجها لموضوعه وفكرته ويرى الكاتب في هذه الحالة ان جلاء الموضوع وشرح الافكار في عبارة كاسفة محددة المعالم وإيراد الجمل في سلاسة بعد ارضاء لعقل القارئ ،وفكره ومتعة لمشاعره واحاسيسه ".
فهي التي تعبرعن موقف الكاتب من موضوع معين بذاته له اصوله ومناهجه، ويعالج موضوعات علمية وانسانية وتخضع المناهج البحث العلمي باسلوب واضح جلي .
اما ابرز انواع المقالة الموضوعية فهي:
1-المقالة الأدبية : وهي التي تتناول موضوعا من موضوعات الادب سواء أكان ذلك نقداً أو تحليلاً لنص أدبي أو استعراضا لظاهرة ادبية او تعريفا بأديب أو عصر أدبي، وينبغي ان تتسم بالانصاف والموضوعية والدقة ويمتلك صاحبها القدرة على فهم النصوص وابعادها وغالبا ما تكتب هذه المقالة للمتخصصين في شوؤن الادب والفن ومن أشهر كتابها ، عباس محمود العقاد ،احمد امين ،طه حسين ،احمد الشايب ،ومحمد حسين هيكل .
2- المقالة الفكرية : تخضع لقضايا الفكر من الدين والفلسفة ويتخذ التحليل والتعليل والاستنباط والتفسير وسيلة للمعالجة، وينبغي ان يكون كاتبها ملما بأبعاد موضوعية ،وابرز كتابها زكي نجيب محمود ، وأحمد لطفي السيد .
3- المقالة التاريخية : تعتمد على الرويات والاخبار والوثائق وتتبع سير الاحداث والاشخاص وغالبا ما يكون لكتابها موقف محدد من الموضوع وينبغي ان يحسن التفسير والعرض
ومن خصائص المقالة الموضوعية فنبرزها بنقاط اهمها:
- تقتضي المقالة الموضوعية دقة العبارة على النحو الذي يخلصها من الزوائد الوجدانية فلا يبقى منها الا تقرير الحقيقة الموضوعية وحدها .
- الابتعاد عن الطاقة الوجدانية في عباراتها حتى لا تفقد موضوعية الصياغة العلمية .
- يجب ان يكون موضوع المقالة الموضوعية اجتماعي يخص المجتمع جميعا فلا يختص بمسألة فردية تخصه وحده.
- ليس من حق الكاتب ان يجعل القضية التي يطرحها امراً خاصا به ،بل ينبغي عليه ان يقيم امام العلماء دليل صدقها "بان تكون لغة ورموزاً اصطلحها علماء المجال الذي يكتب فيه"
نستلخص مما سبق الفروق الاساسية بين هذين النوعين من المقالة(الموضوعية ،والذاتية)، ان المقالة الذاتية تعنى بابراز شخصية الكاتب بينما المقالة الموضوعية تعنى بتجلية موضوعها ،بسيطاً واضحاً خالياً من الشوائب التي قد تؤدي إلى الغموض واللبس ،فضلا عن ان المقالة الذاتية حرة في اسلوبها وطريقة عرضها لا يضبطها ضابط ،بينما تحرص المقالة الموضوعية على التقيد بما يتطلبه الموضوع في منطق من العرض والجدل واستخراج النتائج .
ولكنهما اخيراً تنبعان من منبع واحد وهو رغبة الكاتب الملحة في التعبير عن شيء ما ،فقد يكون هذا الشيء تأملاته الشخصية في الحياة والناس ،فتكون المقالة ذاتية ،أو يكون موضوعاً من الموضوعات فيعمد إلى المقالة الموضوعية ،وفي كلاهما يعبر الكاتب بأسلوب جيد يعينه على تجلية عرضه.
المبحث الثالثهناك مجموعة من الكتاب جعلوا من المقالة وسيلة لنشر آرائهم وإذاعة افكارهم على جمهورهم ،وقد اتضحت اساليب بعض هؤلاء الكتاب واستبانت خصائصها ومميزاتها بطول الممارسة حتى اصبح لكل كاتب اسلوبه الخاص الذي يُعرف به ويميزه عن غيره ، ومن هؤلاء الكتاب :
ابرز كتاب المقالة
اولا:محمد عبده (1849-1950).
ولد محمد عبده في قرية على ضفاف الدلتا المصرية ،في عائلة تمتلك بعض الثراء والمكانة الاجتماعية ،لذلك استطاع ان يتعلم القراءة والكتابة على ايدي معلمين احضروا لتعليمه في المنزل وحفظ على ايديهم القرآن الكريم وتعلم ركوب الخيل والفروسية .
سافر محمد عبده إلى طنطا للدراسة في الجامع الاحمدي أحد مراكز الثقافة الدينية المهمة في مصر آنذاك ،وتأثر اثناء سفره بأحد شيوخ المتصوفة وهو الشيخ درويش ،وقد ثأثر فيه تأثراً كبيراً، وجعل منه شخصية جديدة ترى وتفهم الحياة بمنظار جديد ،وقد أخرجه –في بضعة ايام –من سجن الجهل إلى فضاء المعرفة على حد قوله ومن قيود التقليد إلى اطلاق التوحيد ...
التحق محمد عبده بالأزهر وهناك أُعجب بشيخ كان يُدرس الفلسفة والمنطق وهو الشيخ (حسن الطويل )
وفي عام 1871 زار مصر حمال الدين الافغاني داعيا إلى نهضة الاسلام ومحاربة الاستعمار فالتف حوله محمد عبده وأعجب اعجاباً شديداً بأفكاره ،وأخذ تحت تأثيره بنشر مقالات في جريدة (الاهرام)، وفي عام 1877م نال الشهادة العالمية من الازهر وأخذ يدرس في الازهر و دار العلوم ومدرسة الألسن واهتم في تدريسه بـ (مقدمة ابن خلدون ) و(تهذيب الاخلاق )لابن مسكويه .
يعد محمد عبده أكبر مصلح ديني عرفته مصر والعالم العربي ، فقد سعى إلى نهضة الاسلام والمسلمين وتخليص الدين من الاوهام والخرافات ،وكان هدف محمد عبده في جميع اعماله وكتاباته سد الثغرة القائمة في المجتمع الاسلامي بُغية تقوية جذوره الخُلقية .من خلال اعادة ماهية الاسلام الحقيقي أولاً والنظر في مقتضياته بالنسبة إلى المجتمع الحديث .
مقالاتــه :
يعد محمد عبده واحد من أهم رواد المقالة العربية الحديثة ،فقد كتب مجموعة كبيرة من المقلات ،ضمنها آرائه وتعاليمه في الدين والسياسة والاجتماع .
لقد مرت مقالات محمد عبده بمرحلتين :
المرحلة الاولى : وقد تمثلتها المقالات الاولى التي نشرها في (الأهرام )عام 1876، وتتميز بغلبة السجع ، وخلوها من الافكار والنظرات العميقة ،بسبب ثقافته المحدودة في بداية حياته الثقافية ،فضلا عن تقدمه لموضوعاته في المقالات بمقدمات طويلة تجهد القارىء .
المرحلة الثانية : فتمثلتها المقالات التي كتبها بعد ان اكتملت ثقافته ونضجت شخصيته وزادت خبرته في مختلف المجالات ، فقد أخذ يطلع على الكتب العربية القديمة مثل كتاب (مقدمة ابن خلدون )الذي كان يدرس في دارالعلوم ،فوجد فيه وفي غيره من الكتب لغة سهلة لا تكلف فيها كما وجد الاسلوب نفسه في آثار الفكر الاوربي التي يقرؤها مترجمة وفيما بعد أخذ يقرؤها في لغتها الاصلية حين تعلم الفرنسية ،فضلا عن اتصاله بجمال الدين الافغاني الذي رأى عنده قدرة على تصريف المعاني وابتداع أفكار جديدة كل هذا ساعده على التخلص من السجع وضروب التكلف والتعقيد ،فأصبح اسلوبه مرسلاً واضحاً ، وصارت مقالاته تثري فكرياً وتعبر عن مختلف المسائل الفكرية كما تخلص في الوقت نفسه من المقدمات الطويلة التي وجدت عنده في مقالات المرحلة الاولى .
وقد نضجت المقالة وتهذبت عند محمد عبده ،إذ صارت الموضوعات فيها تُرتب ترتيباً منطقياً ، وكثر فيها استعمال الأقيسة والبراهين وتقليب الفكرة على شتى وجوهها .وقوي اسلوبها فبلغ درجة عظيمة من المتانة . وتجلى كل ذلك في مقالات "الوقائع المصرية " ومثال على ذلك مقالته التي بعنوان "العدالة والعلم" يقول فيها:
" هذان الأساسان الجليلان (أعني العدالة والعلم) متلازمان في عالم الوجود متى سبق أحدهما إلى بلاد تبعه الآخر على الأثر، ومتى فارق واحد منعما جهة تعلق الثاني بغبار، فلا يكاد يرفع قدمه أو يضعها إلا وصاحبه يرافقه. بهذا ينبئنا التاريخ وتحدثنا سير الدول التي ارتفع بها منار العدل أو بزغت فيها شموس العلم، كيف تمتعت بالنورين، وطارت إلى أوج السعادة بهذين الجناحين حتى إذا أتت حوادث الدهر على أحد الأساسين فهدمه سقط الآخر بأسرع وقت وانحطت الدولة المصابة بفقده إلى أسفل الدركات فأغسق جوها بكثيف من الظلمات وغشيت أبصارها حجب من الجهالة...
وسر هذا جلي، فإن العلم إذا انتشر في قوم أضاء لهم السبل واتضحت المسالك وميزوا الخير من الشر والضار من النافع، فرسخ في عقولهم أن المساواة والعدالة هما العلة الأولى لدوام السعادة، فيطلبونهما بالنفس والنفيس، وأن الظلم والجور قرينان للخراب والشقاوة. وإذا رسخت قدم العدالة في أمة تمهدت لها طرق الراحة، وعرف كل ما له وما عليه، فتلهبت فيهم الأفكار وتلطف الإحساس وقويت قلوبهم على جلب ما ينفعهم ودفع ما يضرهم فيدركون لأول وهلة ألا دوام لما وصلوا إليه ، ولا ثبات لما تحصلوا عليه، إلا إذا تأيد بينهم شأن المعارف الحقيقية، وعمت التربية سائر أفرادهم، فيقدمون بكليتهم على الأخذ بالأسباب المؤدية لانتشار العلوم وتعميمها في سائر الأنحاء"
ثانيا: مصطفى لطفي المنفلوطي (1876-1924).
أديب وشاعر مصري ولد في بلدة منفلوط احدى مدن محافظة أسيوط سنة 1876 تلقى تعليمه في الكتاتيب ثم التحق بالازهر ليتم تعليمه فيه ،فظل فيه عشر سنوات والتقى بالشيخ محمد عبده فاعجب به ولزم دروسه.
مال المنفلوطي إلى قراءة الادب، فقرأ ابن المقفع والجاحظ وبديع الزمان والآمدي والباقلاني ودواوين الشعراء العباسيين وكتابات محمد عبده وآثار معاصريه المترجمة والمؤلفة حتى كون له ثقافة أدبية ممتازة واسلوباً أدبياً عالياً.
مقالاتــه:
بدأ المنفلوطي بكتابة المقالات عند عوته إلى بلدته المنفلوط بعد وفاة محمد عبده فقد حزن المنفلوطي عليه حزنا شديداً، فأخذ يكتب المقالات ويبعثها إلى جريدة "المؤيد" للشيخ يوسف .
تكمن أهمية المنفلوطي في تاريخ النثر العربي الحديث في ناحيتين :أما الناحية الاولى فتتمثل في تأليف نوع خاص من القصص ليست هي مترجمة ولا مؤلفة ،بل مزيج من الاثنين .
كان المنفلوطي يأتي إلى الآثار القصصية المترجمة ، أو يطلب إلى أصدقائه أن يُترجموا له قصصاً ، فيكتبها بأسلوب أدبي مصطفى،ويغير فيها تغييرات واسعة ويملؤها بدروس ومواعظ أخلاقية مختلفة ، والاسلوب الذي صيغت به هذه القصص يعتمد اساسا على التكرار والترادف والتقسيم الموسقي للجمل والسجع والاستشهاد.
أما الناحية الثانية فتتمثل في مقالاته التي يضمها كتابه المعروف "النظرات" وهي مقالات نشرت في جريدة "المؤيد" وقد تناول فيها المنفلوطي بعض الجوانب الاجتماعية بالنقد ،وشخص فيه مجموعة من المساؤى الاجتماعية التي استجدت في المجتمع .وعني فيها بالأسلوب وأداء المعاني أداءً فنياً بديعياً.
امتاز المنفلوطي باسلوبه الخطابي الذي كان تهذيبا لاساليب امراء البيان في عصور العرب ، بحيث تتلائم مع حاجات الكتابة العصرية ،وقد احتفظ في مقالاته ببعض تراث السلف في الصور والقوالب كالافراط في الترادف والاسهاب في عرض الافكار وجلائها في ازياء مختلفة ، على الرغم من انه اراد التخلص من الاسلوب التقليدي ، الا انه برع في تحيز الالفاظ ومراعاة المشاكلة في رصفها وتنسيقها لكي يعبر عما في تفكيره وخياله من ضحالة وسطحية ،كما انه مال إلى المبالغة في التصنع والغلو في إيراد الصفات المؤكدة التي تكسب الكلام قوة مفتعلة وعنفا في غير موضعه .
ومن ابرز مقالات المنفلوطي التي يتجلى فيها خصائص اسلوبه وتفكيره مقالته بعنوان "لي ولد وحيد في السابعة من عمره لا أستطيع على حبه إياه وافتتاني به أن أتركه من بعدي غنياً لأني فقير وما أنا بآسف على ذلك ولا مبتئس لأني أرجو بفضل الله وعونه ورحمته وإحساسه أن أترك له ثروة من العقل والأدب هي عندي خير ألف مرة من ثروة الفضة والذهب .
أحب أن ينشأ معتمداً على نفسه في تحصيل رزقه وتكوين حياته لا على أي شيء آخر حتى الثروة التي يتركها له أبوه ومن نشأ هذا المنشأ وألف ألا يأكل إلا من الخبز الذي يصنعه بيده نشأ عزوفاً عيوفاً (عازفاً) مترفعاً لا يتطلع إلى ما في يد غيره ولا يستعذب طعم الصدقة والإحسان .
أحب أن يعيش فرداً من أفراد هذا المجتمع الهائل المعترك (أي الصراع) في ميدان الحياة يصارع العيش ويغالبه ويزاحم العاملين بمنكبيه ويفكر ويتروى ويجرب ويختبر ويقارب الأمور بأشباهها ونظائرها ويستنتج نتائج الأشياء من مقدماتها ويعثر (يزل ، يقع) مرة وينهض أخرى ويخطئ حيناً ويصيب أحياناً فمن لا يخطئ لا يصيب ومن لا يعثر لا ينهض حتى تستقيم له شئون حياته .
ذلك خير له من أن يجلس في شرفة من شرف قصره مطلاً على العاملين والمجاهدين يمتع نظره بمرآهم كأنما يشاهد رواية تمثيلية في أحد ملاعب التمثيل.
أحب أن يمر بجميع الطبقات ويخالط جميع الناس ويذوق مرارة العيش ويشاهد بعينيه بؤس البؤساء وشقاء الأشقياء ويسمع بأذنيه أنات المتألمين وزفرات المتوجعين ؛ ليشكر الله على نعمته إن كان خيراً منهم ويشاركهم في همومهم وآلامهم إن كان حظه في الحياة مثل حظهم لتنمو في نفسه عاطفة الرفق والرحمة فيعطف على الفقير عطف الأخ على الأخ ويرحم المسكين رحمة الحميم (القريب) للحميم ".
فقد تجلى في مقالته هذه العناية بالأسلوب والتفنن فيه كالتكرار والافكار الاجتماعية والتربوية ،فضلا عن الدعوة الى المثل السامية .
ثالثاً: مصطفى صادق الراقعي (1880-1937):
ولد الرافعي في عام 1880 لاسرة ذات أصل لبناني ، هاجرت إلى مصر ونبغ منها كثيرون في العلم والادب والسياسة منهم مصطفى صادق الرافعي .
كان أبوه من رجال القضاة الشرعي وعُين أحد افراد اسرته مفتياً للديار الاسلامية بعد الشيخ محمد عبده ،لذلك نشأ الرافعي في جو ديني ،فحفظ القرآن ولُقن تعاليم الاسلام ،ثم التحق بالمدرسة الابتدائية ،واتم تعليمه فيها لكنه لم يتم دراسته بسبب اصابته بحمى عنيفة قضت على سمعه ونطقه ،لكنه لم يقف مكتوف الايدي بل اخذ ينهل من الكتب ويثقف نفسه بمختلف العلوم والمعارف حتى اصبح كاتباً كبيراً وعلماً بارزاً من اعلام النهضة العربية الحديثة في مصر .
عمل الرافعي منذ عام 1899 كاتبا في المحاكم الشرعية في المحافظات المصرية ،وظل في هذه الوظيفة حتى وفاته .
اما ثقافته فقد نشأ الرافعي نشأة عربية اسلامية جعلته يطلع على كل مايتعلق بالعلوم العربية والاسلامية ، فحفظ القرآن والاحاديث النبوية واشعار القدامى والمحدثين وخطب العرب ومحاوراتهم وفنون البلاغة والفقه ،وقد جعله ذلك يربط بين اللغة والدين "فكل من يحاول الاعتداء على اللغة او الغض من شأنها أو النيل من قدرها ،فانما هو يحارب الاسلام علناً أو استتاراً"، وبهذا تكاملت شخصية الرافعي اديبا وكاتبا كبيرا جعل هدفه الاول الدفاع عن العروبة والاسلام حتى لُقب بـ"كاتب الاسلام والعروبة "، فضلا عن ذلك فقد ساعدته ثقافته الواسعة أن يسهم في جوانب ثقافية متنوعة ،فنظم الشعر وحرر النثر الفني والمقالة بانواعها ، كما كتب في تاريخ الادب العربي والنقد الادبي وعلوم اللغة وساهم في ميدان الاصلاح الاجتماعي .
مقالاتــه:
اما ما يخص مقالاته فقد قرأ الرافعي ذخائر الادب العربي القديم وأعجب بها وجعل مثله ،وجعل مثله الاعلى ان يكتب الاسلوب نفسه ،اي انه كان يعتمد في كتاباته عن الاسلوب القديم لذلك كان اسلوبه موضع هجوم اعلام المدرسة الحديثة على اساس انه اسلوب تقليدي لا يتلائم وروح العصر الحديث .
عُني الرافعي عناية الرافعي عناية فائقة بأسلوبه ،فكان كثير الاناة والتدقيق فيما يكتب ،فلا يكتب موضوعه إلا ان يضع له فكرة اياما وليالي يبحث ويوازن ويزاوج ويستنبط .
تمتاز مقالات الرافعي بالعمق والغموض ،فالمقالة عنده فكرة واسلوب وليست اسلوبا فحسب ويغلب على مقالاته المضمون الاسلامي الذي يستهله ويستضيء به في كل ما يكتب ، ونرى ذلك في مقالته "الاشراق الالهي وفلسفة الاسلام" الذي يقول فيها :"كما تطلع الشمس بأنوارها فتفجّر ينبوع الضوء المسمى النهار ، يولد النبي فيوجد في الانسانية ينبوع النور المسمى بالدين . وليس النهار إلا يقظة الحياة تحقق أعمالها ، وليس الدين إلا يقظة النفس تحقق فضائلها.
والشمس خلقها الله حاملة طابعهُ الالهي ، في عملها للمادة تحول به وتغيّر ؛ والنبي يرسله الله حاملا مثل ذلك الطابع في عمله تترقى فيه وتسمو. ورعشان الضوء من الشمس هي قصّة الهداية للكون في كلام من النور ، وأشعّة الوحي في النبي هي قصة الهداية لإنسان الكون في نور من الكلام. والعامل الإلهي العظيم يعمل في نظام النفس والأرض بأداتين متشابهتين : أجرام النور من الشموس والكواكب ، وأجرام العقل من الرسل والأنبياء".
كما يستلهم في مقالاته المثل العربية الرفيعة واستنهاض الشباب العربي لمحاربة الاستعمار وتذكريهم بالامجاد العربية الماضية لكي يتخذونها سلاحا في معركتهم ضد الاستعمار . فضلا عن اللغة المتينة اتي تمتاز فيها مقالاته ،والعمق والثقافة الواسعة والمضمون الاسلامي والقومي.
رابعاً: فهمي المدرس (1873-1944):
ولد فهمي عبد الرحمن الخزرجي المدرس في بيت علم وأدب ،فقد كان ابوه قاضيا شرعيا في احدى محاكم بغداد.درس أوليات العلوم والقرآن على يد ابيه ،ثم تتلمذ على يد علماء عصره الذين كانوا يدرسون في المساجد وأتقن الى جانب العربية ، التركية والفارسية والفرنسية ،الامر الذي جعله ذا حظ ثقافي موفور .
شغل المدرس عدة وظائف منها مدير مطبعة الولاية التي اسسها الوالي مدحت باشا ،والإشراف على تحرير القسمين العربي والتركي في جزيرة "الزوراء ".وفي الوقت ذاته عهد اليه تدريس اللغات العربية والتركية والفارسية في المدرسة الاعدادية الملكية ،وكما تولى الوعظ والإرشاد في مساجد بغداد ،ثم اختير عضوا في مجلس معارف بغداد ،وناظراً لمدرسة الصناع .
نُفي المدرس ،بسبب ميوله الوطنية ونزعته الإصلاحية ،إلى جزيرة "رودس" لكنه أستطاع بذكائه ودهائه التقرب والتودد إلى الوالي وذلك بالتطوع لتدريس أبنائه، فأحسن الظن به وبالتالي عفا عنه ،فعاد إلى بغداد وشغل وظائفه السابقة .
ترك المدرس مجموعة من المؤلفات باللغة العربية والتركية ،أهمها مقالاته التي صدرت في ثلاثة أجزاء ،صدر الجزء الاول في 1931،والثاني في 1932 والثالث في 1970 .
مقالاتـــه:
نشر المدرس مجموعة كبيرة من المقالات في الصحف العراقية ،تناول فيها موضوعات سياسية واجتماعية ودينية وتربوية وثقافية عامة . كان ينشرها باسمه الصريح وبأسماء مستعارة منها الحارث ،والعراقي .
إن "المطلع على مقالاته يرى معالم شخصيته وشجاعته النادرة وذاكرته القوية وثقافته الواسعة ونبل مقاصده .فقد وهب المدرس قلمه لخدمة أبناء وطنه في كل ما كتب ...وكان اول هدف سعى اليه المدرس في مقالاته أن ينقل أبناء العراق من حالة التشاؤم واليأس إلى حالة التفاؤل وحثهم على خدمة الوطن ..."
ومقالات المدرس تمتاز بالثراء الفكري ،فكان شديد العناية بإعداد مقالاته ،إذ كان يقرأ موضوعات الساعة وآراء الصحافة ويستمع جيداً إلى مناقشات المجالس السياسية الخاصة .فضلا عن ذلك فقد امتازت مقالاته بالصدق لانه لم يكتب إلا فيما يؤمن به ،وجاءت في أسلوب واضح وسهل لا تعقيد فيه .
وقد غلب على مقالاته الاقتباس والتضمين ،أي الاستشهاد بآيات القران الكريم وتزيين المقالة بأبيات من الشعر أو الأمثال الشعبية .
وعموما فان مقالات المدرس ذات طابع وطني واصلاحي وتدور على الدفاع عن العراق ومحاربة الاستعمار والدفاع عن فلسطين وإشاعة القيم والممارسات التربوية الصحيحة في البلاد .ومن مقالاته "تالله لقد سئمنا المعادات وذيولها والمقاولات وعقودها والمواعيد الخلابة والأساليب الانتدابية التي تجعلك تفكر وتنطق وتعمل نفسك فتقاوم وتكافح وتعادي وتطعن وتلعن نفسك وأنت لا تدري ...الاستعمار يريك الشيء ويرغمك على قبوله بالحديد والنار ... والانتداب يريك الشيء بخلافه ويجعلك من تلقاء نفسك تدافع عنه دفاع المستميت معتقدا بأنه هو ... فالاستعمار الصريح خير من الاستعمار المخلوع عليه خلعة الانتداب أو الاستقلال والعاقبة وإن كانت واحدة لأنك في دولة الاستعمار تموت أنت عارف بدائك ودوائك وفي دولة الانتداب تموت ميتة جاهلية بائسا وشقيا ولكنك معتقد بالسعادة والرفاه والأول يخلف غاندي والثاني يخلف ... ولله في خلقه شؤون.
يتضح في هذه المقالة أهم خصائص مقالات المدرس وهي السهولة والوضوح والثراء الفكري والموقف القومي الايجابي.
المصادر والمراجع:
- الأدب العربي الحديث دراسة في شعره ونثره ,د.سالم الحمداني ,ود. فائق مصطفى احمد ,مكتبة اللغة العربية بغداد شارع المتنبي ,ط1 ,2014.
- ادب المقالة : د.عبد العزيز شرف ،مكتبة لبنان ،الشركة المصرية العامية، ط1، 1997.
- الأدب وفنونه دراسة ونقد ,د.عز الدين إسماعيل ,دار الفكر العربي ,القاهرة.
- الادب وفنونه محمدمندور ,اشراف داليا محمد ابراهيم ,شركة نهضة مصر، للطباعة والنشر والتوزيع , ط5 ,2006م.
- أساليب المقالة وتطورها في الأدب العراقي الحديث والصحافة العراقية: منير بكر.
- إشكالية تجنيس المقالة في الأدب العربي الحديث، د.فاضل عبود التميمي ، لطفية عبد الله المعماري، كلية الدراسات الإسلامية والعربية : دبي الأمارات.
- اعلام المسلمين :مصطفى صادق الرافعي ،فارس القلم تحت راية القرآن ،دار القلم دمشق.
- اعلام في صحافة العراق ،فائق بطي ،دار الساعة –بغداد، 1971.
- الاعمال الكمالة: للامام الشيخ محمد عبده،تحقيق: محمد عمارة ،دار الشروق القاهرة- مصر،ط1،1993.
10-تداخل الأنواع الأدبية في المقال النقدي ، الأستاذ الدكتور شكري بركات إبراهيم ، جامعة اليرموك، 2009.
11-تطور الرواية العربية الحديثة في مصر،عبد المحسن طه بدر ،دار المعارف ،ط3.
12-رواد المقالة الأدبية في الأدب العراقي الحديث،عبد الجبار داود، وزارة الأعلام العراقية بغداد، 1975م.
13-رواد المقالة الادبية في الادب العربي الحديث ،عبد الجبار وداود البصري ، منشورات وزارة الاعلام ،الجمهورية العراقية، 1975.
14-فن المقالة الذاتية :د.ربيعي عبد الخالق ،دار المعرفة الجامعية ،الاسكندرية ،ط1، 1988.
15-فن المقالة: شفاء محمد يوسف ،مجلة الرسالة ،ع1 ،2008.
16-فن المقالة:صالح ابو اصبع محمد عبد الله ،دار مجدلاوي للنشر والتوزيع .
17-فن المقالة،الدكتور محمد يوسف نجمن الجامعية الأمريكية بيروت نشر وتوزيع دار الثقافة بيروت- لبنان.
18-لسان العرب ،ابن منظور، دار صادر بيروت.
19-محاضرات عن فن المقالة الأدبية ،محمد عوض محمد ،معهد الدراسات العربية العالمية ،القاهرة ،1959م.
20-مختار الصحاح، أبو بكر الرازي ،دار الكتاب العربي،بيروت-لبنان،1981.
21-مصطفى صادق الرافعي ، كاتبا عربيا ومفكرا اسلاميا ،مصطفى الشكعة.
22-المعجم الوسيط، إبراهيم أنيس وآخرون،الدار الهندسية مصر،1985.
23-مقدمة النقد الأدبي، الدكتور علي جواد الطاهر،المؤسسة العربية للدراسات والنثر ،بيروت، ط2، 1983.
24-النظرات :مصطفى لطفي المنفلوطي،دار الثقافة ، بيروت ،د.ت.
25-النقد الأدبي ،احمد أمين،مكتبة النهضة المصرية 1983م.
26-وحي القلم: مصطفى صادق الرافعي،دار الكتاب العربي ،بيروت ،د.ت.
المقالات:
- مقالة بعنوان : انواع المقالة ، حسن دخيل عباس الطائي ،كلية التربية للعلوم الانسانية ،2011.
- مقالة بعنوان المنفلوطي امام النثر -على يده تطور النثر ،صلاح حسن رشيد، 2014.
- مقالة بعنوان مصطفى صادق الرافعي (رائد المقالة الاسلامية )،د.محمد عبد الحليم غنيم ،2004.
- مقالة بعنوان: انواع المقالة،حسن دغيل عباس الطائي ،كلية التربية للعلوم الانسانية ،2011.
- مقال بعنوان : نشأة المقالة في الأدب العربي القديم ، فن كتابة المقال ، أعداد:ميريهان مجدي محمود،كلية العلوم الإسلامية – جامعة المدينة العالمية.
الرسائل:
- المقالة النقدية الادبية في مجلة الرافد الاماراتية ،لطيفة عبد الله احمد الحمادي، رسالة ماجستير،كلية الدراسات الاسلامية والعربية ،دبي ،2009-2010.
- ملامح فن المقالة في كتاب(ذم الهوى) لابن الجوزي، دراسة موضوعية فنية، ماجدة عجيل صالح الجبوري ، رسالة ماجستير كلية التربية – جامعة الموصل، 2005م.
- لسان العرب ،ابن منظور، دار صادر بيروت، مادة(قول).
- ينظر: مختار الصحاح، أبو بكر الرازي ،دار الكتاب العربي،بيروت-لبنان،1981،556.
- ينظر: المعجم الوسيط، إبراهيم أنيس وآخرون،الدار الهندسية مصر،1985،مادة (قال).
- ينظر: النقد الأدبي ،احمد أمين،مكتبة النهضة المصرية 1983م،91.
- مقدمة النقد الأدبي، الدكتور علي جواد الطاهر،المؤسسة العربية للدراسات والنثر ،بيروت، ط2، 1983، 262.
- رواد المقالة الأدبية في الأدب العراقي الحديث،عبد الجبار داود، وزارة الأعلام العراقية بغداد، 1975م : 11.
- فن المقالة،الدكتور محمد يوسف نجمن الجامعية الأمريكية بيروت نشر وتوزيع دار الثقافة بيروت- لبنان ،95.
- ينظر: فن المقالة ,محمد يوسف نجم ,17.
- -ينظر: الأدب العربي الحديث دراسة في شعره ونثره ,د.سالم الحمداني ,ود. فائق مصطفى احمد ,مكتبة اللغة العربية بغداد شارع المتنبي ,ط1 ,2014 ,367.
- الأدب وفنونه دراسة ونقد ,د.عز الدين إسماعيل ,دار الفكر العربي ,القاهرة ,162.
* مونتين: ميشيل دي مونتين (1533- 1595م) يمثل في ثقافته وذوقه رجل نهضة الفرنسي احسن تمثيل لذلك عد الرائد الاول لفن المقالة عندما نشر مقالت عام 1850م ,ينظر :فن المقالة ,محمد يوسف.
- الاول لفن المقالة عندما نشر مقالت عام 1850م ,ينظر :فن المقالة ,محمد يوسف.
- ينظر: الادب وفنونه محمد مندور ,اشراف داليا محمد ابراهيم ,شركة نهضة مصر ,للطباعة والنشر والتوزيع , ط5 ,2006م ,184.
- ينظر:ملامح فن المقالة في كتاب(ذم الهوى) لابن الجوزي، دراسة موضوعية فنية، ماجدة عجيل صالح الجبوري ، رسالة ماجستير كلية التربية – جامعة الموصل، 2005م ، 18.
- ينظر: إشكالية تجنيس المقالة في الأدب العربي الحديث، د.فاضل عبود التميمي ، لطفية عبدالله المعماري، كلية الدراسات الإسلامية والعربية : دبي الأمارات ، 135.
- المصدر نفسه، 135،
- ينظر: محاضرات عن فن المقالة الأدبية ،محمد عوض محمد ،معهد الدراسات العربية العالمية ،القاهرة ،1959م،5.
- مقدمة في النقد الأدبي :263.
- ينظر : تداخل الأنواع الأدبية في المقال النقدي ، الأستاذ الدكتور شكري بركات إبراهيم ، جامعة اليرموك، 2009، 535.
- إشكالية تجنيس المقالة في الأدب العربي الحديث ، 136.
- ينظر: مقال بعنوان : نشأة المقالة في الأدب العربي القديم ، فن كتابة المقال ، أعداد ، ميريهان مجدي محمود،كلية العلوم الإسلامية – جامعة المدينة العالمية،4.
- ينظر : الأدب وفنونه : عز الدين اسماعيل 164.
- ينظر الادب وفنونه : محمد مندور ، 180.
- المقالة النقدية الادبية في مجلة الرافد الاماراتية ،لطيفة عبد الله احمد الحمادي ،رسالة ماجستير،كلية الدراسات الاسلامية والعربية ،دبي ،2009-2010، 20.
- ينظر : فن المقالة :محمد يوسف نجم،47-48.
-المصدر نفسه،51.
- المصدر نفسه،57-58.
- إشكالية تجنيس المقالة في الادب العربي الحديث ،د.فاضل عبود التميمي ،جامعة ديالى ، العراق ،ولطفية عبد الله الحمادي ،كلية الدراسات الاسلامية والعربية ،دبي- الامارات،122.
-فن المقالة الذاتية :د.ربيعي عبد الخالق ،دار المعرفة الجامعية ،الاسكندرية ،ط1، 1988، 73.
- ينظر: فن المقالة ،محمد يوسف نجم،96.
-ينظر فن المقالة الذاتية،259-260.
-ينظر:مقالة بعنوان: انواع المقالة،حسن دغيل عباس الطائي ،كلية التربية للعلوم الانسانية ،2011.
- ينظر :فن المقالة:صالح ابو اصبع محمد عبد الله ،دار مجدلاوي للنشر والتوزيع ،63.
-ينظر :فن المقالة ،محمد يوسف نجم،96.
-فن المقالة: شفاء محمد يوسف ،مجلة الرسالة ،ع1 ،2008.
- ينظر :مقالة بعنوان : انواع المقالة ، حسن دخيل عباس الطائي ،كلية التربية للعلوم الانسانية ،2011.
- ينظر : فن المقالة : محمد يوسف نجم ،130 .
- ينظر : مقالة بعنوان : انواع القالة ،حسن دخيل عباس الطائي ،كلية التربية للعلوم الانسانية ،2011.
-ينظر : ادب المقالة : د.عبد العزيز شرف ،مكتبة لبنان ،الشركة المصرية العامية ط1،1997، 56.وينظر :فن المقالة : شفاء محمد خير يوسف ،مجلة الرسالة ،ع1، 2008 .
-ينظر: فن المقالة : محمد يوسف نجم ،97.
-ينظر : المصدر نفسه ،97.
- ينظر : الادب العربي الحديث دراسة في شعره ونثره ،375.
- ينظر : المصدر نفسه ،376.
- الاعمال الكمالة: للامام الشيخ محمد عبده،تحقيق: محمد عمارة ،دار الشروق ،القاهرة- مصر،ط1،1993، 1/36.
- ينظر: الادب العربي الحديث دراسة في شعره ونثره ،377.
- ينظر: مقالة بعنوان المنفلوطي امام النثر -على يده تطور النثر ،صلاح حسن رشيد، 2014.
- ينظر: المصدر نفسه .
-ينظر :الادب العربي الحديث دراسه في شعره ونثره،376.
- ينظر : تطور الرواية العربية الحديثة في مصر،عبد المحسن طه بدر ،دار المعارف ،ط3، 181.
- ينظر : الادب العربي الحديث دراسة في شعره ونثره ،379.
- ينظر : فن المقالة ، محمد يوسف نجم ،79.
- النظرات :مصطفى لطفي المنفلوطي،دار الثقافة ، بيروت ،د.ت،3/29.
- ينظر : وحي القلم مصطفى صادق الرافعي ، دار الكتاب العربي ، بيروت ،89.
- ينظر: المصدر نفسه 90.
-ينظر : اعلام المسلمين :مصطفى صادق الرافعي ،فارس القلم تحت راية القرآن ،دار القلم دمشق ،10.
- ينظر : مصطفى صادق الرافعي ، كاتبا عربيا ومفكرا اسلاميا ،مصطفى الشكعة ،20.
- ينظر : المصدر نفسه ،20.
- ينظر : المصدر نفسه 23.
- ينظر :الادب العربي الحديث ،385.
-وحي القلم: مصطفى صادق الرافعي،دار الكتاب العربي ،بيروت ،د.ت،2/76.
- ينظر :مقالة بعنوان مصطفى صادق الرافعي (رائد المقالة الاسلامية )،د.محمد عبد الحليم غنيم ،2004.
- ينظر : رواد المقالة الادبية في الادب العربي الحديث ،عبد الجبار وداود البصري ، منشورات وزارة الاعلام ،الجمهورية العراقية، 1975، 50.
- ينظر : الادب العربي دراسة في شعره ونثره ،397.
- ينظر : المصدر نفسه ،398.
- ينظر: اعلام في صحافة العراق ،فائق بطي ،دار الساعة –بغداد 1971،118.
- أساليب المقالة وتطورها في الأدب العراقي الحديث والصحافة العراقية :منير بكر ،551.
- ينظر :رواد المقالة في الادب العربي الحديث : عبد الجبار وداود البصري ،53.
- ينظر : المصدر نفسه، 54.
-الادب العربي دراسة في شعره ونثره ،400.